الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حيوان اسطوري اسمه الغول

بودهان عبد الغفور

2019 / 2 / 4
كتابات ساخرة


كانت أمي سامحها الله كلما أحدثت شغبا أو سببت لها ازعاجا أو زدت قلقا على قلقها المعهود تلجأ كي تؤدبني وبالتحديد كي يأكلني الى مايشبه حيوان كبير ذو شعر كثيف أتخيله الغوريلا في بعض الاحيان أو أكبر بقليل في مخيلتي الصغيرة الا وهو الغول * البازغوغ* هذا الكائن الوهمي الاسطوري الذي تكثر زياراته في ليالي العاصفة ذات الامطار والرعود يدخل من كل مكان واكثرها من الفتوحات الموجودة في النافذة ليقف فوق رأسي ...أراه من بعيد ضخما اسودا كلما أقترب زاد توهجا فأصاب بنوبة وقشعريرة خوف حتى الموت ...فينحني ويقترب منى ويأمرني بصوته الذي يشبه الرعد أن لا اضايق أمي ..صرخت مرة و مرتين ..فسمعت خطى قدميها بسرعة نحوي لتنقذني ..فأخبرتها انه الغول من هددني وأفزعني ..فتبعده بيديها ملوحة *أمشي هه* فيختفي في الجو مخترقا السقف وفي بعض الاحيان يخرج متجها الى المطبخ ..لا أعلم لماذا المطبخ بالذات ....رأيت بعد ذلك الغول في أشجار المشمش في حقلنا وفي جدار*أحمد بن عمر*الذي كان السواد يلفه ليلا ..وفي النهار موحشا..بقيت اراه واتخيله في الاماكن المظلمة وأراه في سلسلة الصبار * الهندي* التي تحيط بحقلنا ..أراه مساءا قبيل أذان المغرب في وادي قريتنا الصغيرة* الدوار* ....وضللت متخوفا ومبهورا بالغول في المرحلة الابتدائية وأحسست انه قابل للمصادقة وخاصة المطيعين القادرين على احترام رأي الام وأداء الصلاة وحل الواجبات المدرسية ...كنت معجبا به وشديد الثقة ان لديه مهام لاحصر لها في تقفي أثر المجرمين واللصوص والاشرار في كل مكان...وكنت على علم وثقة كاملة انه لا يقترب عندما يكون الاب حاضرا أو من موقع به القرأن ...
أعترف اني كنت شقيا ومشاغبا وأمارس هوايتي المفضلة بعد رمي المئزر والمحفضة وهموم الحفظ والواجبات المدرسية وهي سرقة بساتين الرومان والمشمش والعنب والتين والبروق واللوز ..ومطاردة دجاجات جدتي في العطلة التي كانت اغلى من أي شئ اخر في نظرها .......مع مرور الوقت تغيرت الامور وأتسعت علاقاتي مع الغول لم أعد أجده بين الاشجار والمعلمين ,امسى له تعاريف عدة ونماذج مختلفة ومتعددة في كل نواحي الحياة ..اراه مسؤولا يخيف الشعب يزورهم ويذكرهم بالعشرية السوداء اذا اساؤو التصرف وخرجوا عن طوع الرئيس ....يزور اذا تململ الشعب من حين لأخر في صورة بوحمرون والطاعون والكوليرا والحمى القلاعية وخطف الاولاد واسقاط الطائرات ...وفي بعض الاحيان يبتعد عن الاذية ويستعمل الحكايات والقصص حسب عقول العامة لينسيهم بعض هموم الحياة وشفاءا لمرضاهم بقصة *حليب العتروس* ودواء *رحمة ربي* و *بول البعير* و*لسان الفنك*......عرف صديقي الغول ان هذا الشعب غوغائي فأدخل العياشي في الانبوب الارتوازي فشاهد الناس قصته وصارت عالمية ....ثم طرح اشكالية هل يمكن الترحم على *هواري منار* ؟ وقضية البوشي والمخدرات والجنرالات....
استنتجت اخيرا وذلك لغبائي المعهود أن صديقي الغول يعيش على الخرافة والوهم ويستمد قوته وجبروته من ضعف وعي الناس ....انه يتغير كي يبقى ويتمدد ويستمر ...اني اراه في كل مكان الان في الشارع في التلفاز في العمل في حياتي الشخصية أمسى ينساب بين كل شئ سلسا شفافا مروعا مدمرا في النهاية ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا