الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفاقم الازمة الاقتصادية السياسية الاميركية

جورج حداد

2019 / 1 / 31
السياسة والعلاقات الدولية


كان انتخاب دونالد ترامب رئيسا سنة 2016 مسألة اشكالية تحدث لاول مرة في تاريخ اميركا الحديث. إذ صعد ترامب الى سدة الرئاسة ليس من صفوف شريحة السياسيين المحترفين الذين "يمثلون" طبقة البيزنسمان الرأسمالية، بل من صفوف طبقة البيزنسمان مباشرة. مما يعني موضوعيا "نزع ثقة" ضمني او "نزع وكالة" شريحة السياسيين المحترفين من قبل طبقة البيزنسمان التي انتقلت، بواسطة ترامب، الى ممارسة الحكم مباشرة.
فهل نجح "انقلاب ترامب" في تحقيق اهدافه؟
ان الوقائع الجارية لا تؤكد ذلك بل على العكس انها تشي بأن الازمة الاقتصادية ـ السياسية في اميركا تتعمق اكثر فأكثر ومن الصعب التنبؤ كيف ستسير الامور بعد الانتخابات الرئاسية القادمة سنة 2020 والتي اخذ يتأهب لها دونالد ترامب ومؤيدوه منذ الان.
في مطلع سنة 2017 وبعد أدائه القسم أقر ترامب اصلاحا ضرائبيا كبيرا يتمحور حول لائحة طويلة من الاعفاءات الضرائبية لحركة التوظيفات والاستثمارات، مما انعكس ايجابا على قطاع البيزنس بمجمله. وهذه هي النقطة الايجابية الوحيدة التي سجلها "انقلاب ترامب". ومع ذلك تدل الاحصاءات ان ترامب لم يستطع تحقيق نسبة نمو اقتصادي 3% كما كان يريد. وذلك مقابل نسبة نمو 6.2% في الصين (بالرغم من انخفاضها بفعل الحرب التجارية). وتشير التوقعات انه مع نهاية مفعول الاصلاح الضرائبي الترامباوي سنة 2021 فإن معدل النمو الاقتصادي الاميركي سينخفض بشكل دراماتيكي الى نسبة 1.6%، مما يهدد بانفجار ازمة تضخم وبطالة كبرى في الولايات المتحدة الاميركية.
ولكن في الانتخابات النصفية للكونغرس التي جرت الخريف الماضي، والتي كان فريق ترامب واثقا من كسبها، تلقت ادارة ترامب "هدية مسمومة" من الناخب الاميركي، وهي انتخاب كونغرس منقسم على نفسه، اذ حصل "الدمقراطيون" على الاكثرية في مجلس النواب (الغرفة الدنيا للكونغرس) وحصل "الجمهوريون" على الاكثرية في مجلس الشيوخ (السيناتورات) (الغرفة العليا للكونغرس). وبموجب الدستور الاميركي فإن اي مشروع قانون او مرسوم لا يمكن ان يمر ويصبح ساري المفعول بدون ان تتم المصادقة عليه من قبل الاكثرية في مجلسي النواب والشيوخ على السواء. وهكذا صار من المحتم ان تصطدم كل قرارات ومراسيم ومشاريع قوانين ادارة ترامب بجدار الاكثرية "الدمقراطية" المناوئة له في مجلس النواب.
وكان ترامب، خلال حملته الانتخابية الرئاسية وبعد دخوله البيت الابيض قد شن واستمر يشن حملة شعواء ضد قوانين واجراءات تسهيل الهجرة الى الولايات المتحدة، بما في ذلك بالاخص الهجرة غير الشرعية من اميركا اللاتينية عبر الحدود مع المكسيك. وكانت هذه التسهيلات تتم ليس من اجل اسباب انسانية، بل من اجل ايجاد ضغط دائم على سوق العمل في الاقتصاد الاميركي الضخم، وبشكل خاص من اجل امتصاص اليد العاملة الوافدة، الشابة، والكفوءة، والرخيصة. وبالنسبة للحدود المكسيكية اتخذت الامور طابعا دراماتيكيا سورياليا، اذ ان السياسة الاميركية للهيمنة على اميركا اللاتينية ونهبها وافقارها، المستمرة منذ قرون، بدأت تعطي "ثمارها التاريخية" حيث اخذ مئات الالاف وملايين الاميركيين اللاتينيين الفقراء يتركون كل شيء خلفهم ويتوجهون بكل وسائل النقل وسيرا على الاقدام قاصدين الحدود المكسيكية ـ الاميركية، وينامون في العراء بمساعدة الطقس الدافئ بانتظار ان يأتي دور كل عائلة للتسلل الى الاراضي الاميركية ويسلمون انفسهم لرجال السلطة الاميركية على امل صدور العفو عن مخالفة اجتياز الحدود بصورة غير شرعية ومنحهم حق الاقامة و"العمل الاسود" (كما كان يحدث دائما في السابق). ولكن في هذه المرحلة تغير الحال، واصدرت ادارة ترامب اوامر مشددة بمنع التسلل عبر الحدود، واعطي حرس الحدود صلاحية اطلاق النار وقتل المتسللين البائسين وتركهم على الارض يموتون نزفا. كما ان حرس الحدود اخذوا يعتقلون العائلات ويطردون الآباء والامهات ويأخذون الاطفال عنوة الى داخل اميركا لامركتهم. وهذا ما اثار ضجة كبرى في صفوف منظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان والدفاع عن الطفولة داخل الولايات المتحدة ذاتها. وحاول دونالد ترامب تبرير ما يحدث بأن المتسللين يقذفون رجال حرس الحدود بالحجارة، ومن حق الحرس الرد على رماة الحجارة بالرصاص. وقد طلب ترامب من الكونغرس الموافقة على منح ادارته مبلغ 5.7 مليارات دولار لبناء جدار عازل عال على كامل الحدود الاميركية ـ المكسيكية. ولكن الاكثرية "الدمقراطية" رفضت منح ادارة ترامب هذا المبلغ الضخم، استنادا الى تردي الاوضاع المالية ـ الاقتصادية، وفشل ترامب في وقف ارتفاع سقف الدين العام الذي بلغ اكثر من 22 تريليون دولار، كما فشل في اعادة التوازن الى الميزانية الاميركية العاجزة، وهذا يعني عدم قدرة بنك "الفيديرال ريزرف" (الذي يقوم مقام البنك المركزي ويسيطر عليه اليهود) ان يطبع المزيد من الدولارات الورقية بدون تغطية ذهبية، من دون موافقة الكونغرس. وفي المقابل فإن المكسيك تعارض بشدة اقامة هذا الجدار لان احتمالات التخفيض الحاد لتسلل اللاجئين غير الشرعيين الى الولايات المتحدة الاميركية يعني تسرب هؤلاء البؤساء الى داخل المكسيك بالذات، بكل ما يحمله ذلك من مخاطر الانفجارات الاجتماعية داخل المكسيك.
وحيال رفض "الدمقراطيين" منحه المبلغ المطلوب لبناء الجدار العازل، ومن اجل الضغط على الرأي العام السياسي، اقدم ترامب في 22 كانون الاول الماضي على اتخاذ احد قراراته الارتجالية والصادمة، والمتمثل في الاغلاق الجزئي للمؤسسات الحكومية وأعطاء ملايين الموظفين اجازات مفتوحة غير مدفوعة الاجر. والمؤسسات التي أغلقت تهتم بالشؤون الحياتية اليومية والشؤون الصحية والاجتماعية للمواطنين. وكتبت Financial Times ان هذا الاغلاق بدأ يسبب الاضرار للاقتصاد الاميركي. وتقول احصاءات ان الاضرار المباشرة للاغلاق بلغت في اقل من شهر اكثر من ستة مليارات دولار، اما الاضرار غير المباشرة فهي اكبر من ذلك بكثير، ولكن الاستقصاءات بشأنها لم تكتمل بعد.
وقد تمت تسوية بين مجلسي النواب والشيوخ صدر بموجبها قرار موحد من الكونغرس بالموافقة على تقديم مبالغ صغيرة لادارة ترامب لتعزيز ظروف وتجهيزات الرقابة الحالية على الحدود.
ولكن هذا القرار لم يرض ادارة ترامب الذي هدد باعلان حالة الطوارئ التي تتيح له حصر السلطة في البيت الابيض وانفاق المبالغ التي يريد بدون موافقة الكونغرس. ولا تزال الازمة مفتوحة على المجهول.
ويقول بعض المحللين ان اميركا تزداد عزلة دوليا، ليس فقط عن الاخصام والمنافسين، بل وعن الاصدقاء ايضا، وان الازمة المالية ـ الاقتصادية التي انتجت الحرب التجارية، وازمة الجدار على الحدود المكسيكية، والاغلاق الجزئي لمؤسسات الدولة، هذه الازمة تزداد صعوبة وتعقيدا وتتخذ ابعادا اجتماعية وسياسية قد تتطور الى انفجارات اجتماعية تضع الولايات المتحدة الاميركية على حافة الحرب الاهلية وخطر انفصال بعض الولايات الجنوبية عن الاتحاد، خصوصا تلك التي تقطنها غالبية من العنصر اللاتينو ـ اميركي، وهو ما يؤيده، بشكل سري او نصف سري، الفاتيكان وعدد من الدول الاوروبية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تعتزم فرض عقوبات على النظام المصرفي الصيني بدعوى دعمه


.. توقيف مسؤول في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس- لحساب الصين




.. حادثة «كالسو» الغامضة.. الانفجار في معسكر الحشد الشعبي نجم ع


.. الأوروبيون يستفزون بوتين.. فكيف سيرد وأين قد يدور النزال الق




.. الجيش الإسرائيلي ينشر تسجيلا يوثق عملية استهداف سيارة جنوب ل