الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علاقة الفيزياء الحديثة بالفلسفة

لينا صلاح الدين
كاتبة

(Lena Saladin)

2019 / 1 / 30
الطب , والعلوم


رغم العلاقة التأريخية التي تربط نشأة الفيزياء بالفلسفة، والتي انعكست في محاولة الفلاسفة القدماء لفهم الطبيعة، إلا أن الكلاسيكيات النيوتونية بتفسيراتها للحركة ووضعها لقانون الجذب العام، وما تلاها من قوانين فاراداي وماكسويل في الكهرباء والضوء والموجات الكهرومغناطيسية والديناميكا الحرارية، كانت مستقلة عن أي فرع معرفي آخر -ما عدا الرياضيات- لذلك كانت في غنى تام عن الفلسفة (وإن كانت مرتبطة نوعاً ما بالفكر البراغماتي العملي الهادم للأبستمولوجيا التي رفضت اختزال المعرفة في طرق التفكير العلمي، وللفينومينولوجيا التي انحازت للخبرة على حساب الحقيقة العلمية).
لكن الفيزياء الحديثة بفرعيها الثقالي والكمي، فهي حتماً مرتبطة بالفكر الفلسفي، رغم محاولات الفيزيائيين أمثال فاينمان وكراوس لانكار ذلك. فنظرة سريعة لمبدأ اللايقين كفيلة بأن تجعلنا نربط بين هذا المبدأ وبين الشكوكية لدى ديكارت أو هيوم. وحتى آينشتاين في سبره أغوار الكهروضوئية والثقالة والزمكان أقر بأنه قد إعتمد فكراً فلسفياً؛ فمثلاً فهمه للكوسمولوجيا قد إنبثق من تأثره بفلسفة هيوم الحاثة على تأكيد مبدأ وحداوية الكون، ومن ثم بات هذا المبدأ الفلسفي هو أحد مبادىء نظريتيه النسبية العامة والخاصة معاً. وتجربة الشق المزدوج قد دفعت شرودنجر إلى الغوص في قاع فلسفي حين صرح بأن للمادة وعي، مما دفع كوبنهاكن إلى رسم خط بين الرصد وانهيار دالة الموجة ساي ψ ، وبالتالي رسم خط آخر بين الوعي البشري وبين صناعة الواقع. فظهر ربط جديد ليس فقط بين الفيزياء والفلسفة، بل بينها وبين علم النفس كذلك، حتى غدى الهم المشترك لكل تلك العلوم هو البحث عن تفسير للوعي. وأنا عندما أتمعن في ظاهرة مثل اضمحلال ألفا مثلاً، فإنني قبل أن أتفحصها من منظور فيزيائي أتمعن فيها من جانب فلسفي أولاً لأراها على أنها انعكاس لميل الطبيعة إلى الاستقرار، كما ينطبق نفس المفهوم أيضاً على نظرتي إلى اضمحلال بيتا و اضمحلال الفراغ.
الآن لننظر إلى أكبر معضلة تواجه الفيزياء الحديثة في الوقت الراهن؛ ألا وهي استنباط نظرية المجال الموحد. فإن أكبر خلل يؤخر ويعطل الفيزيائيين قرابة المائة عام الآن عن وضعها -في وجهة نظري- هو عدم قدرتهم على النظر إليها من منطلق فلسفي. ما هي وجهة نظر الفلسفة من الترابط بين العملاق والضئيل؟ بين الإمتداد والتقلص؟ بين الثقالة ودالة الموجة في الحالات الكمومية؟ فقبل أن نغرق في بحر الطبولوجيا والرياضيات الضبابية والتفاضل والتكامل والجبر، يجب أن نمتلك حساً جمالياً في تعاملنا معهم، تماماً كما فعل ديراك. يجب أن نفهم أولاً أن قوانين الكون متناغمة، سهلة، واضحة، موحدة، سلسة. لذلك تجد أن النظرية كلما كانت أكثر سهولة و جمالاً، كلما كانت أكثر إتفاقاً مع الرصد و الملاحظة.
الفلسفة مرحلة أولية هامة في مجال الفيزياء، وبالتأكيد أنه لا بد وأن يتبع تلكم الفرضيات الفلسفية العديد من الحسابات الرياضية والتجارب العملية، لكن يظل لتلك المرحلة التأملية أهميتها. وطالما أن الفيزيائيين المعاصرين ينكرون أهمية الفلسفة ودورها فإن ذلك لن يسهم في شيء سوى في تعطيل فهمنا للكون، لذلك توجب عليهم تدارك هذه الثغرة سريعاً. ورغم أن الربط بين الفلسفة والفيزياء موجود في وقتنا الحاضر، لكنه يظل مجرد ربط نظري يفتقر إلى التطبيق، فإن حدث هذا الربط بينهما بشكل تطبيقي فإنني أراهن بأن ذلك سيحدث طفرة حقيقية في الفيزياء الحديثة وفي وصولنا أخيراً إلى نظرية المجال الموحد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القصص العلمية الخرافية
جمشيد ابراهيم ( 2019 / 1 / 30 - 13:33 )
تؤثر العلوم على بعضها فهناك حتى علاقة بين القصص العلمية الخرافية و النظريات العلمية - على الاقل جزء من الفلسفة يعتمد على الرياضيات و في النهاية تستند جميع العلوم على اللغة - اللغة هي قاعدة العلوم البشرية و الرياضيات لغة بشرية ايضا لذا يقول الفيلسوف الالماني وتكنشتاين بان حدود لغته هي حدود معرفته
تحياتي


2 - شكر
لينا صلاح الدين ( 2019 / 1 / 30 - 19:50 )
أشكرك أستاذ جمشيد على هذه الإضافة.


3 - مقال رائع
محمد البدري ( 2019 / 1 / 31 - 03:00 )
ارتقي بنا المقال متجاوزا انحباسات العقل الي مراحل متقدمة مكانها علم الجمال. انها نقلة نوعية تضاف الي مراحل تطور ونمو العقل في مسارته منذ تصورات فيثاغورث النغمية للكون ليضيف اليه الجمال الذي كان ايضا حاضرا في الفيثاغورثية بعد ان تخبط العقل يسارا ويمينا فيم بين التجريب والعقلانية.

شكرا للفاضلة لينا علي هذا المقال المنتمي بطبيعته الي علم الجمال اي للفلسفة في ارقي تصوراتها


4 - القانون العام للحركة في الطبيعة
فؤاد النمري ( 2019 / 1 / 31 - 07:20 )
اكتشاف ماركس للقانون العام للحركة في الطبيعة (المادية الديالكتيكية) قطع كل الفلسفات وحدد الأساس الذي تقوم عليه مختلف المعادلات الفيزيائية
ومع ذلك الأستاذة القديرة لينا لم تتعرض ل -فلسفة- الديالكتيك الماركسي بكلمة وليس هذا إلا من قبيل الموقف السياسي وهو المحرم في البحث العلمي

تحياتي

اخر الافلام

.. حرب الفضاء لم تعد خيالا.. حرب خفية أميركية روسية صينية تهدد


.. سقط بلا أضرار.. العثور على بقايا صاروخ باليستي إيراني في صحر




.. متسلقون يعثرون على بقايا صاروخ إيراني في صحراء جنوب إسرائيل


.. سماء أثينا تتحول للون البرتقالي بسبب الغبار القادم من الصحرا




.. -الحب الجوال- ألبوم جديد للموسيقي والطبيب عبدلله المصارع