الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيوعيون المفلسون

فؤاد النمري

2019 / 1 / 31
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الشيوعيون المفلسون

رب من يتساءل .. كيف لي أن أبتسر تعبير "الشيوعيون المفلسون" !؟
جوابي البسيط على مثل هذا التساؤل هو أن من بين جموع السياسيين لا يفلس إلا الشيوعيون وذلك لأنهم الوحيدون الذين زودهم كارل ماركس بأدوات لا تخطئ في قراءة التاريخ فهم يفلسون عندما لا يحسنون استخدام تلك الأدوات الخاصة بقراءة التاريخ والتي لا يمتلكها غيرهم .
في الحقيقة أن إفلاس عامة الشيوعيين بدا واضحاً عندما تجاهلوا بصورة تدعو إلى الإرتياب فقدان البلاشفة لكامل السلطة في الدولة السوفياتية حال اغتيال ستالين في مارس 53 وأن دولة دكتاتورية البروليتاريا قد غدت بين عشية وضحاها دولة دكتاتورية العسكر ؛ تزيح مجموعة مالنكوف – مولوتوف – كاعانوفتش من قيادة الحزب لصالح عصابة خروشتشوف – ميكويان وتفرض بالتالي إلغاء الخطة الخمسية الخامسة التي تكفلت بالنصر النهائي والحاسم للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي وفي العالم في العام 55 .
أذكر جيداً وكأنه كان بالأمس فقط أنني كنت شيوعياً غِرّاً لم يتجاوز التاسعة عشر من العمر عندما استقبلت بفرح غامر في سبتمبر ايلول 53 قرار الحزب الشيوعي السوفياتي القاضي بإلغاء الخطة الخمسية الخامسة (51 – 55) التي كان قد أقرها مؤتمر الحزب العام التاسع عشر في أكتوبر 52، ألغاها بحجة أنها توهن وسائل الدفاع عن الوطن الأمر الذي كان يعني بالضرورة أن الرفيق ستالين وقادة الحزب آنذاك كانوا قد استخفوا وأهملوا بأمن الإتحاد السوفياتي، وهذا قول شططا حيث كانت الحرب العظمى قد انتهت قبل سنوات قليلة وقد برز الإتحاد السوفياتي كأقوى قوة في الأرض لا تدانيه قوى الدول الغربية الكبرى الثلاث مجتمعة .

نعم كنت ذلك الولد الشيوعي الغر الذي نقل لرفاقه في منظمته الحزبية أن الشعوب السوفياتية ليست بحاجة للبسكويت والزبدة بقدر جاجتها للأسلحة لتأمين الوطن . لكن كان لدينا في المشرق العربي بذات الوقت قادة شيوعيون كبار مثل خالد بكداش في سوريا وفرج الله الحلو في لبنان وفؤاد نصار في الأردن فكيف قبلوا بذلك القرار المخالف لكل الأعراف والقوانين وأنه لا يجوز بحال من الأحوال أن تلغي اللجنة المركزية للحزب قراراً اتخذه المؤتمر العام للحزب في حين أنه كان قد انتخبت لتنفيذ القرار بكل تفاصيله وليس لإلغائه ؛ وكيف يمكن السكوت على الزعم بأن الرفيق ستالين كان قد فرّط بأمن الإتحاد السوفياتي الأمر الذي لا يمكن نسبته لشخصية ستالين المعروفة تماما لدى الخاصة والعامة سواء بسواء . قرار إلغاء الخطة من أجل الإنصراف إلى التسلح كان في الحقيقة الإنقلاب الفعلي على الإشتراكية وقد تجاهل نتائج الحرب العالمية حيث كان مجمل القوى العسكرية للغرب الرأسمالي لم تساوِ عشر القوى السوفياتية . وفي مثل هذا المقام يُعتقد أن الرفيق فهد قائد الحزب الشيوعي العراقي ما كان ليقبل بذلك القرار الإنقلابي لو لم يُستشهد في العام 49 .
لعل ثمة من يعذر القادة الشيوعيين الكبار في المشرق العربي بسبب الكتمان الشديد الذي تدار به شؤون الحزب الشيوعي في الإتحاد السوفياتي . وقد يُدّعى أيضاً أن أولئك القادة لم يشاءوا أن يتوقفوا عند خطاب خروشتشوف ضد ستالين في العام 56 كيلا يكتسب الخطاب تلك الأهمية التي علقها عليه أصحابه من خارج الحزب – مع أنه ما زال يستخدم كأقوى حجة ضد الشيوعية .
نحن لو قبلنا بكل هذه الإدعاءات الفارغة والإعتذارات الكاذبة فكيف لنا أن نقبل أو نفسر سكوت القادة الشيوعيين العرب على قرار اللجنة المركزية في يونيو حزيران 57 بطرد سبعة أعضاء من المكتب السياسي للحزب من مجموع تسعة أعضاء بحجة أن أولئك الأعضاء السبعة اجتمعوا سريا عشية اجتماع للمكتب السياسي واتفقوا على رفض مشروع خروشتشوف في الإصلاح الزراعي وعلى سحب الثقة منه !؟ كيف لأعضاء المكتب السياسي وهم أرفع المسؤولين في الدولة وفي النظام أن يُمنع عليهم التداول في أية قرارات يمكن أن يتخذها المكتب السياسي، بينما هو من واجبهم أن يتداولوا في شأن أية قرارات قبل عرضها على المكتب السياسي !!؟ ذلك هو العذر الأقبح من ذنب !!
أما الفضيحة الكبرى المجلجلة والتي تطرد قادة الأحزاب الشيوعية من دائرة الشيوعية هي موافقتهم على قرار الحزب الشيوعي السوفياتي في مؤتمره الثاني والعشرين في العام 61 إلغاء دولة دكتاتورية البروليتاريا واستبدالها ب "دولة الشعب كله" الأمر الذي يعني مباشرة دون أدنى لبس أو اشتباه أنه لم يعد هناك اشتراكية مكلفة بمحو الطبقات طالما أن جميع الطبقات تحكم في دولة الشعب كله، كما يعني رفض المبدأ الأساسي لماركس وهو أن الشرط الأول للإشتراكية هو دكتاتورية البروليتاريا كما جاء في "نقد برنامج غوتا" (!!) .

حبذا لو كان الجيش قد أدار الدولة بكفيه العاريتين بعد أن استولى على السلطة حال رحيل ستالين لانطفأ أيضاً إذاك مركز الثورة الإشتراكية العالمية وفقدت جميع الأحزاب الشيوعية في العالم شرعيتها، لكن لاحتفظ بالمقابل الحزب الشيوعي السوفياتي وسائر الأحزاب الشيوعية في العالم بآصالتها الفكرية وحيويتها الثورية . غير أن الجيش أدار البلاد بمختلف شؤونها بقفازات الحزب الشيوعي ممثلة برجلهم خروشتشوف وعصابته . إنطفأ مركز الثورة وفقدت جميع الأحزاب الشيوعية شرعيتها وكان المصاب الأعظم هو فقدان الوعي . لم يعد الحزب الشيوعي حزب ماركس ولينين بل غدا حزب مارشالات وجنرالات الجيش السوفياتي . الأحزاب الشيوعية جميعها في العالم، باستثناء الحزب الشيوعي في الصين وفي ألبانيا وفي رومانيا إلى حدٍ ما، لم تنفك تقلد الحزب الشيوعي السوفياتي ففقدت الوعي وأفلست فكرياً .
النازلة الفظيعة التي نزلت بالطبقة العاملة في العالم ليست هي فقط انهيار مشروعها التحريري المتمثل بمشروع لينين بل ما هو أعظم من ذلك وهو الإفلاس الفكري لعامة الشيوعيين، الشيوعيين الذين كانوا بناة المشروع اللينيني وحراسه الأكفاء . إنقلب هؤلاء قلباً وقالباً ليكونوا أعداء الشيوعية . مفلسون تصل بهم السفاهة لإنكار المشروع اللينيني في الثورة البلشفية واعتباره حدثاً طارئاً في التاريخ، حل ورحل دون أن يترك أثراً في الحياة . . فالإمبريالية ما زالت إمبريالية أكثر غلظة وتوحشاً والرأسمالية تعاظمت حيويتها وانفلشت تغطي وجه العالم فيما يسمى بالعولمة. ليس مثل هؤلاء "الشيوعيين" المفلسين أعداء الشيوعية سوى أولئك الأعداء الصرحاء المفلسين كذلك الذين تنادوا للإجتماع في النورماندي في يونيو الماضي احتفاء بذكرى إنزال النورماندي الذي لم يتجاوز تعداده عشرة فرق (197000 جندياً" سيئة التدريب والتسليح لم تحارب ألمانيا على الإطلاق بل كلفت الجيوش السوفياتية أكبر معارك الحرب في 12 يناير 45 لتفك إسارها في جبال الجاردنز شرق فرنسا وقد تهددتها الإبادة التامة .
السوفيات احتلوا برلين ولديهم تحت السلاح سبعة ملايين جنديا وانزال النورماندي سكن بعيداً عن برلين 0.7 مليون جندياُ ينتظرون حصتهم من غنائم الحرب بكلمات ستالين .

الشيوعيون سابقاً المفلسون ونظراؤهم المفلسون في طبقة البورجوازية الوضيعة يتفقون على أن ثورة أكتوبر البلشفية حلت ورحلت وكأنها لم تكن !! يا لهول الإفلاس طالما أنه ينفي الوعي الماركسي !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نشرنا المقال في - الأردن العربي -ا
هيئة تحرير - الأردن العربي -ا / الأردن ( 2019 / 1 / 31 - 16:32 )
تحية كفاحية للرفيق المناضل الشيوعي المجرب فؤاد النمري.
أعدنا نشر مقالك الهام هذا في موقع - الأردن العربي - ، مما يستوجب شكرنا لموقع - الحوار المتمدن - الذي يتيح لنا دائما الإطلاع على نتاج الكتّاب التقدميين والشيوعيين .
رابط المقال في - الأردن العربي - هو

http://www.arabjo.net/?p=40249

نرجو الإطلاع


2 - السادة هيئة تحرير -الأردن العربي- المحترمين
فؤاد النمري ( 2019 / 2 / 1 - 07:17 )
علي أن أشكر هيئة تحرير -الأردن العربي- على نشر مقالي في مدونتكم
لكن ما أود التنويه إليه هو أن الحزب الشيوعي لم يتخذ قراراً بفصلي إذ ظل يتوق إلى عودتي إلى صفوفه المتقدمة مع احتفاظي برأيي عن عصابة خروشتشوف الخيانية لكن بشرط عدم الإعلان عنه وهو ما رأيته خيانة للنهج اللينيني
قبل سنوات عرض علي الحزب العودة إلى صفوفه فرفضت إلا بعد أن يصدر الحزب نقداً ذاتياً يدين به خيانة خروشتشوف
أما أن الحزب بقيادته المغمورة حالياً يحاصرني فأمر يثير الضحك حيث عرضت عليه قبل سنتين أن أثقف كوادره بأصول الماركسية وقد فقدها تماما فرفض اللقاء
هذا الحزب بات حزباً بورجوازيا إصلاحيا يتبنى سياسات تتعارض مع أبسط مفاهيم الماركسية
إنه يخون الشيوعية


3 - شكرا للرفيق الكبير فؤاد النمري
هيئة تحرير - الأردن العربي -ا / الأردن ( 2019 / 2 / 1 - 20:59 )
كان لطفا منك أن تردّ على تعليقنا
أعتقد أن المواقع الإلكترونية الأردنية لا تنشر مقالاتك، لذلك - إن كنت لا تمانع - سوف ننشر مقالاتك التي تنشرها في الحوار المتمدن، مع تأكيدنا على الشكر الجزيل للحوار المتمدن والرفاق الأعزاء القائمين عليه
موقع - الأردن العربي - يا رفيق ليس موقعا أيديولوجيا ، ولكنه موقع تقدمي يساري يحاول أن يكون مختلفا عما هو متواجد في الساحة الإعلامية الأردنية ، ولا أنكر أننا في - الأردن العربي - تأثرنا إلى حد كبير بطريقة - الحوار المتمدن - بالنشر
ننتظر موافقتك على النشر رفيقنا الكبير
شكلاا لك وللحوار المتمدن


4 - الرفاق المحترمون في هيئة تحرير الأردن العربي
فؤاد النمري ( 2019 / 2 / 1 - 21:50 )
لعلكم تعلمون أن الشيوعيين هم أصلاً ضد الملكية المادية فكيف بالملكية الفكرية
لذا لستم بحاجة لاستئذاني لنشر مقالاتي بل أنا بحاجة لأن أشكركم جزيل الشكر
يكفي كما أعتقد الإشارة إلى مصدر النقل

مع خالص تمنياتي لكم بالإنتشار والنجاح


5 - معك حق يا رفيق
هيئة تحرير - الأردن العربي -ا / الأردن ( 2019 / 2 / 2 - 00:14 )
شرف لنا أن وافقت على نشر مقالاتك
ومعك حق بأن نذكر المصدر ، وقد فعلنا الآن وللتوّ ووضعنا المصدر ( الحوار المتمدن ) على المقال المنشور ( الشيوعيون المفلسون ) وبإمكانك الدخول للمقال عبر الرابط الذي في التعليق الأول لتتأكد من ذلك بنفسك
نتمنى لك العمر الطويل
والشكر موصول أيضا ل( الحوار المتمدن )


6 - التقييم في الحوار المتمدن
فؤاد النمري ( 2019 / 2 / 2 - 05:39 )
يعمد ثمانية أنفار بتقييم مقالتي على الدوام بالصفر
أنا أكاد أعرف هؤلاء الأنفار بالإسم فنصفهم من التروتسكيين أعوان المخابرات الغربية والنصف تلآخر من الشيوعيين المفلسين
هؤلاء وأولئك هم من أعداء الشيوعية
وأنا بحاجة لأصفارهم كي أثق من صدقية مقالتي وإلا لكنت منعت التقييم
كنا نحن الشيوعيين البلاشفة قد خلّفنا خلفنا الملايين من أعداء الشيوعية في مزبلة التاريخ

اخر الافلام

.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024