الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فنزويلا: حول ترامب ومادورو والمعارضة اليمينية.. والاشتراكية من أسفل

كايران آلن

2019 / 1 / 29
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


الناشر وحدة الترجمة – مركز الدراسات الاشتراكية

في هذا المقال، يُعلِّق الكاتب الاشتراكي الثوري الأيرلندي كايران آلن على الوضع الراهن في فنزويلا والدروس المهمة منه للاشتراكيين عبر العالم.

يُمهِّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأرض من أجل تدخُّلٍ عسكري في فنزويلا. وهو يعمل الآن بصورةٍ وثيقة مع زعيم المعارضة اليمينية المُتطرِّفة، خوان جوايدو، الذي أعلن نفسه رئيسًا مؤقتًا للبلاد.

أعلن ترامب اعترافه بجوايدو رئيسًا شرعيًا لفنزويلا، بينما رفض سحب الديبلوماسيين الأمريكيين حين أمرهم الرئيس الفنزويلي الحالي، نيكولاس مادورو، بمغادرة أراضي بلاده. سوف يستغل ترامب أيَّ محاولةٍ لطردهم عنوةً كذريعةٍ من أجل تدخُّلٍ عسكري مباشر.

من يتحدَّث عن الحرية؟
يدَّعي ترامب أنه ينطق باسم “الحرية وحكم القانون”، لكن هذا الرجل هو نفسه الذي حَبَسَ الآلاف من أطفال أمريكا الوسطى في “أقفاص”. وكان منذ أيامٍ قليلة يغلق الحكومة الأمريكية بالكامل لأنه يريد بناء جدار يمنع أبناء فنزويلا والمكسيك وكولومبيا وغيرهم من العبور إلى الولايات المتحدة -إذ يعتبرهم مغتصبين ومجرمين.

الولايات المتحدة لها سجلٌّ حافل بإطاحة الحكومات في أمريكا الجنوبية ودعم الديكتاتوريين اليمينيين بها. إذ ساعدت في إطاحة نظام سيلفادور آيندي في تشيلي 1973، ودعمت ديكتاتورية بينوشيه الذي قَتَلَ آلاف المعتقلين. ساندت الولايات المتحدة كذلك انقلابًا في الأرجنتين رَفَعَ خورخي فيديلا إلى سدة الحكم، ذلك الجنرال الذي دشَّن حملاتِ إخفاءٍ قسري طالت 30 ألف ضحية. دعمت أمريكا انقلابًا عسكريًا في البرازيل عام 1964 “لمنعها من أن تكون كوبا أخرى”. أطاحت حكومة خاكوبو آربنز في جواتيمالا لأنها تجرَّأت على تأميم مزارع تديرها شركة “يونايتد فروتس” الأمريكية.

آخر شيءٍ تحتاجه فنزويلا فعلًا هو أن ترعى الولايات المتحدة انقلابًا فيها. علاوة على أن ذرائع ترامب للتدخُّل في شئونها هي في الأصل أيضًا مُفبرَكة.

يقول ترامب أنه يريد “الحرية” لفنزويلا”، لكنه يؤيد النظام الوحشي في المملكة السعودية، حتى بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي ودور المملكة في الحرب في اليمن. يقول أيضًا أن مادورو لم تنتخبه أغلبية شعبه، وكأن ترامب قد انتُخِبَ أساسًا من الأغلبية، إذ خسر التصويت الشعبي لصالح هيلاري كلينتون، لكن ما مِن أحدٍ أعلنها رئيسةً شرعية (تفوَّقَت كلينتون على ترامب بثلاثة ملايين صوت في المجمل، لكنها خسرت أصوات المجمع الانتخابي).

كانت هناك سلسلةٌ من الانتخابات في فنزويلا جرت على الأقل بالدرجة نفسها من النزاهة التي كانت في الولايات المتحدة. حظت قوى اليمين بالسيطرة على الجمعية الوطنية، لكنها لاحقًا قاطعت الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها مادورو. في الانتخابات المحلية التي جرت في العام 2017 لحُكَّام الولايات، توقَّعت المعارضة اليمينية أنها ستجني 90% من الأصوات، بينما فاز الحزب الاشتراكي المُوحَّد في 18 من أصل 23 ولاية في اقتراعٍ شارك به 54% مِمَّن يحق لهم التصويت.

إلا أن أيًّا من ذلك لا يعني أن حكومة مادورو تتصدَّر دعمًا شعبيًا اليوم في بلدها، نظرًا لتداعي الأوضاع الاقتصادية. تجاوَزَ التضخُّم في فنزويلا نسبة الـ700%، وهناك نقصٌ في الإمدادات الطبية، علاوة على استشراء المعاناة من سوء التغذية. أحد المؤشرات الدراماتيكية للأزمة هو أن ما يُقدَّر بـ2 مليون فنزويلي قد رحلوا بالفعل عن بلدهم.

يرزح مواطنو فنزويلا بين نظامٍ استبداي بصورةٍ متزايدة، ومعارضة يمينية انخرطت في هجماتٍ عنيفة للإطاحة به. خلال الجولة الأخيرة من التمرُّدات التي اندلعت بإيعازٍ من اليمين، لقى 140 شخصًا مصرعهم. وتؤيد المعارضة الأغنياء وأصحاب الامتيازات في فنزويلا، أولئك الذين ينظرون إلى الفقراء بتحقيرٍ وازدراء. وبالتأكيد يكرهون حقيقة أن هوجو تشافيز أطلق برامج اجتماعية لتوزيع عائدات النفط على المناطق الأفقر في البلاد.

فشل الاشتراكية؟
استخدم الساسة اليمينيون حول العالم المأساة التي تلم بفنزويلا لادَّعاء أنها تُظهِر فشل الاشتراكية. لكن ذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة. لم ترقَ التجربة الفنزويلية إلى حدِّ تأسيس سلطة شعبية واجتثاث هيمنة الأغنياء على الاقتصاد من جذورها. هذا تفسيرٌ موجز لما حدث.

لطالما عانى المجتمع الفنزويلي من انقساماتٍ طبقيةٍ عميقة، لكن الفترة الراهنة قد دشَّنها هوجو تشافيز، ضابط الجيش اليساري، حينما فاز في الانتخابات عام 1999. في العام 2002، دبَّرَ اليمين انقلابًا ضد تشافيز، ووَضَعَ بيدرو كارمونا، وهو أحد أكبر رجال الأعمال، في السلطة. لكن الفقراء انتفضوا ضد الانقلاب وأعادوا تشافيز إلى منصبه، وكان من شأن ذلك أن ساعد في إطلاق العنان لعمليةٍ ثوريةٍ أوسع ضد النخبة الفنزويلية.

انتهج تشافيز مذاك الحين نهجًا أكثر يسارية بشكلٍ كبير، وبدأ يتحدَّث عن بناء “اشتراكية القرن الحادي والعشرين”. كان المفترض أن يكون ذلك النموذج -على العكس من الاتحاد السوفييتي السابق- ديمقراطيًا ومبنيًا على المشاركة القاعدية من الجماهير. استخدم تشافيز عائدات شركات النفط العامة لتوزيع المال على الفقراء. جرى كلُّ ذلك في ما عُرِفَ بـ”المهام البوليفارية” (نسبةً إلى “المُحرِّر” الثوري سيمون بوليفار)، وتمكَّنَت هذه المهام من توفير موارد إضافية من أجل التعليم والصحة والأنشطة الثقافية في الأحياء.

ومع ذلك، اعتبر تشافيز أن ذلك يُعَد شكلًا من إعادة التوزيع -وليس الاشتراكية. فكَتَبَ قبل وفاته: “لابد ألا نسمح لأنفسنا بأن ننخدع: النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي لا يزال سائدًا في فنزويلا هو نظامٌ رأسمالي وريعي”.

وأضاف: “من أجل التوجُّه نحو الاشتراكية، نحن بحاجةٍ إلى سلطةٍ شعبية قادرة على تفكيك الاضطهاد والاستغلال ومؤامرات الهيمنة التي لا تزال حاضرةً في المجتمع الفنزويلي. لابد أن تغدو السلطة الشعبية قادرةً على تشكيل علاقات اجتماعية جديدة في حياتنا اليومية، حيث الإخاء والتضامن يسيران سويًا مع النهوض المتواصل لأشكالٍ جديدة من تخطيط وإنتاج الثروة من أجل شعبنا. ولتحقيق ذلك، لابد من السحق الكامل للدولة البرجوازية التي ورثناها، والتي لا تزال تعيد فرض نفسها من خلال ممارساتها القديمة والشائنة، ولابد من ضمان استمرارية عملية تأسيس أشكال جديدة لإدارة السياسات”.

تنطوي الاشتراكية على ما هو أكثر من مجرد توزيع الثروة. إنها تعني هيمنة جماهير العاملين على المصانع والمكاتب، والاقتصاد بمنظوره الأوسع. لا يمكن إرساء الاشتراكية بيدِ حفنةٍ من ضباط الجيش أو قادة حرب العصابات، بصرف النظر عمَّا يبدون عليه من يسارية، بل أنها تُبنى بأيدي الجماهير نفسها. وقد أدرك تشافيز ذلك -جزئيًا.

مشكلات تشافيز وارتداد مادورو
حتى خلال فترة حكم تشافيز، بدأت تظهر ثلاث مشكلات لازَمَت العملية التي دشَّنها:

– صارت فنزويلا أكثر اعتمادًا على صادرات النفط، واليوم هي تُشكِّل 95% من دخل فنزويلا الخارجي، مقارنةً بـ67% قبل عشرين عامًا. وحين انهارت أسعار النفط، واجَهَ الاقتصاد صعوباتٍ بالغة.

– لم تجتث الثورة البوليفارية السلطة من أيدي العائلات الغنية -عائلات كابريليس، وكوهين، وأوتيرو سيلفا، وباوتي- التي تهيمن على مقدرات المجتمع. تمكَّنَت المشاريع الخاصة، على وجه التحديد، من الحفاظ على سيطرتها على توريد المواد الغذائية. كان بإمكانهم الحصول على الدولارات بأسعارٍ زهيدة، ثم يجنون أرباحًا طائلة ببيع الطعام بالعملة المحلية داخل فنزويلا.

– تولَّدَت داخل أجهزة الدولة، التي ينخرها الفساد في عمقها، بيروقراطيةٌ تشافيزية أجهضت الإرادة الشعبية. صار ذلك واضحًا حين حاول الفلاحون الاستيلاء على الأرض، أو حين أراد العمال تولي زمام الأمور في مصانعهم. كانت بيروقراطية الدولة -بما فيها من عناصر تظاهَرَت بتأييد تشافيز- هي من أوقفتهم.

بالإضافة إلى هذه المشكلات، بدأت إدارة أوباما في الولايات المتحدة تفرض عقوباتٍ على فنزويلا، وقد كثَّف ترامب من هذه العقوبات حين تولَّى الرئاسة. لذا فمن أجل التقدُّم إلى الأمام، تظل فنزويلا بحاجةٍ إلى تعميق الثورة -وأن تسعى كذلك إلى نشرها إلى البلدان المجاورة في أمريكا الجنوبية.

المأساة أن خليفة تشافيز يفعل العكس من ذلك. في مواجهة الأوضاع المتدهورة، حاول مادورو استرضاء قطاعاتٍ من الأغنياء وجنرالات الجيش، حتى بينما هو يحتقرهم. لعلَّ المثال التالي كافٍ لرسم صورةٍ عن هذا الاتجاه:

تتمتَّع منطقة أركو مينيرا بثرواتٍ تجعلها في مقام الأمازون بالنسبة لفنزويلا. تُشكِّل المنطقة 12% من مساحة البلاد، وتشمل وفرةً كبيرة من المعادن والنفط والغاز، وتُمثِّل كذلك المصدر الرئيسي للمياه العذبة. رفض تشافيز السماح لشركات استكشاف الموارد باستغلال المنطقة لأسبابٍ بيئية.

لكن بعد ذلك، دعا مادورو شركة “باريك” الكندية، وهي كبرى شركات التعدين في العالم، لاستغلال هذه المنطقة، بل حتى عوَّضهم عن المصادرات التي لحقت بهم سابقًا في عهد تشافيز، ومَنَحَهم كذلك إعفاءً ضريبيًا لمدة عشر سنوات. كان يأمل من خلال كلِّ ذلك إلى جذب المزيد من الاستثمار الأجنبي. غير أنه، في الحقيقة، لم يؤدِ هذا النوع من الخطوات إلا إلى تعميق الفوضى الاقتصادية.

درس فنزويلا
تنطوي تجربة فنزويلا على دروسٍ هامة للاشتراكيين حول العالم.

أولًا، لا يمكننا بأيِّ حال التقليل إصرار أغنياء فنزويلا على الوحشية، وعلى التخريب الذي انخرطوا فيه لإيقاف أيِّ محاولةٍ -مهما بلغت من “اعتدال”- للمساس بامتيازاتهم. وحين يعجزون عن إحراز أيِّ نجاحٍ في بلدانهم، يلجأون “للأخ الأكبر” في البيت الأبيض.

ثانيًا، إلحاق الهزيمة بهم لا يعني إلا مواصلة وتعميق العملية الثورية. وبدلًا من الوقوف عند حدِّ تعبيرات الولاء لبطلٍ يساري هنا أو هناك، لابد أن تقبض جماهير العمال على زمام الأمور في أيديها من أجل الهيمنة على مصادر الثروة. لا يمكن أبدًا أن تُترَك البنوك توريدات الغذاء والصناعات الرئيسية في أيدي الأغنياء.

لابد أن نحاول على الدوام دفع النضال إلى الأمام حتى نستأصل ذلك النظام الوحشي القائم على الاستغلال من الشأفة.

– هذا المقال مترجم عن موقع Rebel News الأيرلندي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا