الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هى على حق !

محمد عبد المنعم الراوى

2019 / 2 / 8
الادب والفن


هى على حق !
أعترف أنها على حق..لكن ماذا أفعل؟!
أعود من عملى متأخراً متعباً..أنطلق نحو الحمام..أنزل تحت الدش..أترك الماء ينساب على رأسى وجسدى المنهك..أستلقى على السرير..تأتى إلىّ بالصينية لأتناول الطعام وأنا أشاهد التلفزيون..لا أدرك جيداً ما الذى أشاهده؟!..فقط أريد أن أنتهى من طعامى..تبدأ جفونى تتساقط بمجرد تناولى بعض اللقيمات..أغيب عن الوعى.. تقوم زوجتى التى طالما أخيب أملها بغلق التلفزيون..تمد الغطاء على جسدى..تخفت الضوء..تستلقى بجوارى وهى تلتصق بالحائط لتترك لى المساحة الأكبر لأتمطع كيفما أشاء!
ثم تحملنى الأحلام إلى رحلة ليست طويلة تنتهى بى إلى صباح يومٍ جديد لا يختلف عن سوابقه!
تستيقظ دائماً قبلى..تتوجه نحو لوحة التقويم المعلقة على الحائط..تنتزع ورقة الأمس..تقوم بكى ملابسى..تلمع حذائى..تعد الفطور والشاى..ثم توقظنى برفق..أتناول ما أعدته على عجل.. أنطلق خارجاً حتى لا أتاخر عن العمل!
هى على حق!
أنا نفسى أشعر بالرتابة..حيث لا جديد..فما بالها وأنا أتركها كل يوم منذ سنوات بمفردها..ملل..رتابة..فراغ..وحدة..رضيت من أدبها ألا تتركنى أعيش بمفردى فى تلك المحافظة البعيدة التى اضطرتنى الظروف للعمل بها!
ظلّت على أمل أن يرزقها الله بطفل يؤنس وحدتها..يشغل شيئاً من فراغها..لكن الأمل ظلّ معلقاً..ومن أدبها لم تحرجنى أو تشعرنى يوماً أننى السبب فى تأخر الإنجاب..دائماً ترجع ذلك للمشيئة والصبر..
ـ ربنا قادر على كل شئ..وإن شاء الله حيعوض علينا..
وبعدين أنا راضية..كفاية انت مالى علىّ الدنيا.
إنها تعيش اليوم كالأمس..تحاول أن تمزق الوقت بمشاهدة التلفزيون..أو القراءة..أو تنظيف الشقة وإعداد الطعام..أو تتحدث مع أمها أو إحدى أخواتها من خلال الموبايل!
تمنّى نفسها برؤيتهم..لذلك تنتظر إجازتى الشهرية بفارغ الصبر لنسافر معاً..إنه يوم عيد..تعد فيه الحقيبة منذ المساء..لا تستطيع النوم حتى الفجر..تشعر عند لقائها بأمها وأبيها وإخوتها كأنها ولدت من جديد!
يمضى يوم..يومان..ثلاثة..فى النهاية لابد أن تستسلم وتعد نفسها للرجوع..تقوم بتوديع الجميع بالأحضان والقبلات والبكاء..كأنها ستعود إلى سجنها من جديد..
وأنا السجان الذى لا يستطيع العودة من دونها..أتمنى بقاءها أكثر..لكن ما باليد حيلة!..أنا أيضاً أصبحت لا أستطيع الاستغناء عنها أو العيش بدونها.
أشعر بالفعل بحبها وتفانيها فى خدمتى وتحملها لثورات غضبى..ربما كل هذا ما ما يشعرنى تجاهها بالذنب..خاصة مع تقصيرى الشديد فى أن أبادلها شيئاً من هذا العطاء.
رن جرس الموبايل..انطلقت نحو الحجرة لترد على المتصل..بعد قليل عادت باكية..أخبرتنى بمرض والدها الشديد ورغبتها فى السفر باكراً لرؤيته..
فاجأتنى بالفعل لأنى لن أستطيع أن أتغيب عن العمل لأسافر معها..طلبت منّى فقط على استحياء أن أقوم بتوصيلها للمحطة..سألتها:
ـ وناوية تقعدى كام يوم؟!
ـ مش عارفة!..على حسب الظروف!
أسرعت لعملى الذى تأخرت عنه لأول مرة نصف ساعة كاملة..ثم عدت للمنزل وقد نسيت أنها سافرت!
لقد كانت ليلة عصيبة..شعرت فيها بفراغ وخواء لم أعهدهما فى حياتى من قبل!
لم أسرع كعادتى للحمام..ولم أتناول الطعام..استلقيت على الكنبة شارداً..ثم أخذت أتجول فى الشقة ربما تكون قد عادت من منتصف الطريق حتى لا تتركنى أعانى مرارة الوحدة..لم أجدها..أخذت أتأمل ملابسها..أشمها حيناً وأضمها إلى صدرى حيناً..لا أعرف لماذا اغرورقت عيناى بالدموع!
هل لشعورى الشديد بفقدها ؟!
أم لأنى ذقت بعض لحظات الوحدة التى كانت تعانيها كلما تركتها بمفردها؟!
فتحت التلفزيون..استلقيت على السرير..أخذت أقلب فى القنوات لساعات..حالة من الأرق أصابتنى..أخيراً استسلمت للنوم..حملتنى الكوابيس إلى عوالم بعيدة مفزعة..لم أصدق أنى نجوت منها حين استيقظت..وصل إلى سمعى صوت الآذان..أخذت أفرك عينى وأنا أنظر فى الساعة..إنه آذان الظهر!
نهضت فزعاً..لا أعرف ماذا أفعل؟
أين ملابسى؟!..تذكرت أنى لم أخلعها منذ الأمس..وضعت قدمى فى الحذاء..هرولت نحو الطريق منتظراً أيّة سيارة..أخيراً وصلت!
لكنى سرعان ما عدت بعد أن تم إعفائى هذا اليوم عن العمل..لم أتناول لقمة منذ الأمس..دخلت المطبخ أفتش عن شئ..لا أعرف ماذا أكلت..لكنى أكلت..ارتميت على الكنبة وأنا فى غاية الحزن لما سمعته من توبيخ من صاحب العمل..ولشعورى بالوحدة القاتلة من جديد!
وضعت يدى على جبهتى إذ تذكرت أن غداً الأحد يوم الإجازة الأسبوعية..وأنى سأظل هكذا أعانى مرارة الوحدة التى ذقتها بالأمس..المصائب تتوالى!
رن جرس الموبايل..إنه رقم غريب..تعودت ألا أرد على أيّة أرقامٍ غير مسجلة لدىّ!
رن نفس الرقم مرة ثانية وثالثة..فاضطررت أن أغلق الموبايل..توجهت نحو الغرفة..فتحت النلفزيون..فردت جسدى على السرير..جذبنى فيلم أمريكي..تذكرت أن الموبايل ما زال مغلقاً..قمت بتشغيله من جديد..لربما تتصل بى زوجتى..رن الموبايل..تناولته وأنا أتابع الفيلم وترجمته باهتمام..إنه نفس الرقم الغريب!..اضطررت أخيراً للرد!
ـ ألو !
ـ ياه..أخيراً رديت!
لقد جذبنى صوت المرأة أكثر من ذلك الفيلم المثير ..أخفضت صوت التلفزيون لأتمكن من سماع صوتها الرقيق!
ـ معلش أنا آسف..أصل مش متعود أرد على أى رقم غريب!
ـ أصل أنا اشتركت فى باقة جديدة برقم جديد..وانت أول واحد كان لازم أتصل بيه!
بالطبع غبائى لم يمهلنى لأتبين حقيقة الأمر..فساقنى للمزيد من الحمق..خاصة أنى لم أتعود على مخاطبة زوجتى عبر الموبايل!
ـ ده شرف كبير لىّ يا هانم إنى أسمع صوت حضرتك..والرقم ده حسجله فى قلبى قبل ما أسجله على الموبايل!
يبدو أن زوجتى تعجبت من طريقة ردّى..خاصة تلك النبرة الحنون التى لم تعتد عليها..فقررت مواصلة الحديث معى على هذا النحو مستغلة اعتقادى بأنها امراة غريبة تتصل بى!:
ـ وأنا كمان!
ـ انتى كمان ايه؟!
ـ يشرفنى ويسعدنى إنى أسمع صوتك!
شعرت بارتياح ممزوج بفرحة..ورغبة فى المزيد من تبادل الحديث معها!
ـ واضح إن حضرتك قاعدة لوحدك ومش جايلك نوم زى حلاتى!
ـ ده صحيح..بس انت مش جايلك نوم ليه؟!
ـ الوحدة!..الوحدة صعبة قوى!
ـ انت حتقولى..أنا مجرباها كتير قوى!
ـ أكيد زوج حضرتك بيسافر كتير..علشان كده بيسيبك لوحدك!
ـ يعنى!.. حاجة زى كده!
ـ اسمحيلى يا هانم دا بنى آدم معندهوش دم!
ـ ليه كده؟!
ـ علشان يسيب واحدة زى حضرتك فى غاية الرقة والذوق ده كله لوحدها..يبقى ما بيفهمش..ولا بيشوف!
ـ يمكن ظروف شغله بتفرض عليه كده..وبعدين ايه اللى عرفك إن أنا فى غاية الرقة والذوق..مع إنك ما شفتنيش قبل كده؟!
استلقيت للأسفل واضعاً رأسى على الوسادة:
ـ واضح يا افندم من نبرة صوتك..وطريقة حضرتك فى الكلام!
ـ على فكرة انت بتبالغ!
ـ أبداً والله..ده أقل من الحقيقة!
ـ الحقيقة!..عموماً أنا متشكرة على الكلام الجميل ده اللى كان نفسى أسمعه من زمان!
ـ ياه للدرجة دى؟!..ولو كنتى سمعتيه كان حيحصل ايه؟!
ـ ما كنتش حفكر إنى أسيبك أبداً
ـ أفهم من كده إنك.....ولا بلاش!
ـ بلاش ليه؟!
ـ خايف أكون اتسرعت..وما كنش أنا الشخص اللى كنتى بتحلمى بيه!
ـ أبداً..انت بعينه؟!
ـ معقول!..أنا مش مصدق نفسى؟!
ـ ولا أنا كمان مصدقة!
ـ طب أنا نفسى أشوفك!
ـ وأنا كمان كان نفسى أشوفك قوى!
ـ وايه اللى يمنع؟!
ـ ظروف مرض بابا زى ما انت عارف..وخيانتك لىّ!

تمت
محمد عبد المنعم الراوى
01140977997








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81


.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد




.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه