الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإمامة ثانياً

الشيخ إياد الركابي

2019 / 2 / 17
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



الإمامة

ثانياً

كنا قد إنتهينا إلى القول : - بأن مبدأ الشورى أساسي و لازم من لوازم الإمامة - ، والشورى بمعناها العام هي حكومة الشعب التي تكون بالإنتخاب أو الأختيار ، والإمامة هي مؤوسسة مسؤولة عن تحقيق العدالة والنظام والقانون بالفعل بين الناس ، هي مؤوسسة إجرائية تنفيذية تنحصر مهامها الرئيسية بالعمل في إدارة البلاد عبر المشاركة الجمعية ، كما إن لها وظيفة أخلاقية وثقافية في تعميم قيم الحرية والسلام .

وبمقدورنا القول : - إن هذه الأشياء الحيوية أرادها الكتاب المجيد وقصدها وسعى لها عبر دائرة النصوص الحاثة و المرشدة إلى ذلك - ، وللتنويه والإعلام فقط نقول : إننا قد أعتمدنا في بحثنا هذا وما سبقه من بحوث ، على نصوص الكتاب المجيد بإعتبارها المصدر الوحيد والرئيس في التشريع وفي الإجتهاد ، وهذا يعني إننا لم نعتنِ بما ورد في كتب الأخبار من روايات وقصص ، لقناعة منا راسخة في عدم إعتبار الأخبار حجة يمكننا الإستفادة منها في البناء والتأسيس ، وفي هذا ننطلق من علم وتحقيق أشار لنا بوجود ذلك الخلل الواضح فيها من جهة تأريخها وزمنها وسندها ومضمونها ، ومن هنا فالأخبار عندنا لا تصح المحاججة بها ولا في إعتمادها كحجة أو دليلاً في إستنباط الأحكام ، وأكثر ما يُستفاد من الأخبار هو بالأستئناس بها بشرط صحتها وموافقتها لنصوص الكتاب ، كما يمكن الأخذ بها في أدلة السنن من الأخلاق والشمائل !! .
والحق إن الأخبار أو ما يسمى ( بالسُنة ) ماهي إلاَّ ظنون لا يمكن جعلها بمصاف االكتاب أو صنو له في عملية الإٍستنباط ، ولهذا فهي لا تصلح البتة في عملية الإجتهاد الفقهي ناهيك عن الإجتهاد العلمي والفلسفي ، الذي يتطلب الدقة والوثاقة الموضوعية ، ومن باب التذكير نقول : - الأصول المعتمدة عندنا في الإستنباط والإجتهاد ، هي كتاب الله المجيد والعقل - ، الذي هو الدليل الدال على الكتاب ، وأما الإجماع : - فليس عندنا بشيء بشقيه ، سواء أكان الإجماع المحصل أو المنقول - ، والإجماع المُدعى لا يصلح في عملية البحث والإجتهاد ، لأن مستنده معلوم وهو الأخبار والتي عندنا لا تفيد إلاَّ الظن والذي لا يغني من الحق شيئا ، وقديماً قالها الإمام الصادق : - أعرضوا اخبارنا على كتاب الله ، فإن وافقه فخذو به ، وإن خالفه فردوه أو إضربوا به عرض الجدار - ، هذا هو المعيار وهذا هو الميزان ، بالإضافة إلى إشكالية زمن التدوين وطبيعة الرواة وطبيعة النظام السياسي الذي كان سائداً ، والأمر نفسه ولو بنحو أخر وجدناه عند الإمام أبي حنيفة الذي لم يصح عنده من الأخبار سوى سبعة عشر ، حين بنى مذهبه وأقامه ، مع الإشارة : إلى إن الإمام أبوحنيفة كان قريباً نسبياً إلى زمن الرسول عليه السلام ، ومع ذلك أعرض جانباً عنها وقال مقولته تلك .

نحن إذن أمام إشكالية معرفية تلف مجمل تراث المسلمين ، ولا يجب القفز عليها متسلحين بالتقليد الأعمى و الإيمان السطحي ، الذي لا يقوم على دليل وعلم وبرهان ، ثم إن - الآبائية - في الفهم مرفوضة ومنبوذة من عند الله ولهذا قال تعالى : - [ .. قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ... ] - البقرة 170 ، في صيغة الرفض وعدم الإتكاء عليها في الإيمان والإعتقاد ، ذلك لأنها سلوك فض وينم عن جمود وتحجر ولذلك فهي مرفوضة ، ولأنها أيضاً ضد التدبر الذي دعا إليه الله في قوله : - [ أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ] - محمد 24 ، فعدم التدبر هو مذهب الآبائية وسلوكها في الفهم والتبني ، وهو نفسه الذي يقود إلى التقليد الأعمى المنهي منه ، ويمنع عن قصد الإجتهاد والبحث والتحقيق .

نعم إن هناك ثمة فئة من الناس أستسلمت للتقليد وآمنت به ، وهي لا تتقدم خطوة من أجل التحرر والإنعتاق من هذا التحجر والضيق في النفس وفي الأفق ، وشعارها الدائم هو - البقاء أو الإبقاء ما كان على ماكان - .

وفي بحثنا هذا وكغيره من البحوث السابقة ، إنما نعتمد و نلتمس وندعوا للنظر والتعمق من غير هآلات قدسية مزعومة ، كما أن حُسن الظن القدري بالمتقدمين لا يعيننا في فهم ما يريده الله والناس منا ، فثمة زمن مختلف وثمة إرادة ومُريد مختلف ، وإلى ذلك نسترعي الإنتباه ..



ونعود للقول : هل المقصود في كتاب الله هو الإمام أم الإمامة ؟

و بحدود علمي القضية تحتاج إلى شيء من التأمل ، والقضية لا تعني التفريق بقدر ما تعني العلاقة الزمنية ، ومن أجل بيان أكثر سنأخذ على ذلك مثالاً من الكتاب المجيد ، قال تعالى : - [ ... وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ] - الأنبياء 73 ، والملاحظ في النص : - إن الفعل والضمير يعود على المتعلق به وهم من يقومون بفعل الهداية - ، والوصف بالهداية وصفاً تعريفياً يعود على الأمر الذي ينفع الناس ، وكأن الأئمة هنا هم عنوان ثانوي وإنما المُراد هو العنوان الأولي ، أي ما يقومون به من وظائف وأعمال ، من نشر العدل وردع الظلم وتعميم السعادة وتوفير الأمن والإستقرار للناس والمجتمع ، ومنه يتبين : - إن أصل جعلناهم - إنما جيء به لهدف معين وهو تحقيق العدالة ، وليس جعلناهم ليكون أئمة بالمعنى الشخصي الخاص - ، فهذا لم يكن المقصود ولا المطلوب في الكتاب المجيد ، ثم لا يجب التركيز على مفهوم وحدانية الإمام بالمعنى العددي ، بل المقصود هو مؤوسسة الإمامة بإعتبارها الضامنة لهذه الحقوق ، وأما الإمام بالمعنى الشخصي - فهو إنسان من الناس ويجري عليه ما يجري عليهم ، وهو محكوم عليه بالعدم - وهذا ما يناسب طباعه الواقعية من الموت وغيره ( و الله لا يريد لمؤوسسة الإمامة أن تموت ) ، قال تعالى : - [ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ] - الأحزاب 21 ، والرسول ( الإمام ) لا يكون أسوة إلاَّ في الرسالة ( أعني الإمامة ) ، والرسول يموت ولكن الرسالة لن تموت .

ويجري في السياق نفسه قوله تعالى : - [ وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا .. ] - السجدة 24 ، والصورة هي ذاتها فجعل الأئمة متعلقة رتبة بهدآية الناس لما أمر الله به ، وأمر الله متعلق بالعمل الصالح وإصلاح شؤون العباد والبلاد ، والجعل في النص إرشادي لطبيعة الوظيفة التي سيضطلع بها الأئمة ، وقد ورد في الأثر التأكيد على ذلك بقوله عليه السلام : - ( بُني الإسلام على خمس الصلاة ، والزكاة ، والحج ، والصوم ، والولاية .. ) ، ومع إن هذا الخبر فيه ضعف بنيوي ومعنوي ، لجهة وقوع الوصف على الإسلام وليس على الإيمان ، والصحيح القول : - ( بُني الإيمان على خمس ، الصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة ، والولاية .. ) ، حتى يستقيم المعنى المُراد ..

وأما الولاية : فهي الإمامة أو القيادة أو الحكومة ،

ولا يصح جعل - الصلاة والزكاة والحج والصوم ... - من فرائض الإسلام ، بل الصحيح إنها من فرائض الإيمان ، وبين معنى الإسلام ومعنى الإيمان فارق نجده في الكتاب مسطورا ، فالإسلام هو : - ( التوحيد ، والإيمان باليوم الأخر ، والعمل الصالح ) ، وأما الإيمان فالمُراد به خصوص الإيمان بنبوة محمد عليه السلام ورسالته ، مما يعني إن هذا الخبر المروي عن الإمام الباقر ليس صحيحاً من ناحية البناء والتركيب ، فالصلاة والصيام وكذا سائر الأعمال والعبادات فرائض إيمانية تتعلق بالرسالة التي جاء بها محمد ، وهي ليست من فرائض الإسلام كما يروج لذلك في التاريخ والخبر .

وجعل الولاية في سلة العبادات والأعمال والوظايف يخرجها من دائرة الإعتقادات ، فالولي هو الحاكم والولاية هي الحكومة والتي هي من خصائص الإيمان وليست هي من عقائد الإسلام ، فالوالي هو الشخص الذي ينتخبه الناس بعد أن يحصل على غالبية الأصوات ، وعندها يكون هو الحاكم والإمام ، وأصدق مصاديق ذلك ولاية الإمام علي حين بايعه الناس جميعاً وأختاروه للخلافة والحكم ، إذ ليس في التاريخ الإسلامي شبيه لما حدث مع الإمام علي من إنتخاب حر ، وقد قال في وصف ذلك : - [ فما راعني إلاَّ والناس إليَّ ينثالون عليَّ .. ] - نهج البلاغة الخطبة الشقشقية ، وبهذا اللحاظ يكون مقام الولاية من حيث الإعتبار وظيفة إجتهادية وليست نصيه أو وراثية وهي كالصلاة والزكاة والحج والصوم من الأمور الوظيفية التكليفية ، بمعنى أنها وظيفة وتكليف عملي كباقي التكاليف التي يجب العمل بها حسب شروطها الموضوعية ، وأهم عنصر في هذه الشروط هو إنتخاب الأصلح والأعدل والأكفأ وإن كانت هذه من الصفات النسبية ، ولكن المعيار والمناط فيها هو ما يحقق للناس العدل ويجنبهم الشر ، ومن يُنتخب بناءاً على ذلك فعليهم طاعته وإتباع أمره حسب الضوابط والحدود ، فإقامة الولاية تكليف واجب كالصلاة والزكاه والحج والصوم لمن يكون أهلاً لها ..

وهنا يسأل زرارة بن أعين راوي هذا الخبر فيقول : وأي شئ من ذلك افضل ؟

فيقول الباقر : [ أنها الولاية ، لأنها مفتاحهن ، والولي هو الدليل عليهن ] ، والباقر يعني : - إن الولاية هي مؤوسسة للحكم يقع على عاتقها ، توفير الشروط الموضوعية اللازمة للعيش الكريم بما فيه من إقامة للفرائض والأعمال من غير خوف أو إكراه - ، أعني إن الولاية توفر الأرضية المناسبة للإستقرار و الأمن ، صحيح إن العبادات هي تكاليف مقصودة في ذاتها ، ولذلك فأثرها وتأثيرها يبقى محصوراً في دائرتها ، وأما الولاية فتخرج هذه العبادات من حيزها الطقوسي إلى حيز العمل والإستقامة والبناء والتقدم ، لذلك جاء الإستدراك بالقول : ـ ( أولئك المحسن منهم يدخله الله الجنة لفضله ورحمته ) ، وكأنه يريد بهذا الإستدراك القول : - إن الولاية الصالحة تجعل من إقامة التكاليف والعمل الصالح جزءاً من منهجها ، وعليه فالولاية أو الإمامة هي التي جعلها الله للناس ، لكي تقوم بهذا الدور .

وليس شرطاً بل ليس واجباً أن يكون الإمام عالماً أو يعلم الغيب ، لأن العلم بالغيب شأناً خاصاً بالله وحده ، وقد دل الكتاب المجيد على هذا في جملة نصوص ، وليس فيها ما يدل على إنه قد فوض هذا العلم لواحد من أنبيائه ، حتى حينما قال : - [ عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحد إلاَّ من أرتضى من رسول ] - الجن 26 ، وحتى هذا العلم الذي أُظهره الله لبعض رسله ( والمقصود بهم بعض الملائكة ) وليس الرسل من البشر ، هؤلاء إنما يطلعهم الله على الغيب لغاية محددة ، وهي فهم وإدراك ما يؤدون وما يحملون للإنبياء الذين يتواصلون معهم ، وهذا الغيب حين يصل للنبي لا يعد غيباً بل يصبح بعد ذلك علماً عادياً ، وقد مر الكلام عن ذلك في شرحنا للنبوة فلا نعيد .

والكلام في هذا وفي معناه هو : - إن ما لا يصح للنبي ولا يكون فمن باب أولى إنه لا يصح للرسول أو الإمام ولا يكون - ، -

ولايجب أن يُفهم من معنى الحصر في نسبة الإمامة لخصوص أئمة أهل البيت عليهم السلام ، المعنى التعبدي القهري بل إن معناه الحصر النسبي ، والذي يعني نفي حاكميت الطواغيت والظلمة ، وقد جاء في تفسير نور الثقلين ما يشير إلى هذا بقوله : - ( أعرفوا الله بالله والرسول بالرسالة وأولي الأمر بالمعروف والعدل والإحسان ) - نور الثقلين ج1 ص 507 ، ودلالة الحصر هنا معناها الحصر النسبي في زمنهم لعدم أهلية من تقدموا للحكم والولاية آنئذاك ، ولا يستمر الحصر هذا حتى في زمن الغيبة ، لأن ذلك يقتضي تعطيل للحدود والأحكام ونظام الجماعة .

إذن فتصحيح الفهم تجاه معنى قوله تعالى : - ( أُولي الأمر ) - ، يقودنا للقول : إن جملة - أولي الأمر - دلالتها عامة مطلقة وتشمل كل من صح إنتخابه من قبل الشعب والأمة ، وقد قيل في معناها أقوال منها :

الأول : إنها تعني جميع الأمراء والحكام .

والثاني : إنها تعني خصوص الأئمة الأثني عشر .

والثالث : إنها تدل على ما يناسب الحكم والموضوع ، أي إن كل من له حق في الأمر والحكم هو ولي للأمر [ وهذا يتم بالإنتخاب أو الأختيار الشعبي ] ، و من ثبت له ذلك وجبت إطاعته والإنقياد له .

ولا يخفى إن : ( مفهوم الأمر والحكم لا يتعلق بالعصمة ) ، بل يثبت معناه لكل من كانت حكومته قائمة على الإختيار والإنتخاب ، ومثال ذلك : - حكومة الإمام علي - التي كانت عن طريق الإنتخاب الشعبي ، ولهذا تجب طاعتها وطاعة ولاتها ، ومعلوم إن الطاعة مشروطة بهذا القيد ( أن لا تؤدي الطاعة إلى ظلم وفساد في المجتمع ) ، وقد ورد في الأثر قوله : - ( من يطع أميري فقد أطاعني ، ومن يعص أميري فقد عصاني ) - تفسير الكشاف ج 1 ص 212 ، وكتاب الإمارة لمسلم ص 15 .

وأما القول الأول : فلا نصوبه ولا نؤيده ذلك لأن مفهوم العموم فيه مشعر بصحة حكم الظالم ، والظالم لا يكون إماماً وحاكماً قط ، إذ كيف يجوز للظالم أن يُنصب نفسه للإمامة ؟ ، والإمامة هي مؤوسسة حكم وإدارة هدفها تحقيق العدل ورفع الظلم ، والشعب الذي ينتخب ظالماً أو يُنصب الظلم ، فكمن أسترعى الذئب على غنمه ..

آية الله الشيخ إياد الركابي

11 جمادي الثاني 1440 هجرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة