الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الظل

محمد عبد المنعم الراوى

2019 / 2 / 7
الادب والفن


الظل
ضقت بالوحدة..وجدران حجرتى التى طالما أطبقت على أنفاسى..
إلى متى سأظل حبيساً؟!
أحدث نفسى..وتحدثنى..لا يحلو لها أن تعاتبنى وتتشاجر معى إلا بعد أن أطفأ المصباح وألجأ إلى فراشى لأطرح عليه جسدى المُنهك..تدق على رأسى بمطرقة الذكريات بلا رحمة..
تدفعنى لليقظة لأشاهد شريطاً من الأحداث لا أرغب فى إعادة مشاهدته.
قررت الخروج..أو قل الفرار حتى وإن كان الوقت متأخراً..
أريد السير فى الخلاء على أقدامى المعطلة..
أريد التحرر من تلك الجدران وتلك النفس الأمّارة بالسوء!
سرت بمحاذاة النيل..الشارع عريض طويل..ممتد امتداد ما تبصره عينى من مجرى النهر..أعمدة النور مصطفّة على جانب الطريق..كلما جاوزت عموداً..استقبلنى الذى يليه
بشعاع يبعث فى نفسى طمأنينة مفقودة و يزيل عنى شيئاً مما أشعر به من وحدة!
كل عمودٍ يرافقنى بشعاعه الممتد..وهو ما زال مصلوباً يلتزم الصمت!
رفيق غريب أو قل صديق فريد لم أعهده من قبل!
لكن ما بال ذلك الظل يطاردنى..تارة ألمحه خلفى وتارةً أراه أمامى يسبقنى..
يخرج من تحت قدمىّ قزماً وسرعان ما يتضخم..ثم يعود يتقزم ويفلت من تحت قدمىّ ليعاود السير من خلفى..
ماذا يريد منى؟!
حين أراه أمامى أشعر أنه يريد أن يستوقفنى أو يفزعنى..وحين ألمحه خلفى أشعر أنه يطاردنى..لأنى كلما تقدمت خطوة يتقدم خطوة..وكلما تقدمت خطوتين يتقدم خطوتين..
حتى أنى كلما أسرع الخطا يسرع خلفى..فيصير أمامى..توقفت فتوقف..تحيرت فى أمره.. ظللت أتأمله فوجدته شبحاً ضخماً لا ملامح له..لا يريد أن يفصح عما بداخله!
أشحت له بيدى فى غضب قائلاً:
ـ ابتعد عن طريقى..أريد أن أواصل السير !
فى التو أشاح لى أيضاً بيده فى صمت ودون أن أتبين أيضاً ملامحه..
بدأت بالفعل أشعر بالخوف..خطوت يميناً فخطا معى..ملت يساراً فمال معى..
يبدو أنه لم يشعر بما أشعر به من ضيق !
وضعت كفى على جبهتى متذمراً فوضع يده..يريد أن يغيظنى..
وضعت يدىّ على خصرى فوضع يده..صفقت بيدى فصفق أيضاً لكن فى صمت..
إنه يقلدنى فى كل حركاتى وسكناتى..
إنه حقاً موهوب فى سرعة بديهته..لكن ليته يفصح عما بداخله!
رفعت رأسى لأعلى وأخذت أضحك ساخراً ..أسرعت بالنظر إليه..
فأسرع بالالتفات نحوى أيضاً..لكن لا أعلم هل كان يضحك مثلى؟!
آه..نسيت أنه لا يضحك ولا يحزن ولا يشعر بما أشعر به وحدى..
إذاً لماذا يصر على مرافقتى..إنه ثقيل كنفسى..كئيب كجدران غرفتى..
لمحت شرطياً يقف على الجانب الآخر يحدق فى..يبدو أنه لاحظ ما انتابنى وما صدر عنّى من ضحكات وإشارات..
الشرطى يعبر الطريق..يبدو أنه يريد أن يتوجه نحوى..
لابد أن أغادر المكان الآن..كما أنها فرصة لأتخلص من الظل اللعين ..سأنطلق بأقصى سرعتى..من المؤكد أنهما لن يستطيعا اللحاق بى..وربما يتعثر أحدهما بحجر فيسقط..أو تنقطع أنفاسه وسط الطريق!
كلاهما ظل يعدو خلفى..كلاهما يحاول اللحاق بى..أنحرف يميناً فينحرفان معى..أنحرف يساراً فينحرفان أيضاً.
آه..لقد تعبت من العدو..بدأت أنفاسى تتقطع..قدماى تؤلمنى..لم تعد قادرة على المزيد من العدو..
انطلقت من فمى صرخات مدوّية حيث تعثرت قدمى بصخرة ناتئة..سقطت أرضاً..فسقط الظل وصار تحتى..ظللت أضربه بلكمات متلاحقة..وهو كذلك ظل يدافع عن نفسه..سالت الدماء من بين أصابعى..ولا فائدة..الشرطى يقترب..
تحاملت على قدمىّ..نهضت..دست على الظل لأحاول العدو من جديد..توجهت نحو النهر..لم يعد غيره للتخلص منهما..صعدت فوق الجدار المواجه للنهر..استعداداً للقفز..
أسرع الشرطى فى انطلاقه صارخاً محاولاً إثنائى عن رغبتى الجامحة..
ـ استنى عندك !
لم أعره اهتماماً.. فقفزت بالفعل فى النهر..وأنا لا أجيد السباحة.
ظللت أخبط فى الماء حيث لا شئ تحتى ولا أمامى ولا خلفى..حتى الظل الخبيث تركنى لأغرق وحدى..
أسرع الشرطى فقفز فى الماء..حملنى من خلفى..وخرج بى..لقد أنقذنى من الغرق..
لكن بمجرد خروجى..وضع سواراً من حديد فى يدى وسحبنى..
حينئذ كان الكثير من الناس قد تجمعوا..سألوا الشرطى فى عجب..
ـ ماله ده يا شاويش؟!
ـ ده مجنون ابن مجنونة!
ضايقنى كثيراً وصفه لى بالجنون رغم أنى أستجبت له وسرت معه حيث يريد فى أدب شديد ودون أدنى اعتراض..
لكن أكثر ما ضايقنى وجعلنى أسب وألعن أنى لمحت الظل خلفى يتراقص ويخرج لى لسانه ويضحك ضحكات متوالية..ودون أن يبتل مثلى!

تمت
محمد عبد المنعم الراوى
01140977997








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج