الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كسر التبعيّة بين المركز الغربيّ والدّول الأطراف: بعض ملامح سقوط الأحاديّة والتحوّل العالميّ

حكمت غصن

2019 / 2 / 13
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


بعد تمظهر فشل النموذج السياسيّ - الاقتصاديّ في لبنان على مراحل مختلفة، وتفاقم أزمته مؤخراً، إلى حدٍّ لم يعد يمكن إخفاءه تحت الأقنعة التقليديّة، كالمذهبيّة وضخّ الإعلام اليوميّ عن سجالات "٨ و١٤ آذار" مثلًا، بدأت أصوات الانتقاد والنّقد، على تنوّعها واختلافها، تعلو وتنتشر أكثر فأكثر بين المواطنين وضمن مختلف مكوّنات المجتمع. وكان أحد تجلّياتها حركة الشّارع المتقطّعة منذ عام ٢٠١١ إلى ما تشهده البلاد منذ أشهر.



إنّ أحد أبرز هذه الانتقادات، تأتي على شكل مفاهيم باتت منتشرة بين الناس، منها القائل بأنّ لبنان "بلد تابع للخارج"، وآخر يعتبر أنّه "بلد مستورِد لكلّ شيء، ومُصدّر للشّباب". إنّ بين هاتين العبارتين ارتباطاً وثيقاً يمكن التعبير من خلاله عن ملامح النظام الاقتصاديّ والسياسيّ اللبنانيّ؛ نطام رأسمالي غير منتج، قائم على الاستهلاك والرّيع، تابع للغرب عبر عدّة أشكال، أبرزها الدّين العام.

رغم اتّسامه بالطائفيّة، فإنّ هذا النظام الاقتصاديّ - السياسيّ بمضمونه الرأسماليّ التابع، لا يقتصر على لبنان فحسب، بل هو نموذج للعديد من الدّول المعروفة بـ "الدّول الأطراف"، وهي الدّول الأقلّ تطوّراً على صعيد الاقتصاد والمجتمع والتكنولوجيا، والتّابعة لما يُعرف بـ "دول المركز"، أي دول الغرب "المتقدّمة" اقتصادياً وتكنولوجياً (أمّا اجتماعياً، فذلك يحمل الكثير من الجدل).

وقد مرّت التبعيّة بين الأطراف والمركز بأشكال مختلفة تبعاً للمرحلة التاريخيّة، من الاستعمار العسكريّ المباشر ونهب الثّروات والاستعباد، إلى التبعيّة السياسيّة بعد "الاستقلال"، عبر سيطرة حلفاء الغرب على السلطة في الأطراف، ما سمح له، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، ولا سيّما بعد استئثارها بقيادة العالم بُعيد سقوط المنظومة الاشتراكيّة بداية القرن الحالي، بفرض أشكال أخرى من الاستعمار، أبرزها الاقتصادي، وذلك عبر مراكمة الدّيون على الطّرف، وفتح أسواقه للاستهلاك وضرب منتوجه المحلّي. وقد استخدمت لذلك أدوات عديدة كصندوق النقد الدوليّ والبنك الدوليّ، ومجلس الأمن وحلف شمال الأطلسي إذا ما دعت الحاجة.

ومن أوجه الاستعمار الجديد هو الاستعمار الثقافيّ، والّذي تمثّل بالعولمة وضخّ نمط الحياة الأميركي بشتّى الوسائل (لا سيّما في الإعلام وبيع الأحلام - الأوهام، وعمل المنظّمات غير الحكوميّة أيضاً). إلّا أنّ المفصل الأساس للسيطرة الثقافيّة، فكان عبر الإمساك بالنّظام التربوي والتعليمي، إذ يَسهُل عبره ضخّ المفاهيم الّتي تخدم التبعيّة والنظام الرأسماليّ بثقافته الليبراليّة، كما اللّغات وثقافات دول المركز.

لكن، وأبعد من ذلك، فإنّ تبعيّة مؤسّسات التعليم العالي، أي الجامعات، فيمكن أن تدمج بين الاستعمار الثقافي والاقتصادي في آن، إذ أنّها لا تقتصر على التعليم فحسب، بل وعلى إنتاج القوى العاملة والتكنولوجيا والتقدّم العلمي، ما يجعلها أسيرة سياسات المركز الّذي يستفيد عبر تحديد المدى المتاح لنقل المعرفة والتكنولوجيا إلى الأطراف بحسب ما تقتضيه مصالحه وحاجة سوقه الاستهلاكيّة من جهة، وعبر فرض مناهج تتناسب مع حاجات اقتصاده، وذلك استعداداً لفرض الهجرة على القوّة العاملة والكادر المتخصّص، بهدف خدمة اقتصاده من جهة أخرى (وهنا ربّما نجد تفسيراً للمنح الّتي سمحت للعديد من الطلبة اللّبنانيين بالذّهاب والتخصّص في الغرب إبّان حقبة التسعينيات).

تفاقم الأزمة مركزاً وطرفاً... ما الجديد؟

إنّ النّموذج "المركز - الطّرف" الّذي تحدّثنا عنه، بقي سائداً في العالم، ودون منازع، حتّى عام ٢٠٠٨، حينما انفجرت أزمة وول ستريت، ولا زالت حتّى يومنا تفجّر تناقضات مستمرّة في دول الغرب، كما في الأطراف (كان أبرزها ما عرف بالربيع العربيّ). ولكن، كيف تتخلخل علاقات التبعيّة شيئاً فشيء؟

أحد محاور هذا التخلخل بدأ بتراجع الأرباح والقوّة الماليّة للعديد من الشركات في الغرب، وإفلاس شركات كثيرة أخرى بسبب أزمة ٢٠٠٨ وتراجع القوّة الشرائيّة لدى المواطنين الغربيين على إثرها. انعكس ذلك تراجعاً كبيراً في فرص العمل، ما أثّر سلباً على باب الهجرة، والّذي كان أحد أبرز الحلول لأزمة اليد العاملة في الأطراف، وباباً مهمّاً من أبواب التبعيّة الّذي تمّ إغلاقه شيئاً فشيء، ما أدّى إلى ارتفاع نسبة البطالة أكثر فأكثر، وبالتّالي ضعضعة تحمّل المواطنين لنظامهم وسلطاتهم، وبأشكال أكثر حدّيّة إثر ازدياد الضغط الاجتماعي والفوارق الطّبقيّة.

وباستمرار التّراجع، بالتّوازي مع إصرار حكومات الغرب على الرأسماليّة كنموذج، باتت هذه الأخيرة مضطرّة لتقديم الكثير من التسهيلات للشّركات. بالمقابل، وبهدف تعويض كلفة هذه التسهيلات، قامت بفرض سياسات "التقشّف" وتخفيض دعم القطاع العام، لا سيّما القطاع الأكاديميّ، الّذي بات مهدّداً في دولة كفرنسا مثلاً، إذ أدّى ذلك "التقشّف" إلى انخفاض عدد المنح البحثيّة، كما فرض سياسة تحديد عدد الطلّاب منذ مرحلة الإجازة عبر نظام الترشّح والتصفية. وقد كان آخر فصول هذا المسلسل، رفع رسوم التسجيل على الطلّاب الأجانب بمعدّل عشرة أضعاف الرسوم السّابقة، ما شكّل كارثة لدى طلّاب الدول الأطراف المرتبطة بفرنسا، كتونس والجزائر والمغرب وعدد كبير من دول أفريقيا، ولبنان طبعًا.

لكن، ومن جانب آخر، فإنّ هذا القطع للسيطرة الأكاديميّة على الأطراف، والّذي تفرضه الأزمة والتناقضات المتجذّرة في الرأسماليّة وشكلها الأحاديّ العالميّ (واسمه "الإمبرياليّة")، سيكون ضربة مهمّة للتبعيّة الاقتصاديّة والثّقافيّة، وبالتّالي لإحدى أهمّ آليات السيطرة الاستعماريّة الحديثة، أي لهذا النموذج الّذي يعاني الانهيار المتسلسل منذ العام ٢٠٠٨، ولنمط علاقاته المتناقضة.

وماذا عن كسر الأحاديّة...؟

إذا ما عدنا إلى المسألة الأكاديميّة على سبيل المثال لا الحصر، فإنّ إغلاق باب الغرب أمام طلّاب الدّول الأطراف، سيجعل من الضروريّ إيجاد حلٍّ لأعدادهم المتزايدة، وذلك يجب أن يكون عبر بناء مناهج تتناسب وبقاءهم في بلادهم، أي تلائم حاجات بلادهم، كما عبر بناء اقتصاد يؤمّن لهم حقّ العمل والاستمرار، أي اقتصاد منتج قادر على تأمين الاكتفاء الذاتيّ وعلى توزيع الثّروة بشكل عادل ومتوازن. ويعني ذلك بالضّرورة، تغيير الأنظمة الرأسماليّة التابعة، وخلع السلطات الّتي تحميها، وهذا التغيير سيحصل بقوّة الفئات المتضرّرة حتماً، أي الأكثريّة الشّعبيّة.

لكن، ومن ناحية أخرى قد لا تكون متناقضة، ربّما سنجد اتّجاهاً للطلّاب إلى دول أخرى بديلة لا تنتمي لمحور الغرب، ألا وهي الدّول الصاعدة الّتي بدأت بكسر أحاديّة الجانب الأميركي - الغربيّ، وأبرز هذه الدّول هي الصين وروسيا. وقد لوحظت حركة متنامية للطلّاب اللّبنانيين في السنوات الأخيرة نحو هذه الدّول، خصوصاً بعد تقديمها لعددٍ مهمٍّ من المنح الدراسيّة والبحثيّة.

قد يعتبر البعض أنّ هذا الإتجاه نحو الصين وروسيا، لن يكون سوى سيناريو جديد لتبعيّة استعماريّة أخرى، وله الحق في اعتقاد ما يشاء، شرط قبول فتح النقاش، الّذي قد يبدأ ببعض الأسئلة حول سياسات "التعاون" كنقيض "للسيطرة والنهب"، وضرورتها في ظلّ التّأخّر الاقتصاديّ والاجتماعيّ والتقنيّ الحادّ لدى الأطراف. وقد تجلّى هذا النموذج، بالمناسبة، في تجارب مختلفة، كان أبرزها بين الصين وبعض الدّول الأفريقيّة، أو روسيا وأنغولا الّتي باتت أوّل دولة أفريقيّة تطلق قمراً صناعيّاً بالتعاون مع الرّوس (هل سمعنا يوماً بتعاون ما بين "ناسا" ودول حليفة للغرب ضمن مشروع مماثل؟).

ولكنّ الأهمّ بين الأسئلة، هو عن إمكانية إعادة إحياء نموذج "المركز - الطّرف"، الّذي بلغ ذروته في التناقض حتّى تأزّم وتداعى، وها هو يوشك على السّقوط تمهيداً للخروج من التاريخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا


.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024




.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال


.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري




.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا