الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمال عبدالناصر . معارضو الناصرية . ( 3 )

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2019 / 2 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


في الحلقتين الأولى والثانية ، تناولنا الابعاد الأربعة للمشروع الناصري الذي جاءت به ثورة الضباط الاحرار ، كما تناولنا رد فعل معارضي المشروع الناصري ، وعالجنا الدعوى الأولى التي يستند عليها هؤلاء المعارضون ، وخاصة الشيوعيون والماركسيون ، الذين ينفون عن الناصرية صفتها النظرية ، لأنها في نظرهم ليست بنظرية ثورية ، وكم دحضنا وسفهنا وجهة نظرهم الخاطئة ، خاصة في إضفاء صفة العلمية فقط على الماركسية بحجة عالميتها وعلميتها ، في حين ان لينين اعتبر الماركسية مشروعا وليس نظرية ، والاّ لما كانت هناك خطوط كثير باسم الماركسية كاللينينية ، والماوية ، والخوجية ( انوار خوجة ) ، والتيتوية ( جوزيف بروز تيتو ) ، و الخمير الحمر ، والكوبية ، والرومانية ( تشاوسيسكو ) ... الخ . في حين ان الناصرية كنظرية ، ظلت كما كانت عند طرحها ، حيث لا فرق بين الناصري الذي في اليمن ، او الأردن ، او العراق ، او سورية ، او لبنان ، او السودان ، او موريتانية ...لخ
الآن سنتمم الدعاوى المعارضة للناصرية ، وسنركز على الدعوى الى الديمقراطية التي يتهمونها بغياب الديمقراطية ، والدعوة الثالثة التي هي التعذيب في سجون عبدالناصر .
الدعوى الثانية : غياب الديمقراطية :
ان هذه الدعوى التي لم تأخذ بعين الاعتبار ، الظروف التاريخية ، والاجتماعية ، والاقتصادية المخيمة على المنطقة ، خاصة مركزية الصراع العربي الإسرائيلي ، فيها غلو ، وشطط ، واتهامات لم تكن تغيب وبشكل افظع عن ممارسات كل الأنظمة السياسية بالمنطقة ، خاصة الأنظمة الهجينة ، كالأردن ، والسعودية ، ومشيخة الخليج .
فما كانت و لاتزال تعاني منه الجماهير الشعبية ، وقوى الشعب العامل في كل البلاد العربية ، هو غياب ، بل وانعدام الديمقراطية بشكل كلي . ان القهر ، والقمع ، والتسلط ، هي سمة أساسية وبارزة ، من سمات جميع الأنظمة العربية العميلة ، وبدون استثناء بدرجة او بأخرى .
ان السؤال الذي يُطرح بجدية على من ينكر وجود ديمقراطية في عهد جمال عبدالناصر ، والسؤال موجه الى الماركسيين والى الاخوان المسلمين ، هو ، هل كان في ذاك الابّان نظام سياسي يطبق الديمقراطية بحذافيرها ؟
بالرجوع الى الأنظمة التي كانت تتصارع في ستينات وسبعينات القرن الماضي ، كان هناك نظام رأسمالي ، وكان نظام آخر يقابله هو النظام الاشتراكي . وبالرجوع الى كلا النظامين ، سنجد انهما لم يكونا ديمقراطيين .
فالنظام الرأسمالي استند على دكتاتورية البرجوازية الكبيرة ، ودكتاتورية الشركات الكبرى ، وأصحاب رؤوس الأموال ، في بناء نظام طبقي الغلبة فيه للقوي ، في حن ظل وضع الطبقات الأخرى ، وضع عبيد خاضعين للاستغلال الرأسمالي البشع ، وهنا سنرى كيف يتم اقتسام الحكم بالتناوب في أمريكا بين حزبين هما الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري ، وكيف كانت الأنظمة الانتخابية ، وهول الدعاية الأيديولوجية ، تفعل فعلتها في نفسية الطبقات الضعيفة ، الشيء الذي كان ينتهي دائما ، بحكم وتسلط الأحزاب الناطقة ، والممثلة للمصالح البرجوازية الكبرى للحكم ، اما دور الناخبين من الشعب فهو يستعمل ككمبراس ، وينتهي بمجرد الإعلان عن نتائج الانتخابات .
نفس الشيء ملاحظ عن الوضع الفظيع ، الذي عاشته شعوب اوربة الشرقية مع دكتاتورية أنظمتها البرجوازية الصغيرة ، حيث لا يمكن نسيان المجازر ضد المعارضين على يد ستالين ، وسجون سيبيريا ، واغتيال المثقفين ، والمعارضين ، واعدامهم ، وما عانه الشعب الصيني اثناء الثورة الثقافية ، وما عانه الشعب الكمبودجي على يد بولبوت ، والشعب الروماني مع نظام نيكولاي تشاوسيسكو ، والشعب الألماني مع نظام هونيكر ....لخ
وإذا كان قمع الشيوعيين والماركسيين قد حصل فيه بعض التجاوز ، لانهم لم يسبق ان مارسوا العنف ضد الدولة ، فان الامر لم يكن كذلك بالنسبة للإخوان المسلمين ، الذين حاولوا اغتيال جمال عبدالناصر في واقعة المنشية ، ومارسوا العنف والإرهاب ضد الدولة وضد الشعب ، ومنهم طبعا تسللت ، وتناسلت كل منظمات التكفير ، والإرهاب التي اكتوى بها العالم العربي اليوم .
لكن لمعرفة حقيقة تلك الحقبة ، واتهام عبدالناصر بانعدام الديمقراطية او بالدكتاتورية ، يتعين تحديد القوى التي تقف وراء تلك الادعاءات الكاذبة ، مقارنة بما جرى في الأنظمة الاشتراكية ، والأنظمة الرسمالية . انها القوى الرجعية وبعض القوى الماركسية التي ترفعها باستحياء شديد .
ان دعوة انعدام الديمقراطية في عهد ناصر ، هي لعبة تلعب بها القوى الرجعية الاخوانية ، لأنها لا تؤمن اطلاقا بالديمقراطية ، ولا باي شكل من اشكالها ، لا الليبرالية ، ولا المركزية ، ولا الجماهيرية ، والتاريخ ، والواقع يؤكدان ذلك ، وينفيان مصداقية رافعي هذه الدعوة . ان القوى الرجعية ترفع هذا الشعار ، فقط إذا ضمن انه سيحقق لما مصالحها ، بالتسلط ، والتحكم في الجماهير وقدراتها ، وفي النهب والاستغلال .
في اسبانيا عندما اختلف الشعب حول شكل الحكم : ملكية ام جمهورية ؟ احتكموا للاستفتاء العام المباشر ، وتحت سلطة الملك . وفي ظل حكومة الملك اجري الاستفتاء سنة 1933 ، وكانت النتيجة اختيار الجمهورية ، لكن القوى الرجعية لم تكن تريد هذه النتيجة ، وظنت ان وسيلة الديمقراطية هي التي تحقق لها عكس هذه النتيجة .. لكن ذلك لم يحصل . فماذا حدث ؟ جاءت القوى الرجعية بقيادة فرانكو وحزب الفلانج ( الكتائب ) لتسحق الشعب الاسباني .
ولو ان الجماهير انتهت لاختيار الملكية ، لكانت القوى الرجعية قد صفقت وملأت الدنيا صداعا ، وصراخا ، وهتافا ، لكن لان الديمقراطية لم تحقق لهذه القوى النتيجة التي استهدفتها ، فآنها ذبحت الديمقراطية ، و ذبحت الجماهير ، والشعب في الحرب الاهلية الاسبانية ، وانضم دعاة الديمقراطية في جميع انحاء العالم الى الشعب الاسباني ، وانضمت القوى الرجعية من كل مكان لتساعد القوى الرجعية الاسبانية .
في المانيا حصل نفس الشيء سنة 1933 . الحزب الاشتراكي كان لديه سبعة مليون عضو ، وكان يرفع راية الديمقراطية ، ودستوره كان عظيما ، وراقيا ، حيث كان ينص على تمتع الشعب الألماني بكل الحقوق المقرة فيه .. فماذا كانت النتيجة ؟
تقوم القوى الرجعية وتستعمل هتلير في ذبح الديمقراطية نهائيا .
في الشيلي كذلك ماذا حدث ؟ يتم انتخاب اليندي رئيسا للجمهورية في انتخابات حرة ، نزيهة ، شفافة طبقا للمعايير الغربية الليبرالية .. وطبعا ان يأتي ماركسي ، او تقدمي ، او يساري ثوري رئيسا للجمهورية بانتخابات برلمانية ديمقراطية ، لا يتوافق مع مصلحة القوى الرجعية ، التي قامت بالتخطيط مع المخابرات المركزية الامريكية بانقلاب عسكري ، لتذبح الديمقراطية من الوريد الى الوريد ، وتسحق اكثر من ستين الف مواطن من الشعب ، والحبل على الجرار .
في مصر يأتي الصهيوني انوار السادات ، ويزعم انه ديمقراطي ، وان ما كَانَ ، كَانَ حكما شموليا قاهرا ، ويدغدغ أعصاب وعواطف الجماهير بكلمة الديمقراطية ، بناء على نصيحة محمد حسنين هيكل له كما اعترف ، ويستمر كذلك مستخدما الديمقراطية ، حتى أصبحت عائقا لأهدافه في العمالة ، والتسلط ، والاستغلال لمقدرات الشعب وخيانة قضايا الامة .. عندئذ تصدر القوانين بعد انتفاضة الشعب في 18 و 19 يناير 1977 ، لكي تحكم بالإعدام على كل من يخرج في مظاهرة ، وبالمؤبد على كل من يناصر مظاهرة ، ويبدأ بذبح الديمقراطية ، ليصل بعد ذلك الى وضع كل القيادات الشعبية من مختلف التيارات والقوى السياسية في السجن ، وكانت خاتمة مذابحه للديمقراطية .
إذن القوى الرجعية حين ترفع هذا الشعار ، فلكي تحقق مصلحتها ، وعندما لا يتم ذلك ، فأنها تدوسه بأقدامها وتذبحه .. إذن لا مصداقية على الاطلاق في هذا الشعار ، ولا مصداقية لتلك الدعوى المغرضة الكاذبة .
اما علميا فالأمر أيضا لا يختلف ، لان المعنى الحقيقي للديمقراطية ، هو ان الجماهير المسحوقة ، وهي التي تمثل الأغلبية الساحقة ، أي الشعب ، يجب ان تشارك في الحكم ، وعندما يحصل ذلك ، اكيد انه سيوضع حد للنهب ، والسرقة ، والاستغلال ، والظلم ، والتخلف .. لخ ، وكل هذه الأمور تتناقض مع مصالح القوى الرجعية ، وهذا دليل ساطع على ان الديمقراطية الحقة ، تتناقض ، وتتعارض ، وتتصادم مع القوى الرجعية التي ترفع شعار الديمقراطية زيفا .
ولننظر الى خريطة الوطن العربي . هل تطبق القوى الرجعية الشعار الديمقراطي ؟ في السعودية ، البحرين ، الكويت ...وغيرها ، وغيرها كثير . والسؤال هل القوى الرجعية المتحكمة في مصر وبالبلاد العربية تؤمن حقا بالديمقراطية ؟
ان حقائق التاريخ ، والواقع ، والممارسة تنفي مصداقية الشعار الديمقراطي الذي ترفعه الأنظمة العربية كلها من المحيط الى الخليج ، ومن ثم تبقى دعوة القوى الرجعية ضد الناصرية دعوى زائفة .
فليك يكون الحكم موضوعيا عن التجربة الناصرية ، لا ينبغي النظر اليها بمعزل عن المحيط ، وبمعزل عن الديمقراطيات التي سادت الأنظمة العربية البوليسية ، والديمقراطيات المزيفة التي سادت الدول الرأسمالية ، والدول الاشتراكية السابقة . فمن خلال المقارنة سنجد ان النظام الناصري اختزل الديمقراطية ليس فقط في الشكل السياسي ، بل ان الناصرية جسدت الديمقراطية من خلال اشراك قوى الشعب العامل في الاقتصاد ، فكان التركيز على الموضوع الاجتماعي ، اهم من التركيز على الديمقراطية من حيث الشكل ، رغم الصعاب التي مر منها الاقتصاد المصري ، بسبب العراقيل التي كانت منتصبة من قبل الغرب اللااخلاقي ، وبسبب الضائقة التي فرضتها الحرب العربية الصهيونية .
الآن ماذا تبقى من امل للحلم بالنظام الديمقراطي ، الذي حوله الدكتاتور السياسي الى نظام دكتاتوري سيمكنه من التربع على الحكم في مصر الى سنة 2034 ؟ .
الدعوى الثالثة : دعوى التعذيب :
هناك تياران اساسيان تبنيا هذه الدعوة ، هما التيار الإخوانية الاجرامي الرجعي الذي اعتقل العديد من أعضائه في سنة 1953 و 1965 . و التيار الثاني ، هو التيار الماركسي بمختلف تمفصلاته الأيديولوجية .
الحقيقية ان معظم الماركسيين قد تخطو جراحهم الشخصية ، وتجاوزوها ، بل طووا الصفحة بالكامل ، وكأنها لم تكن ابدا ، وهم هنا يستحقون كل الاحترام والتقدير ، مما يجعل معالجة مواقفهم السابقة في غير محلها ، حيث وبفعل التحولات والتغييرات بالمنطقة ، وبالساحة الدولية ، فان الواقع فرض التعاون بين التيارين ، لا التباعد كما كان في الماضي .
اما بالنسبة للتيار الاخواني ، والتيار الديني ، فلا يزال الحقد الاعمى ، عميقا فيما يتعلق بممارسات التعذيب ، التي تمت بعد محاولة اغتيال عبدالناصر الفاشلة ، وبعد عملية التشويش على الجيش المصري لصالح إسرائيل .
على أيّ ، نستطيع ان نقول ان بعض الناصريين يقولون ان قضايا التعذيب فيها مبالغات خطيرة ، وان التجاوزات التي تتحدث عنها القوى الرجعية ، الاخوانية ، المجرمة قد تم تضخيمها .
كما ان البعض قال ان جمال عبدالناصر لم يكن يعلم بما يحصل ، وان تلك التجاوزات كانت تقع مسؤوليتها على عاتق الأجهزة ، وانه في غياب تنظيم ثوري ليقوم بالثورة ، لان الذي قام بالانقلاب هو تنظيم الضباط الاحرار الذي كان يهدف الى تغيير نظام الحكم والسلطة ، فيما ان عبدالناصر الذي كانت لديه ملامح النظرية ، وملامح الثورة الاجتماعية ، وملامح التغيير الجذري .
إذن لم يكن ثمة تنظيم شعبي ليستولي على السلطة ، وتستعين به الثورة من الداخل ، وتستند اليه ، وبالتالي يتقلص دور الأجهزة .
ان ما غاب عن الاذهان بالنسبة لجميع منتقدي الفترة والتجربة ، ان الأجهزة التي ورثها ناصر ، هي أجهزة قديمة ، ومدربة ، وذات ولاء خطير جدا لوظائفها ، ومع غياب التنظيم الثوري ، من الطبيعي ان يكبر دورها ، وان تقوم مصلحة السجون بالتعذيب ...لخ . ان هذه تبقى حقيقة يجب ان تُؤخذ منها الدروس والعبر بالنسبة لاي ثورة قادمة من ضباط احرار في الجيش .
إذن هل كان عبدالناصر يعلم بما حدث ام لا ؟ :
من خلال ما راج عن تلك الفترة ، خاصة بعد وفاة عبدالناصر ، وانقضاض أعداء الثورة برئاسة انوار السادات الذي تحالف مع الاخوان المسلمين ، وفرش لهم الأرض من حرير ، نستطيع الجزم ان ناصر ، قد تعرض لمؤامرة الأجهزة التي ورثها عن النظام الملكي المتهالك ، لذا فنسبة ادراكه بما كان يحصل ، لم يكن بالقدر الذي يعكس حقيقة الوضع ، بسبب التقارير الكاذبة لأجهزة الامن والسجون ، التي كانت تخضع للسادات .
الم تكن تقارير السافاك الكاذبة هل من سهل قلب نظام الشاه وسهل مجيئ الشيعة للحكم ؟
والم يمت ناصر مغتالا ؟ ومن هي الجهة التي اغتالته ؟ ومن قام بعملية الاغتيال ؟
انها نفس الجهة التي اغتالت ياسر عرفات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر




.. -يجب عليكم أن تخجلوا من أنفسكم- #حماس تنشر فيديو لرهينة ينتق


.. أنصار الله: نفذنا 3 عمليات إحداها ضد مدمرة أمريكية




.. ??حديث إسرائيلي عن قرب تنفيذ عملية في رفح