الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حماية الدستور بين الشعب والجيش

طلعت رضوان

2019 / 2 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



وفى عام 1975 أصدرالسادات قرارًا بتعيين إحسان رئيسـًـا لمجلس إدارة الأهرام، واستمرإحسان فى منصبه، إلى أنْ اشتد الخلاف (فى الآراء السياسية) بينهما عام 1976.
وبالرغم من هذا الموقف الإيجابى من الرئيس السادات تجاه إحسان، فإنّ ضميرإحسان..وإيمانه بمسئولية الكلمة، جعله ينتقد السادات عندما يـُـصدرقرارًا أو يـُـصرّح برأى، يرى فيه إحسان أنّ الرئيس قد جانبه الصواب..ومن أمثلة ذلك عندما صرّح السادات فى خطاب علنى بأنّ القوات المسلحة ((هى المسئولة عن حماية الدستور))
ورأى إحسان أنّ ما قاله السادات يـُـشكل مخالفة دستورية من ناحية ، ويقضى على الديمقراطية من ناحية ثانية، ويـُـهـدّد سلامة الوطن من ناحية ثالثة، ونظرًا لأنّ إحسان كان من أنصار(المواقف العملية) بمعنى أنه لايكتفى بالاعتراض (فى صمت وبينه وبين نفسه– كما يفعل كثيرون) ولكنه كان يمتلك شجاعة التعبيرعن رأيه بالكتابة، لتصل رسالته إلى الشعب، ولذلك كتب مقالافى صحيفة الأهرام بتاريخ 19 مارس 1976 بعنوان (تساؤلات حول خطاب الرئيس) قال فيه:
عندما تحدث الرئيس عن القوات المسلحة قال إنها: ((أحد عناصرتحالف قوى الشعب، ولكن لاشكّ أنّ لها وضعها الخاص)) فكان تعقيب إحسان ((وفى حدود هذا الوضع الخاص، يقتصردورالقوات المسلحة على أمرواحد، بالغ الأهمية والقيمة، وهوحماية الدستوروالشرعية الدستورية..ولكن كيف تقوم القوات المسلحة بحماية الدستور؟ فهل معنى ذلك أنْ تتدخل القوات المسلحة سياسيـًـا فى تصرفات السلطة التنفيذية، حتى تطمئن دائمًـا إلى أنها تصرفات دستورية؟
وفى فقرة تالية تساءل: ما هى حدود حماية الدستور؟ ومن الذى يأمرأويطلب من القوات المسلحة أن تحكم مصر؟ ثم أسهب إحسان بحسه الإنسانى وموهبته الإبداعية فشرح مخاوفه حول كلام الرئيس السادات، فقال: إنّ الخوف على الدستورلا ينحصرفى الانقلابات العسكرية (فقط) وإنما الخوف على الدستورعندما يكون تحت وصاية أوحماية القوات المسلحة، التى تفرض إرادتها بل و(رؤيتها ومفهومها الخاص لدورالدستور) وبالتالى فإنّ الوضع السليم– كما فى الأنظمة الديمقراطية– فإنّ مهمة الجيش حماية الدستورمن محاولات التفسيرالمغلوط والمتعمّـد لبعض مواده، لصالح أغراض شخصية لبعض فئات المجتمع..وحيث أنّ أفراد القوات المسلحة، هم ضمن قوى الشعب، لذلك فإنّ مهمة الجيش هى حماية الدستورمن أى تلاعب، يؤدى إلى الضرربمصالح الشعب.
وفى فقرة أخرى قال: إنّ دورالقوات المسلحة هو(فقط) حماية كيان الدولة القائم على الشرعية الدستورية، وعلى الديمقراطية التى تعبرعنها مواد الدستور، كما أنه من المهم التركيزعلى أنّ الدستور- كما فى الأنظمة الديمقراطية– يفرض على الجيش حماية الوطن من أى عدوان خارجى..وفى نفس الوقت حماية الوطن من أى انهيارداخلى..وأنّ هذيْن الهدفيْن النبيليْن (حماية الوطن من أى عدوان خارجى، وحمايته من الانهيارالداخلى) هما من أسمى معانى الدساتيرفى العصر الحديث.
وفى أحداث سبتمبر 1981 عندماأمرالسادات بالقبض على أكثرمن 1563 إنسانــًـا مصريــًـا (من شتى الاتجاهات السياسيةـ والميول الفكرية– وأيضـًـا من مختلف الأعمار- شباب وشيوخ- ومن رموزونجوم الوسط الثقافى والصحفى والسياسى) وكان محمد (ابن إحسان عبدالقدوس) ضمن المقبوض عليهم..ونظرًا لأنّ معظم المثقفين والمبدعين والصحفيين كانوا يعلمون، بحقيقة العلاقة القديمة التى ربطتْ بين إحسان والسادات، لذلك اتصل بإحسان أكثرمن صديق واقترحوا عليه الاتصال بالسادات من أجل الإفراج عن ابنه، ولكن إحسان رفض, فقالوا له: طيب على الأقل اطلب من السادات أنْ يأمربمعاملة ابنه معاملة خاصة، وأيضا رفض إحسان وقال (كما ذكرلابنه بعد الإفراج عنه– وكما جاء فى الكتاب الذى أعده الابن عن والده) أقوى كلمات ممكن أنْ تقال فى مناسبة كهذه من أب (المفترض أنه خائف ومتوجس من المصيرالمنتظرلابه وهوفى المعتقل) وبالرغم من ذلك واتته الإرادة الصلبة وقوة الاعتزازبالنفس والتمسك بمبادئه فقال لأصدقائه ((أبدًا لن أتذلل للسادات، أنا عندى كرامة وأحرص عليها، وابنى نفسه يرفض أى موقف فيه ضعف))
وعندما تقابل السادات مع إحسان (بعد عدة أسابيع من اعتقال محمد) دافع إحسان عن ابنه، الذى من حقه التعبيرعن آرائه وعن مواقفه السياسية (حتى ولوتعارضت وتناقضت مع آراء الأب (خاصة وأنّ اتجاهات الابن وميوله نحوجماعة الإخوان المسلمين..وإقامة الدولة الدينية، بينما اتجاهات الأب وميوله نحوالفكرالليبرالى والدولة المدنية) كما رفض إحسان كتابة كلمة واحدة فى صحيفة الأهرام.
وجاءت فرصة اللقاء بين السادات وإحسان، الذى رفض أنْ يستغلها إحسان. كانت المناسبة أنّ إحسان تلقى دعوة لحضوراجتماع المجلس الأعلى للصحافة، حيث كان عضوًا به، ومع ذلك تردد كثيرًا وهويفكرفى تلك الدعوة: هل يذهب؟ أم يعتذر..وبعد مناقشة مع السيدة الفاضلة زوجته وشريكة عمره، والمطعونة بغياب ابنها عنها وخوفها من نتيجة اعتقاله، قرّرإحسان– على مضض– الذهاب وحضور اجتماع المجلس الأعلى للصحافة..وعندما ذهب تعمّـد الجلوس فى الصف الأخير. وعندما حضرالسادات ليرأس الاجتماع، فماذا حدث؟ الذى حدث– كما ذكرإحسان وهو يحكى لابنه– قال إحسان ((لاحظتُ أنّ نظرات السادات مصوّبة إلى شخصى، طوال مدة الجلسة..ولم يرفع عينيه عنى..وقد التزمتُ الصمت الكامل..ورفضتُ توجيه أى سؤال أوطرح أية مداخلة (كما كنت أفعل فى الجلسات السابقة) وبعد انتهاء الجلسة تنفستُ الصعداء وأحسست بالراحة، لكننى فوجئتُ بما لم أكن أتوقعه. حيث أنّ السادات لم يخرج من الباب الرئيسى، الذى دخل منه..ولا أدرى ما الذى دفعه إلى الخروج من الباب الجانبى، حيث كنت أجلس..وهكذا تقابلنا– وجهـًـا لوجه- وبمجرد أنْ تصافحنا قال لى: هل يعجبك ما فعله ابنك؟ ابنك إنسان متطرف.
فكانت إجابتى عليه: لقد رفضتُ أنْ أحدثك بشأنه. ابنى كبير..وعنده 34 سنة..وأنا واثق أنه قادرعلى أنْ يتحمل مسئولية نفسه..وإحنا فى شبابنا كنا بنعمل زيه. إنت ناسى يا ريس إنك إتسجنت فى شبابك؟ ولم يرد السادات بكلمة..وأعتقد أنّ الله قد وفقنى فى هذه الإجابة..ولكن الشيىء العجيب (والمقزز) من صحفيين معروفين بتملقهم للحكام (فى كل العصور) حيث شوّهوا كلامى، وزعموا– بالكذب– أننى قلت للرئيس: لقد حذرت ابنى كثيرًا من التطرف، فلم يرتدع..وأقسم بالله أنّ هذا الكلام لم ينطق به لسانى.
وهنا لابد من الربط بين الموقف الذى صمّـم عليه إحسان وتمسك به، حينما رفض الاتصال برئيس الدولة للإفراج عن ابنه، وموقف السيدة الفاضلة (روزا ليوسف– أم إحسان) التى رفضتْ اقتراح أصدقائها المُـقرّبين بأنْ تتصل بالنقراشى باشا (وهوصديقها) من أجل الإفراج عن ابنها سنة 1945، بعد نشرمقاله الشهيرضد السفيرالبريطانى فى مصر..وقالت قولتها الشهيرة: ابنى إنسان ناضج وصحفى ملتزم بحب الوطن والدفاع عنه، وعليه أنْ يتحمّـل مسئولية قناعاته..وتكرّرنفس موقف تلك السيدة الجليلة والنبيلة، عندما رفضتْ اقتراحات ونصائح أصدقائها المُـقرّبين، الاتصال بالرئيس جمال عبدالناصرمن أجل الإفراج عن ابنها إحسان، الذى كان معتقلا فى السجن الحربى، عام 1954 بسبب مقاله الشهير(الجمعية السرية التى تحكم مصر) وأيضـًـا رفضتْ الاتصال بجمال عبدالناصر، وقالت قولتها الشهيرة : كيف أطب من رئيس الدولة، الذى أمرباعتقال ابنى الإفراج عنه؟ وإذا كان سيستجيب لطلب الأم ، فلماذا اعتقله من الأصل ؟ وما هى جريمة ابنى ؟ هل أصبح التعبيرعن رأى الكاتب– أى كاتب– جريمة توجب الاعتقال؟ وأنا أعلم أنّ ابنى يرفض أنْ أستخدم هذا الأسلوب مع المسئولين، وعلى ابنى أنْ يتحمّـل مسئولية قناعاته..كما أنّ سلوك ابنى هوما أتمناه ليكون سلوك كل من يعمل بالصحافة، وتحقيق رسالتها السامية الشريفة.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المشهديّة | المقاومة الإسلامية في لبنان تضرب قوات الاحتلال ف


.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب




.. مأزق العقل العربي الراهن


.. #shorts - 80- Al-baqarah




.. #shorts -72- Al-baqarah