الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر والاحلاف العسكرية فى المنطقة .... ضد أو مع ايران

محمود جابر

2019 / 2 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


من الثابت أن الموقف الشعبى والرسمى فى مصر منذ العهد الملكى ومرورا بعهود عبدالناصر والسادات وحسنى مبارك هو رفض انضمام مصر إلى أحلاف عسكرية مع الدول الكبرى.
ومن المعلوم تاريخيا أن مفاوضات صدقى بيفن فى 1946 لأنها تضمنت فكرة انضمام مصر إلى تحالف عسكرى مع بريطانيا ثمنا لجلائها عن مصر، ورفضت مصر فكرة الانضمام إلى منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط فى سنة 1950 والتى كانت تدعو لها الولايات المتحدة وتشترك فى عضويتها كل من بريطانيا وفرنسا لنفس السبب.

ومع أن التوقيع على اتفاقية الجلاء فى سنة 1954 بما تضمنته فى مادتها السادسة من بقاء قاعدة قناة السويس العسكرية صالحة للاستخدام، تعود لها القوات البريطانية فى حالة حدوث عدوان على مصر، أو إحدى الدول الأعضاء فى الجامعة العربية أو تركيا، كان يشى بحلف عسكرى ضمنى بين بريطانيا ومصر، وكان ذلك واحدا من الانتقادات التى وجهت لهذه الاتفاقية، إلا أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر انتهز فرصة العدوان الثلاثى على مصر والذى شاركت فيه بريطانيا وفرنسا متآمرتين مع إسرائيل لإلغاء هذه المعاهدة فى أعقاب انسحاب القوات البريطانية والفرنسية من بورسعيد فى 23 ديسمير سنة 1956، ولم يكن قد مضى أكثر قليلا من عامين على هذه الاتفاقية.
وربما يذكر القراء كذلك الحملة القوية التى شنتها مصر على انضمام الدول العربية لحلف بغداد فى سنة 1955، وإدانتها الشديدة لمذهب إيزنهاور الذى كان يصف الشرق الأوسط بأنه منطقة فراغ بعد انسحاب القوى الاستعمارية التقليدية منه، وأن الوجود العسكرى للولايات المتحدة هو السبيل لملء هذا الفراغ. وتلك كانت دعوة مبطنة لانضواء الدول العربية فى حلف ضمنى مع الولايات المتحدة الأمريكية.

وعندما شاركت مصر فى التحالف الدولى لتحرير الكويت عام 1991 تحت قيادة الولايات المتحدة جاء موقفها من منطلق دفاعى . هنا يلاحظ أن كل الأحلاف السابقة كانت عابرة للمذاهب ففى كل من مشروع قيادة الشرق الأوسط وحلف بغداد كان الدور الإيرانى أساسيا بحكم العلاقة الوثيقة بين شاه إيران والولايات المتحدة، ومع أن إيران لم تشارك عمليا فى عاصفة الصحراء إلا أن دعمها تحرير الكويت جعلها طرفا غير مباشر فى هذا التحالف.

لذلك فمما يثير الدهشة أن تجرى تطورات وحديث عن حلف عربى أمريكى وطرح اسم مصر ضمن هذا الحلف، دون توضيح مفصل من جانب الحكومة المصرية حول مرامى كل هذه التطورات. فما هى أبعاد وجود بعثة دبلوماسية مصرية فى مقر حلف الأطلنطى فى بروكسل يرأسها سفير مصر فى العاصمة البلجيكية؟، وما هى نتائج ذلك على علاقات مصر بدول أخرى قد يتخذ الحلف مواقف مضادة لها، وهل تقبل مصر بالفعل فكرة هذا التحالف العسكرى السنى الذى تحدث عنه ولى العهد السعودى مع الرئيس الأمريكى، وهل ستشارك فيه، وهل سيكون لها وزن كبير بين جنوده الذين يبلغون أربعين ألفا؟ وقبل ذلك كله ما هى جدواه؟ بل وما هى أخطاره؟

هذا الحلف مخصص لمواجهة الخطر الإيرانى بما قد يستلزمه ذلك من التنسيق المخابراتى مع إسرائيل...

-2- والامر لم يقف عند هذا الحد فقط فقد طرح حديث آخر عن حلف آخر مصر جزء منه وهو حلف " الممانعة " يضم كلآ من إيران والعراق وسوريا اضافة لمصرويحتفظ بعلاقة وثيقة مع روسيا.

وعلى هذين التحالفين يمكن إبداء الملاحظات الآتية:

الملاحظة الأولى : أن الطرحين معا يسهمان فى تمييع القضية الفلسطينية ويرجئان حلها إلى ما شاء الله، فالحلف الأمريكى يعيد ترتيب مصادر تهديد الأمن القومى العربى على نحو يُعَظِّم من الخطر الإيرانى، على حساب الخطر الإسرائيلي، كما أن الهدف المستتر وراء الحلف الإيرانى هو تطويق الدور الإقليمى للمملكة العربية السعودية وإن اتخذ هذا الحلف مسمى جذابا هو «الممانعة» فى إشارة إلى رفض المشروع الصهيوني. والواقع أنه مع أن أحدا لا يقلل من خطورة المشروع الإقليمى الإيرانى إلا أن إسرائيل ستظل هى مصدر التهديد الأساسى للأمن القومى العربى - ليس فقط بسبب سياستها الاستيطانية التوسعية ولكن لأنها توأم الإرهاب ولأنها ضالعة فى محاولات تفكيك الدولة الوطنية فى المنطقة العربية . ومن جهة أخرى، لا يوجد من يصدق أن هذه الاستماتة الإيرانية فى الحرب الدائرة فى سوريا هدفها الحفاظ على نظام » مقاوم« فَلَو استثمرت الجمهورية الإسلامية مالها وسلاحها وحرسها الثورى فى مواجهة إسرائيل خلال تلك السنوات الست لتغيرت موازين القوى العربية - الإسرائيلية، لكن الهدف هو الدفاع عن أحد معاقل النفوذ الإيرانى فى المنطقة منذ عام 1979.

الملاحظة الثانية : أن كلا الطرحين يتخذان طابعا مذهبيا فى وقت بلوغ الاستقطاب السني/الشيعى ذروته ليس فقط على مستوى المنطقة ككل لكن أيضا على مستوى عدة دول عربية كلٍ منها على حدة. بطبيعة الحال فإن هذا الطابع المذهبى المقيت يظهر بشكل أكثر وضوحا فى الطرح الأمريكى الذى يتحدث عن تحالف عسكرى بين «دول سنية»، لكن المذهبية أيضا هى عنصر مسكوت عنه فى الطرح الإيراني، فأن يضم الحلف المقترح مصر أو حتى الجزائر كما فى بعض الصيغ المتداولة، فإن هذا لا ينفى أنه أحد أدوات إدارة الصراع المذهبى مع السعودية وأن إيران تعد نفسها حامية الشيعة فى العالم.

الثالثة : أن الطرحين معا ذهبا بعيدا فى تأويل السياسة الخارجية المصرية بما يخدم منطلقات كلٍ منهما. وكمثال نُشر قبل أيام مقال باللغة الإنجليزية تحت عنوان «ما الذى يمكن أن يعنيه ذوبان الجليد المصرى - الإيرانى بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية فى المنطقة؟»، وفيه تم الربط بين رفض مصر الحلف العسكرى «السني» و بين ما وُصف بالتقارب المصرى مع إيران من خلال ثلاث حلقات هي: أن مصر تعتبر الإسلاموية «السنية» مصدر عدم استقرار الشرق الأوسط ما يحدوها للاصطفاف مع روسيا وإيران اللتين تحاربان هذا النوع من الجماعات، وأن مصر تتمسك بحقها فى قيادة المنطقة ولا تقبل الانخراط فى تحالف لا تتبوأ فيه موقع القيادة، و أن صعوبة وضع مصر الاقتصادى يجعلها تنفتح على العراق. هذا التحليل المتهافت لا يعرف شيئا عن موقف مصر الثابت من الأحلاف العسكرية ناهيكم أن يكون هذا الحلف له طابع مذهبى مقيت ويستبدل خطر إيران بخطر إسرائيل. ويتناسى التحليل أن داعش هو الكابوس الذى يؤرق العالم كله وليس مصر وحدها أى أن إزعاج هذا الكابوس مبعثه جرائم التنظيم و ليس مذهبه، كما يتناسى أن مصر شاركت فى عاصفة الحزم تحت قيادة سعودية، وأن علاقة مصر بالعراق ليست وليدة اللحظة وتتجلى قوتها فى المواقف المفصلية : حرب أكتوبر وحرب الثمانى سنوات .

من جهة أخرى، عوّل من كتبوا عن تحالف مصر مع إيران على قطيعة مصرية - سعودية بناء على اختلاف وجهات نظر الدولتين بخصوص بعض قضايا السياسة الخارجية وهذا تحميل للأمور فوق ما تحتمل، فالتطابق فى رؤى الدول ليس واردا فى مجال العلاقات الدولية ولنا فى تمايزات مواقف الدول الخليجية نفسها خير مثال، والتزام مصر بأمن الخليج ينبع من مسئولية قومية ومن مصلحة وطنية مؤكدة، وقد خطت السعودية نفسها خطوة إيجابية باتجاه العراق وزار بغداد وزير خارجيتها، بل إن ملف الحوار الخليجى مع إيران موضع نقاش وقد حمل بشأنه وزير خارجية الكويت رسالة لطهران كما زار الرئيس الإيرانى عُمان والكويت والتقى وزير خارجية إيران بأمير قطر، وكلها عوامل تُقرب الموقفين المصرى والسعودي.

لم ترتبط مصر عبر تاريخها بأحلاف عسكرية شرق أوسطية برعاية قوة عظمى وليس من الوارد أن تفعل الآن لا ضد إيران ولا معها، ويكفى النظر للسيولة الشديدة فى المواقف الدولية تجاه أزمة كالأزمة السورية لنتبين أن أى حلف عسكرى جديد سيؤسس فوق تل من الرمال المتحركة، وكل المطلوب إعادة تقييم العلاقة مع إيران تقييما يدرك نقاط التلاقى والتصادم بين مصالح الدولتين فليس منطقيا أن يتحاور الجميع مع إيران إلا مصر .

وفى الختام نقول الأفضل لمصر فى هذه الظروف أن تسترشد بالموقف الثابت لحركتها الوطنية ولما استقرت عليه كل حكوماتها من قبل، وهو رفض الأحلاف العسكرية مع القوى الكبرى، وأن تكون أبوابها مفتوحة لكل دول الشرق الأوسط، وأن تمد أيديها مصافحة كل الشعوب والدول أيا كانت مذاهبها الدينية أو عقائدها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س