الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


[93]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي

صبري يوسف

2019 / 1 / 30
الادب والفن


صبري يوسف

93. ماذا عن ثقافة الحوار في العالم العربي؟

د. أسماء غريب

ثقافة الحوار في العالم العربيّ مغيّبة عن العقول والقلوب، والجميع منشغل عنها بثقافة الموت والحروب، والمحاولات اليتيمة الَّتي يقوم بها في هذا المجال بعض المتنوِّرين من أهل الحصافة والفكر لا تلقى أيّ تشجيع من أحد، بل لا يلتفت لها ولا يدعمها أو يموِّلها أحد. وذلك لأنّ لا أحد يعنيه أن تكون شعوب الأرض في حالة وئام وسلام.

ثقافة الحوار غائبة أوَّلاً في البيت، ثمَّ في المدرسة والجامعة، وغائبة في الشَّارع وأماكن العمل: الأب لا ينصت إلى أبنائه وأهل بيته ولا يتحاور معهم، لأنّه إمّا طاغية دكتاتور وإمّا رجل هدّته الحياة وتحدِّياتها، فلم يعد في وسعه أن يهب بعضاً من قلبه أو وقته ليتحاور ويصل مع الغير من أهل بيته إلى حلول عادلة وشافية لمشاكل الدَّهر وصعوباته. وفي أماكن الدِّراسة الشَّيء نفسه، لا سيّما الجامعيّة منها، فحتَّى الأساتذة منشغلون بقوتهم اليوميّ، وبالتَّنافس مع زملائهم لدرجة تصل إلى اندلاع حروب وأحقاد لا أوَّل لها ولا آخر بينهم، ممّا يعني أنّ الكلّ في ضنك وقهر تتّسعُ دائرتهما لتطال كلّ الأرض على مرّ العصور والأزمان.

الحوار يتطلَّب التَّواضع، والتَّحليّ بالصَّبر والأناة وسعة الصّدر، والحال أنَّ اليوم لا أحد يعنيه في شيء الصَّبر والخُلق الحميد، فإنّ معظم محاولات الحوار بين النّاس بمن فيهم أصحاب الشّهادات العليا تنتهي بالفشل وإن كانوا حول طاولات المؤتمرات والنّقاشات والمعاهدات الدَّوليّة. نعم، غيابُ الخُلُق الحميد والرّقي الرُّوحي والفكري، يعني غيابَ الصّدق الّذي عادة ما يحتاجُه المحاور في كلامه حتَّى يكسبَ احترام وثقة الطَّرف الآخر، فتزداد قدرته على الإقناع. ويعني أيضاً غيابَ الحِلم والصّبر، إذ لا بدّ من أن يتحلّى المتحاورُ بالصَّبر على مواصلة الحوار حتّى آخره، ويتحمّلَ ما قد يصدر عن الطَّرف الآخر من سوء.

إضافة إلى وجوب التَّحلّي بالصّبر، على المتحاور أن يكون ممن يحسنون الاستماع للطرف الآخر، وإحاطته بالمودّة والاحترام فلا يقاطعه ولا يقطع عليه حبل أفكاره، وإن اختلف معه في الرّأي والفكر، لأنّ بالاختلاف يزداد الحوار ثراءً ورقيَّاً، ولا يجب تحويله أبداً إلى موقف ضغينة أو خصام بين الطَّرفين. وإلى جانب الآداب الخُلقيّة هناك آداب علميّة لا بدّ من الالتزام بها، وأعني بها وجوب وجود خلفيّة علميّة للتوصّل إلى نتائج مُرضية ومنطقيّة في ختام أيّ حوار، إذ لا يمكن أبداً أن نتوقّع شيئاً بين متحاورَين لا يعرفان شيئاً عن الموضوع أو القضيّة الَّتي هم بصدد الحديث بشأنها، كما يجب أيضاً تبنّي أسلوب الحجج والبراهين وطرح الأمثلة الّتي عادة ما تقوّي الحوارَ وتزيده عمقاً وثراءً، وتجعله أكثرَ واقعيّة وفهماً للطرفِ الآخر. وفي الختام لا بدّ للحوار من رسالة يتوخّى كلا طرفيْه إيصالَها: قد تكونُ عِلميّة، أو خُلُقيّة أو سياسيّة أو اجتماعيّة أو فلسفيّة، يُشترَط فيها القدرة على بناء الإنسان والمجتمع وتجديد قواه الفكريّة والرّوحيّة. وبغض النَّظر عنِ المفهوم الكلاسيكي للحوار الّذي عادةً ما يكون بين شخصين أو أكثر بشأن قضيّة ما، فهناك مستوى آخر من الحوارات وهو الأعمق والأهمّ، وأعني به حوار الإنسان مع ذاته، وهو أشبه ما يكون بتحدُّث الشّخص مع شخصٍ آخرَ لكنّه في الحقيقة صوت داخليّ يمثِّل الشَّخص نفسه بغرض الوصول إلى تحقيق نوع من التَّناغم والوئام الرُّوحيّ عبر التَّخلُّص من كلِّ الجَّوانب والأمور السّلبيّة الَّتي كانت تضبِّب رؤى الشّخص المتحاور مع ذاته، أو من خلال استدعاء الذّكريات والمواقف السَّعيدة والجميلة في حياة الإنسان والَّتي ساعدته على أن يصبح الشَّخصَ الّذي هو عليه الآن بكلِّ نجاحاته وانتصاراته، وخيباته ومراراته أيضاً، وهو هذا النَّوع من الحوار الَّذي تبنّيْتُه في هذه الرِّحلة مع صبري يوسف، هذا الأديب الّذي عرف جيّداً كيف يحفر بأسئلته في عمق البنية الرُّوحيّة لبعضٍ من مكنوناتي الفكريّة والثَّقافيّة والأدبية والحياتيّة الّتي كوّنت عبر الأيّام والسّنين هذه الكينونة الفكريّة والإنسانيّة الّتي أصبحتُها اليومَ بشكل أو بآخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع


.. سر اختفاء صلاح السعدني عن الوسط الفني قبل رحيله.. ووصيته الأ




.. ابن عم الفنان الراحل صلاح السعدني يروي كواليس حياة السعدني ف


.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على




.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا