الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن مقولة فصل الدين عن الدولة

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2019 / 2 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



يقول " فيورباخ " : ليس لدينا سوى تناقض الوجود الذي هو الاختلاف ، ولنتذكر أن " فيورباخ" قد ميز بين "العالم المدني " (العالم المدني نتاج الناس) والعالم الطبيعي ، .. في بلادنا لاأحد يميز ،حيث اننا لازلنا نعتقد أن العالم هو الطبيعة أو هو المادة المحكومة بقوانين الميتافيزيقا انطلاقاً من فكرة تكريس القبل التي تجسد حالة التخلف في بلادنا .
وفي هذا السياق أشير الى كتاب “الإسلام وأصول الحكم” للشيخ الأزهري علي عبد الرازق الذي أكد أنّ الإسلام دين روحي لا دخل له بالسياسة، أو بالأحرى لا تشريع له في مجال السياسة، فالسياسة أمرٌ دنيوي يعود للناس اختيار وسائله ومبادئه. كما يرى أنّ نظام الخلافة الذي نُسِب للإسلام ليس من الإسلام في شيء، إنّما هو من وضع المسلمين ، وقد كان االشيخ علي عبد الرازق من بين اهم المسلمين المستنيرين ومن اوائل المثقفين الذين طرحوا بجرأة المطالبة بفصل الدين عن الدولة.
لذلك من الواجب أن نتأمل ( كمثقفين عرب ) لماذا لم نحدد بعد موقفنا الواعي بوضوح سواء بالنسبة للهوية أو بالنسبة لوجودنا بعيداً عن الموقف الموضوعي من الطبيعة بإعتباره أمر لايحمل صفة الضرورة ..؟؟ هذا ما حصل في أوروبا في بداية عصر النهضة حينما ألغيت سيطرة الكنيسة المباشرة على عقول الناس ، ومن ثم تحقيق فصل الدين عن الدولة دون ان يعني ذلك إلغاء الكنيسة أو الدين .
أما الحديث عن فصل الدين عن الدولة في بلادنا ، فإنني أود التوضيح هنا أنني لست في وارد تناول موضوعة " الدين" من زاوية فلسفية , في إطار الصراع التاريخي بين المثالية والمادية, فهذه المسألة ليست بجديدة, كما أنها ليست ملحة, كما أن عملية عدم الخلط بين الدين كعقيدة يحملها الناس، وبين الجمهور المتدين تعتبر مسألة مهمة وحساسة , فان يكون لنا موقف فلسفي من الدين، لا يعني على الإطلاق سحب ذلك الموقف على الجمهور المتدين , بل على العكس، فان التحليل الموضوعي ، إلى جانب الوعي والشعور بالمسئولية والواجب، يفترض منا الاقتراب من ذلك الجمهور واحترام مشاعره الدينية، والتفاعل مع قضاياه وهمومه وجذبه إلي النضال من اجل الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية وإنهاء كافة أشكال الاستغلال والقهر والاستبداد، انطلاقاً من فهمنا لمنهجية الفكر العلمي التقدمي النهضوي بأنه ليس موقفا مضادا للدين – كما يروج دعاة الإسلام السياسي والقوى الرجعية والامبريالية – بل هي طريقة تفكير لفهم الوجود بكليته ، وهي منهجية تنظر إلى الدين بوصفه جزءاً من تطوّر الوعي البشري في محاولتهم فهم واقعهم، وصوغ الرؤية التي تكيفهم معه، وأنه شكّل –في مراحل تاريخية معينة- تطوّراً كبيراً في مسار الفكر، وانتظام البشر في الواقع.
وفي هذا الجانب علينا ان نتذكر أن مفكرينا العرب لم يحلوا بعد إشكالية الثنائية في خطابنا المعاصر بين التراث والتحديث أو الأصالة والمعاصرة أو العلم والدين ،فمازال الحاضر عندنا صورة أخرى من الماضي،لأننا ما زلنا أسرى لحالة الانقطاع الفكري التي سادت بلادنا منذ القرن الثاني عشر ومايزال تأثيرها إلي يومنا هذا دون أي تفعيل جوهري لمضمون الاختلاف أو التعدد .
أو ربما كما يقول الياس مرقص نحن مع معطيات مادية لحظية لا تؤدي بنا سوى إلي العدم وغياب الهوية .. لم تتوفر لدينا المعرفة لإعادة إنتاج واقعنا بواسطة الفكر أو الصور العامة أو المفاهيم .. والمقصود هنا بالمعرفة الفكر النظري .. العلم .. الفلسفة ، الفلسفة والعلم هنا يندمجان معاً .. إن الواقع من حولنا كأنه خارج رؤوسنا .. باق كما هو كما كان .. لذلك إن الحركة الفكرية المطلوبة هي انفكار الحركة الواقعية في رأس الإنسان .. انتقال العياني المفكور، أو صورة الواقع الى الرأس … ما يعني بوضوح ضرورة الوعي بكل جوانب الخاص في واقعنا ، هنا يكون إدراك حركة الواقع والاختلاف والتباين عبر الفهم والفكر والعقل من جهة ، وعبر الاسلوب الديمقراطي الذي يجب ترسيخه بالرغم من كل المعاناة التي قد نتعرض لها ، لغايات الوصول الى التعددية والاختلاف طريقا أساسياً من أجل التحرر والتقدم والعدالة الاجتماعية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - دين ودنيا
ابراهيم الثلجي ( 2019 / 2 / 4 - 12:38 )
مهما اجتهد الفلاسفة او الادباء او رجال الحكم فانه لا دولة او كيان اجتماعي قوي كان او هزيل الا بحاجة الى نظام داخلي ومنهج ادارة
فالدين للاختصار ليس حالة ترفية او حالة صوفية لتمجيد الرب بعيدا عن الاسواق بل هو منهج ادارة الفرد والافراد
تصور لو عندنا مصنع لصناعة روبوتات او اشياء ذكية فما كان لها ان تعمل بانتظام دون سوفت وير خص بها
فمن خلق الخلق لم يغفل عن تزويد المخلوق ببرنامج ادارته السوي ، للاداء الحسن اولا ولتجنب الاصطدام الحضاري والطبقي السبب الرئيسي لتنغيص حياة البشر عموما البرنامج الذي بدونه لا يمكن تحقيق اي عدالة ولا يمكن تجنب الصراعات والحروب
اجنح قليلا لراي لينين من زاوية علوم الاجتماع بانه لا ولن توجد سلطة عادلة لان السلطة التي تحكم لا يمكن ان تميل عكس مصالحها، فلا تبحث هناك عن عدالة
ولما كان الله الرب لا هوى له مع طبقة ما او فئة كانت تشريعاته لا تميل لصالح عرق او طبقة ما لذلك اجتهد وجاهد العنصريون طيلة الوقت لمحاربة النص الديني او فصلوا نصوصا دينية مختلقة تمجد عنصرا ما وتجعله اسمى وارقى من الباقي للهروب من معادلة المساواة وشرعوا قوانين تعاقب من يرفض السامية وتطالب بالمساواة

اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد