الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ إنتشار الدين المسيحي في كوردستان (3)

مهدي كاكه يي

2019 / 2 / 7
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (74) – الآشوريون

تاريخ إنتشار الدين المسيحي في كوردستان (3)

المسيحيون في ظل الدولة الساسانية

في الحلقة السابقة تحدثنا عن الظروف التي عاشها المسيحيون في ظل كلّ من الملِك االساساني (أردشير الأول) و(شاپور الأول) و(شاپور الثاني). نواصل في هذه الحلقة حديثنا عن المسيحيين في ظل هذه الإمبراطورية.

من المفيد أن نذكر بأنه في بداية إنتشار المسيحية، كان البعض يؤمن بأنّ المسيح يملك طبيعتَين مُندمِجتَين، إحداهما إلهية والأخرى بشرية. المؤمنون بهذه الفكرة أصبحوا يُعرَفون ب(اليعقوبيين)، تيمّناً بالأسقف (يعقوب البرادعي) الذي كان واحداً من أواخر المؤمنين بهذه الفكرة. كان هناك آخرون يؤمنون بأنّ هاتين الطبيعتَين ظلتا منفصلتَين، وأنهما شخصان مختلفان، أحدهما إلهي والآخر بشري، واللذان كانا يسكنان جسد المسيح وقد إرتبطت هذه العقيدة بِإسم بطريرك القسطنطينية (نسطوريوس)، الذي فضّل إستعمال عبارة (كريستوطوقس أي والدة المسيح) بدلاً من (الثيوطوقس أي والدة الله) في وصف مريم العذراء، فتمّ إطلاق إسم (النسطوريين) على معتنقي هذه الفكرة. لقد تمّ إقرار الطبيعة الواحدة للمسيح في مجمع مدينة (أفسُس) في سنة 431 ميلادية، إلا أن مجمع كالسيدون (خلقيدونية) المنعقد في سنة 451، رفض كلتا العقيدتين وتبنّى إعتقاداً توفيقياً هو أن المسيح شخص واحد وله طبيعتان وأصبح هذا الإعتقاد هو المعتقد الأرثودوكسي للكنيسة البيزنطية.

بعد مقررات مجمع (أفسُس) في سنة 431 ميلادية، تمّ وضع الحُرمان على بطريرك القسطنطينية (نسطوريوس) الذي أعلن صراحةً أنّ (مريم) هي والدة (عيسى) البشر، ولذلك تمّ إحتساب النسطوريين، مهرطقين في الإمبراطورية الرومانية، مما دفع بأتباعه ومناصريه إلى ترك أراضي الدولة الرومانية البيزنطية والإلتجاء إلى الشرق، حيث الدولة الساسانية. في ظل الدولة الساسانية، تمتّع النسطوريون بِحُرّية أكبر، حيث إنفصلت الكنيسة في الدولة الساسانية عن الكنيسة البيزنطية بعد مجمع (آفسُس) وأصبح الإيمان بوجود طبيعتَين منفصلتَين للمسيح، العقيدة الرسمية لمسيحيي الإمبراطورية الساسانية. لذلك أصبحت الكنيسة النسطورية بمثابة أم كنائس المشرق وكان لها جهود حثيثة لنشر المسيحية في كوردستان والهضية الإيرانية وفيما بعد تمّ نشرها في أواسط آسيا والصين[1].

حاول الإمبراطور الروماني (جوليانوس) (361 – 363 م) إعادة الديانة الميثرائية كدين رسمي للإمبراطورية الرومانية، إلا أنّه فشل في محاولته، فتراجعت الميثرائية تدريجياً أمام الدين المسيحي[2].

رغم تسامح الملِك شاپور الأول (240 – 270 م) مع المسيحية، إلا أنه قام بِقتل إحدى زوجاته التي كان إسمها (أسطاسا) لإعتناقها الدين المسيحي، كما أنه نفى أخته (شيرازان) التي إعتنقت المسيحية، الى منطقة (مرو)، حيث أسست كنيسة هناك بِمؤازرة الراهب (برشبا) الذي أصبح مطراناً لهذه المقاطعة[3].

تفاقمت مشكلة المسيحيين في عهد الملك الساساني بهرام الأول (273 - 276م). في بداية حُكمه، حاول الحدّ من إنتشار المانوية، التي إستفحل أمرها، وظن هذا الملِك أن المسيحية والمانوية دين واحد، حيث أنّ (ماني) جمعَ بين الزردشتية والمسيحية بِهدف جذب الناس إلى دينه. سمّى (ماني) تلميذَيه، (توما) و(أدي)، فأرسل (توما) إلى الهند و(أدي) إلى اليمن، وادّعى أنه (الفارقليط) الذي وعدَ المسيح تلاميذه بإرساله إليهم. رغم أن الملِك (بهرام) كان قد تربّى في منطقة گيلان (جنوب غرب بحر قزوين) على يد معلمّين مسيحيين وتعلّم السريانية وجادل الأساقفة وكانت له زوجة مسيحية من سبايا الروم البيزنطيين، إلا أنّ إنتشار المانوية والمسيحية معاً أقلقته وأخافته، فإنقلب إلى حاكم مُضطهِد عنيف تحت تأثير الكاهن الزردشتي الموبيدان (موبد كرتير) الذي كان يكن عداءاً عنيفاً للمسيحيين نظراً لإتهامهم للزردشتيين بِعبادة النار، كما يظهر ذلك في نقش رستم في الكعبة الزردشتية[4][5].

الملك الساساني (شاپور الثاني) (309 - 379 م) الذي إستمر حكمه لفترة سبعين سنة (309 – 379 م)، حاول خلال فترة حكمه إستئصال النصرانية من مملكته التي أصبحت خطراً على الديانة الزردشتية، حيث أنّه في عهده تمّ قتل حوالي 35 ألف مسيحي[6]. (نرساي الملفان) قد كتب مقالاً مهماً عن إضطهاد الملِك (شاپور الثاني) للمسيحيين. من الجدير بالذكر أنّ (نرساي الملفان) مولود في محافظة دهوك الحالية في حوالي سنة 399 وكان مديراً لمدرسة الرها الدينية المسيحية الشهيرة[7]. إن اضطهاد الملك الساساني شاپور الثاني التي دامت 39 سنة بكاملها تخللتها بعض الفترات الهادئة، و بدأ إضطهاده للمسيحيين بعد مرور سنة واحدة على إصداره مرسوم سنة 340 ميلادية ضد المسيحيين، وقد نقل خبر هذا الإضطهاد الأسقف (ماروثا أسقف ميافارقين) الذي عاش في نهاية القرن الرابع الميلادي وبداية القرن الخامس الميلادي. كان هذا الأسقف ضليعاً بالآداب الكتابية وطبيباً ممتازاً، وقد أوفده الملِكان البيزنطيان (أركاديوس) و(ثاودوسيوس الثاني) مرتين متعاقبتين بِصفة سفير إلى الملك الساساني يزدكورد الأول، وبفضله أعاد الملِك الساساني الأمن إلى الكنيسة المسيحية[8].

مذبحة أخرى وقعت للمسيحيين في عهد الملِك (بهرام الخامس) في العشرينات من القرن الخامس الميلادي. في عهد الملِك يزدكورد (439 – 457 م)، تمّ قتل حوالي 150 ألف مسيحي. كما أنّ الملِك (خَسرَو الأول) أصدر في سنة 562 ميلادية مرسوماً يقضي بإعدام أي شخص يقوم بالتبشير المسيحي في الدولة الساسانية[9].

رغم المجازر التي تمّ إرتكابها بِحق المسيحيين، لم يكن الدين المسيحي محظوراً خلال فترة الحُكم الساساني ورغم هذه المجازر التي حصلت في فترات متقطعة ضد المسيحيين، إلا أنّ بعض الحُكام الساسانيين عاملوا المسيحيين معاملة جيدة، مثل الملِك يزدكورد الأول (399 – 421 م) وكان للملِك خَسرَو الثاني (591 – 628 م) زوجتان مسيحيتان وطبيب مسيحي في قصره[10].

في أواخر الدولة الساسانية، أصبحت أعداد المسيحيين فيها كبيرة، بحيث يهددون الديانة الزردشتية ونظراً لنمو نفوسهم، فرض المسيحيون أنفسهم على الدولة الساسانية، بحيث أنّ الإمبراطور الساساني هرمز الرابع (579 – 590 م) كتب رسالةً الى الكهنة الزردشتيين يأمرهم بالتوقّف عن إضطهاد المسيحيين ومُعتنقي الديانات الأخرى، مشيراً إليهم ب"القوائم الخلفية للإمبراطورية"، حيث جاء في رسالته ما يلي: ( كما أنّ تاجنا الملِكي لا يمكن أن يقف على قائمتَيه الأماميتَين من دون الخلفيتَين، فحكومتنا أيضاً لا يمكن أن تقف، وتكون ثابتة إذا ما أثرنا سخط المسيحيين وأتباع الديانات الأخرى الذين لا ينتمون الى ديننا. ولهذا السبب عليكم أن تتوقفوا عن مضايقة المسيحيين، وإحرصوا على القيام بأعمالٍ حسنة حتى يستحسنكم المسيحيين وأتباع الديانات الأخرى عليها، ويشعروا بالإنجذاب الى ديننا)[11].

المصادر

1. سركيس أبو زيد. المسيحية في إيران – تاريخها وواقعها الراهن. المراجعة والتقويم: فريق مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، الطبعة الثانية، بيروت، 2017، صفحة 21 - 22).

2. المصدر السابق، صفحة 22.

3. المصدر السابق، صفحة 28.

4. محمد امين زكي. خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من اقدم العصور التاريخية حتى الآن. ترجمة: محمد علي عوني، الجزء الأول، بغداد، 2005، صفحة 39.

5. جمال رشيد احمد. دراسات كردية في بلاد سوبارتو. بغداد، 1984، صفحة 80 & 116-117.

6. سركيس أبو زيد. المسيحية في إيران: تاريخها وواقعها الراهن. المراجعة والتقويم: فريق مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، الطبعة الثانية، بيروت، 2017، صفحة 36.

7. د. مراد كامل، د. محمد حمدي البكري، د. زاكية محمد رشدي. تاريخ الأدب السرياني من نشأته الى العصر الحاضر. دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، صفحة 158.

8. طه باقر. مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة. الجزء الأول، بغداد، 1973 ، صفحة 109.

9. سركيس أبو زيد. المسيحية في إيران: تاريخها وواقعها الراهن. المراجعة والتقويم: فريق مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، الطبعة الثانية، بيروت، 2017، صفحة 36.

10. المصدر السابق، صفحة 30 - 31.

11. المصدر السابق، صفحة 31.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي