الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التقنيات النفسية لصناعة الارهاب مدرسة الرقاب أنموذجا

إقبال الغربي

2019 / 2 / 11
الارهاب, الحرب والسلام


برزت على السطح، خلال الأيام المنقضية في تونس ، قضية ما تُعرف بأطفال المدرسة القرآنية بالرقاب بولاية سيدي بوزيد و ما رافقها من جدل واسع على المستوى الحقوقي محليًا ودوليًا .
و تشير الوقائع انه تم العثور على 42 طفلًا (بين 10 و18 سنة) و27 راشدًا (بين 18 و35 سنة) تبيّن أنهم يُقيمون اختلاطًا بنفس المبيت في ظروف لا تستجيب لأدنى شروط النظافة والصحة الجسدية و السلامة العقلية . فجميعهم منقطعون عن الدراسة، كما أنهم يتعرّضون للعنف وسوء المعاملة ويتم استغلالهم في مجال العمل الفلاحي وأشغال البناء ويتم تلقينهم أفكارًا وممارسات متشددة. بل إن القاضية الفاضلة و رئيسة جمعية مقاومة الاتجار بالبشر روضة العبيدي أكدت تعرضهم لانتهاكات جنسية بليغة .
و تبين هذه الحادثة الصادمة أن الإرهاب من أكثر المشاكل الاجتماعية تعقيدا في عصرنا الراهن. و تبذل العديد من الاختصاصات الأكاديمية الجهود لفهم الظاهرة ، إلا أن مسارات التحول و الانزلاق من الفكر العادي إلى التشدد و التعصب و كيفية المرور من الفكرة إلى الفعل الإرهابي ، لا تزال غير معلومة. ولذا يرى البعض أن الحاجة لتدخل علم النفس في هذا المجال أصبحت ماسة لفهم صناعة الارهاب و نواميسها .
ماهي ركائز صناعة التطرف و الارهاب في المدارس و المعسكرات ?
تعتمد صناعة الارهاب والتنشئة على التطرف على مجموعة من التدريبات المعرفية و الوجدانية و الجسدية . سنذكر منها البرمجيات التالية .
1) البرمجيات العقلية

* صنع اليقينيات و وهم امتلاك الحقيقة
تعتمد التنشئة على التشدد و الارهاب على الجمود الذهني وعلى وهم امتلاك الحقيقة المطلقة .
والجمود الذهنيّ هو عطب في المسار الذهني السليم .وهو عجز المرء عن تغيير وجهة نظره ووضع نفسه مكان الآخـــر لفهمه وتفهم أطروحاته .
وهو يوجد في الحالات المرضية مثل العصاب الاستحواذي، كما أنه إحدى السمات الجوهرية في تناذر "البرانويـا". المصاب بالجمود الذهني تنقصـه المرونة الفكرية. له رأي ومبادئ ثابتة، منغلق على حجج و براهين الآخـــر لأن مركزيته الذاتية أي جعل الإنسان نفسه مركـــزا للكون تجعله عاجـزا عن التكيف و التأقلم . المصاب بالجمود الذهني يرتكز على ثوابت ومسلمات لا تقبل النقاش لأنها محاطة بدلالات وجدانية وبشحنات لا شعورية تجعل من كل نقاش فيها تهديدا لتماسكه النفسي الضعيف و نسفا لهيكلته الوجدانية الهشة.
أن أفراد هذه الملة، يشعرون بالقلق نتيجة التطور المتسارع لعالمهم والخوف من الاختلافات وتعدد الآراء والمذاهب والعقائد،و الحقائق التي تزعزع أمنهم الروحي . فهم يسعون إلى حل القلق بمحاولة القضاء الرمزي و المادي على أي اختلاف ويتبنون بشكل مرضى فكرة الحقيقة الواحدة الوحيدة التي لا تقبل الشك أو التشكيك ، وكلما زاد قلقهم زاد عنفهم في مواجهة كل أشكال الاختلاف و التنوع .
* الحاجة إلى أب اجتماعي والبحث الطفولي عن الأمن العاطفي
المنزلة البشرية هي وعد و و عيد .
هي الحرية و هي أيضا المسؤولية.
هي الاستقلالية وهي أيضا الوحدة الوجودية .
وأغلبية البشر لا تتحمل أوزار المنزلة الإنسانية و لا تضطلع بأعبائها .
فهي تبحث عن حيل نفسية و اجتماعية تمكنها من التملص منها .
وللتخلص من هذا القلق الوجودي يلجأ الفرد إلى الالتحام مع مجموعة أو ملة يدين لها بالولاء ويشعر بالقوة من خلالها الذوبان فيها و الولاء لها .
و تمثل الملة و الفرقة حيلة لاشعورية يحاول من خلالها الفرد إعادة بناء " نحن جماعية" متلاحمة كالبنيان المرصوص يستعيد بها وهميا محاولة الانصهار مـــن جديد في جسـد الأم لتفادي الشعور بالنقص .
وداخل هذه المجموعة المتشابهة الباحثة عن الأمن والأمان و الكمال (المتسمرة في الحنين إلى حضن الأم الطيبة) يسود التماثل ويطغى النقاء.
و يمثل الزعيم الروحي تجسيدا لهذه الوحدة و التجانس .
و يتفطن كل زعيم أنّ المجموعة لا تبحث أبدا عن الحقائق و الحلول العملية بل عن الأوهام فقط، وهو يسعى إلى إقناعها والسّيطرة عليها بالتلاعب بأهوائها الجماعية و بمخاطبة مخاوفها البدائية ومن خلال عبارات تضرب أوتارا حسّاسة لديها مثل عبارات "الإسلام في خطر " و "العالم ساده الفساد و الضلال ".
كما انه يعلم علم اليقين أن المحاجّات العقلانية ومحاولة معاملتها بالعلم و الموضوعية بالحقائق والبراهين لن يؤدّي إلّا إلى تنفيرها وليس جذبها و تعاطفها . فهو يعتمد على تقنيات التأكيد والتّكرار وعدوى المشاعر لغرس ايديوبوجيا بسيطة و مبسطة تتدعي إيجاد حلول سحرية لكل مشاكل الكون
.
من جهة أخري يخبر الزعيم الناس ما يودون سماعه، ويستحضر الأكاذيب و يزور الحقائق ، لخلق عالم مزيف . وبتكرار هذه الرسائل، يعزل أتباعه و مريديه عن الواقع الموضوعي و يمحي من ذاكرتهم كل حس نقدي و يخرب مرجعياتهم و معاييرهم الهادية ..
وغالبا ما تتناغم هذه البنية الفكرية مع كراهية الديمقراطية و الشغف بالحكم المطلق و الفاشي .
فالديمقراطية هي تعريفا غياب السلطة الواحدة و تعدد مراكز القوى.
وهي حكم الأغلبية و الاعتماد على موازين القوى النسبي و المتحول . فهي رمزيا غياب "الأب" أي غياب تلك الصورة المطمئنة للمستبد العادل ذلك "المهدي المنتظر" الذي سيملئ الدنيا عدلا و نقاوة.
كما يرتكز الحكم الديمقراطي على مبدأ الجدل و النقاش و التفاوض .هذه القيم تكشف النقاب عن ضعفنا و هشاشتنا وشكوكنا و إمكانية أخطائنا .
وهو ما لا تتحمله الأنا الضعيفة و المرتبكة للمجموعة .
* شيطنة الآخر
تجسد شيطنة الآخر و خلق "كبش فداء" حيلة لا شعورية هي آلية الإسقاط .
و الإسقاط هو الميل البشري إلى إسقاط انفعالاتنا و دوافعنا غير المرغوب فيها (وبالتحديد الميولات ذات الطابع الجنسي والعدواني) على الآخرين . فنحن ننسب إلى "كبش الفداء " جميع المفاسد و نحمله مسؤولية كل المصائب .
و يعتقد فرويد أن هذه الحيلة الدفاعية تسمح للفرد أن يفرغ شحناته المكبوتة بدعوى أنها مجرد رد فعل ضد نوايا و مؤامرات الآخر .هذا الآخر الذي يقصى من دائرة الإنسانية و يشبه بالحيوان.

ذلك نجد في خطابات المتطرفين أن المختلف فكريا يرمز إليه في أغلب الأحيـــان بكلمات مثل "جرذان " "ميكروب"أو " فيروس" أو" سرطان" ينخر جسد الأمــة / الأم ويدنس طهارتها ونقائــهــا .
وخلاصة القول أن الإسقاط يؤدي وظيفة نفسية خاصة تتلخص في التنفيس عما يعتلج في النفس من كراهية وعدوان مكبوت، وذلك عن طريق عملية نقل ذلك العدوان واستبداله بموضوع آخر دفاعاً عن الذات. فالمتعصب إذن يجني من مواقفه كسباً نفسيا ، غير أن هذا الكسب لا يختلف عما يجنيه المريض نفسياً من سلوكه الشاذ، أي أنه كسب وقتي وهمي و ناقص.

* تجفيف الضمير الأخلاقي
يلعب الشيخ المفتي دورا أساسيا في صناعة التطرف و الارهاب . فالفتاوى الدينية تصبغ على العنف الشرعية اللازمة بتحويله من جريمة بشعة إلى تنفيذ حد من حدود الدين أو فريضة من الفرائض .إذ لا تتحوّل الفكرة الإرهابية إلى «عمل» إرهابي إلا في «مناخ» يمجّد الإرهاب ويحرِّض عليه ويبرّره دينيا و يقدم للإرهابي تطمينات روحية تعفيه من أي مسؤولية ذاتية .
تلعب الايدولوجيا التكفيرية و المعادية للمجتمع في هذه المحتشدات دورا أساسيا في نسف المسؤولية الفردية و في تحرير عدوانية و سادية الإرهابي من الضوابط الأخلاقية المعهودة ، وهي تجفف ما تبقى له من ضمير أخلاقي، ومن شعور صحي بالذنب.

2) البرمجيات الجسدية :

*القطع مع العائلة و الحرمان العاطفي

تعتمد صناعة التطرف و الارهاب على ترويض الأطفال و الشباب . و من الآليات المستعملة تقنية "العزلة الشعورية " و إعدام الآخر.
يؤكد لنا علم النفس أن حرمان الأطفال و انتزاعهم من عائلاتهم ينتج كائنات مشوهة عاطفيا .
فخلال التطور النفسي للطفل يكون هذا الأخير تحت رحمة نظرة الوالدين له و خاصة الأم. العلاقة الباسمة مع وجه الأبوين و الحب اللامشروط و الحصري و اللائق به هو أساس الصحة النفسية و شرط المناعة الوجدانية . افتقاد الطفل لهذه العلاقة المحددة يسبب له جرحا نرجسيا أي خصاءا فعليا و إذلال ما بعده إذلال يعيده إلى حالة العجز سيكون تكرارها مؤذيا له و مدمرا لشخصيته . فالمناعة النفسية هي التي تمكن الطفل و الراشد مستقبلا من تجاوز المحن و التعامل مع مصاعب و شدائد الحياة بثقة و تفاؤل .


* التحكم في الحاجات الفيزيولوجية
يعتمد الأسلوب التربوي على الضغط على الحاجيات الأولية للبقاء و لحفظ النفس .
فهو يقايض بالطعام و الحرمان المقنن من أجل كسر مقاومة الأفراد وإرادتهم واستقلاليتهم، وبالتالي تطويعهم. فيضع الفرد بين خيارين: الخضوع والتبعية و الطاعة العمياء لقاء إشباع الحاجيات الأولية، أو الجوع و الحرمان والنيل من إنسانية الإنسان وكرامته.
كما يستعمل هذا الأسلوب عدة طرق وهي :

- الضرب والتعنيف الجسدي بشكل متكرر الذي يلغي الإرادة ويمسح تاريخ ذاتية الشخص فعليا وبخاصة إذا امتد لتعذيب جنسي أو للمناطق الجنسية فيصبح الألم ليس فقط خارجيا بل انتهاكا حميميا للحرمة الجسدية .
- التعذيب من خلال الإجهاد: مثل الحرمان من النوم أو الوضعيات الجسدية الصعبة لفترة طويلة فهذا يوقظ إحساس الشخص بالإثم واستحقاق العقاب ويسحق قيمة الذات مما ينسف مناعته النفسية.
- التحقير المعنوي والنفسي: مثل العنف اللفظي والإساءة للشخص و الاعتداء الجنسي لكسر الشخصية و تخريب الثقة في النفس و احترامها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله ينفذ هجوما جويا -بمسيّرات انقضاضية- على شمال إسرائي


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يغلقون جسرا في سان فرانسيسكو




.. الرئيس الانتقالي في تشاد محمد إدريس ديبي: -لن أتولى أكثر من


.. رصدته كاميرا بث مباشر.. مراهق يهاجم أسقفًا وكاهنًا ويطعنهما




.. ارتفاع ضحايا السيول في سلطنة عمان إلى 18 شخصا