الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورات ((عربية)) ....... و الربيع ((أمريكي))!!))

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2019 / 2 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


في مثل هذه الأيام من العام 2011 كانت "الثورات العربية" في أوج قوتها وعنفوانها وعصفها الشديد بكل الأوضاع العربية! ففي ذلك التاريخ ابتدأت الجماهير العربية انتفاضتها الكبرى، وأخذت تدك عروش الأنظمة العربية جميعا واحداً تلو الآخر، دون تميز أو تمايز بين نظام ونظام عربي آخر، فكلهم كانوا سواء ـ في نظر أولئك الثائرين ـ وكلهم كانوا فاسدين وجميعهم يستحقون الحرق بتلك النار، التي أحرقت جسد "محمد البوعزيزي" الضئيل بدلاً منه، الذي قدح الشرارة الأولى لتلك الثورات العربية، وأصبح رمزاها وعنوانها الكبير!
***
وقد انقسمت الآراء ـ ولا زالت منقسمة ـ حول أصل وطبيعة وأهداف تلك "الثورات العربية" :
فمنهم من اعتبرها غريبة على الواقع العربي والمجتمع العربي والطبع العربي.. وكان أصحاب هذا الرأي ينطلقون من صورة تقليدية (نمطية سلبية للعرب) عششت في أذهانهم طويلا:
ــ وهئولاء كأنهم كانوا يعتبرون العرب من جنس غريب عن الجنس البشري، فالعرب وفق تصورهم النمطي السلبي هذا، قوم لا يثورون ولا ينتفضون ولا يتململون ولا يشتكون ولا حتى يشعرون.. فهم فقط ـ حسب هذا الرأي ـ يسبحون بحمد حاكمهم العربي ـ حفظه الله ورعاه ـ آناء الليل وأطراف النهار!!

ــ بينما اعتبرها البعض الآخر الثورات العربية ثورات حق تأخرت طويلاً، وانتفاضة لحقوق ضائعة وكرامات مهدورة وفساد مستشري منذ أجيال وأجيال، فانخرط هذا البعض في بدايتها السلمية وحمل بعضهم السلاح نصرة لها، في حين تراجع البعض الآخر عن تأييدها ونصرتها، واعتبرها شراً مستطيراً بعد بروز أول سلبياتها!
ــ واعتبرها البعض الثالث "مؤامرة خارجية صهيوأمريكية" لتفكيك الأمة العربية وتفتيت المجتمعات العربية!

ــ أما الأسوأ من هئولاء جميعهم، فهم أولئك الذين أرجعوا تلك الانتفاضة العربية الكبرى إلى شخص واحد، هو الداعية الصهيوني المعروف "برنار هنري ليفي" معتبرين الملاين التي خرجت إلى الشوارع وآلاف الضحايا والمصابين منهم، مجرد "مجموعة من المــغــفــلــيــن" والتافهين، الذين استغفلهم شخص واحد ـ سوبرمان ـ لتدمير بلدانهم وتفتيت مجتمعاتهم!

ــ واتهمها البعض الآخر باتهامات أخرى ما أنزل ألله بها من سلطان.. وبالمجمل كانت أغلب الآراء فيها سلبية، ولم ينصفها أحد تقريباً!
***
لكننا اليوم ـ وعلى ما نعتقد ـ قد أصبحنا على مسافة زمنية معقولة من تلك الانتفاضة العربية الكبرى، تسمح لنا بإعطاء أراء رصينة ومنصفة في الأسباب الموضوعية التي أدت إلى قيامها، وتسمح لنا بمعرفة بعض الخيوط والمصالح والمشاريع الدولية والإقليمية والمحلية، وحتى الشخصية التي تشابكت داخل نسيج تلك الانتفاضات والثورات التاريخية، وأدت بمجملها إلى انحرافها عن مساراتها الطبيعية وأهدافها الاجتماعية، وتحولها إلى حركة وحراك سلبي في جملته وتفاصيله ومآلاته النهائية!

فهذا الحدث العربي الكبير، سواء أسميناه "ثورات عربية" أم "ربيع عربي" أو أي اسم آخر، لا شك هو أعظم حركة عربية أو تحرك جماهيري فريد من نوعه للعرب في العصر الحديث . لكن، ورغم أهميته التاريخية هذه، فإنه لم يدرس دراسة موضوعية جادة بعد، ولم يفرز ما هو عربي صميم عما هو أجنبي من أهداف في داخله، ولا ما هو موضوعي عما هو ذاتي فيه.........الخ!!
لكن بالمجمل يمكن القول:
بأن الأسباب التي أدت إلى قيام الثورات العربية كانت أسباب موضوعية في جوهرها وداخلية بالدرجة الأولى، ولم يكن للعامل الخارجي دخل في قيامها إلا فيما بعد، وكـ "إجراء وقائي" من قبل القوى المحلية والإقليمية والدولية، التي يمكن أن تتضرر مصالحها في حالة نجاح هذه الثورات العربية، ووصولها إلى أهدافها التاريخية الحقيقية!

وهذه المقال ـ وقد يكون هناك غيره ـ هو عبارة محاولة (بدائية أو أولية) تريد أن تطرق هذا الموضوع المصيري، والذي لا زالت آثاره السلبية تنثر رمادها السام على جميع الأوضاع والساحات العربية، وتعيد تشكيلها من جديد مرة تلو الأخرى، متمنين أن يكون هذا المقال فاتحة لدراسات ومقالات أخرى حول الموضوع، أو تطرح قضيته كـ "قضية للمناقشة" على صفحات "الحوار المتمدن" .
***
معروف أن تلك الانتفاضة العربية الكبرى قد ابتدأت من تونس وانتقلت إلى مصر، وفاضت ثوريتها إلى جميع الأقطار العربية الأخرى المجاورة لها وحتى البعيدة عنها، بما فيها مشيخات وممالك الخليج النفطية، وحفزتها جميعها على الانتفاض والثورة على سوء أوضاعها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، محملة أنظمتها السياسية كل ما هو سلبي في حياتها!

وكانت تلك الانتفاضة العربية الكبرى بعد أن فاضت من تونس ـ موطنها الأصلي ـ إلى جوارها العربي: مبتدئة بمصر ثم ليبيا وسورية واليمن والبحرين.....الخ وعمت روحها الثورية وفائض شررها المتطاير بكثافة، كل الجهات وجميع الساحات والمناطق العربية الأخرى!
وفي طريقها الطويل هذا الذي قطعته، اكتسبت تلك الانتفاضة العربية الكبرى كثيراً مما هو غريب عنها، وتحولت تدريجياً ـ بفعل قوى وجهات مختلفة ـ إلى شيء آخر، بعيد عن روح الانتفاضة الأصلية وغريب عن معنى ثورة الاجتماعية، فانقلبت إلى ثورة مضادة للثورة الحقيقية، وردة سوداء باتجاه أكثر العصور ظلاماً، وتبلورت أخيراً بشكل حريق هائل في المنطقة، التهم في طريقه كل أخضر ويابس فيها . فأدت نتائجه السلبية إلى تفكيك الوضع العربي ـ الداخلي والخارجي ـ برمته، وحتمت عليه التحول الادراماتيكي السريع والمتواصل، الذي أدى إلى أعادة هيكلة المجتمعات والأنظمة العربية على أسس جديدة ـ دينية وطائفية وعرقية ـ لم تكن معروفة أو مطروحة من قبل!
وقد أطلق على تلك الانتفاضة العربية الكبرى اسم "الثورات العربية" في البداية، لكن الأمريكان والغربيون أطلقوا عليها اسم "الربيع العربي"!
***

وفعلاً كانت تلك "الثورات العربية" عربية حقاً:
لأنها كانت "ثورة أمة وانتفاضة أمة من أجل نهضتها ومستقبلها ومستقبل أجيالها!!
بينما ما كان "الربيع العربي" الذي تلاها (ربيعاً أمريكياً) فعلاً:
لأنه وكما أثبتت الوقائع كان " خارطة طريق" لتفكيك الأمة وتدمير كينونتها واجهاض نهضتها المستقبلية وإعادة احتلالها من جديد!
ولهذا أطلقت عليه جماهير الأمة المنتفضة نفسها فيما بعد، أسماء كثيرة وسلبية بمجملها: منها "الربيع العبري" "الخريف العربي" و "الدمار العربي"......................إلى آخره من أسماء وتسميات معروفة!

فعندما كانت الثورات.. ثورات عربية حقاً:
زحفت الجماهير العربية المنتفضة باتجاه أهدفها التاريخية، وكان أولها هدف تحرير فلسطين.. وعلينا أن نذكر ـ قبل أن تمحى من الذاكرة ـ بأحداث وحوادث دالة بوضح على هذا الهدف.. أي هدف تحرير فلسطين :
فقد زحفت الجماهير المنتفضة انذك نحو أرض "فلسطين المحتلة" في مناسبتين مختلفتين:
o الأولى : بمناسبة ذكرى نكبة احتلال فلسطين في 15 أيار : 2011فقد زحفت الجماهير العربية السورية باتجاه الأرض المحتلة، واقتلعت السياج والاسلاك الشائكة التي وضعتها قوات الاحتلال على أرض الجولان المحتل ودخلت الأرض المحتلة، ووصلت طلائعها وبعض أفراد منها إلى مدينة حيفا المحتلة!!
o والثانية : بمناسبة ذكرى نكسة حزيران في 5 حزيران عام : 2011فقد زحفت الجماهير العربية السورية أيضاً باتجاه الأرض المحتلة، وكذلك اقتلعت السياج والاسلاك الشائكة التي وضعتها قوات الاحتلال على أرض الجولان المحتل للمرة الثانية، وأيضاً وصلت طلائعها وبعض أفراد منها إلى مدن الجولان وبعض مدن فلسطين المحتلة!!
أما المناسبة الثالثة:
o فكانت عند احتلال الجماهير المصرية للـ "السفارة الإسرائيلية" في القاهرة بتاريخ 9 سبتمبر/ ايلول 2011 أثناء مظاهرات "جمعة تصحيح المسار" وكسرها لأجزاء من الجدار الخرساني المحيط بالسفارة، ونثر أرشيفها ومحتوياتها وأسرارها من أعلى طوابق العمارة باتجاه الأرض، وانزال العالم الصهيوني ورفع العلم المصري مكانه!!
وقد أدت هذه العملية إلى استشهاد من ثلاثة من المتظاهرين واصابة 1049 منهم، وقد هددت "إسرائيل" في حينها بعملية عسكرية في قلب القاهرة لتخليص طاقم السفارة من أيدي المتظاهرين!!
o وغير هذه الإشارات الثلاثة الدالة بوضوح على الأهداف التاريخية الحقيقية للثورات العربية، هناك إشارات كثيرة أخرى مماثلة، قد ضاعت في خضم الأحداث السلبية التي أعقبت هذه الثورات العربية!
لقد حدث كل هذا عندما كانت "الثورات العربية" عربية حقاً.. أما فيما بعد؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
***
وعند هذه الاشارات الجماهيرية الدالة بوضوح على الأهداف الحقيقية للثورات العربية، تنبهت القوى الصهيونية والأمريكية والغربية، وتنبهت معها جميع القوى الداخلية الرجعية والقوى الاسلاموية بمختلف مدارسها وتوجهاتها العقدية في المنطقة، إلى مدى خطورة هذه الثورات العربية على مصالحها السياسية والاستراتيجية ومكاسبها لاقتصادية والمالية، وخطرها الأكيد والمميت على المشروع الصهيوني في المنطقة وعلى كيانه الذي زرعوه في أرض فلسطين والمسمى بــ "إسرائيل"!!

ولهذا عملت كل هذه الأطراف مجتمعة ومتضامنة ومتعاونة، على وأد "الثورات العربية" في مهدها، واجهاضها وتحويل مساراتها من مشروع حقوقي وإنمائـــــي وإحيائــــــــي ونهضـــــــــوي للأمة العربية، إلى مشروع جاهلــــي ظلامـــي دموي، يديم التخلف ويدمر كل ما بنته الأجيال السابقة، ويمد في عمر "إســــرائـــــيـــل" لأجيال قادمة، ويسمح لدول الاستعمار القديم والجديد بإعادة احتلال المنطقة العربية برمتها من جديد!!

وهكذا تم تدمير "الثورات العربية" واحلال "الربيع الأمريكي" الصهيوني محلها، وقلب جميع أهدافها رأساً على عقب:
o فالثوار السوريون : الذين زحفوا في 15 أيار و 5 حزيران من العام 2011 باتجاه أرض فلسطين، ووصلت طلائع وبعض أفراد منهم إلى حيفا ومدن فلسطينية وسورية في الجولان المحتل، انكفأوا إلى الداخل ـ وبعضهم التحق بنظامه الوطني ليقاتل معه ـ وحل محلهم الثوار الإسلاميون الفاشيون الدمويون الإرهابيون ـ الذين صنعتهم CAI في مختبراتها ـ والذين اتخذوا من الكيان الصهيوني حامياً وممولاً وملجأً لهم ومشفىً لجرحاهم، وقاعدةً انطلاق لتدمير سورية وبلاد الشام والمشرق العربي برمته!!

o والثوار المصريون : الذين دكوا حصون "السفارة الإسرائيلية" ونثروا محتوياتها السامة على أرض الكنانة عام 2011، أقصوا عن المشهد وحل محلهم ثوار اسلاميون من نوع آخر، أهمهم " الاخوان وجمهوريتهم الإسلامية" وأصبح المقبور "شمعون بيريز" حبيب مرسي وصديقه العزيز والمفضل!
وحتى بعد إزاحة الإخوان وجمهوريتهم بتمثيلية السيسي الدموية، حل السيسي وجمهوريته العسكرية محلهم، وانبطح عارياً كالعاهرات تحت فحولة الصهاينة، وشهوتهم التدميرية!!
o والأوضاع العربية : التي جاءت الثورات العربية لتصحيحها وتطهيرها، من الأدران التي صنعها الحكام العرب المستبدون، فقد انقلبت إلى الأسوأ، ومن هذا الأسوأ إلى الأسوأ منه.. وهو:
ــ أصبحت كرامة العرب وسيادتهم واستقلالهم، من أخبار الماضي ونوادر الحاضر!!
ــ وأصبحت أرضهم وثرواتهم مباحة لمن أراد الاستيلاء عليها، بحجج شراء سلاح لمحاربة أعداء وهميين، صنعوا خصيصاً لاستحلاب هذه الأموال ولصرفهم عن عدوهم الحقيقي، الذي أستولى على أرض العرب في فلسطين والجولان واستباحهما!!
ــ وأصبحت مقدسات العرب في فلسطين أملاكاً صهيونية صرفة، دون أن يرفع أي منهم اصبعاً بالاعتراض!!
ــ وأصبحت أميركا أماً للجميع وتفعل بمن تريد ما تشاء، تعترف بالقدس عاصمة للصهاينة وتنقل سفارتها إليها وتغلق مكتب فلسطين في الأمم المتحدة...........الخ دون اعتراض من عرب اليوم وحكومات الشؤم!!
ــ وأصبح العهر السياسي والسقوط الأخلاقي صفة مميزة اليوم للحكام العرب، وأصبح التطبيع مع الصهاينة علنياً وفي وضح النهار وعلى رؤوس الاشهاد، ودون خوف أو وجل أو خجل أو وجع لضمائرهم، التي تعطلت آليات عملها تماماً ومنذ زمن بعيد!!

وبكل هذا عطلت واجهضت "الثورات العربية" .. وأُحلوا محلها "ربيعاً أمريكياً صهيونياً" أسوداً، خيم على العرب ووطنهم الآن وإلى مديات أجيال كثيرة قادمة لا يعرف عددها إلا ألله!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست