الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضرورة التحضير لما بعد رئاسيات2019

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2019 / 2 / 2
مواضيع وابحاث سياسية



يعيش الجزائريون هذه الإيام في غموض كبير بسبب الإنتخابات الرئاسية في 18أبريل 2019، فهناك من يتساءل هل سيترشح الرئيس بوتفليقة؟، ما سر هذا الصعود الصاروخي للواء على غديري الذي تقاعد من الجيش في 2015؟ن فقد أختلفت الآراء حوله، فمنهم من يراه مرشح ما يسمونها "الدولة العميقة"، وممكن هي تسمية قريبة لما نسميها "مرشح النظام" في مواجهة مرشح "نظام النظام"، نقصد ب"نظام النظام" مجموعة الرئيس بوتفليقة، أي نظام شكله الرئيس ومجموعته داخل النظام ذاته منذ تولي بوتفليقة السلطة في 1999، وهذه المجموعة مدعومة من أوليغارشيا مالية، وسيقابلها مرشح النظام الذي تشكل في 1962، وتعد المؤسسة العسكرية أساس هذا النظام، وسيقع إختيارها على رجل صارم ومولع بثقافة الدولة بإمكانه إعادة الهيبة لها، ويفرض النظام والإنضباط الذي تضعضع كثيرا في السنوات الأخيرة، ويرى آخرون بأن لغديري ما هو إلا تكرار لإنتخابات 2004 التي عرفت صعود مشابه لعلي بن فليس، مما أعطى مصداقية لتلك الإنتخابات طيلة الحملة الإنتخابية، ليفوز بها بوتفليقة في الأخير متجاوزا خصمه بن فليس بعدد كبير جدا من الأصوات، لكن غابت على الكثير بأن رئاسيات 2019 مختلفة عن سابقاتها بحكم أن بوتفليقة جد مريض والنظام عاجز على الإتفاق حول خليفته، ويعيش صراعات حادة، كما أنها ستطرح قضايا قانونية عويصة في حالة ترشح بوتفليقة، ومن الممكن أن هناك أطراف أخرى تسحب الخيوط لأهداف تؤدي في الأخير إلى تطبيق المادة 103من الدستور التي تتحدث عن عجز الرئيس بسبب حالته الصحية، هذا ما سنجيب عليه في هذه المقالة.
فبشأن ترشح بوتفليقة من عدمه لا يسعني إلا تلخيص إجابتي على سؤال لصحفي جريدة "عربي بوست" التركية قبل نهاية عام 2018 حول توقعاتي السياسية بالنسبة للجزائر في 2019 مركزا على الإنتخابات الرئاسية، وهل سيترشح بوتفليقة أم لا؟، وهو نفس السؤال الذي يشغل الجزائريون اليوم، خاصة الطبقة السياسية التي ترغب في خوض رئاسيات 2019: فكانت إجابتنا بأنه من المتوقع جدا أن يترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة لعدة أسباب، ومنها طبيعة أنظمة منطقتنا حيث من الصعب إبتعاد من ذاق طعم السلطة عنها، كما يبدو أن بوتفليقة يحلم بأن يموت رئيسا حتى تقام له جنازة رئاسية ضخمة مثل جنازة الرئيس بومدين الذي نعاه، فبوتفليقة مولع بإيجاد مكانة له في التاريخ، لكن ضيعها للأسف، لأنه كان بإمكانه إدخال الجزائر مرحلة ديمقراطية جديدة بحكم معرفته الجيدة بالنظام الذي كان أحد أبرز صانعيه، لكن للأسف لم يكن في مستوى رجل دولة، بل كان رجل سلطة فقط مثل كل رؤساء الجزائر من قبل ، أما السبب الآخرهو سعيه لضمان مصالح أسرته ومقربيه الذين يؤثرون اليوم بقوة فيه وفي صناعة القرار بعد ما ربطوا شبكة علاقات وطيدة مع رجال المال، ولهذا لن يبتعد بوتفليقة عن السلطة حتى يضمن عدم المساس به وعائلته، فلنشر أنه مر بمرحلة صعبة جدا بعد تولي بن جديد السلطة في 1979، وعرف جيدا أن شعوبنا مع الواقف، فإن كنت في السلطة صفقت لك، وإن أبتعدت عنها هربتا عنك، هذا إن لم تعرضك للإهانة، فقد عاش بوتفليقة ذلك طيلة 20سنة، حيث كان الجميع يهرب عنه ويتجنبه، ولهذا يضع هو وأسرته والمقربين منه هذا العامل في ذهنهم إن لم يكن هو العامل الرئيسي لديهم ، خاصة أسرته الصغيرة، ولهذا نرجح ترشيحه لعهدة خامسة، ولن يبتعد عن ذلك إلا إذا تعرض لضغوط قوى أخرى نافذة تخشى على الجزائر ومستقبلها في حالة مواصلته السلطة، وهو عاجز على القيام بمهامه الرئاسية، لكن مقابل هذه القوى هناك أطراف أخرى تريد مواصلته حتى تضمن مصالحها، كما ستعمل هذه القوى على خلق ظروف لتوريث السلطة، كن وجدت في وجهها قوى نافذة، وتخشى فكرة التوريث، لأنها تعرف جيدا أن أغلب دول "الربيع العربي" هي الدول التي طرحت فيها فكرة التوريث، لأن هناك أطرافا فاعلة في أنظمة هذه الدول ترفض نقل السلطة على أساس بيولوجي بدل العمل طويلا داخل النظام، فتدفع إلى إنتفاضة الشعب، لكن عادة ما تنفلت الأمور من يدها.
قلنا أنه سيترشح لعهدة خامسة، ولن يتنازل عن ذلك إلا في حالة وجود ضغوط قوية عليه من قوى نافذة للإنسحاب، لكن حتى هؤلاء سيجدون صعوبة في إيجاد خليفة له بسبب وجود عدة قوى اليوم مؤثرة في صناعة الرئيس في الجزائر كالمؤسسة العسكرية والأوليغارشيا المالية وقوى دولية وأقليمية وحاشية الرئيس، وكل هذه القوى عددها كبير ومتضاربة ومتناقضة المصالح، وهذا على عكس السنوات السابقة أين كانت للمؤسسة العسكرية الكلمة الفصل في تعيين الرؤساء منذ بن بلة حتى بوتفليقة في 1999، وعندما لا تتفق كل هذه القوى المتعددة والمتناقضة المصالح، ستفضل إستمرار الرئيس حتى تصل إلى حل، ويمكن أن تحل مشكلة الحكم بتعيين نائب للرئيس بعد تعديل دستوري، ويكون له نفس صلاحيات الرئيس تقريبا، لكن يبدو أن الوقت يضغط، إضافة إلى صعوبة الإتفاق على هذا النائب، ولهذا من المحتمل أن نذهب إلى مرشحين قويين أحدهما يمثل ما أسميه في عدة مقالات وهو ّ" نظام النظام" في مقابل "النظام" اللذين شرحنا مفهومهما من قبل.

أصبح اللواء علي لغديري كابوسا لمجموعة الرئيس، فقد تمكن في ظرف إيام قليلة جدا من جمع أكثر من 60ألف توقيع التي يحددها القانون كشرط لقبول المجلس الدستوري ترشحه، كما تعتقد مجموعة الرئيس أن وراءه مديرية الأمن والإستعلامات السابقة التي حلها الرئيس بوتفليقة بعد إستقالة مديرها اللواء محمد مدين المعروف ب"توفيق" في سبتمبر2014، ويعتقد الكثير أن هذا الخوف هو الذي يختفي وراء الهجوم العنيف الذي يتعرض له لغديري من عدة أطراف، ومنها نائب وزير الدفاع وقائد الأركان للجيش، ولعل ذلك يدخل في حرب نفسية دفعت علي لغديري إلى الإصرار على الترشح كتحدي منه، فلا يمكن لنا إغفال العوامل النفسية في المجال السياسي، فهو عنصر هام جدا، لكن أشار بيان لوزارة الدفاع الوطني في 30ديسمبر2018 إلى مسألة هامة، وهو تطبيق قانون أوت 2016 الذي يمنع على العسكريين المتقاعدين الإدلاء بتصريحات إلا بعد مرور سنوات محددة، ومابالك الترشح لرئاسيات تتطلب خطبا وتصريحات، فما هي في الحقيقة إلا محاولة لإثناء لغديري عن الترشح مهددين له بتطبيق هذا القانون، وهو ما يدفعنا إلى طرح سؤال: هل سيستخدم المجلس الدستوري هذا القانون لمنع علي لغديري من الترشح؟، فقد أثبت المحامي مقران آيت لعربي وآخرون أن هذا القانون لا يمنع لغديري من حقوقه الدستورية كمواطن له الحق في الترشح والتعبير الحر سواء بالإدلاء بتصريحات أو كتابة مقالات، ولكننا نعرف كيف يتم تأويل القوانين في الجزائر -حسب الرغبات السلطوية-، لكن في هذه الحالة ستثار بقوة قوة تطبيق القانون على بوتفليقة بالدعوة إلى منعه من الترشح بحكم حالته الصحية وإستحالة إعطائه شهادة "سلامة الصحة"، لأن ذلك تزوير واضح وفاضح، ففي هذه الحالة الأخيرة القانون واضح وضوح الشمس لاغبار عليه على عكس قضية اللواء علي لغديري، يدفعنا كل هذا إلى عدة تساؤلات: فهل هناك أطراف تسحب في الخيوط، وتسعى لمنع كلاهما من الترشح بالإستناد على تأويلات تعسفية للقانون لصالح طرف ثالث لم يظهر بعد؟، فهل هذا ما دفع رئيس حركة مجتمع السلم الإخوانية عبدالرزاق مقري إلى الترشح والتخويف به من مجموعة الرئيس بأن إقصاء كل هؤلاء ستؤول الرئاسة لآخرين، ومنهم مقري أو آخر؟ هذه أسئلة مشروعة تحتاج إلى تقص أكبر حولها.
ونعتقد أن مقري يتصرف حسب معلومات استقاها من لقاءاته مع السعيد بوتفليقة مستشار وأخ الرئيس، بغض النظر عن صحتها، إلا أنها تبدو معلومات مناوراتية تستهدف إستخدام عائلة ومجموعة الرئيس لمقري وحركة مجتمع السلم كي تبقى في السلطة بعد ضغوط من قوى نافذة تريد منها الإنسحاب خوفا على مستقبل الجزائر في حالة إستمرار بوتفليقة في الرئاسة.
لكن الطامة الكبرى اليوم في الجزائر هي الأحزاب اليسارية والديمقراطية التي أصبحت ضعيفة جدا بسبب تآكل وصراعات داخلية على أمور تافهة، وكذلك بسبب وصول إلى رأسها قيادات ضعيفة جدا في كل المجالات، وتحركها مصالحها الخاصة، وغير مؤمنة بأي فكرة، فقد أصبحت هذه الأحزاب والقوى لا تأثير لها على الساحة السياسية، وتركتها للتيارات الدينية، فهي قيادات مستواها محدود جدا و لاتعرف ابسط أبجديات العمل السياسي، فلهذا هي عاجزة على التفكير الإستراتيجي وإستغلال الظروف لنقل الجزائر إلى نظام ديمقراطي أو جمهورية ثانية، كما يسميها البعض.
نعتقد أن الإستناد على تزوير الإنتخابات، وبأن بوتفليقة سيفوز حتما، ولهذا يجب أن نقف مكتوفي الأيدي، ولا نتحرك هو مجرد عمل سلبي لا تأثير له، فالمتتبع الدقيق يستغرب من هذه الأحزاب التي لا تتحرك، ولاتعمل مع قوى أخرى بهدف تغيير الوضع والتأثير في الساحة، فهذا الموقف يمكن أن نجد له مبرر في حالة إن كان بوتفليقة في صحة جيدة، وأن النظام في وضع قوي، مادام تعود الجزائريون على تمرير السلطة لمرشحها، لكن الوضع اليوم على عكس ذلك تماما، فبإمكان الجزائريين اليوم التحضير لما بعد بوتفليقة، فليس من المستحيل لمرشح أن يعمل على توحيد القوى الشعبية والسياسية ليس للفوز في هذه الإنتخابات، بل للتجند لما بعدها في حالة تزويرها، فكل عملية تغيير تحتاج إلى قائد أو قيادة كاريزماتية يلتف حولها الشعب بكل أطيافه، خاصة أن الأحزاب في الجزائر اليوم ضعيفة جدا، ولايعول عليها الشعب، بل يكرهها كرها شديدا بسبب إنتهازية قياداتها والكثير من المنخرطين فيها (انظر في ذلك مقالتنا:"لماذا كفرالجزائريون بالأحزاب السياسية؟" في الحوار المتمدن عدد 15/06/2017)، ولهذا بإمكان الإعتماد على هذه القيادة الكاريزمتية التي ستفرز من هذه الإنتخابات، حتى ولو فاز فيها بوتفليقة، فلنشر أن مرور بوتفليقة إلى عهدة خامسة يأتي في حالة صحية صعبة جدا وفي إطار تناقضات وصراعات حادة يعيشها النظام ذاته، وسيتواصل هذا الوضع حتى بعد الإنتخابات، ومن غير المستبعد أن تكون العهدة الخامسة المصحوبة بأزمة إجتماعية وإقتصادية حادة سببا لإنفجار شعبي، فماذا حضرت هذه القوى والأحزاب التي تعيش في صراعاتها الداخلية لكل ذلك، فلنعلم انه في هذه الحالة يمكن أن تبرز هذه القيادة الكاريزمتية التي تفرزها الإنتخابات بقوة، فتقود عملية التغيير والمرور للجمهورية الثانية كما يقع في كل التغييرات التي وقعت في العالم، فإذا أنعدم القائد أو القيادة الكاريزماتية ستكون فوضى، فمثلا في 1999 أنسحب المترشحون الست آيت أحمد وطالب الإبراهيمي وحمروش ومقداد سيفي وعبدالهى جاب الله ويوسف الخطيب، لكن هل واصل هؤلاء النضال بالتنسيق فيما بينهم أم تركوا الساحة لبوتفليقة يعمل ما يشاء؟، ونفس الأمر مع بن فليس في 2004، لكن يجب التفكير في هذه المسألة بجدية اليوم، لأنه ممكن إيجاد مبررات للمنسحبين في 1999 بحكم أن بوتفليقة كان رئيسا جديدا، وله أنصار، لكن اليوم الوضع مختلف تماما، فهو في وضع صحي مترد جدا، كما أنه مرفوض شعبيا بإستثناء المستفيدين من حكمه، خاصة الأوليغارشيا المالية، أما النظام فهو يعيش تناقضات وصراعات حادة، نعتقد أن الحل والطريق إلى الجمهورية الثانية أو الإنتقال الديمقراطي يمر عبر توافق كل القوى التي تريد ذلك والإلتفاف على مرشح له القوة والقدرة الكافية لتحقيق ذلك بعد الإتفاق معه على ورقة طريق لتنفيذها، هذا ليس معناه سيحقق ذلك بإنتخابات أبريل2019 التي يمكن جدا أن تزور، بل بالوقوف وراءه بعد الإنتخابات وإستغلال الوضع الذي أصبح ناضجا للتغيير، فكل الظروف مواتية لتحقيق هذا الإنتقال الديمقراطي بهدف إنقاذ دولة متهالكة -حسب تعبير- مولود حمروش.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طيران الاحتلال الإسرائيلي يستهدف سيارتين في بلدة الشهابية جن


.. 11 شهيدا وعدد من الجرحى في قصف إسرائيلي استهدف سوق مخيم المغ




.. احتجاجات ضخمة في جورجيا ضد قانون -النفوذ الأجنبي- الذي يسعى


.. بصوت مدوٍّ وضوء قوي.. صاعقة تضرب مدينة شخبوط في إمارة أبوظبي




.. خارج الصندوق | مخاوف من رد إسرائيلي يستهدف مفاعل آراك