الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


[96]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي

صبري يوسف

2019 / 2 / 1
الادب والفن


صبري يوسف

96. القراءة وإشكالياتها الثّقافيّة والفلسفيّة والتّأويليّة، كيف تواجهها أسماء غريب؟

د. أسماء غريب

القراءة عالمي الّذي أسّستُه بمعول البهجة والفرح منذ طفولتي إلى اليوم: إنَّها عيادتي الخاصّة الّتي أدخلها لأرتّب شؤوني الدَّاخليّة. كنت دائماً أحرص على اختيار ما أراه الأفضل بالنّسبة لي، لكن هذا الاختيار أصبح صعباً للغاية اليوم، لأنّ فعل الكتابة يعيشُ أسوأ عهوده، فما عادت ثمّة كتابات قادرة على هدم الجدران الدَّاخليّة وبناء المملكة الإنسانيّة من جديد. معظم المؤلّفات تسقط فيما هو سياسي، أو استهلاكي تسويقيّ محض. الرِّواية والرِّوائيُّون في أزمة، وكذا أهل النَّقد الأدبي، وكتب اللّاهوت والدّين مازال أصحابها يتخبّطون بين الحلال والحرام، ويعيشون في عباءات الماضي السَّحيق، وجلابيب الخوف والرُّعب من التَّجديد والتَّنوير. لأجل هذا أقول، إنَّني أعيش حاليَّاً فترة ملل ممّا تُنتجه وتطبعه دور النَّشر في العالم الغربيّ أيضاً. كما يؤسفني أيضاً ما آل إليه أدب الطّفل - بما أنّني ممّن يحبّ كثيراً قراءة هذا النَّوع من الإبداع الأدبي وحكاياته الأسطوريّة والخرافيّة -: نعم، هناك أزمة حقيقيّة في هذا المجال؛ إذ ليس هناك من جديد، والكل يقوم بتكرار واجترار ما أبدعه الأوائل من قبيل حكايات شارل بيرو والأخوين غريم وهانس كريستيان أندرسن، وغيرهم من بعض الأدباء الرّوس الَّذين أبدعوا وتفوّقوا في هذا المجال.

نحن بحاجة إلى الجديد، ذاك الَّذي يعيد إلينا فرحة الاندهاش والبراءة الحروفيّة، لكنِّي لست متشائمة ولا خائفة ممّا أراه من تكلُّس فكري، بل أعتبره فرصة للتركيز على الكتاب الحقيقي الّذي عليّ أن أقرأه بامتياز وأتفنّن في العثور على مفاتيحه التأويليّة والفلسفيّة الخاصّة؛ وأعني به كتاب الوجود: كينونة الإنسان الدّاخليّة وعلاقتها بخالقها والكون الّذي يحيط بها. هذا الكتاب هو أمُّ الكتب كلّها وخميرتها الأولى، ونحن مازلنا لم نكتشف لليوم فيه أيّ شيء له قيمة معرفيّة وروحيّة تُذكر. هذا الكتاب يحتاج إلى الكثير من الشّجاعة، ومن القدرة على الهدم من أجل إعلاء صروح فكريّة جديدة قادرة على السّير قُدماً بالإنسان، والوصول به إلى مدارج الرّقي الحضاري.

هل تتذكّرون طفولتنا البعيدة أيُّها الأصدقاء؟ حينما كنّا صغاراً نستعجل تعلّم الحروف لنصبح أكثر قدرة على القراءة، لأنّنا كنّا متشوّقين أكثر لاكتشاف تلك العوالم الّتي كان يحكي لنا عنها الآباء والأجداد قبل الخلود إلى النّوم؟!

أين ذهب هذا الشَّوق للتعلُّم والعلم وللقراءة؟ ضاع كلّ شيء، وأصبح المراهق اليوم يُغلق عليه في غرفته وحيداً بعد أن كان هو من يحفّزُ في طفولته والديه ويحثّهم على أن يقرأوا له كلّ يوم قصّة أو كتاباً. إنّه لا يريد اليوم أن يزعجه أحد، وذريعته في هذا أنّه يقرأ وعنده امتحانات يجب أن يستعدّ لها: يا للهول، يقرأ في غرفته، ماذا؟ لا، بل إنّه يحمل كتابَه المدرسي ووسطه كتيّب آخر للتسلية، ربّما للكلمات المتقاطعة، أو مجلّة صغيرة من مجلّات الإعلانات الإشهاريّة لنساء جميلات عاريات مثلاً. إنّه في حالة مهولة من الملل، والآباء يعرفون هذا جيّداً، لكنَّهم يتظاهرون بعدم معرفة أيّ شيء، ويحاولون تصنّعَ الهدوء وهم جالسين في صالة غرفة الأكل أمام التّلفاز سعداء بابنهم الّذي في غرفته "يقرأ"!.

أين ذهب ذاك الطّفل اللّطيف الصَّغير الّذي كان يتورّط معهم في رواياتهم وأساطيرهم الخياليّة بمكر طفوليّ جميل؟! لقد اختفى تحت سمّاعاته الملصقة بأذنيه يستمع إلى موسيقى الرُّوك الصَّارخة، أو أمام هاتفه الذَّكيّ يشاهدُ مقاطع من أفلام أنتم أعلم بها منّي أيُّها السَّادة، أو ذهب إلى لقاء أصدقائه في أحد الملاهي اللَّيليّة، أو إلى مشاركة أحدهم تدخين سيجارة مشبوهة! يا للهول، لا أحد يقرأ فعلاً، وفيديوهات اليوتيوب الّتي تُظهِرُ مجموعة من الشَّباب أو الشَّابات وهم يستعرضون كمْ من الكتب والرِّوايات قرَؤُوا، كاذبة كلّها، لأنّ أصحابها كاذبون، والجميل في كلّ هذا أنّهم يعتقدون أنّ عين المتخصّص لن تكتشف كذبَهم، وسذاجتهم والمحنة الفكريّة الَّتي يمرّون بها، والّتي لا محالة ستنتج لنا جيلاً من الشَّباب الكاذبين والمخادعين في كلّ شيء!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا