الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (3)

عماد علي

2019 / 2 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كان للترجمة دور هام و تاثير على الجميع، فتاثير المؤلفات الفكرية الفلسفية التي تُرجمت لم يكن على المهتمين بها او من ترجمها فقط و انما على المناوئين لها ايضا، فاعتبروها كفرا فوقعوا بشكل غير مباشر تحت تاثيرها. بمعنى اخر، فمن لم تكن له علاقة و تواصل مع الفلسفة فان الفلسفة بذاتها اتصلت به. من جهة اخرى، مثلما كان تاثير الفلسفة بشكل مباشر و غير مباشر فانها من حيث الزمن امتد و الى الابد, حسب ما كانت عليه المرحلة التي نفذت فيها عملية الترجمة و ظهور الفكر الفلسفي فكانت متزامنا مع تدشين حجر الاساس للفلسفة و ظهور كافة العلوم الاسلامية الاخرى، لذا لم يكن ظهور الفلسفة حدثا تكون له العلاقة المتلاصقة مع عصر و مرحلة معينة او تُختزل تاثيراتها بشكل ايجابي على الذين كانوا متواصلين معها و متشاركين لها فقط و انما كانت ملامحها شمولية و واسعة و مؤثرة على الجميع و كانت ابعاد الفلسفة اليونانية من خلال الترجمة كاهم عنصرالذي فرضت نفسها و لها التاثير المباشر على هذه الحضارة و الثقافة العامة للمجتمع.
كان التوجه الفلسفي للعقل الاسلامي قمة نشاط ذلك العقل و عظيم الاهتمام و التفسير للدين و الحياة، و واجه مبكرا الخطاب النقلي و الديني الجمودي باسناد و دعم السلطة الاسلامية، و في النهاية و بعد صراع مرير كانت نتيجته اسقاط هذه العقلانية الفلسفية، و سيطرت العقلية المحلية في شكلها الارثوذوكسي, بداية كانت بطابعها الجنبلي و من ثم الاشعري في القرن الثالث في المرحلة الثانية للخلافة العباسية وبعد ان توفر له حينئذ دعم السلطة السائدة . اي، هذا ما ادى الى اختلال في الامر و بدلا من الانفتاح على الفكر الانساني و ترجمة المؤلفات الاجنبية و الحوارات العقلانية و تعددية المذاهب، اصبحت الفتاوى و التكفير و التبديع و التحريم اللغة الثقافية المسيطرة على المجتمع الاسلامي. و بهذا الشكل يمكن ان نعتقد بان ظهور الفكر الفلسي لم تكن عملية فكرية عقلانية مجردة في الحضابرة الاسلامية. انها لم تكن شيئا من نتاج النخبة الثقافية في عصرهم و لم تكن حدثا ثقافيا فقط و انما و بالدرجة الاولى كانت عملية سياسية و من ضرورات السلطة العباسية في مرحلتها الاولى، و كان هذا من اجل بناء الخطاب السياسي العام الشمولي و القوي الذي كان الهدف منه ان يتمكن جمع الجميع حوله داخليا و يمحي التشرذم و ايضا يتمكن من الناحية الفكرية على المستوى الخارجي مواجهة المناوئين له. و هذا لا يعني ابدا تهميش دور النخبة من اهل الكلام الاسلامي في هذه العملية او الرغبة الشخصية للخليفة مامون للعلم و الفكر الجديد في البيئة الاسلامية مثلا، و كانت هذه العملية اكبر من الرغبة و نية و الارادة الصفية اللاتاريخية. مثلما كما سارت الامورعلى العكس، فان سيطرة الخطاب الارثوذوكسي الاسلامي في بدايته و بشكله الحنبلي في عصر المتوكل وما اصر على منعه لاي نوع من النشاطات الفلسفية و الكلامية او بشكلها الاشعري الى ان نصل الى الامام الغزالي و كتابه الشهير في تكفير الفلاسفة.
كل هذه لم تكن عملا او فعلا دينيا مجردا و لكن كان لها علاقة عميقة بضرورات و احتياجات السياسة و السلطة العباسية الى الخطاب الذي كانت الارادة الدنيوية و التاريخية مختفية وراءها. عندما نلتفت الى الفكر الاسلامي من المنظور التاريخي و الدنيوي، فان مقولة نيتشة تكون قائمة امامنا و هي تنطق قائلة ( الذي اصبح لديكم الهيا، فانه انساني دون اي حد). ما اُستقبل دينيا و اصبح مقدسا ضمن هذه الثقافة و طُرح سماويا، فان اكثريته دنيوي و انساني و ارضي. لذا العودة الى البدايات، اي الى العصر الذي ظهر فيه الخطاب الفقهي و العقائدي الديني ليس بشيء يمكن ان يدخل خانة رواية الحكايات و مجموعة من الحوادث التاريخية التي لم تكن لها علاقة بوقتنا الحاضر، ولكنها لها علاقة مباشرة و كحاجة و ضرورة علمية عقلية لرؤية الجانب اللاالهي لهذه الثقافة الانسانية.
و عليه يمكننا ان نؤكد على خمود و افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها كما هو عنوان الكتاب، و يمكن ان تؤخذ بنظر الاعتبار مجموعة من الملاحظات و منها؛ الهدف و المقصود بالفلسفة الاسلامية و باعتبارها جمع تلك الحوارات الفكرية المستندة على العقل كأرث للشعوب الاخرى و تجلت تحت تاثير الوعي التاريخي و كانت محاولة لكشف المعنى و الدلالات الجديدة للمسائل المهمة من خارج مقولات النصوص المقدسة و ثقافة هذه النصوص. سواء التي لها علاقة باللاهوت و الماوراء الطبيعة الاسلاموية او ما لها العلاقة بالمسائل الدنيوية الاخرى. ان كنا قد القينا الضوء على الفلسفة الاسلامية التي لها اساس يوناني و تطورت على ايدي المترجمين و الفلاسفة غير العرب في هذه الحضارة، و بالاخص الشعوب الايرانية، و لكننا في نفس الوقت ننوي ان نبين من هذه الطريق و ان كان بشكل مختصرجمع النشاطات الفكرية في البيئة الاسلامية كجزء غير منقطع عن النشطات الدنيوية، كي نرى بهذه الطريقة طبيعة و خصوصية و تطور هذا الفكر حتى عصر السقوط و الخمود و الافول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن في الصين يحمل تحذيرات لبكين؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. زيارة سابعة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي إلى الشرق الأوسط




.. حرب حزب الله وإسرائيل.. اغتيالات وتوسيع جبهات | #ملف_اليوم


.. الاستخبارات الأوكرانية تعلن استهداف حقلي نفط روسيين بطائرات




.. تزايد المؤشرات السياسية والعسكرية على اقتراب عملية عسكرية إس