الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما لم يُكتب في الشريف حسين الهندي -اقيونة النضال العربي والإفريقي-

ميرغنى ابشر

2019 / 2 / 18
سيرة ذاتية


صديقي القارئ اُهابش لك اليوم شئ من سيرة الشريف حسين الهندي ، وهو بعض غير مطروق عند الناس من سيرة هذا العظيم. ويكفيه عظمة أن فعل فعلاً لم يسبقه فيه احد من العالمين . اعني "بند الهندي" . قال الشريف وهو وزيراً للمالية وقتها:لن اترك سوداني عاطلاً" وقد كان له ماقال، فكل من أكمل المرحلة الوسطي حينئذٍ وجد تربيزة وكرسي وراتب خمسة عشر جنيهاً في الشهر. قال عنه مستر "مكمارا" مدير البنك الدولي :"لم يدهشني وزير مالية في العالم غير الشريف الهندي". وكان قد جلس "مكمارا" مع الشريف حسين، مدة تقارب الساعة ،ولم يجتمع قط قبلها مع وزير مالية في انحاء الارض اكثر من خمسة الي عشرة دقائق.وكان الشريف وقتها قد دشن مشروع الإصلاج الزراعي في البلاد الذي اسعد بنتائجه العباد.
كانت تربط الشريف حسين الهندي علاقة خاصة بالملك فيصل بن عبد العزيز ال سعود ،لعبت هذه العلاقة في المستقبل دوراً فريداً في تحقيق المصالحة بين الملك فيصل والقائد جهيرة السيرة جمال عبد الناصر. كان ذلك اثناء انعقاد مؤتمر اللاءات الثالثة بالخرطوم وقتها في أوخر أغسطس من العام 1967م . وترجع جزور هذه العلاقة الي صداقة الشريف حسين الهندي لكل من رشاد فروعون والسيد كمال أدهم مدير اجهزة المخابرات السعودية، وخال الملك الفيصل.بل ولهذه العلاقة اواصر بعيدة تجزرت من أيام إقامة الشريف حسين ببيروت. ووقتها كان مقامه بلبنان مضيفة ومشورة لأمراء الخليج في المنفي، ال نهيان وال الصباح وفيصل. وهكذا كان الشريف فاعلاً عربياً وافريقياً وملاذاً لحركات التحرر،هي حياته للاخرين.
ففي سنوات النضال والمنفي كان الشريف حسين الهندي يجوب اقطار الأرض بسبعة جوازات سفر،وكلها تحمل اسماء حركية ،بالتحديد أسمين هما محمد صالح عبدالله أو محمد سعيد عبدالله.جواز سفر كويتي،عراقي،ليبي،اردني،سعودي،سوري واخر جواز له كان يحمل الجنسية التشادية مستخرح في طرابلس . وكلها بصفة مستشار في وزارة خارجية البلد المعني. ومن الاشياء التي ساعدت الشريف حسين على تقمص كل هذه الجنسيات اجادته لمجموعة من اللغات على رأسها الانجليزية والفرنسية والايطالية والسواحيلية والامهرية والروسية والتغرية.
هذا الإنسان كان الاستثناء في تاريخ الزعامات السياسية العربية والأفريقية على السواء ،من حيث الكثير ولكن الأظهر فيها في منحي ادارة الازمات وادارة الاختلاف والصراع مع الآخر، ولا مثال في ذلك. ففي يوم ما وهو يؤانس خصمه اللدود في قاعات السياسة ودهاليزها السيد محمد احمد المحجوب، اطرق المحجوب برأسه مهموماً. فسأله الشريف :ماذا بك؟ اجابه المحجوب بأن ابنه سامي سيطرد من الجامعة الامريكية ببيروت اذا لم يسدد رسوم الدراسة .حيناً وانفض سامرهم ولم يعلق الشريف بشئ لحظتها.لكنه ومن غير علم خصمه وصديقه، اتصل غبّ ذلك بوكيله في بيروت أن اذهب للجامعة وسدد كل مطلوبات الطالب سامي محمد احمد المحجوب، قال له الوكيل أن الذي بحوزتنا من المال قليل ولا يفي بشئ، قال له الشريف اذهب للمطار ستجد مروحية هيليكوبتر بيعها .ففعل الوكيل وانجز سامي دراسته . وحين عاد للسودان محملاً بالهدايا شاكراً والده، استغرب المحجوب وقال له من اين لك هذا، قال له مش انت ارسلت لي القروش مع واحد لبناني!! . تبسم المحجوب وقال ،لا يفعلها غير الشريف.
وللشريف حسين الهندي كثير من القصائد التي نشرت بأسماء اصدقائه، ومن بينها القصيدة الجميلة التي تغني بها المبدع الراحل عبد العزيز محمد داوؤد هل أنت معي ؟ ونسبت لشاعر مصري هو محمد على صالح :
همسات من ضمير الغيب تشجي مسمعي وخيالات الأماني رفرفت في مضجعي
وأنا .. بين ضلوعي .. لا أعي عربدت بي هاجسات الشوق إذ طال النوى
وتوالت ذكرياتي .. عطرات ... بالهوى كان لي في عالم الماضي غرام ... و انطوى
كان لي في الأمس أحلام وشوق وحبيب كان للجرح طبيب ... لا يدانيه طبيب
كان ... ما كان ... وبتنا كلنا ناء غريب
سكر السمّار ... والخمّار في حان الغرام وأنا الصّاحي أرى في النور أشباح الظلام
والذي لا يعرفه الكثير من الناس وحتي من هم اهل إختصاص أن الشريف حسين الهندي كان متزوجاً من السيدة الفاضلة أسماء الخليفة أحمد عبد الوهاب من قرية قنب في الجزيرة،ووالدها كان خليفة للشريف يوسف الهندي،وكان زواجه منها في العام 1968م اي قبيل اشهر من إنقلاب النميري ليهاجر الشريف حسين من فوره لسوح النضال.
فمن عاديات الأشياء في أهل السودان إحترام الأخ الكبير، ولكن أحسب أن ليس من بين هذه العاديات حد القداسة بين الأخوان. خاصة اذا كان المشترك بينهم غير قليل، فبعد عودة الشريف زين العابدين الهندي للبلاد وفي معيته مبادرة الحوار الوطني. سأله أحد الصحافيين :ماهو الفرق بين الشريف حسين الهندي والشريف زين العابدين الهندي؟. اطرق الشريف زين العابدين برأسه ثم أجابه من فوره: سيدي لقد ظلمتني بسؤالك هذا،فذاك الثريا وأنا الثرى. الا رحمة الله على الشريفين ، التواضع والأدب،انها سيرة الأكرم منا.
سبق وقلت لك أن الشريف حسين الهندي كان الرجل الاستثناء في ادارة خلافه مع الاخر ،ولك مثال : ففي فترة حكم الفريق ابراهيم عبود كان الشريف حسين الهندي يقيم في قاهرة عبد الناصر، ملاذ حركات التحرر وقتها، وكان للشريف حسين يد ظاهرة في كل تلك الحركات الثورية، من الجزائر مروراً بالكنغو وحتي بروتوريا مانديلا. في تلك الأيام رفض التجار المصريون تسليم الأبالة السودانيين"تجار الإبل" إستحقاقاتهم المالية . فما كان من وزير مالية عبود وقتها السيد عبد المنعم القيسوري من سبيل الا الإتصال بالشريف حسين، فقد كان زميله في كلية فيكتوريا ايام الدراسة بمصر. وبالفعل اشترى الشريف حسين بضائع وسلع مصرية من التجار وباعها في دولة افريقية هي في اشد الحوجة لهذه السلع الاستهلاكية، ثم حول الأموال للأبالة السودانيين. وهو في منفاه بمصر إستطاع ايضاً إنقاذ اسرة باترياس لوممبا، ونهض بواجب تهريبهم من الكنغو للسودان ثم الى مصر. وتولى امر ترتيب إقامتهم بالسودان في سرايا الهندي بحي بري بالخرطوم ،وكان من بينهم الشاب كابيلا الذي أصبح لاحقاً رئيساً للكنغو. وهي ذات الأسرة الهندية التي إستضافت قبلاً الأمبراطور هايلي سلاسي إبان مناهضته للإستعمار الطلياني لبلاده.ولم ينسى الامبرطور هذا الجميل حين أرسل طائرة خاصة حملت الشريف حسين الهندي ورفاقه من الحدود الاثيوبية السودانية لقصر منليك في اديس ابابا،وذلك بعد انقلاب نميري. ووقتها كان الشريف حسين مكلفاً من الامام الهادي المهدي والزعيم إسماعيل الأزهري لتكوين الجبهة الوطنية في الخارج للإطاحة بنظام نميري. ولكن واحدة من أهم الأسباب التي ادت لفشل العملية العسكرية التي نفذتها الجبهة الوطنية في يوليو ضد نظام النميري كان انقلاب السيارة التي كانت تقل الشريف حسين الهندي في الصحراء وموت جميع رفاقه ونجاته بمعجزة بعد أن كُسرت أربعة سلاسل فقرية، وستة اضلع وبقائه لثلاثة ايام في الصحراء بلا ماء واكل، لتكتشفه مروحية ليبية وتحمله وهو بين الحياة والموت للمشفي العسكري ببنغازي. ولم يفلح طاقم الاطباء اليوغسلافي وقتها في علاج كسوره، لينقل على وجه السرعة للمشفى الأمريكي بباريس، وتدّرس حالته بعد نجاح طاقم المشفى الفرنسي في علاجها لطلاب اكاديمية العلوم الطبية بباريس. وخوفاً من خروج الشريف حسين وعودته لإدارة المعركة في السودان كُلف شخصان بحراسته، هما أحمد زين العابدين عمر و مسعود بلاط ضابط ليبي من اعز اصدقاء الشريف.
ويحمد للشريف حسين الهندي إنقاذه للموسم الزراعي بمصر،حين استنجد به الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، يطلب مساعدته بعد رفض ايطاليا منح عبد الناصر التراكتورات المتفق عليها مع روما من أجل توسيع الرقعة الزراعية بمصر لمواكبة الزيادة السكانية وقتها ، ليتصل الشريف حسين الهندي من فوره بالزعيم الأزهري طالباً منه السماح بإستخدام اموال الحكومة السودانية في بنوك انجلترا لشراء تراكتورات ماركة فريجنسون الانجليزية لصالح ناصر . وبالفعل وصلت التراكتورات الانجليزية للقاهرة وكسب عبد الناصر جولة من جولات صراعه ضد المؤامرات الامبريالية الهادفة لتركيع مصر العروبة وقتها.
يعني الحزب عند الشريف الهندي مؤسسة إبتدعها المجتمع لقيادته وحل ازماته وتنسيق جهوده،اي صيغة إفهومية وتنظيمية مِلكُ للجماهير،لهذا كان صارماً وحازماً إزاء اي سلوك يصدر من عضوية حزبه، لايشابه ثقافة وقيم المجتمع السوداني، نحو ذاك الذي يحاول أن يسرف على نفسه من اموال الحزب بحجة انه كادر مفرغ لا عمل له الا الحزب،فكل الحزب بكل اشياءهُ مِلك للشعب، وليس مؤسسة خاصة بنخبة تفعل ما تشاء بملكية مؤسستها. تنبأ الشريف حسين بمشهد رحيله لقد قالها مرة :"سنموت واعيننا مثبتة نحو القضية،اذا لم يحالفنا النصر يكفينا شرف الموقف".رحل وهو في الغرفة 222 الطابق الثاني بفندق الملك مينوس المطل على ميدان امونيا بمدينة اثينا اليونانية .كان منهك القوة اوصاه طبيبه بإدخار الجهد لكن رحلته من جدة الى اثينا استغرقت تسعة ساعات كاملة حتي يلحق بمؤتمر المعارضة المنعقد بجزيرة خلكيز في غرب اليونان، وقتها كان هناك إضراب لعمال مطار اثينا لذلك عادة الطائرة الاولمبيك ادراجها هذه المرة لمطار عمان بالاردن لينتظر الشريف خمسة ساعات هناك بفندق "هولي دى"،ثم يعاود الطيران مرة اخرى لأثينا. وفور وصوله لفندق "مينوس" طلب من مرافقه السيد "أحمد حامد" النزول لميدان امونيا ومحاولة الاتصال بخاله احمد خير المحامي المشارك في مؤتمر خلكيز غربي اليونان،عاد أحمد حامد للغرفة ،طرق الباب وطرق لم ينهض الشريف من سريره ،نزل المرافق وأحضر "الماستر كي" من موظف الإستقبال ،فتح الغرفة داعب الشريف قائلاً :"يا الشريف ترسلني وما تفتح لي الباب". الشريف مُمدد على السرير وبصره مصوب نحو القضية ،لقد فارق الشريف الحياة،وفرح النميري ونظامه لقد خرج الجوكر من اللعبة،سيطول النزال لكن ستحسمه الجماهير اخر المطاف في السادس من ابريل،لم يمت وعي الشريف الذي زرع. صُلي على جثمان الشريف في خمسة مدن حوال العالم ولم يتغير فيه شئ،في اثينا وليبيا بمسجد مولاي محمد،بغداد،جدة، و الخرطوم في صلاة دائرية من كثرة الخلق. شاهد أحمد خير المحامي إغريقيات في موكب التشيع يرتدين "تي شيرت" عليه صورة الشريف حسين،وسأل :"منو ديل؟".فاجيب :"قد يكن من اللائي قدم اليهن الشريف معروفاً وهم كثر"،فأنتحب الخال باكياً بمرارة.ولكن من أين صدر رجل بكل هذه العظمة والغيرية الإنسان الذي تخطى غاندي ومانديلا في ثوريته، فقد كانوا قُطريين وكان الشريف اممياً امتدت يده لكل حركات التحرر في افريقيا وغيرها. انه سليل الشريف محمد الأمين الهندي الذي تتلمذ على يديه أكثر من مائة الف طالب من حملة القرآن كان من بينهم قرشي ود الزين والشريف نور الدائم اللذين تتلمذ على يديهم الامام المهدي وطالباه بأخذ البركة من استاذهم الشريف الامين الهندي ،كما تتلمذ على يد الشريف الأمين الهندي رجال الكريدة والشيخ يعقوب عبد الباقي حمد النيل ،والشيخ أحمد البدوي، وقد قال الشيخ متولي الشعراوي المصري عن الشريف الأمين الهندي أنه أكثر من كتب في علم التجويد في العالم الاسلامي، اذ صنف فيه تسعة كتب.وقد حفظ الشريف حسين الهندي القرآن العظيم وعمره لم يتخطى التسعة سنوات ووالده هو الشريف يوسف الهندي ووالدته هي الكريمة التايه محمد خير،شقيقة احمد خير المحامي وله من الاشقاء الشريف زين العابدين والشريفة آمنة،وقد صنف والده الشريف يوسف الهندي أثنين وعشرين كتاباً في المديح والشعر والدوبيت والسيرة والامثال في السودان وله مخطوطة ضخمة بعنوان تاج الزمان في تاريخ السودان، وقد اعتقله الانجليز في سجن كوبر لمدة ستة شهور بتهمة التحضير للثورة، وله باب في سجن كوبر يعرف بباب الشريف وحددوا اقامته في الخرطوم حتي يكون تحت اعينهم فختار منطقة بري ورحب به كل من عبد الرحمن ود سعيد والسيد المشرف وهما من اعيان المنطقة، وقد عمل الشريف يوسف على استقرار الناس وتعليمهم اذ قام بحفر تسعين بئر وحفير في منطقة البطانة.وكان من هواة جمع الآثار والتحف وكان من بين مغتنياته سرج الامام المهدي وسيف المك نمر،وعندما كان عمره سبع سنوات كان رديفاً للمهدي على حصانه وقت حصار الخرطوم.
وقبيل أن يحزم الشريف حسين حقائبه لاثينا زار قبر المصطفي عليه السلام بالمدينة وقرأ عنده مولد سيدي الشريف يوسف الهندي عن ظهر غيب،ودعا ثلاثاً :"اللهم احفظ السودان وأهله".
ولفائدة القارئ الفضيل جمعنا هذه المادة في مؤانسة ماتعة مع الشريف إبراهيم الامين الهندي و الاستاذ عبد الحميد مصطفي رفيق الشريف حسين في مغاربه ومشارقه ،كان ذلك في مطلع يناير من العام 2018م. وفي ضيافة كريمة بسرايا الهندي بحي بري في حضرة الشريف أحمد الشريف الصديق الهندي خليفة السجادة الهندية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس تواصلت مع دولتين على الأقل بالمنطقة حول انتقال قادتها ا


.. وسائل إعلام أميركية ترجح قيام إسرائيل بقصف -قاعدة كالسو- الت




.. من يقف خلف انفجار قاعدة كالسو العسكرية في بابل؟


.. إسرائيل والولايات المتحدة تنفيان أي علاقة لهما بانفجار بابل




.. مراسل العربية: غارة إسرائيلية على عيتا الشعب جنوبي لبنان