الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القبلة المغربية بين مؤثر الشمس الأمازيغية والاجتهاد في الملاءمة لدى شيوخ ديانات التوحيد

لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)

2019 / 2 / 14
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يتأثر المعتقد تأثيرا كثيرا بالثقافة غير العالمة مما يضفي عليه في نهاية المطاف طابعا سوسيوثقافيا يمكّنه من الصمود بعض الوقت أمام منعطفات التاريخ. ولا عجب فكل معتقد لا يملك من الإمكانيات ما يؤهله للانغراس في البيئة الاجتماعية والامتزاج بالثقافة غير العالمة يكون مآله الزوال. ومما يفسر صمود بعض الديانات القديمة الوثنية الأنيمية ارتباطها بالإنسان والبيئة المحلية. لذلك سهل انتشارها، بدون سيف ولا إكراه ولا دعاة ولا مبشرين. وعلى سبيل المثال عبدت الشعوب المجاورة للمغرب الإله الأمازيغي (أمون). وتأثر الإغريق في عهد الإسكندر المقدوني بالآلهة المصرية، وعبد الرومان بعض آلهة الإغريق وقس على ذلك. أما ديانات التوحيد التي تقوم على النزول فتحتاج إلى الدعاية والتبشير والتفسير والتأويل والاجتهاد، وقبل ذلك، تجد نفسها مدعوة لتأسيس الاعتقاد على الإعجاز لدى الأنبياء، وعلى الكرامات لدى الشيوخ والأقطاب. وبمعنى آخر تحتاج إلى تكييف مستمر لكي يناسب دين التوحيد الثقافة المحلية غير العالمة. وإنه في حال تعارض تعاليم الدين الدخيل على الثقافة غير العالمة تزاح الطقوس غير المرغوب فيها جانبا أو تتحول إلى رموز تُرى في الأزياء أو إلى حفلات تقام في الخفاء. وإن كل ما يبدو في العلن يتناسب وعبادة الإله الواحد الأوحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد.
يشكل المغرب وسطا ملائما للتعايش الديني، وللمغاربة قدرة فائقة على الاستيعاب «Assimilation» الذي لا يفيد هنا العمل، وفق فلسفة الوحدة، وحدة الدين واللغة، ولكنه – الاستيعاب- يعني خلق التجانس في وسط متعدد. فإذا تتبعنا الكثير من الفقهاء مسلكهم نجدهم يسمحون بالتعود، ويوسعون مجاله. ألا ترى أن المفتي لا يقترب الشأن الدنيوي بالمرة، لأنه من اختصاص الجماعة السلالية وشيخ القبيلة، ولا يتدخل المفتي في اللباس وفي طريقة تصفيف السعر (بفتح الفاء)، وفي الوشم. لقد حصل احترام العادة والتعود منذ نزول اليهودية أرض المغرب، ولذلك نجحت في الانغراس في البيئة المغربية. وعلى منوال ممارسة الملاءمة لدى اليهود المغارب سار الكثير من الفقهاء المسلمين، إذ اجتهدوا في ممارسة الملاءمة، ونجحوا في تحقيق الاستيعاب المشار إليه. وأما المسيحية فقد تراجعت، إن لم نقل زالت مع زوال الإمبراطورية الرومانية التي صدقتها، وبعدها الوندال والبيزنطيين ولم يبق منها سوى بعض الطقوس ذات الارتباط بالحياة الزراعية، وطقوس التضحية «تافسكا»، بكاف مشمومة بالأمازيغية، ويرمز له بحمل التضحية (L agneau pascal)، وهو رمز الفص، فوق ذلك، في اليهودية والإسلام. ولقد فشلت المسيحية في البيئة المغربية رغم تسامحها ودفاعها عن الكثير من القيم الإنسانية. وبعيدا عن الممارسات الدينية الصامدة أمام الدهر، نقف عند أهم الرموز الثابتة كنحو عبادة الشمس في الثقافة الأمازيغية. لقد استطاعت الشمس المغربية أن تقوي شأنها في الديانة الإسلامية باستغلالها القبلة، أي: الاتجاه شطر المسجد الحرام وإن شئت شطر مشرق الشمس، وذلك هو بيت القصيد. ولقد شاءت الصدف أن توافق القبلة الحقة في المغرب نقطة طلوع الشمس يوم 10 مارس في التقويم الجولياني. لذلك يفضل المغاربة الشروع في بناء المساجد ابتداء من يوم الاعتدال الربيعي وتحديد بساط الدفن في اليوم نفسه. وإذا تمعنا في هذا الموعد نلفى أنه يقترب من موعد الفصح. لذلك نحب أن نفتح قوسا لبسط أن لليهودية الأمازيغية حضورها هنا. ذلك أن الاعتدال الربيعي يوافق الفصح اليهودي كما يوافق حفلة (تيفسا) الأمازيغية أي حفلة الربيع، جمع (تفسوت). وباختصار، فقد حدث تكييف جرى فيه الربط بين الشمس، بما هي رمز ديني وثني والقبلة الإسلامية والفصح اليهودي الذي يحتفل به الأمازيغ كذلك. وهنالك أيضا التقويم الجولياني الروماني الذي لا يزال إطارا زمانيا لتحديد مواقيت الحرث والبذر والجني والحصاد.
حظيت الشمس بتقدير بليغ لدى المغاربة القدماء، لذلك عبدوها في زوالها وقدسوها في طلوعها وقدروها في غروبها وسعدوا كثيرا حينما أطلق العرب على شمال غرب شمال أفريقيا اسم المغرب أي مغرب الشمس. و لا تزال كلمة (أزال) الأمازيغية حاضرة في الأشعار، وهي أيضا رمز السلم والسلام (أزول). وبعد بزوغ فجر الديانات الداعية إلى عبادة الله في شمال أفريقيا استمر تقدير شروق الشمس في الثقافة الأمازيغية. وحسبنا أن الأطفال الأمازيغ من غرب النيل إلى المحيط ظلوا يلقون بأنيابهم وأسنانهم وأضراسهم المنزوعة في اتجاه شمس الضحى. والغريب أن نطق الشمس يميز بين فرعين أمازيغيين الصنهاجي والزناتي. فصنهاجة تقول (تفويت) بالياء وتقول زناتة (تفوشت) بالشين. ومرد ذلك إلى أن الرموز المقدرة لاتفتأ دوما تحافظ على اسمها رغم التحولات السوسيوثقافية التي تعرفها القبيلة. ولما غشي الإسلام معظم بلاد المغرب التقط الأمازيغ عنصر القبلة لما له من علاقة بمطلع الشمس، فأضحى استقبال القبلة ضروريا في ممارسة كل الطقوس والاحتفالات والأشغال اليومية. ولما وصلت القبائل العربية، بنوهلال وبنوسليم وبنو معقل، ظهر مفهوم آخر للقبلة فأصبحت تعني الجنوب. ومرجع ذلك، أن هذه القبائل لما كانت من قبل تنتجع مراعي الحجاز بشبه الجزيرة العربية كانت تتجه شطر الجنوب أثناء قيامها للصلاة. ويعنينا أن الجنوب الشرقي المغربي في امتداده إلى أفريقيا جنوب الصحراء ظل منذ القرن الخامس الهجري يعرف ببلاد القبلة. وللجنوب دلالته في الثقافة الأمازيغية، فهو مسار الشمس في القبة السماوية طيلة فصل الشتاء. وبعد انتشار الأفكار الألفية ابتداء من القرن العاشر الهجري وبات الناس يروجون إشاعة يوم القيامة الذي سيصادف، في زعمهم سنة 1000 هجرية، اعتقد سكان المغرب أن المهدي المنتظر سيخرج من بلاد القبلة، وظلوا ينتظرون الخلاص الذي سيأتيهم من بلاد القبلة. وتود الإشارة إلى أن هذه الأفكار وغيرها ساهمت في انتصار الدولة السعدية وحمل محمد القائم بأمر الله السعدي لقب محمد المهدي. ونضيف أن الكثير من الناس ظلوا يطلقون على العنصر الأفريقي (إقبليين) نسبة إلى بلاد القبلة. والكلمة لا تحمل تمييزا عرقيا ولا عنصريا بل هي تكريم لهذا العنصر وربطه بأحد العناصر المقدرة في الثقافة المغربية غير العالمة. ولقد أدرك المستعمر الفرنسي خطورة المعتقد الديني المرتبط بالقبلة فغير اتجاه البنايات للكثير من الفضاءات المعمارية بالمدن المغربية لكي، لا تناسب القبلة. لذلك تصادف المساجد خارج المدن القديمة في وضع شاذ يخالف اتجاهها اتجاه الفضاء المعماري. ولنأخذ الأمثلة من المدن التالية، فاس ومكناس والرباط وأزرو، والرشيدية، ويفرن، ومكناس. وترى البيوت متجهة اتجاها شمالي شرقي جنوبي غربي أو جنوبي شرقي شمالي غربي. إنها ملاحظة في الميدان لا تستند إلى سند مكتوب أو شهادة شاهد. والغريب في الأمر غياب من يحتج على وضع البيوت واتجاهها داخل التجزيئات السكنية في الكثير من المواضع. وفي جميع الأحوال، فالمغزى من هذا كله العمل على أن يتناسب الدين والجوانب الثقافية درءا لكل تطرف يستهدف أمن المغاربة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت