الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ إنتشار الدين المسيحي في كوردستان (2)

مهدي كاكه يي

2019 / 2 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (73) – الآشوريون

تاريخ إنتشار الدين المسيحي في كوردستان (2)

المسيحيون في ظل الدولة الساسانية (1)

أصبحت الزردشتية الدين الرسمي للدولة الساسانية منذ تأسيس هذه الدولة من قِبل (أردشير الأول) (224 - 242 م) الذي أمرَ بِجمع النصوص المتعددة من الكتاب المقدس الزردشتي (آڤيستا) التي كانت موجودة خلال الحُكم الأشكاني و كتابة نص واحد منها، حيث تمت المصادقة على النص الذي تمّ إنتقاؤه وأُصبح كتاباً مُقدّساً[1].

بمرور الزمن زادت التجمعات المسيحية في المنطقة وأصبحوا يشكلون أقلية دينية في ظل الإمبراطورية الساسانية، حيث ترعرعت المسيحية ونمت وأصبحت لها (27) سبع وعشرون أسقفية في الثُلث الأول من القرن الثالث الميلادي. لقد قام الملِك الساساني (أردشير الأول) بِبناء المزيد من معابد النار الزردشتية وتعيين أشخاص كثيرين لِرعاية عبادة (أهورامازدا) والإشراف عليها، وأصدر قوانيناً يتم بموجبها إلزام الجميع بإكرام (أهورامزدا) كإله خالق. أدّى هذا الإجراء إلى تقييد الحرية الدينية للمسيحيين، حيث إضطر قسم منهم أن ينسلخ عن دينهم المسيحي وإعتناق الديانة الزردشتية.

عندما إستلم الحُكم الساساني الملِك (شاپور الأول) (240 – 270 م)، كان في بداية حُكمه مُتسامحاً تجاه الديانة المسيحية، ولكنه لم يعترف بالديانة المسيحية في مملكته، فكان يعطف على المسيحيين نظراً إلى الظلم والإضطهاد اللذين كانوا يتعرضون لهما من قِبل أتباع الديانة الزردشتية التي كان نفوذها آخذاً في التصاعد والذي إستمرّ الى أن سقطت الدولة الساسانية بعد الغزو العربي - الإسلامي لها.

بعد تولّي (شاپور الأول) الحُكم في الدولة الساسانية، تقرّب في بداية حُكمه من الديانة المانوية وقام بِحماية المانويين وأرسلَ أعداداً كثيرة منهم الى الخارج ليكونوا مُبشّرين للديانة المانوية هناك. كما أنّ الملِك (شاپور الأول) قاد عِدّة حملات عسكرية ضدّ الإمبراطورية الرومانية وإستطاع في النهاية أن يهزم الأباطرة الرومان (جورديان الثالث) (238 – 244 م) و(فيليپ) (244 – 249 م)، كما أنه قام بِهزيمة الإمبراطور الروماني (فاليريون) (253 – 260 م) وأسره وإيداعه السجن بعد معركة (إيديسا) التي إنتصر فيها.

لقد إحتفل الملِك (شاپور الأول) بِنصره في حروبه ضد الأباطرة الرومان، من خلال قيامه بِنحت الصخرة التي عليها نقش رستم، يظهر فيه الأباطرة الرومان (جورديان الثالث) و(فيليپ) و(فاليريون). كما يُظهِر النحت (فاليريون) راكعاً على ركبة واحدة أمام الملِك (شاپور الأول) ويُجسّد النحت الملِك (جورديان الثالث) تحت حصان الملِك (شاپور الأول). الكتابة المستخدمة في هذا النقش التذكاري، هي باللغتَين الپهلوية واليونانية مع نقش رُستم الواقع بالقرب من مدينة (بيرسيپوليس).

قام (شاپور الأول) أيضاً بِتهجير بعض الرومان خلال حملته العسكرية الثالثة على مدينة (أنطاكية) و(الرها)، ونقلهم الى إقليم خوزستان وأسكنهم هناك، حيث تمّ ذكر ذلك في نقش رستم. كان معظم الأسرى من الأنطاكيين، فأسكنهم (شاپور الأول) في منطقة (جنديسابور) في خوزستان، وتمّ تشغيل الأسرى في بناء سدّ على نهر الكارون. كان (شاپور الأول) قد هاجم الروم قبل ذلك في حملة ثانية وتمكن من السيطرة على أنطاكية (المدينة المقدسة الثانية عند المسيحيين) وسبى سُكّانها سنة 257 ميلادية، ومن ضمن الأسرى الذين تمّ جلبهم إلى الأهواز، كان (بيت لافاط ديمتريانس) أسقف أنطاكية، الذي خلّف الأسقف (فابيان) في سنة 253 ميلادية[2].

إستخدم الحُكام الساسانيون السياسة القائمة على سبي مواطنين من بلاد الروم وجلبهم كرهائن، وإسكانهم في المناطق الواقعة تحت حكمهم، التي كانت ترتبط بأهدافٍ سياسية وعسكرية، بالإضافة الى إستخدام الأسرى كطاقة بشرية في العلوم والحِرَف والصنائع، حيث إتّبع الملوك الساسانيون (شاپور الثاني)، و(قباد الأول)، و(خسرَو الأول)، و(خسرَو الثاني)، هذه السياسة والتي قادت الى زيادة الحضور المسيحي في المملكة الساسانية، كما يذكر التاريخ السعردي[2].

لقد عاش نصارى ايران وبلاد مابين النهرين وكوردستان في سلام عندما كانت أعدادهم قليلة، والعقائد التى كانوا يحملونها غير قادرة على منافسة الزردشتية التي كانت الدين الرسمي للدولة الساسانية، إلا أنّ موقف الحكومة الساسانية تجاه المسيحيين، قد تغيّر في بداية القرن الرابع الميلادي، عندما أصدر الإمبراطور الروماني (قسطنطين Costantin) ( 306 – 337 م) مرسوم ميلان الشهير في سنة 313 ميلادية، مُعترِفاً بالمسيحية وإعتنقها ومنح الحرية للقساوسة في التبشير بها وأمّن الحماية للمسيحيين[3][4]. من الجدير بالذكر أنّ الميثرائية كانت الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية قبل إصدار مرسوم ميلان. هذا المرسوم أثّر سلباً على المسيحيين العائشين في الإمبراطورية الساسانية، حيث إعتبرتهم الدولة الساسانية بمثابة عملاء للدولة الرومانية[5]. مما زاد من تفاقم مشكلة المسيحيين الموجودين في ظل الحُكم الساساني، هو أنّ أرمينيا التي كانت تقع بين الدولة الساسانية والدولة البيزنطية، قد تنصّرت بعد إعلان الملِك (تيريدات الثالث(Tradat lll تنصّر أرمينيا رسمياً في عام 301 أو 314 ميلاي[6]. بناءً على هذا التطور، أرسل الملك الساساني (شاپور الثاني) (309 - 379 م)، رسالةً الى أمراء الأرمن يطلب منهم فرض جزية مضاعفة على المسيحيين هناك، حيث جاء في رسالته ما يلي: (عندما تعلمون بأمرِنا هذا نحن الآلهة الآخرين، فعليكم ان تقبضوا على (سيمون) رئيس النزاريين (النصارى)، ولا تطلقوه ما لم يوقّع هذه الوثيقة ويقبل ان يجمع جزية وغرامة مضاعفتَين، يؤديهما إلينا من كل النزاريين الذين يعيشون في بلاد قداستنا والذين يسكنون أراضينا، لأننا نحن الآلهة الآخرين ليس لنا غير متاعب الحرب وهم ليس لهم غير الراحة واللذات! إنهم يسكنون بلادنا ويشاركون قيصر، عدونا المشاعر)[7]). (سيمون) هو (سيمون برصباعي) الذي كان جاثليق المسيحيين في الدولة الساسانية في ذلك الوقت[8].

وقد كانت هذه الحوادث مُقدّمةً لأول إضطهاد وقع على النصارى الكورد وغيرهم إبتداءاً من سنة 339 ميلادية حتى وفاة الإمبراطور (شاپور الثاني) في عام 379 ميلادية. بهذا الصدد يذكر المؤرخ الدانمركي (كريستنسن) ما يلي: (وقد وقع الإضطهاد خاصةً في ولايات الشمال الشرقي في المناطق المُتاخمة للإمبراطورية الرومانية، كانت هناك مَقاتل و مذابح، كما كان هناك تشريد. يستطرد هذا المؤرخ في حديثه قائلاً: في سنة 362 ميلادية تمّ نفي (9000) تسعة آلاف مسيحي مع الأسقف (هيليودور) من قلعة (فنك) في (برابره) الى (خوارزم) بعد ثورة[9]. بيناكا (فنك) هي مدينة كوردية أثرية، ورد ذكرها في المصادر الجغرافية القديمة و تقع على الضفة الشرقية لنهر دجلة على بُعد 15 كيلومتر من جزيرة إبن عمر في سفح چیای ڕەش (الجبل الأسود)[10].

المصادر

1. ارثر كريستنسن. ايران في عهد الساسانيين. ترجمة يحيى الخشاب، مراجعة عبدالوهاب عزام، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية ،بيروت، 1946، صفحة 130.

2. الدكتور جمال رشيد أحمد. دراسات كردية في بلاد سوبارتو، الامانة العامة للثقافة و الشباب في منطقة كردستان، بغداد 1984 ص 137.

3. هنري س. عبودي. معجم الحضارات السامية، عربي – فرنسي- انجليزي. طرابلس لبنان، جروس برس، الطبعة الاولى، 1988، صفحة 58.

4. سعيد عبد الفتاح عاشور. اوربا العصور الوسطى. مكتبة الانجلو مصرية، الطبعة السادسة، 1975، صفحة 39.

5. الأب البير أبونا. تاريخ الكنيسة الشرقية. المطبعة العصرية، الموصل، 1973، صفحة 37.

6. الدكتور نايف محمد شبيب. المعتقدات الدينية وأثرها في المجتمع في بلاد إيران قبل الإسلام. دار الكتب العلمية، بيروت، 2014، صفحة 187.

7. ارثر كريستنسن. ايران في عهد الساسانيين. ترجمة يحيى الخشاب، مراجعة عبدالوهاب عزام، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية ،بيروت، 1946، صفحة 254.

8. الأب ألبير أبونا. تاريخ الكنيسة الشرقية من إنتشار المسيحية حتى مجيء الإسلام. المطبعة العصرية، الموصل، 1973، صفحة 40.

9. ارثر كريستنسن. ايران في عهد الساسانيين. ترجمة يحيى الخشاب، مراجعة عبدالوهاب عزام، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية ،بيروت، 1946، صفحة 254 – 255.

9. عبد الرقيب يوسف. الدولة الدوستكية في كردستان الوسطى، بغداد مطبعة اللواء، 1972، صفحة 42، هامش 4.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور الأعضاء الجنسية؟ | صحتك بين يديك


.. وزارة الدفاع الأميركية تنفي مسؤوليتها عن تفجير- قاعدة كالسو-




.. تقارير: احتمال انهيار محادثات وقف إطلاق النار في غزة بشكل كا


.. تركيا ومصر تدعوان لوقف إطلاق النار وتؤكدان على رفض تهجير الف




.. اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال في مخيم نور شمس بالضفة ا