الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تزييف الثابت القيمي

اسماعيل موسى حميدي

2019 / 2 / 16
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تزييف ..... الثابت القيمي ..وتلاشي الذات
..........................................
د.اسماعيل موسى حميدي
وقفت امام المرآة طويلا تدقق بحنق في ملامح وجهها الفطري، تنظر يمينا ويسارا الى جبهتي وجهها الحاد ويدها تداعب اطراف خصلة شعرها المتجعد وهي تتأمل محياها الغائرة في تجاويف وجهها..هي تسأل نفسها ياترى لماذا الكل يصفني بغير الجميلة، هل انا سمجة الوجة لهذه الحد.. يبدو ان معاني الجمال غادرت ملامحها تماما، فبشرتها القاسية المشوشة بالبثور والكلف، وبريق عينيها الخافت واختفاء وتلاشي نضارة حاجبيها ،وتقويسة خديها الناشزة، باتت لاتجذب الجنس الاخر تماما، بل ان اغلب زميلاتها اضحن يبتعدن عن مجاراتها داخل الكلية فهي دميمة المنظر وتخلو من الجاذبية في مكان اضحت المشاعر فيه الاعتبار الاول.
ولانها مدركة تماما بطبيعة نفسية المجتمع الذي يحتويها وبما يعشقه الرجال من جمال وشهوات ،فانها مضت تبحث عن بدائل للانتقام من قدرها الذي انتجها بهيئتها الطاردة للجنس الاخر...فراحت تقلب مجلات الجمال والموضة وتدخل قنوات اليوتيوب للميكآب ومستحضرات التجميل .حتى انتهى بها الامر الى النتيجة الاتية:
-اختيار خلطة مناسبة من المكياج لبشرتها
-عدسات لاصقة مناسبة للون البشرة،مع تركيب الرموش الطويلة
-تركيب خصل الشعر (اكستيشن ) نوعية فاخرة وبطول خصرها
-صناعة الحواجب 6d سداسية الابعاد
-عمل فيلر (النفخ) للخدين والشفتين والارداف
-ترميم الاسنان بابتسامة هوليود
-والمرحلة الاخيرة هي ارتداء بنطال جنز (محكوك الركبتين) مع شنطة خمرية قصيرة بسوار احمر تعلق في الكتف ،ومكياج احمر (طوخ )للشفتين، مع تناول (علكة) وتحريك الفك الاسفل يمينا ويسارا...وهكذا غادرت هيئتها الاولى لتكون بمصاف ذوات الجمال والاغراء،ولان المواطن العراقي تستميله كل اصناف الاناث عدا زوجته ،باتت عندما تسير في الشارع يخرج اصحاب سيارات التكسي رؤوسهم المقدسة من النوافذ العجلات، وراحت قلوب الحب والاعجاب تتطاير من فوقها،وقضى جيل من الشباب نحبه بمغازلتها وراح جيل يقضي حوائجها، وجيل ينتظر ،وكلهم بدلوا تبديلا، وهي الاخرى وجدت نفسها في معاني عيون ناظريها وكذبة نيسان استمرت عندها لكل شهور السنة ،وهي اول من صدقها، بل وراحت تسول لها نفسها بولوجها كمنافسة قوية لملكات جمال بغداد.
كان لي صديقان موظفان يعملان في دائرتين مختلفتين من دوائر الدولة، وهما شخصان محترمان ويتمتعان باخلاق رفيعة، وثقافتهما السياسية ثقافة وسطية كأي عراقي نافر يتحدث في الكيات والمقاهي،وحدث ان رشحا الى الانتخابات النيابية السابقة بقائمتين مختلفتين ،احدهما خرج الى جمهوره من تحت عباءة احدى الاحزاب الاسلامية، والاخر اخترق جمهوره بعد ان اتكأ على عشيرته العريضة ، ،وبالفعل استطاع الاثنان حصد الاف الاصوات ،ولكن لسوء الحظ فاز احدهما في الانتخابات وخسر الاخر وبفارق بسيط جدا بعدد الاصوات بينهما ..وهذه هي لعبة الحياة في العراق...
الذي فاز في الانتخابات لم التق به الا مرة واحدة بعيد الانتخابات ثم اختفى بحسب طبيعة عمله وجدوله المزدحم بالمواعيد واللقاءات ،وراح الكل يتحدث عنه بانه سيتم تسليمه حقيبة وزارية او منصبا كبيرا،ثم هو الاخر راح يطل علينا من على شاشات الفضائيات وبطروحات عملاقة وتنظيرات سياسية ثقيلة تدعو لخلاص الامة من فسادها ،ومن بين ما طرحه لديه في جعبته برنامج يتبناه لخلاص العراق ككل من ازمته الحادة،وهكذا في يوم وليلة اصبح منظرا وعملاق وباشويا ،اصبح ناقدا وعارفا بشؤؤن الدولة وزعاماتها ،وعندما يمر تقف له الرجال مهابة وترفع له القبعات العراقية (العكل)في اضعف حالتها.
وقبل ايام شاهدت زميله الاخر (الذي لم يفز في الانتخابات) وكان واقفا على طابور (سرا) الصمون كأسرى الحروب وهو يرتدي (السروال)حاله كحال أي عراقي بائس يلعن الحكومة واهلها.وبعد ان وصل باب الفرن،واستلم حصته من عامل الفرن من الصمون مضى وفي يده صمونة حارة وهو يهرشها ويلوكها بقسوة من طرفها الحاد.
بالتاكيد لو حدث العكس ،معهما ،لكان ايضا العكس ،واصبح الرجل الخاسر بدل وقوفه الوضيع على باب فرن الصمون لوقف على ابواب الفضائيات واصبح رجل الدهاء وخنذيذ السياسة وعراب التشريعات .
قبل أشهر دعاني احد الاشخاص لحضور فصل عشائري بسبب حادث دهس في احدى مناطق بغداد، ما دفعني الفضول لحضور ذلك ، وعند وصولي للمكان كان جمع غفير يرتدي كل الازياء العراقية، حضرية وريفية وبدوية ،مجتمعا استعدادا للانقضاض على عشيرة ذوي الضحية ،وهكذا دلف الكل ومثل قطيع الاغنام وراء السيد الذي كان يحدو الجميع لمساحة القداسة الواسعة التي يحضى بها من قبل رجال القبيلتين،وكان السيد شابا وتبدو علية تباشير الثقة العالية بالنفس ويمتلك شجاعة المهاترة والسجال، حتى وصلنا الى مكان اهل الضحية واحتدم صليل المفاوضات،، انكسار هنا وهجوم هناك ،عر وفر وجر وتقهقر ،حتى انتهت الواقعة بوضع الحدود المالية والاعتبارية بين الطرفين بصورة توافقية بين كبار العشيرتين ،مع عدم رضا واضح على وجوه ذوي الضحية.
ليست المشكلة بقراءة السيد المليئة بالاخطاء للآيات القرانية اثناء حديثه ،ولا المشكلة بتقدم السيد في المسير لمئات الرجال الذين يتجاوزونه عمرا وفهما ودراية وحكمة وخلقا ،وليست المشكلة بالثقة العالية التي كان يتمتع بها من بين مريديه وعدم قبوله باي صوت يعلو على صوته او حكمه ،ولا المشكلة في السواد الذي أعتم وجوه ذوي الضحية لامتعاضهم بالحكم وعدم رضاهم به ، ولا المشكلة في دم السيد الحار الذي هو عباسي النزعة كما يقولون والكل يحذره ويخافه ،وربما بمجرد زعله سيؤشر الى السماء بيده ليحول قطيع الاغنام الذي وراءه الى قطيع قردة خاسئين .
انما المشكلة الحقيقية بالثابت القيمي المجتمعي الذي لا يمكن ان يكتب له الزوال عند جمهور اختزل ارادته وثقافته وارهنها بيد تفكير قبلي موروث .
متى سيؤمن الناس بالثابت القيمي الديني الحقيقي الذي يفاضل الناس بافعالهم لا بانسابهم،متى سيؤمن الناس بان معيار التفاضل بينهم التقوى والخلق بقولى تعالى "انما اكرمكم عند الله اتقاكم" ،متى يؤمن الناس بدعوة النبي (ص)بان الناس سواسية كاسنان المشط،.متى سيختار الناس مريديهم دون انسابهم وولاءاتهم كما اوصانا بذلك رب العزة ونبينا الاكرم (ص)وأئمتنا الاطهار .
متى سيخترق رجل الدين الحقيقي والمفكر الانساني والسياسي الحاذق عقول جماهيره ويتوسطها بمايمليه عليهم فكره ورؤيته وحنكته ضمن مضامين يتصور الناس انفسهم فيها من خلاله فيفيق العالم من حسرته.
لايمكن تحقيق ذلك الا بالخلاص من الهالة التي تصنعها الصدف والخرافة حول الافراد والتي نعدها عناوين النجاح عندنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي