الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بديل ثالث لخياري المقاطعة والمشاركة في رئاسيات2019

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2019 / 2 / 15
مواضيع وابحاث سياسية



اختلفت المواقف حول رئاسيات أبريل2019 في الجزائر كما هي عادة كل الإنتخابات بين المشاركة أو المقاطعة دون أن يتساءل هؤلاء المقاطعون أصلا: ماهي الفائدة المرجوة التي ستجنيها الجزائر من موقف وفعل يكررونه منذ سنوات في كل إنتخابات، لكنه دون أي تأثير يذكر، وتبقى دائما دار لقمان على حالها إن لم يسوء الوضع أكثر؟، ألم يحن الوقت اليوم في التفكير في حلول أخرى أكثر نجاعة وفاعلية؟. يبدو موقف دعاة المقاطعة خاصة في رئاسيات 2019 كموقف إنهزامي غير مدروس من أساسه، ويدل على إنعدام الإبداع السياسي الفعال، فهل من المعقول أن يتخذ هذا الموقف من أحزاب قبل حتى أن تجمع المعلومات أو تدرس كل السيناريوهات المحتملة أو تشاور قواعدها، ولعل فيها من يدلها على طرق أخرى أكثر فعالية، بل لم تعرف حتى توظيف قرار المقاطعة لصالحها، لأن الإعلان عن هذا القرار منذ البداية هو كمن يمتلك أوراق اللعبة في يده، فيكشفها ويرميها منذ بدايتها، في الوقت الذي كان من الممكن أن يلعب بها في صالح أفكاره ومشروعه إن يمتلكه، ويفاوض على أساسها، ويترك قرار المقاطعة في أخر المطاف، وليس في بدايته، ويسمح له ذلك على الأقل معرفة نوايا المترشحين الذين سيتصلون بها، ويربط علاقات معهم بدل تحييد هذه الأحزاب نفسها منذ البداية وتصبح خارج اللعبة، كما يمكن لها حتى توظيف ذلك للترويج لمشاريعها من خلال ترك الأمر غامض من الإنتخابات حتى اللحظة الأخيرة.
لانطيل في هذه المواقف الإنهزامية التي لافائدة ترجى منها، بل تؤدي إلى تحييد أصحابها من مشهد سياسي يمكن أن يصنع مستقبلا من خلال إستغلال هذه الإنتخابات، لكن في غياب هؤلاء المقاطعين السلبيين، يدفعنا كل ذلك إلى مناقشة قضية مقاطعة الإنتخابات في الجزائر، فأي إنتخابات كانت لها قراءاتها، فهناك دائما ثلاث خيارات، ولكل خيار له دلالاته وقراءاته، فالإنتخاب على أي مرشح كان من ضمن المرشحين معناه الرضى بالنظام السائد، أما الإنتخاب ووضع ورقة غير معبرة، فمعناه الرضى على النظام السائد مع رفض كل المترشحين المقدمين للإنتخابات، أما مقاطعة الإنتخابات، فمعناها رفض النظام برمته، أي دعوة غير مباشرة لتغييره، لكن هل هذه المقاطعة أتت بثمارها مادام أن لا العالم ولا النظام السائد أراد فهم ذلك وإعطاء هذه القراءات والدلالات، بل حتى فئات كبيرة من الشعب لا تفهمها، ولا تعرف هذه القراءة، فلنعترف بأن الكثير من المقاطعين ينطلقون من لامبالاة لا أكثر ولا أقل، خاصة في الإنتخابات المحلية والتشريعية، وبشكل اقل جدا بالنسبة للرئاسيات، فلو افترضنا أننا نقاطع لأن النظام يزور الإنتخابات لصالح مرشحي السلطة، فلما نغيب عن أنفسنا أيضا بأن نفس النظام يزور نسب المشاركة، وبالتالي كأننا بمقاطعتنا شاركنا، وزور لنا مثل الآخرين، ولا يمكن لنا القول بأن الشعب يرفض النظام، ويطالب بتغييره، وهو مايتطلب منا اليوم ضرورة التفكير في طريقة أخرى لها فعالية، وذلك بتحويل إما المقاطعة من سلبية إلى فعالة أو المشاركة في الإنتخابات من سلبية إلى فعالة لتجاوز تزوير السلطة للإنتخابات سواء لمرشحها أو بالنسبة لنسب المشاركة.
ففي هذه الحالة إن كانت المقاطعة جدية، فعلى المقاطعين تنظيم أنفسهم في جبهة واسعة مؤثرة بعد الإنتخابات من أجل تحقيق الإنتقال الديمقراطي الذي يتغنى به الجميع، لكن ما يلاحظ دائما أنه تتم المقاطعة، ثم ينسحب كل واحد (مواطنين وأحزابا) بعد الإنتخابات إلى بيته، وتبقى دار لقمان على ما هي عليه منتظرين إنتخابات أخرى، فتتكرر نفس المظاهر، لكن هل بإمكان المقاطعين سواء كانوا متحزبين أو مستقلين تنظيم أنفسهم في جبهة يمكن لنا أن نطلق عليها "جبهة وطنية من أجل الإنتقال الديمقراطي" تضم كل أطياف المجتمع التي تريد إنتقالا ديمقراطيا فعليا أو ما يسميها البعض ب"الجمهورية الثانية"، نعتقد أنه من الصعب تحقيق ذلك، لأننا لا نعرف هؤلاء المقاطعين المؤمنين بهذا الإنتقال الديمقراطي، ويصعب علينا تحديدهم، ولهذا لن يبقى لنا إلا طريقتين لتفعيل عملية التغيير السلمي، وهما إتفاق المعارضة بكل أطيافها على مرشح واحد يؤمن فعلا بالتغيير الديمقراطي، ويرسمون له ورقة طريق لتحقيق ذلك، لكن للأسف فوتت علينا المعارضة هذا الحل، ولو بقيت بعض الآمال لكنها محدودة جدا بسبب ضيق الوقت، ونشير أنه قد سبق أن دعونا لها في مقالة لنا منذ أكثر من سنة ( أنظر مقالتنا: "ما موقع المعارضة من رئاسيات 2019؟" في الحوار المتمدن عدد 08جانفي2018).
لم يبق اليوم أمام كل الأطراف المؤمنة بالإنتقال الديمقراطي إلا المشاركة في الإنتخابات بإيجابية، رغم أنها تدرك جيدا أنها ستزور لصالح مرشح السلطة، لكن عليها أن تستغل هذه الإنتخابات لعدة أهداف ومنها الوقوف وراء مرشح واحد لعل وعسى سنكتشف أن المقاطعة هي وسيلة السلطة لتمرير مرشحها، لأن لها وعائها الإنتخابي الثابت، فيمكن مفاجأتها في ذلك اليوم، فلنعلم أننا لم نجرب يوما المشاركة بقوة في الوقت الذي جربنا فيه المقاطعة، وكانت نتائجها سلبية، وأبقى الوضع على ما هو عليه، فلا ضرر، ولن يخسر الجزائريون شيئا إن جربوا حلا آخر غير هذه المقاطعة السلبية، ومن جهة أخرى فإن الإهتمام بهذه الإنتخابات سيعيد الجزائري إلى الحياة السياسية بدل الإستقالة التي يشتكي منها الكثير من الأحزاب، فهي فرصة لتحقيق ذلك، أما الهدف الثالث وهو الأهم والأبرز، فإن هذه الإنتخابات هي فرصة لإستغلال فترة الحملة الإنتخابية وما قبلها لتحويل مدوامات المترشحين الذين ينشدون التغيير إلى مقرات لتنظيم وهيكلة المواطنين بكل أطيافهم في جبهة واسعة تستهدف تحقيق الإنتقال الديمقراطي، وهو ما نسميه ب "الجبهة الوطنية للإنتقال الديمقراطي" تكون شبيهة ب"جبهة التحرير الوطني" التاريخية في 1954، لكنها ستعمل سلميا، وأؤكد على "السلمية"، ولن يتوقف نشاطها بعد الإنتخابات، لأنه يجب أن نضع في الحسبان، بأن هناك ندوة وطنية ستأتي فيما بعد حسب رسالة الترشح للرئيس بوتفليقة، وبالتالي تنظيم وهيكلة هذه الجبهة التي ستتجاوز الأحزاب التقليدية التي فشلت، وممكن إفراز نخب وقيادات سياسية جديدة لها ثقة شعبية، فمادام السياسة هي فن الممكن، كما أنها مسألة موازين قوى، فلهذا يمكن تحويل هذه الإنتخابات إلى فرصة سانحة لبناء هذه "الجبهة الوطنية للإنتقال الديمقراطي" بمشروع وورقة طريق متفق عليها بين كل الأطياف السياسية والإجتماعية، مما يسمح بالذهاب من موقع قوة وكطرف واحد وحيد إلى ندوة الوفاق الوطني وبمشروع مشترك واضح المعالم ثم التفاوض مع السلطة حول هذا الإنتقال الذي من شأنه إنقاذ الجزائر التي وصلت إلى حافة الهاوية ويجب الكف عن التلاعب بها وتفضيل مصالح ريعية وحزبية وشخصية ضيقة على حسابها، كما يمكن مواصلة الضغط على النظام حتى يقبل بعقد هذه الندوة في حالة التنصل من وعده، خاصة أن النظام يعيش مرحلة تفكك وتناقضات حادة وضعف كبير سيزيدها الوضع الإجتماعي والإقتصادي تأزما أكثر، أما الدعوة إلى مقاطعة الإنتخابات، ثم يلزم كل طرف بيته أو يدخل كل حزب في صراعاته التافهة، فلا معنى ولا أي اثر لها، فما هو إلا عمل سلبي قد جربه الجزائريون الذين ينشدون التغيير الإيجابي سلميا في أغلب الإنتخابات، طبعا سيعارض الكثير من القيادات الحزبية ذلك لأن ميلاد جبهة وطنية من أجل الإنتقال الديمقراطي، سيفقدها ما تجنيه من توافه من أحزابها على حساب الجزائر، كما يوجد طرف آخر بوده لو يبقى الوضع على ما هو عليه كي يستغلها لصلحه، ويأتي على رأسها الجماعات الإرهابية، فهي تعلم جيدا أن إستمرار هذا الوضع هو مجرد إستقرار مسموم قاتل، وسيؤدي حتما إلى إنفجار ثم فوضى ستسمح لهذه الجماعات إعادة إنتشارها وإقامة مشروعها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشدد مع الصين وتهاون مع إيران.. تساؤلات بشأن جدوى العقوبات ا


.. جرحى في قصف إسرائيلي استهدف مبنى من عدة طوابق في شارع الجلاء




.. شاهد| اشتعال النيران في عربات قطار أونتاريو بكندا


.. استشهاد طفل فلسطيني جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مسجد الصديق




.. بقيمة 95 مليار دولار.. الكونغرس يقر تشريعا بتقديم مساعدات عس