الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الراعى وذو القرنين

محمد عبد المنعم الراوى

2019 / 2 / 6
الادب والفن


الراعى و ذو القرنين !

يتبع القطيع الراعى النحيف أينما ذهب إلا ذا القرنين..كثيراً ما يشذ عن القطيع..حيث يحلو له الخروج لينبش بين الصخور عن نبتة..أو يتباطأ ليلعق شيئاً من ذلك الماء البارد..
هكذا يراه صاحبه فحلاً متمرداً..لذا لا يفارق السوط يده..يهش به على القطيع فسرعان ما تطيعه وتتبعه..وينزل به على جسد ذى القرنين ليعود من جديد.
لن ينسى له يوم أن شج ساقه بقرنيه..كان ذلك منذ عام ونصف العام..إلى الآن ما زال الأثر فى الساق..والخطوات لم تعد هى الخطوات..ورغم كل ما أصاب ذا القرنين من عقاب إلا أنه زاد فحولةً وعلا قرناه..وصارت حوافره أكثر صلابة وحدة..كما أنه ما زال يمارس هوايته فى التمرد والخروج عن بقية القطيع..
وكلما كبر ذو القرنين كلما ازداد عطفه على نعاجه وخرافه..وكل القطيع..لم يخطر بباله يوماً أن يؤذى أياً منها..بل كان أحياناً يداعبهم ويمرح معهم..ويشفق كثيراً عليهم من بطش ذلك الراعى الأحمق الذى يضربهم بسبب و دون سبب..رغم طاعتهم العمياء له..وما يصيبهم أحياناً من جوع أو عطش..
اليوم يوم من أيام الشتاء..ورغم الصقيع قرر الراعى الخروج بالقطيع..الشبورة حجبت العين عن الرؤية..فالتصق ذو القرنين بصغار القطيع..اطمأن الراعى حين رآه فى وسطها..السماء بدأت تمطر..الأرض تزداد ضحالةً..الصغار حوافرها ناعمة..لا تقاوم..بدأ بعضها ينزلق..الراعى يضربها ليدفعها دفعاً للنهوض..بينما ذو القرنين ينظر إليه شزراً وهو يغرس حوافره ليعيد رفع بعضها الآخر بقرنيه..ومن ثم يساعدها على النهوض.
لكن نعجة سقطت فى إحدى الحفر..فأسرع ذو القرنين لينقذها..استطاع بالفعل بعد جهد أن يرفعها..فانطلقت لتلحق بالقطيع قبل أن يدرك الراعى غيابها.
أخيراً قرر الراعى أن يعود بالقطيع..ظل يهش ويضرب حتى وصل بها إلى ذلك المكان المعروش..
أخذ يجمع بعض الأخشاب وفروع الشجر..كوّمها..أشعل فيها النار..جلس قريباً منها..مد يديه الباردتين وظل يفركها..شعر بالجوع الشديد..مد بصره نحو القطيع ..قرر أن يذبح إحدى صغارها..
يا للهول أين ذو القرنين؟!
انتفض الرجل..ظل يتفرس القطيع..أسرع خارجاً يلقى النظر هنا وهناك..لكن دون جدوى!
عاد يرتجف..جلس قريباً من النار وهو يشعر بالحسرة على فقده..والندم على عدم ذبحه..
لم يكن الراعى يعلم أن ذا القرنين يقبع الآن فى قاع الحفرة..بعدما جاهد وأنقذ النعجة..ولم يكن يعلم أيضاً أن قدمه السفلى قد انزلقت فى المنحدر فهوى..وأنه يجاهد من أجل الصعود والعودة ليطمئن على باقى القطيع..
أخذ ذو القرنين يحاول ويحاول..وكلما صعد عاد فانزلق..ورغم ذلك لم يستسلم..ظل يضرب بقرنيه فى الصخور والجدران كأنه يريد أن يحفر نفقاً للعبور..انهارت بعض الأحجار الصلبة وسقطت متفتتةً فارتكز عليها بقدميه السفليتين فقفز..أخيراً نجح فى الخروج بعد طول جهد ومثابرة من أجل الصعود.بعدما تكسرت حواف القرون.

فجأة دخل ذو القرنين المكان المعهود..وقد بدت عليه علامات التعب..وقف يتأمل النعاج وباقى القطيع..وعندما رأوه ظلوا يمأمأون معاً كأنهم يحيونه على شجاعته أو يتبادلون التهانى فيما بينهم..لفت صوتهم نظر الراعى..فقفز فرحاً بعودته من جديد..ودون أن يفكر فيما آل إليه الكبش سرعان ما قبض على السكين..فأصابه فى قدمه ليشل حركته..لم يبال ذو القرنين بما يفعله الراعى..حيث ما زال قلبه وعيناه معلقين بالقطيع..توالت الضربات وذو القرنين ما زال واقفاً يتأمل القطيع..أخيراً خارت قواه..فسقط الراعى على رأسه وقبض على قرنيه المكسورتين..رفعهما..ظل يذهب ويجئ على رقبته بالسكين.
حتى صارت الأرض بركةً من دماء.. وساد الصمت كل القطيع..
شعر الراعى بنشوة النصر وظل يسلخ الفرو..ويفصل الرأس ويُخرج الأحشاء ويمزقه..
أمسك الرأس من القرنين..وعلقها..أدخل سيخاً من حديد فى جسد ذى القرنين..ورفعه على الوتد..وظل يلقى بالمزيد من الحطب..وكلما توهجت النيران أدار الجسد..
كانت عين ذى القرنين فى رأسه المعلقة ما زالت تدمع..ليست على ذلك الجسد..لكن على تلك الخراف وذلك المصير المنتظر!

تمت
محمد عبد المنعم الراوى
01140977997








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في