الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كريم كطافة وحصار العنكبوت

بديع الآلوسي

2019 / 1 / 31
الادب والفن


في 29 اذار 1987 بدأت عمليات الأنفال ، لكن النص الادبي الذي نحن بصدد تسليط الضوء عليه ( حصار العنكبوت ) يتحدث عن الانفال في مرحلتها الاخيرة والتي بدأت في 26 آب 1988 بمنطقة بهدنان واستمرت حتى 9 ايلول .
والتي اسفرت كما تشير الوثائق التاريخية الى ابادة 182 الف مواطن كردي ، وتدمير اربعة الاف قرية ، واربعة أقضية وثلاثون ناحية .
حول هذه القضية الكبرى تدور احداث نص ( حصار العنكبوت ) لذا لا غرابه ان ينحاز كاتبها الى الألم والحزن والى القلق والخيبة ، محاولا ً كشف تلك الاحداث وملابساتها والوقوف عندها مطولا ، كون الكثير من تفاصيها ظلت مخفية على الكثير من الناس ، الذين سمعوا عنها او مروا بها مرورا عابرا عبر نشرات الاخبار ، كانتصارات قامت بها السلطة وقت ذاك ، والتي ما لبثت ان سجلت فيما بعد كجرائم كبرى .
اعرف ان الكتابة ليست السبيل الافضل لمحو اوجاعنا ولكن .. وجع مكتوب خير من وجع مكبوت !! كما يقال .
من هنا تأتي اهمية حصار العنكبوت كوثيقة ادبية رائدة ، تدين همجية النظام السابق الذي اجهض احلام الآلاف من البشر ، وكيف انه عرض حيوات الكثير منهم الى خطر الابادة . ولتصور ذلك الحدث الجلل يعود بنا الكاتب الى ما خزنه من ذكريات فجائعية عن تلك السنين المريرة ، مهيجا ً جمرات التاريخ ، كاشفا ً للأجيال القادمة حقيقة ما رأى ، راصدا تلك الاحداث والتفاعل معها بمحبة ، راسما مصائر ابطاله وكيف انهم ظلوا حتى اللحظة الاخيرة يتحدون واقعهم المرير ، على الرغم من انسحابهم تحت تهديد السلاح الى دول الجوار .


اما فيما يتعلق بالجانب الشكلي لهذا النص الجميل ، فسأترك الباب مفتوحاً للنقاد المختصين لتحديد هويته ، واعني هل هو رواية ام مذكرات ام سيرة ام رواية تسجيلية ام رواية تاريخية … لأني بصراحة شديدة لم استطع تجنيسه !!
مع هذا ، لا اغالي ان قلت باني على الصعيد الشخصي ، قد احببت هذا النص لسببين الاول : كونه توقف عند وقائع وتناقضات من المخجل السكوت عنها او المرور بها مرورا عابرا ، وثانيا : انه اثار اسئلة مسكوت عنها من مثل : هل حقا ً كان الثوار البواسل من ( البيشمركه والانصار ) غافلين وغير عارفين بما يجري من حولهم ، لهذه الدرجة !؟
ولكي لا نبتعد كثيرا عن روح النص كعمل جمالي ، ارى من الضروري ان لا يغيب عن بالنا بانه سرد تاريخي ـ متخيل ، لأحداث وقعت ، حاول الكاتب التعبير عنها ، من خلال ايجاد تكنيك خاص به ، بدا واضحا عبر سلسلة من اللقطات والذكريات التي وظفها لبناء مادته السردية . وفعل الشيء نفسه حين وظف تقانة السخرية والتهكم ليعبر عما يجيش في صدور ابطاله ، بأشكال متعددة ومتنوعة ، كالسخرية من الذات ومن الاخر ومن بعض اعضاء الحزب ومن حركة البيشمركة !!
وهذا ــ برأيي ــ لم يأت من فراغ ، بل من هول التجربة التي عاشها الكاتب يوم ذاك ، وأستلهمها لحظة الكتابة ، راصدا عبر مجساته الفنية كل تلك التفاصيل الصغيرة ، من دون ان ينسى احلام واوهام ومخاوف ابطاله ، التي زجها داخل النص ، للكشف عن تلك التناقضات وما رافقها من وقائع ومتغيرات متسارعة ، مع مراقبته علاقات وافعال ودوافع الشخصيات التي رمز لها بأسماء مستعارة ، وهذا الترميز ساعده كثيرا ان يناور في الحكي والسرد دون الوقوع في المباشرة او التقريرية .
واذا ما عدنا الى جوهر موضوع (حصار العنكبوت ) فيمكننا ان نقول ، ان من شهد حملة الانفال لا يمكنه ان ينكر بانها كانت حدثا ً كبيرا وهائلا ّ ومدمرا ً ، لكن كريم كطافة كسارد لم يكن معنيا بتسجيل كل ذلك الخراب المروع ، بل كان معنيا بتسلط الضوء على بعض جوانبه او الايام الاخيرة منه تحديدا ً ، ومن خلال سياق الاحداث يمكننا ان نتعرف على جوهر المشكلة ممثلة بكيفية الخروج من هذا المأزق ، وتلك عقدة النص ولا شك ، ولكن تسارع الاحداث على ارض الواقع ( وداخل النص ايضا ) جعل الكاتب لا يقف عند تلك العقدة فحسب ، بل تعداها إلى عقدة اكثر تعقيدا ودراماتيكية ، بمتابعة الاحداث من خلال طرح ذلك السؤال الاشكالي : هل نترك العوائل يسلمون انفسهم الى السلطة الجائرة ام نصحبهم معنا حتى ولو تعرضوا الى قسوة الطبيعة الغاشمة ؟
واذا ما كان كلا الخيارين مر بطبيعة الحال !! .. فيجب الاعتراف بان النص يوقظ لدى القارئ مثل هذا الشعور المقلق وغير المريح ، لمأساة هؤلاء الالاف من البشر ، وهم يتخبطون في مثل هذا الموقف الوجودي والمنزلق التاريخي الخطير .. تطاردهم اسئلة مثل : ما المصير الذي ينتظرنا في حالتي الهروب او التسليم ؟
على مثل هذه التساؤلات المحيرة ، اشتغل النص ببراعة ، مبينا حجم المأساة التي المت بهم واضطرتهم في اخر المطاف على مغادرة قراهم في زمن سوداوي ظالم .
لكل ما تقدم ، لا ادري اذا ما كان بالإمكان ان ندرج هذا النص تحت خيمة الواقعية النقدية ، كونه كان معنيا بنقد الواقع وتأمل الاحداث وإعادة قراءتها على نحو مغاير ، على امل الاستفادة من اخطاء الماضي ، فما وصلنا اليه اليوم من تدهور مروع هو نتاج حماقات الامس . ونص حصار العنكبوت يلامس كل هذا الموضوعات بقوة . ولا اجد من حرج هنا ان اقتبس عبارة للأديب برهان الشاوي لأعبر بها عما ينوس بصدري : ( لا من احد يستطيع ان ينكر باننا سلكنا الطريق الصعب ، ولم ننظر الى الحياة من باب الربح والخسارة ، واننا عشنا التجربة بكل عنفوانها والقها وتوهجها الفريد ، مع هذا كله لا استطيع ان انكر امام نفسي على الاقل بانها كانت تجربة قاسية ومؤلمة ، ومن خرج منها سالما ً ، خرج محملا ً برماد الذكريات والخيبة ) . !!
ومهما اتفقنا مع كريم كطافة او اختلفنا معه في رؤاه .. فأننا لا نستطيع ان ننكر بانه طوف بنا في عوالم وحيوات ولحظات لا تنسى ، ومن منا يستطيع ان ينسى .. ان بعضهم ، في خضم تلك الاحداث الجلل ، وفي لحظة عزوم ، وضع فوهة بندقيته في فمه وضغط على الزناد !!
واذا كنت لا ادري كيف يمكننا اليوم الاستفادة من تلك الدروس الحياتية المؤلمة ، التي فضح بعض جوانبها نص حصار العنكبوت . فاني ما زلت اعتقد باننا مسؤولون عن كل ما حدث ويحدث ، وان تغيير المصير بأيدينا ،
او كما قال بريخت : ( هنالك خطأ في العالم ، لذا يجب تغييره ) .
محبتي لكريم ، متمنيا ان تكون الريح معه في كل ابحار جديد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة