الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تدهور المكانة التفاعلية للنظام العربي طريق اسرائيل للاطاحة بالحقوق الفلسطينية والهيمنة على الاقليم

هاني الروسان
(Hani Alroussen)

2019 / 1 / 30
السياسة والعلاقات الدولية


تدهور المكانة التفاعلية للنظام العربي
طريق اسرائيل للاطاحة بالحقوق الفلسطينية والهيمنة على الاقليم

لم تكن السياسة يوما الا سلوكا معياريا لتحقيق ما يجب ان يكون عليه الواقع، او سلوكا يعكس فهما لممكنات ذلك الواقع. وان حصل وكانت جمعا بين السلوكين، فان ذلك يكون لزمن محدود نادرا ما امتد لسنوات طويلة الا في الحالة الفلسطينية، التي اقترنت بداياتها مع انتشار فكر النهضة العربية الإسلامية وتاليا الفكر القومي الذي طمح وما يزال لاقامة دولة الوحدة من ناحية، وولادة الحركة الصهيونية التي تسعى لاقامة مملكة اسرائيل في قلب المنطقة العربية وتفتيتها من ناحية اخرى.
ومن بين نتائج اخرى ادى اليها هذا الاقتران المتعارض كان انبثاق مفهوم للامن القومي العربي قام على اعتبار ان اسرائيل التي تمادت بعدوانها واحتلت لاحقا كامل فلسطين واراض من ثلاث دول عربية اخرى هي مصدر التهديد الاخطر والرئيسي الذي يواجه الامة.
وقد استمر ذلك لحدود عام 1977 حين حطت طائرة الرئيس السادات في مطار بن غوريون على الرغم من وضوح مناحم بيغن وحكومته، من أن إسرائيل لن تعود إلى حدود العام 1967، ولن تعترف بالدولة الفلسطينية، ولن تقبل بإجراء اتصالات مع "منظمة التحرير الفلسطينية"، الامر الذي أُعتبر من عديد الاوساط في حينه بداية انهيار للنظام العربي وتغير في مفهوم امنه القومي.
وفعلا فقد ادت الحرب العراقية الايرانية 1980-1988، ثم حرب الكويت عام 1990 واحتلال بغداد واسقاط النظام وتفكيك الدولة عام 2003 وما اعقب ذلك من وقائع وتداعيات لاحداث الربيع العربي المتواصله للان، ادت الى ثلاث نتائج اولاها تدهور المكانة التفاعليىة للنظام العربي على المستويين الاقليمي والدولي وثانيها احداث تغييرات كبرى على مستويات القوة وانتشارها بين وحدات النظام، نجم عنها انتقال قيادة النظام لمنطقة الخليج، اما ثالثها فكانت وقوع تغيرات في طبيعة تفاعلات وحداته من حيث الشدة والاتجاه.
ووفقا للدراسات الراهنة فان هذه التفاعلات استقرت الان على مستوى تفاعلات دول قيادة النظام الجديدة عند منطقة ما يعرف بالنمط التهديدي، الذي يشكل خطرا داهما على دور ومصالح وحدات النظام الصغرى، التي كانت دائما في مأمن من ذلك في ظل النمط القيادي السابق الذي بقي متأرجحا عبر تاريخ النظام بين التنافسي والتعاوني.
وهنا يجب الاعتراف بان ما شهده النظام العربي منذ 2011 يعد فارقا وحاسما في تاريخه، اذ لاول مرة يصاب توزيع القوة فيه باختلالات حادة وشاملة، على عكس ما كان يصيبها في المرات السابقة، اذ كانت جزئية، وانها قبل ان تترك اثارا دائمة على طبيعة تفاعلاته، - والتي عادة ما تكون اكبر ضحاياها هي وحداته الصغرى التي قد تدفع ثمنا باهضا جراء ذلك، خاصة اذا ترافق مع تغيرات نوعية في قيم النظام السياسية والامنية-، كان النظام ان بفعل عامل الوقت او تأثير تفاعلات النظام الدولي عليه المتباينة يعيد التوازن لانتشار القوة فيه.
والمرجح في الحالة الراهنة لنوعية الاختلالات التي يعيشها النظام ان تكون التهديدات التي تواجه وحدات النظام الصغرى اشد خطرا من ذي قبل في ظل النمط القيادي التهديدي، خاصة عندما يكون وضع دولة او دول قيادة قيادة النظام هشا كما هو الحال الان، حيث اقترنت ولادة هذا النمط وصعود الدورين السعودي والاماراتي على رأس تفاعلات وحدات النظام، مع تغيرات ضخمة في بنية قوة دول المحيط الاقليمي، -والتي من بينها اسرائيل طبعا-، الى جانب تغيرات عميقة في بيئة وطبيعة تفاعلات النظام الدولي، التي اصبحت هي الاخرى اكثر ميلا نحو الطبيعة التنافسية في اغلب الحالات مع الجنوح بين الفينة والاخرى نحو التهديد، مع وصول ترامب للبيت الابيض وتصاعد شعبية التيارات اليمينية الشعبوبية، من جانب واتساع نطاق ومساحة الفعلين الروسي والصيني، وولادة تكتلات اقتصادية كبرى ربما تمهد لبنية مؤسسية من جانب اخر.
وان كنا لا نميل لاستباق الاحداث والتطورات، بيد ان مستويات الرخاوة المتفاقمة في بنية تماسك وحدات النظام ازاء قوى المحيط الاقليمي، وتصاعد مستويات الاختراق العمودي من قبل النظام الدولي خاصة لدول قيادة النمط التهديدي التي تواجه اساسا عدة تحديات داخلية اضافة الى انعكاسات الربيع العربي التي لا يمكن القول بعدم تواصلها تحت اشكال مختلفة، كلها دلائل تشير بهذا القدر او ذاك الى المضي نحو تغير احدى اهم قيم النظام الاقليمي العربي، اي الامنية والاتجاه نحو اعتبار ان ايران هي مصدر التهديد الاول للامن القومي العربي.
وهذا ببساطة لا يعني فقط ان تتدحرج اسرائيل كمصدر تهديد رئيسي واول للامن القومي الى المرتبة الثانية او الثالثة، بل ربما وحسب معطيات الواقع الراهن والتسريبات التي يتم ترويجها بين الحين والاخر ان يصار الى اسقاط صفة العدو عنها وادماجها في المنطقة تدريجيا لا سيما وان بوادر ذلك لاحت واقعا ملموسا في افق الوضع العربي بعد ان اصبحت اسرائيل ليس عضوا فقط بل طرفا مؤسسا في منتدى غاز شرق المتوسط، الامر الذي يعد الخطوة ما قبل الاخيرة للالتفاف نهائيا على ما تبقى من قيمة معنوية لمقررات قمة بيروت عام 2002.
وفي هذا السياق تماما تقع محاولات كشف الظهر الفلسطيني على اكثر من مستوى من قبل اطراف عربية ودولية لتشديد الخناق على القيادة الفلسطينية لارغامها على القبول بأي حل يمكّن من تسهيل اعادة صياغة قيم النظام الاقليمي بالصورة التي لا تنهي فقط حالة العداء مع اسرائيل وتقيم سلاما شاملا معها، لا بل تؤدي الى ادماجها في منظومته القيمية تمهيدا لفتح الطريق امامها لاستغلال قوتها النوعية، العسكرية والامنية لتقرير اتجاهات تفاعلاته مستقبليا والسيطرة عليها بداية، للقضاء نهائيا على طموحات الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وبناء دولته المستقله وعاصمتها مدينة القدس، وبسط سيطرتها المطلقة على الاقليم تاليا.

د.هاني الروسان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقيف مساعد نائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصال


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تهز عددا متزايدا من الجامعات




.. مسلحون يستهدفون قواعد أميركية من داخل العراق وبغداد تصفهم با


.. الجيش الإسرائيلي يعلن حشد لواءين احتياطيين -للقيام بمهام دفا




.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال