الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطبيع مساحة الخلاف التي يحبذها البعض

هاني الروسان
(Hani Alroussen)

2019 / 2 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


التطبيع مساحة الخلاف التي يحبذها البعض

ليس جديدا انكسار الخطاب العربي تحت وطأة الازمة الادراكية للوعي التي ُتلحظ خاصة في بعض استثناءات الواقع، بل ربما كان من الطبيعي ان يحدث ذلك في مثل هذه الظروف لانعدام تقاليد الانتاج المعرفي في عمليات تفكيرنا بصورة عامة لا تامة.
او ربما بسبب الميل للتبسيط والتسرع في الاستنباط الذي ينجم عن، ويؤدي في الوقت نفسه الى مقاربة للمعاني والمدلولات من بعضها البعض دونما تبصر او ادراك، الى حد يصار معه الى استعملات لالفاظ ومفاهيم للتوصيف او للتدليل على واقع بصورة لا تنسجم والسياق التاريخي الذي انبثقت عنه تلك المفاهيم وبالتالي على غير القصد الذي انبت عليه، مما يخلق فهما ملتبسا للواقع، او يخلق واقعا اخر مغاير للواقع القائم هو افتراض اكثر من واقع.
وان كان ذلك دائم التمظهر في واقع الامه، غير ان اكثر ما نلحظه اليوم تمظهره او تجليه في النقاش الصاخب لتوصيف علاقات الصراع مع الكيان الصهيوني، وتنزيل بعضها في خانه ما يسمى بالتطبيع وبالتالي تخوين القائم بها ورميه بشتى الاوصاف، دونما اي تمييز بين آليات ما يسمى بالتطبيع – وهو مصطلح بحاجة الى اعادة تحديد على المستوى الاستعمالي- وبين علاقات الصراع – وهو مصطلح بحاجة ايضا الى توضيح- وآليات مقاومة الاحتلال الصهيوني التي ليس من الضروري لها ان تأخذ شكلا عنيفا حتى تنظوى تحت مسمى المقاومة.
فقد صار معروفا للعامة ان الحرب هي احدى اشكال العلاقة بين المتحاربين وان المفاوضات هي الاخرى شكلا ثانيا وان اي منهما لاينفي عن الاخرى المضمون العدائي لتلك العلاقة، باعتبار ان الحرب وسيلة للسياسة كما ان المفاوضات هي كذلك وسيلة من نوع اخر، هذا بالاضافة الى ان اي حرب لا يمكن لها ان تضع اوزارها قبل ان تسبقها مفاوضات بطريقة او باخرى قد لا تعني مطلقا ان مآلاتها ستفضي الى انهاء لحالة الصراع او العداء.
من هذا يصبح مستهجنا على البعض تلك الجرأة الغريبة في التسرع باصباغ توصيف التطبيع على اي علاقة صراعية مع الكيان الصهيوني من تلك التي هي ادنى من استخدام السلاح وحشوها بمضمون تصالحي او تفريطي مختلق لا وجود له الا في مساحات اللامعرفة ببعض المفاهيم والمصطلحات وبتاريخ الصراعات الدولية وآليات استدامتها وفقا لمتغيرات القوة في مساراتها على محور حركة الزمن.
والادهى من ذلك ان هذا الاستعمال العشوائي في توصيف تلك العلاقات الصراعية مع العدو الصهيوني على انها تطبيع ومصالحة وغيرها من المترادفات التي لا تسقيم اصلا وهذا السياق لا في تاريخه الماضي ولا في حاضره ولا في مستقبله، هذا الاستعمال يأتي على خلفية محرجة لتناسي البعض لحيثيات اقامة الدولة الاسرائيلية، والاستراتيجيات التي رافقت ذلك، خاصة تلك القائمة منها على سيل من الاكاذيب والخرافات والاساطير، والتي نجحت اسرائيل في تحويلها الى حقائق ثابته في عقول فئات واسعة من اليهود بالاضافة الى عدد كبير من شعوب قارات العالم، بل واصبحت احد مصادر استمرار التعاطف العالمي معها ودعهما، واحاطت القضية الفلسطينية بستار كثيف من الادعاءات الباطلة عبر استراتيجيتي التجهيل بحقائق الصراع من ناحية، والحصار المستمر للشعب الفلسطيني والحيلولة دون تمكينه من عرض قضيته من ناحية ثانية.
وعلى سبيل المثال فقط نجد من بين تلك الاكاذيب ادعاء ان فلسطي ارض بلا شعب، التي تم نحتها لمقاربة واقع القانون الدولي الذي كان سائدا في تلك الاثناء من بدايات القرن الماضي استمرارا لما كان قائما خلال القرن التاسع عشر حيث كان يعترف بما يسمى بالأرض المباحة وهو مصطلح قانوني مستمد من القانون الروماني ويعني أن الأرض المعنية لا مالك أو لا صاحب لها، وانها بهذا المعنى يمكن احتلالها والسيادة عليها.
والمعنى البسيط الذي تحيل اليه هذه الاكذوبة ان علاقة الفلسطيني بارضه هي جوهر الاستهداف الصهيوني، الى جانب استهداف اي علاقة من شأنها تعزيز تلك العلاقة، حيث يصبح المعادل الموضوعي لتلك السياسة هو تجذير الوجود الفلسطيني بارض وطنه بكامل شروط الصمود التي تتطلبها المواجهة مع دولة تمتلك عدد كبير من شروط القوة العصرية، وان المعادل الخطابي او العاطفي لقوة الاحتلال لا يعني ان يكون الا عجزا وفي احسن الاحوال شعرا مع التقدير لكل الشعراء.
وحتى لا نبقى في مساحات الخلاف التي يحبذها البعض، ولا في مدارات الغموض التي يستهويها الببعض الاخر لتفسير اي من الممارسات التي تحيل الى اي من معاني التطبيع هروبا من التزماته القومية، فلنفكر جميعا في الاجتماع على تحديد الوسائل الاكثر نجاعة في تجذير الصمود الفلسطيني في ارضة، وان نبحث عن الشراكات الاجدى في اعادة زراعة الجيل الفلسطيني الجديد في تربة وطنه، ففي ذلك المعادل الاقوى لكسر معادلة فائض الارض التي تناور به اسرائيل لخلق امر واقع سيعقد واقع القضية الفلسطينية اكثر، وهو سبيلنا الوحيد للهروب من المعارك الاصطلاحية في تفسير التطبيع
هاني الروسان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ساعدت كوريا الشمالية إيران بهجومها الأخير على إسرائيل؟ |


.. مسلسل يكشف كيفية تورط شاب إسباني في اعتداءات قطارات مدريد في




.. واشنطن تؤكد إرسال صواريخ -أتاكمس- بعيدة المدى لأوكرانيا


.. ماكرون يدعو إلى أوروبا مستقلة أمنيا ودبلوماسيا




.. من غزة| 6 أيام في حصار الشفاء