الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشعاع الأمل لصورة التخرج وإطار الألم

كاظم الحناوي

2019 / 2 / 1
سيرة ذاتية


إشعاع الأمل لصورة التخرج وإطار الألم
كاظم الحناوي Kadhum Alhanawi
لا تزال شوارع بغداد هي نفسها منذ أن غادرت الجامعة في الثمانينات من القرن الماضي مع تغييرات تتعلق بصدى الأصوات المزدحمة التي تدخل على صورة ذكرياتك الضيق والكآبة رغم ان الصور تلهمك، فرحاً وتفاؤلاً، وعندما ترتبط الذكرى بتجربتنا السياسية السيئة فلا استفادة أكثر أو صقل جوانب معينة لبناء سياسي صحيح . التخرج من الجامعة أجمل لحظة، وشعور الفرحة لا ينسى عند الاخرين لكن في العراق شيء آخر، فمن شدة الالم لا تحصل على لفافة ورق بيدك ومعطف وقبعة لصورة التخرج الشخصية، بل تذهب للحصول على صورة تتركها ذكرى لعائلتك لانك في الطريق الى حرب مع ايران علا وطيسها فالوطن يعيش مخاضا عسيرا، والناس تنظر الى النهاية التي اصبحت شبه مستحيلة للمعارك التي تدور رحاها بجبهات مفتوحة على طول 1000كم وكان الخريجين بعد ايام من التخرج يراجعون مكاتب التجنيد لإرسالهم لمراكز التدريب ومن ثم الى جبهات القتال...
الجامعة جميلة رغم ارتباط ذكرى الصورة بمكاتب الخوف إلى الآن أبحث عن عذر لسياسيينا السابقون واللاحقون ولم أجده، الجامعة كانت رغم عنف الحرب بيئة حيوية قائمة بذاتها تركت ذكريات لا تنسى بأوقاتها الحلوة والمرة . حيث تتشكل ملامح الشخصية في الحياة الجامعية تحت انظار الامن والمخابرات وتتغير من المراهقة حيث الاندفاع إلى الخوف والجبن والابتعاد عن السياسة جملتا وتفصيلا و تزداد درجات الخوف عبر الاستمارات التي توزع بين الحين والاخر عن الاقارب والاصدقاء والاهل وما اذا كان هناك هارب من الجيش او سياسي غير بعثي وقد كان جيلنا شاهد على نهاية الشهادة الجامعية الذهبية العراقية فمنذ سنة 1986 بدأت مرحلة جديدة بإيقاف رواتب الطلبة الشهرية و(كوبونات) مطاعم الطلبة وكذلك على المستوى العلمي كان النجاح لمن يمكنه الحصول على الاربعين درجة تعبر الى الخمسين لكي يذهب الطلاب للحرب والراسب وهو ايضا يذهب للحرب ولكن ان فعلها مرتين ورسب. وكانت المدارس الاعدادية في جنوب العراق تعمل بنصف عدد المدرسين او بمدرسين مصريين بلا شخصية مدرس حقيقية والهدف هو زيادة اعداد الراسبين لتعويض النقص الحاصل بأعداد المقاتلين.
بإقبالنا على الحياة تناسينا ما يحدث حولنا وهذا ما جعل لهذه الفترة خصوصيتها . وبالنسبة لي الأمر في الجامعة مختلفا تماما عن الإعدادية في كل شيء، حيث إن الاتجاه الدراسي في الجامعة عبارة عن تخصص واحد وكونها تشتمل على أقسام وتخصصات عديدة تتشكل ثقافات مختلفة بين الطلاب القادمين من المحافظات الاخرى او القادمين من الدول العربية والاسلامية وتنوع في الرؤى والأفكار والانتقال من القرية الى العاصمة ومن السلطات الابوية والمحيط الاجتماعي الضيق الى عالم مفتوح .
فالذكريات السعيدة نتيجة الدافع نحو الحرية والذي يتبعه سرور سببه العلاقات المفتوحة وتمني عودة تلك اللحظات ومعايشتها من جديد، أما الذكريات السيئة فهي المحيط السياسي والذي كنا نتمنى مع التغيير يكون دافع لأبناء جيلنا السياسيين لتصحيح هذا المسار ليستفيد منه الجيل الجديد كدروس تلخص نتاج تجربة ما .
الحنين إلى الماضي هو حالة عاطفية نصنعها عبر استرجاع مشاعر عابرة ولحظات سعيدة من الذاكرة وطرد جميع اللحظات السلبية، والجدير بالذكر أن ثلاثة ارباع الناس يفعلون ذلك مرة على الأقل في الاسبوع .
ويقول العلماء أن ذكريات الماضي، عندما يتم استرجاعها ، أمر مهم جداً للصحة العقلية للإنسان. لأن الحنين إلى الماضي يعطي شحنة إيجابية للإنسان على اعتبار أنه يحرك عواطفه.
فمثلا صورة التخرج من الجامعة تستدعي من خلالها ذكريات التجول بين اقسامها وذكريات العلاقات الانسانية والنشوة العاطفية عند العودة إلى الأماكن المهمة لتحصل على اثارة عقلية وعاطفية كبيرة تعزز من الصحة النفسية والعقلية وتعزز الإحساس بوجودك وبالترابط الاجتماعي، إذ إن الذكريات العاطفية غالبا ما تضم أحباءنا واصدقائنا، ليربطنا خيالنا بشبكة اجتماعية تمتد لتشمل كثيرا من الناس عبر عدد من الفترات الزمنية بمجموعة من الخيال الحركي المبني على الصورة الموجودة امامنا.
الوصف الذي احاول القيام به هو لصورة التخرج من الجامعة نشرها الاستاذ حسن العبيدي على صفحته على الفيسبوك لطلبة الصف الرابع من قسم الاعلام للعام 1987 رأيتها عندما راجعت صفحات اصدقائي بالفيسبوك وانا على سرير المرض كنت استعد لإجراء عملية جراحية وكنت مضطرب وخائف والناس هنا تحتفل بأعياد الميلاد لتودع العام 2018، وقلت رب ضارة نافعة لآني راجعت صفحات اصدقائي فعثرت على شيء ما بين طياتها لاكتشف صورة عادت بي عبر الزمن إلى اللحظة التي تم التقاط الصورة فيها. اصطحبت نفسي في رحلة إلى الجامعة مستعينا بكل ما يمكنه أن يذكرني بأجمل ايام حياتي.
ذهبت الى بغداد للمكان الذي جمعني بأصدقائي القدامى وراجعت الموجودين بالصورة فردا فردا فترحمت على من غادر الحياة متمنيا له حسن الخاتمة وضحكت على بعض المواقف من محاولاتي لإقامة علاقة عاطفية وتمنيت لمن لم اعرف اخبارهم بعد مغادرتهم الجامعة ان يوفقهم الله بحياتهم المهنية .
بعدها كان استعدادي للعملية الجراحية اكثر إيجابية وقلت مع نفسي مادام البعض قد غادر مبكرا فانا اكثر سعادة لأني لازلت حيا الى اليوم ، خصوصاً أن الكثير من اصدقائي في الصورة يحتفظون معي بعلاقة لحد الان بالتواصل المباشر او عبر مواقع التواصل الاجتماعي ويشتعل الشوق حينما نتواصل أو نتحدث إلى من لازلنا نلتقي بهم عند العودة للوطن بصفتهم أطرافا وشاهدي عيان على تلك الايام الجميلة، وسرعان ما نتبادل المعلومات عن اصدقائنا واين هم الان وكيف كانوا عندما كنا في الجامعة..
زوايا الجامعة تحمل بين اركانها الكثير من الذكريات ولكن تبقى أجملها ويذهب منها ما يذهب قسم الاعلام لعام 1986-1987 تتصدر صورة التخرج رئيسه الدكتور سنان سعيد والدكتورة حميدة سميسم استاذة علم النفس والتي كانت مستشارة في وزارة الدفاع لإدارة الحرب النفسية ضد ايران .
الصورة التي تفضلها تكشف الكثير عنك وعما يميزك عن غيرك ... لأنها تساعد الآخرين على معرفتك بالطريقة الصحيحة من خلال مكانك , فأنت معروف لمن معك انك فرضت نفسك ام هم طلبوا منك الوقوف في هذا المكان ام انك لا يعنيك المكان بقدر اكمال المهمة. ما يميزني في صورة التخرج اني كنت في آخر الصفوف ولكن رأسي أعلى الرؤوس عندما تقوم بتفحص الصورة من الآعلى أنا الأطول في الصف الخلفي ومن الطلاب في الصورة الدكتورة ندى عمران والدكتورة شكرية كوكز ونغم وحنان... لنتذكر مواقف الطلاب حسين الشيخ وحسن المحاويلي ودحام الجبوري وشاكرالانباري وبشير الكريماوي ودكتور عبد العزيز الجبوري وحسن العبيدي هذا في قسم الاعلام التابع لكلية الاداب في جامعة بغداد...
ومن ابناء مدينتي في ذلك الوقت كان يدرس في اقسام وكليات مختلفة الاستاذ رياض حمزة جبر والاستاذ قاسم كاظم والاستاذ هادي رزاق والاستاذ حميد عبد علي والأستاذ منذر عبد ناصر اما في كلية الاداب والكليات القريبة من مجمع باب المعظم فلا تنسى المواقف علي مر الزمان لتتنوع تلك الذكريات لتمر عليها السنين تلو السنين لتصبح ذكريات لا تنسى فطلاب مثل حيدر سعيد الجباوي واحسان عدنان عبد الامير وباسم جاسم نزرة ومصطفى كامل علوش والدكتور حيدر ديكان والدكتور كامل القيم والشيخ بشير وجبار الشمري وعباس الطائي ونامق وعاصم وطارق وفردوس وعاتكة وسدر ...
رغم ان رائحة الحرب تفوح في كل مكان لايزال المشهد عالقا في مخيلتي وفيه إحساس الخوف ومنظر توابيت الشهداء التي نراها في الشوارع . لم يعد لدى هذه المجموعة مكان يتسع لأي نقاش سياسي او حواري حول الحرب بل المهم ان نعيش يومنا وكلما احسسنا بالفراغ ننشغل عبر لعب الدومينو او الذهاب الى السينما او نذهب في سفرة ونعالج الضيق من المحيط بان نقترب اكثر إن كان على صعيد الدراسة أو الأقارب فلا احد يدخل هذه الدائرة من الاصدقاء مع قطع العلاقة نهائيا مع الاحزاب، ربما يعتقد البعض ان تصرفنا ليس صحيحا لكن من عاش تلك المرحلة وخطورتها فمن الطبيعي أن يحمي نفسه .
لذلك اتمنى على من يقرأ كلماتي اذا ما صادف عزيز له مريض او مقبل على اجراء عملية جراحية خطرة ان يحاول ايقاد ذاكرته عبر صورة مشعة لتضفي عليه مشاعر خاصة، تسهم في دعم حالته النفسية والاستقرار والقبول بالواقع عبر الابتعاد عن المشاعر السلبية التي تتولد لدى البعض عند مناقشة حالة معينة من غير ذوي الاختصاص.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو العسكرية شمال محافظة بابل ج


.. وسائل إعلام عراقية: انفجار قوي يهزّ قاعدة كالسو في بابل وسط




.. رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بابل: قصف مواقع الحشد كان


.. انفجار ضخم بقاعدة عسكرية تابعة للحشد الشعبي في العراق




.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي