الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محكمة أثينا الثانية - 8 - انتفاضة 2004م في سوريا ودور الأحزاب الكردية

هشيار مراد

2019 / 2 / 11
القضية الكردية


مقدمة

قديماً كان الكرد عبارة عن عدة قبائل، وكان الفكر القَبَليّ هو المسيطر حينذاك، لكن اليوم لم يعد هناك وجود للقبائل، بل الكرد تطوروا ليصبحوا أحزاباً، لكن في الحقيقة ما الفرق بين القبيلة والحزب؛ القبيلة كانت دلالة على أفراد موجودين في رقعة جغرافية معينة تحت أمرة شخص واحد، أما الحزب يدل على أفراد يوحدهم فكر معين تحت قيادة شخص واحد، ولكن ليس بالضرورة أن يكونوا موجودين في رقعة جغرافية معينة.
ما كان يفرق الكرد قديماً كان الفكر والعقلية القبليّة، أما ما يفرقهم اليوم هي العقلية الحزبية. في الحديث عن كرد سوريا خاصة؛ فإن حركة الأحزاب الكردية في سوريا ليست كباقي أجزاء كردستان، الحركة الحزبية الكردية في سوريا نشطة للغاية وذلك مع نشوء أول حزب سياسي كردي في سوريا عام 1957م، ومن ذلك الحزب نشأت وتكونت معظم الأحزاب الكردية الأخرى المعروفة في يومنا الحالي في سوريا وذلك من خلال الانشقاقات والانقسامات والانشطارات التي حدثت بينها.
الأحزاب توحد أحياناً وتفرق أحياناً أخرى. ومن هنا نستطيع أن نذكر أحداث عام 2004م في سوريا أو بما يسمى بانتفاضة الكرد في سوريا عام 2004م، لنرى ماذا كان دور الأحزاب فيها.
هذه الانتفاضة هي أكبر مثال، حيث يبيّن دور الأحزاب الكردية في سوريا أو كيفية التعامل هذه الأحزاب مع الحركة التحررية الكردية في سوريا.

انتفاضة الكرد في سوريا عام 2004م

كان تسلسل يوميات انتفاضة الكرد كالآتي:


صباح يوم الجمعة 12 آذار 2004م

كانت هنالك مباراة بين فريق الفتوة القادم من محافظة ديرالزور وفريق الجهاد من قامشلو وذلك في ملعب قامشلو البلدي، وكان جمهور الفريق الديري الآتي من الدير نفسها كبيراً، حيث إنهم أتوا بعشرات السرافيس، وقبل المباراة كانوا يتجولون بسياراتهم في أحياء قامشلو وشوارعها وذلك لساعتين، حيث كانوا ينادون باسم صدام حسين بشكل استفزازي.
في الساعة 11 ظهراً يدخل جمهور فريق الفتوة الملعب البلدي وذلك من دون أي تفتيش، حيث كان معهم حجارة مخبأة في الأكياس السوداء الذين كانوا يحملونها وأيضاً في ترامس الماء، فملئ جمهور الفتوة الملعب، وأخيراً في الساعة الواحدة سُمح لجماهير فريق الجهاد بأن يدخلوا الملعب، ولما دخلوا وجدوا أن الملعب ممتلئ بجماهير فريق الضيف، فأخذوا يجلسون في ما تبقى من المقاعد، وهنا يبدأ لاعبي الفريقين في التحمية ليبدأوا المباراة، فبدأت جماهير الفتوة يهتفون وينادون باسم صدام حسين وهم رافعين صوره ومسيئين للقيادات الكردية، وأيضاً بدأت جماهير قامشلو بالهتافات التي تناصر سقوط صدام، ومن هنا يبدأ النزاع بين الجمهورين، فيخرج جمهور الفتوة الأحجار التي جلبوها معهم وبدأوا يرمونها على جماهير الجهاد، ولم يكتف جماهير الفتوة بتلك الحجارة، بل استخدموا تلك العصي التي كانت لافتاتهم مربوطة بها. أما الشرطة كانت تنظر إلى هذا المشهد من دون أي حراك وكأن ما يجري مسرحية هزلية، علماً أن الشرطة كانت موجودة قبل المباراة، بل قامت الشرطة بحماية جماهير الفتوة وذلك بضرب شباب الكرد بالعصي وإطلاق النار عليهم.
لم يستطع جمهور الفتوة مواجهة غضب الكرد، فأسرعوا بالهرب إلى خارج المدينة.
تزامناً مع هذا العراك بين الجمهورين أذاعت إذاعة دمشق على أن ثلاث أطفال من مدينة قامشلو قد وقعوا ضحايا أثر دخول مندسين إلى داخل الملعب البلدي، ومع سماع هذه الأخبار هرع أهالي قامشلو إلى الملعب وإلى المشفى الوطني في المدينة ليروا حقيقة ذلك. في المشفى كان هناك بعض المصابين بجروح طفيفة، فلا وجود لضحايا من الأطفال، فالقصة مختلفة تماماً، والمندسون ليس إلا جماهير قامشلو العزل التي انهالت عليهم حجارة الحقد والطائفية.
ضمن هذه الفوضى في الملعب ظهر محافظ الحسكة "سليم كبول" في الملعب، وبعد إجراءه اتصال هاتفي أمر الشرطة بإطلاق النار على جماهير الكرد الموجودين في الملعب ومحيطه، مما أدى إلى سقوط ستة شهداء وعشرات الجرحى.
أيضاً سارعت الحكومة السورية بقطع الاتصالات الهاتفية عن قامشلو. وأُقيم اجتماع للمسؤولين الأمنيين في الحسكة، حيث حضر فيها المحافظ ورؤساء الفروع الأمنية في المحافظة، من أجل كيفية التعامل مع الكرد المنتفضين.

يوم السبت 13 آذار 2004م

في اليوم التالي من المجزرة التي قامت به السلطات السورية بحق الجماهير العزل، خرج أهالي قامشلو لتشييع جثامين الشهداء، رافعين الأعلام الكردية وصور لقادة الكرد ولافتات تستنكر المجزرة التي قام بها النظام ومطالبة أيضاً بالحقوق، وحينما تحول هذا التشييع إلى مظاهرة وبوصولهم إلى حي الجمارك بدأ الأمن في التصدي لهذه التظاهرة وذلك بالرصاص الحي، واستشهد ثلاثة أشخاص وجرح العشرات. فلم يحتمل الأهالي جور الحكومة السورية عليهم ، فبدأت الانتفاضة الكردية...
هاجم الكرد على المراكز الحكومية مُحرقين بعضها، وأعلن النظام حظر تجوال في مدينة قامشلو، ووقعت السلطة في استنفار عام، وتقدمت تعزيزات عسكرية من قلب العاصمة السورية باتجاه قامشلو "قلب الانتفاضة". أيضاً أتت بعثة رفيعة المستوى إلى قامشلو ضم ماهر الأسد (أخ الرئيس) ووزير الدفاع مصطفى طلاس ووزير الداخلية اللواء علي الحمود ومع عدة أشخاص آخرين، ليشرفوا على قمع الانتفاضة الكردية والتواصل مع الأحزاب الكردية لإيقاف التصعيد.
بعد اجتماع أشخاص من هذا البعثة بالأحزاب الكردية، أصدرت الأحزاب بياناً دعوا فيها أبناء الشعب الكردي إلى وقف احتجاجاتهم وإلى حل سلمي للقضية الكردية.

يوم الأحد 14 آذار 2004م

- انتفضت كل المدن والمناطق الكردية، وتم إسقاط عدة تماثيل للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد.
- شيّع أهالي قامشلو الشهداء، ومرة أخرى يشتبك مع الأمن السوري عند الجمارك، فيسقط عدة من الجرحى.
- قام أهالي عامودا، فأسقطوا تماثيل الأسد، وتم إعلان سقوط شهيدين.
- اقتحم أهالي ديريك المقرات الحكومية، وسيطروا على شعبة التجنيد.
- سري كانيه تنتفض، فيقوم النظام فيها بتسليح العشائر العربية.
- استنفار النظام في الأحياء الكردية بحلب.
- عمت التظاهرات السلمية في حيي ركن الدين وزورآفا في دمشق.
- حتى الطلاب الكرد في العاصمة السورية دمشق قد تظاهروا، مما أدى إلى مضايقات ضدهم وذلك من قبل السلطات نفسها وأيضاً من الطلاب الموالين للسلطة. وحتى وصل الأمر إلى أن حاصر عناصر الأمن المدينة الجامعية وتم سقوط جرحى بين طلاب الكرد.
- تظاهر الكرد في أوروبا ونددوا بالأعمال الإجرامية التي قامت بها السلطات السورية ضد الانتفاضة الكردية السلمية.
- تقدمت قوات عسكرية تركية باتجاه الحدود السورية عند مدينة نصيبين المقابلة لمدينة قامشلو. فخوف انتشار الانتفاضة خارج الحدود السورية أصبحت هاجساً لتركيا.

يوم الأثنين 15 آذار 2004م

- خلت مدينة تربسبيه وعامودا من وجود الحكومة، وفي عامودا سلمت القوات الأمنية أسلحتها للمواطنين وفروا إلى مدينة الحسكة.
- اعتدت العشائر العربية الموالية للنظام في الحسكة وسري كانيه وعفرين على الكرد.
- أُعلن حظر تجوال في قامشلو، وخرجت شائعات بأن النظام وضع مواد مسببة للارتخاء في مياه الشرب بالمدينة.
- اعتقلت الحكومة طلاب كرد في دمشق.
- مسيرات تضامنية في ألمانيا والسويد وتركيا.

يوم الثلاثاء 16 آذار 2004م

- قام النظام بمجزرة بحق الشعب الكردي في عفرين وحلب في أثناء إحياء ذكرى حلبجة، فيقع عدة ضحايا.
- اقتحم شباب الكرد السفارة السورية في بروكسل في بلجيكا.
- هاجم شباب الكرد السفارة السورية في برلين بألمانيا وذلك بالبيض والطماطم.

يوم الأربعاء 17 آذار 2004م

- ارتفعت وتيرة الاشتباكات في كوباني وعفرين وحلب بين الأهالي والنظام.
- في كوباني أُحرقت عدة مراكز حكومية وأمنية، ومن بين تلك المراكز مقر فرع الأمن العسكري ومكتب حزب البعث، مما أسفر ذلك في سقوط عدة شهداء من الكرد.
- استمرار الاعتداءات من قبل العشائر الموالية للنظام على الشعب الكردي في الحسكة.
- اختطف النظام عدة جرحى من المشافي في الحسكة.
- أُعتقل العديد من الكرد في العاصمة دمشق .
- تظاهر الطلاب الكرد في جامعة حلب، مما أسفر ذلك باعتقال عدة شبان وجرح آخرين.
- علق النظام ولأول مرة على التلفزيون الحكومي على الانتفاضة ويتهم المخربين بما يحدث في قامشلو والمحافظات الأخرى.
- ناهز عدد المعتقلين إلى 900 شخص ومازال يرتفع.
- تُنظّم المظاهرات في مختلف الدول الأوروبية.
- رفض المشفى الحكومي وبنك الدم في قامشلو إعطاء أكياس الدم للجرحى، فنادى أهالي الجرحى أهل قامشلو ليتبرعوا بالدماء وذلك في المشافي الخاصة، فلبى الأهالي ذلك، لكن للأسف كانت المخابرات السورية تنتظرهم خارج المشافي لتقبض عليهم بعد تبرعهم بالدم. والأهالي كانوا يخرجون جرحاهم من المشافي وهم على قيد العلاج، لكي لا تقبض عليهم الحكومة لتأخذهم إلى التحقيق، وحتى الدكاترة الكرد أصبحوا تحت مراقبة حكومية، لكي لا يقوموا بعلاج جرحى الانتفاضة، لكن رغم ذلك كان الأطباء يقومون بواجبهم الإنساني الذي أقسموا عليه، حيث كانوا يعالجون الجرحى في البيوت.
- تطلب الخارجية الأمريكية من الحكومة السورية التوقف عن قمع التظاهرات السلمية.

يوم الخميس 18 آذار 2004م

- استمرار الاعتقالات العشوائية.
- تحت القرار الوزاري -2385- تم فصل 19 طالب في جامعة دمشق بشكل نهائي وأيضاً فصل عدة اخرين من السكن الجامعي، مع عدة قرارات تعسفية أخرى.

أخيراً ذكرت وزارة الداخلية السورية أن الأحداث أوقعت 25 قتيلاً وخسائر مادية كبيرة، أما الأحزاب الكردية فذكرت أن الأحداث أوقعت 40 شهيداً ومئات الجرحى وآلاف المعتقلين.
لعلّ البعض يخمن أن بدايات الأحداث في قامشلو وذلك في الملعب البلدي مفتعلة من قبل النظام السوري نفسه، وذلك لتأديب الكرد في سوريا، لكي لا يأخذوا حذو الكرد في شمال العراق الذين حصلوا على إقليماً فيدرالياً يخصهم. وإن كان هذا صحيحاً فإن النظام السوري نادم على ما فعله، لأن صوت الكرد أدّب البعث وهز عرشه في سوريا.

عن دور الأحزاب في الانتفاضة

دور الأحزاب في الانتفاضة كان سلبياً، حيث إنهم لبوا مطلب النظام حين طلب منهم أن ينادوا الشعب الكردي ليوقفوا المظاهرات. لعل الأحزاب كانوا يريدون أن يبعدوا عن الشعب الكردي شبح الحرب ووحشية النظام إذا ما قامت حرباً طاحنة بين الكرد والحكومة البعثية، لكن أحقاً هذا ما كان الأحزاب يفكرون به؟ أو إنهم كانوا يفكرون بمصلحتهم أولاً قبل كل شيء، أولم يكن معظم الأحزاب الكردية ألعوبة بيد النظام حتى قبل الانتفاضة. والسؤال الأخير الذي يجب أن نفكر به "هل الأحزاب الكردية كانوا سبباً في قيام الانتفاضة، أم كانوا سبباً لوقفها فقط".
في عام 2004م انتفض الشعب الكردي، والأشخاص الذين قاموا لم ينتظروا أمراً من الأحزاب الذين ينتمون إليها، بل قاموا وفعلوا بما املت عليهم ضمائرهم الحية. ربما يُقال لما كان الكرد يخرب ويحرق المراكز الحكومية، فالحق إن الكرد كانوا غاضبين جداً وباتوا يريدون أن يتنفسوا بحرية.
الانتفاضة لم تكن متعلقة بأي حزب، بل كانت متعلقة بالشعب نفسه، وهذا ما كان تخافه الحكومة البعثية، لذلك سارعت لإدخال الأحزاب لمشاركتها في وقف ذلك الغضب الكردي العارم، وللأسف لبت الأحزاب تلك المطالب وسارعت لمناداة الشعب لوقف كل التحركات والشغب التي تقوم به على حد قولها... فأُخمدت الانتفاضة.

المصادر:

1- /أحداث القامشلي آذار 2004م من المؤامرة إلى الحركة الشعبية السلمية/، من منشورات لجنة الثقافة والإعلام لحزب الوحدة الديموقراطي الكردي في سوريا.
2- /تقرير عن أحداث القامشلي وتداعياتها في بعض المدن السورية/، أعدته جمعية حقوق الإنسان في سورية، آذار 2004م.
3- دلشاد مراد: دراسة /انتفاضة آذار 2004م في غرب كردستان (الأسباب- الوقائع- النتائج)/.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تاريخ من المطالبات بالاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية في ا


.. فيتو أمريكي ضد منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم الم




.. هاجمه كلب بوليسي.. اعتقال فلسطيني في الضفة الغربية


.. تغطية خاصة | الفيتو الأميركي يُسقط مشروع قرار لمنح فلسطين ال




.. مشاهد لاقتحام قوات الاحتلال نابلس وتنفيذها حملة اعتقالات بال