الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاثير النمط الانتاجي على القوانين

نور طالب ناظم

2019 / 2 / 1
دراسات وابحاث قانونية


القانون بشكل عام هو مجموعة من القواعد التي تنظم العلاقات الاقتصادية، والاجتماعية ، والسياسية ،والثقافية بين الناس،وهو انعكاس لطبيعة هذه العلاقات التي تربط الناس في المجتمع.ولقد تطور القانون بتطور البنية الاجتماعية وارتبط بها ارتباطاً مباشراً، حيث لا يمكن ان تبزغ بنية أجتماعية بدون قوانين تنظم حركتها.
وعلى الرغم من ان القوانين تلعب دوراً تنظيماً للعلاقات داخل المجتمع، الا انها في حقيقتها اداة ايديولوجية طبقية تستخدمها الطبقة المسيطرة للسيطرة على المجتمع من اجل تأبد سيطرتها واستمرار استغلالها، اي ان الطبقة المسيطرة تسن القوانين والتشريعات لكي تضمن استمرار مكاسبها.لكن هذه القوانين والتشريعات ليست ثابتة بل هي متغيرة بتغير النمط الانتاجي كنتيجة موضوعية لتغير المصالح المادية داخل المجتمع .
ولتوضيح ذلك بمثال، دعونا نعمل مقارنة بين مرحلتين مختلفتين مر بهما العراق، وهي مرحلة الحكم العثماني ومرحلة الاستعمار الإنكليزي وصولاً للحكم الجمهوري.كان العراق في المرحلة العثمانية يعيش وضع مختلف، حيث كان قابع تحت سيطرة العثمانيين والمماليك الذين كانت لهم السلطة العليا على الحياة السياسية.وكانت لطبقة الشيوخ ورؤساء العائلات والمسؤولين الذين تعينهم الدولة العثمانية لجباية الضرائب الكلمة الفصل على حياة الناس الاقتصادية
وكان الطابع الريفي العشائري هو السائد حينذاك.وكان الناس يعتمدون على الزراعة في طريقة معيشتهم بشكل اساسي.وذلك تبعاً لنوع النمط الانتاجي السائد في ذلك الوقت ،والذي كان نمطاً إنتاجياً زراعياً ،حيث كانت علاقات الانتاج الزراعية هي التي تنظم حياة الناس في بنية ريفية عشائرية.
فكانت بما يعرف (بالديرة)،المملوكة بشكل جماعي، تتألف من أراض زراعية تتقاسمها فروع العشيرة . وكانت الحصة الاكبر من المنتوج نذهب للشيخ والبقية لرؤساء العائلات. ولم تكن الارض ملكية خاصة ،بل كانت ملكية جماعية للعشيرة (عشيرية) توضع تحت سيطرة الشيخ الذي يشكل المركز السياسي الاجتماعي للعشيرة. ثم بعد ذلك طرأت تغيرات عندما قامت الدولة العثمانية بإدخال نظام الطابو، ما ادى الى تحول طبقة الشيوخ والمسؤولين الكبار الى ملاكين عقارين وتحولهم الى أقطاعيين. هكذا كان الحال على وجه الإجمال في ذلك الوقت حيث كانت حياة الناس مرتبطة بالأرض وبالعشيرة والقرية، وكانت القوانين التي تحكم حياتهم الاجتماعية والاقتصادية في معظمها قوانين عشائرية ،وهي بمثابة الدستور لهم . كما لست اغفل هنا الدور الرئيسي للايديولوجية الدينية التي كانت وسيلة أساسية لإعطاء الشرعية لمثل هكذا وضع .
ولكن بتغلغل الاستعمار البريطاني بمنتصف القرن التاسع عشر وصولاً الى احتلال العراق،اخذت الاوضاع تنحى منحاً اخر وتتغير بما يتلائم مع مصالح المستعمر حيث اصبح العراق تابع اقتصادي لبريطانيا. وأخذ المستعمر يغير النظام القديم ويربطه بنيوياً به . وعلى اثر ذلك راحت تتشكل علاقات مختلفة تعتمد على تصدير الحاصلات النقدية والمواد الأولية داخل البنية المجتمعية العراقية والتي حلت محل العلاقات الإنتاجية السابقة، ما ادى الى تحول طبقة المشايخ الإقطاعيين وكبار المسؤولين والملاكين العقارين الى طبقة كومبرادورية تعمل كسمسار للمستعمر. واستمر الحال هكذا الى ان ازدادت التناقضات بين الطبقات الشعبية والطبقة المستغلة فظهرت على اثر ذلك الحركات الوطنية التحررية بقيادة الطبقة الوسطى التي كانت معادية للاستعمار والاقطاعيين والتي انتصرت في العراق. وعندها راح شكل الحياة يتغير تدريجياً، فبدلاً من نمط انتاج زراعي اصبح هناك نمط انتاج كولونيالي،وبدلاً من قوانين عشائرية بحتة، اصبح هناك دستور يتضمن قوانين مدنية وحقوق انسان....الخ
ويتضح من خلال ما سبق ان الاختلاف الذي حصل في حياة العراقيين خلال هاتين المرحلتين المختلفتين يعود الى تغير النمط الانتاجي في البنية الاجتماعية العراقية ، من نمط انتاج زراعي الى نمط انتاج كولونيالي ، فنتج عن ذلك تغير في تفكير الناس بسبب تغير
العلاقات الإنتاجية التي تربطهم، وبالتالي تغير القوانين التي تنظم حياتهم .
المراجع
مقدمات نظرية "مهدي عامل"
التاريخ كصيرورة"سلامة كيلة"
عبودية ،إقطاعية ام اسلوب انتاج اسيوي "يوري ف.كاتشانفسكي"
العراق "حنا بطاطو"









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية: العالم على حافة الهاوية


.. برنامج الأغذية العالمي يحذر: غزة ستتجاوز عتبات المجاعة الثلا




.. القسام تنشر فيديو أسير إسرائيلي يندد بتعامل نتنياهو مع ملف ا


.. احتجاجات واعتقالات في جامعات أمريكية على خلفية احتجاجات طلاب




.. موجز أخبار الرابعة عصرًا - ألمانيا تعلن استئناف التعاون مع