الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد فشل النظام العالمي الجديد لاميركا... اورروبا الى أين؟

جورج حداد

2019 / 2 / 18
السياسة والعلاقات الدولية


إعداد: جورج حداد*


بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والحرب الاميركية ضد صدام حسين واخراجه من الكويت، في اوائل تسعينات القرن الماضي، اعلن الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش الاب عن قيام "النظام العالمي الجديد" بزعامة القطب الاميركي الاوحد، وهي نسخة معدلة لفكرة تعود اصلا الى هتلر الذي رفع شعارين متلازمين هما "النظام العالمي الجديد" و"المانيا فوق الجميع".
ولاحقا شنت اميركا حروبها المباشرة والهجينة، ونظمت الثورة الملونة في جورجيا واوكرانيا، والربيع العربي المشؤوم، وجددت الحرب الباردة وسعّرت العداء ضد روسيا والصين وايران وكوريا الشمالية وفنزويلا، انطلاقا من ستراتيجية "النظام العالمي الجديد" و"اميركا دركي العالم".
ولكن لكي تنجح هذه الستراتيجية، في وجه دول عملاقة، قوية وصعبة المراس كروسيا والصين وايران، لا يكفي تأمين خضوع وخنوع دول مشيخات النفط العربية في الخليج. خصوصا وانه بعد انخفاض دور هذه الدول في سوق الطاقة العالمي، وهو ما يجعل قيمتها الستراتيجية تداني الصفر وتعجز في اربع سنوات عن ان تنتصر على ثوار اليمن الفقراء والجائعين، بالرغم من كل الدعم العسكري الذي تحصل عليه من اميركا.
وان دولا مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان والفيليبين ودول الهند الصينية، تمثل عبئا على اميركا التي تقوم بحماية تلك الدول من الصين وكوريا الشمالية وفيتنام. وبدون الحماية الاميركية فإن تلك الدول تسقط بالضربة القاضية في الشوط الاول من اي نزاع مفترض.
ومن الطبيعي ان تكون بيضة القبان في تكريس النظام العالمي الجديد لاميركا، ـ ان تكون اوروبا التي (باستثناء روسيا) تعد اكثر من 600 مليون نسمة، ولها اقتصادات متطورة ولا سيما تكنولوجيا، كما لها حضور عسكري وازن، وتمتلك تاريخا سياسيا وحضاريا عريقا.
ولكن اوروبا التي لا تزال تحتاج الى الحماية الاميركية، خذلت ستراتيجية النظام العالمي الجديد لاميركا، ولم تجر سفنها كما تشتهي الاهواء الاميركية. وظهر ذلك في اتخاذ اجراءات بنيوية "استقلالية" عديدة لعل اهمها اطلاق اليورو وانشاء منطقة اليورو للابتعاد نسبيا عن هيمنة الدولار الاميركي. ومؤخرا ظهر التباين الاميركي ـ الاوروبي بشكل فاضح جدا في امتناع الدول الاوروبية الكبرى عن اللحاق باميركا والخروج من الاتفاقية النووية مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، وفي التحايل الاوروبي للالتفاف على العقوبات الاقتصادية الاميركية ضد ايران وروسيا والصين وحتى كوريا الشمالية، وفي اصرار مختلف الدول الاوروبية على استيراد الغاز الروسي بالرغم من المعارضة الشديدة من قبل اميركا. كما ان الدول الاوروبية ابدت امتعاضها من خروج اميركا من اتفاقية منع الصواريخ النووية قصيرة ومتوسطة المدى. ومن المشكوك به ان ترضى اي دولة اوروبية بأن تنشر اميركا مثل هذه الصواريخ على اراضيها، لان روسيا تقف بالمرصاد وهي لن تسامح ابدا وستسحق سحقا اي بلد يهدد امنها القومي بنشر الصواريخ الاميركية على اراضيه.
وبالامسس القريب (15 ـ 17 شباط 2019) عقد في ميونيخ عاصمة بافاريا بالمانيا، "ملتقى ميونيخ" السنوي للامن الدولي. ويحضر هذا الملتقى السنوي عشرات القادة والعسكريين والخبراء الدوليين، للبحث في قضايا الامن الدولي. وقد حضره مايك بنس نائب الرئيس الاميركي.
وقد اصدر المشرفون على الملتقى تقريرا تحضيريا بعنوان "الغموض الكبير: من يلملم الشظايا؟"
وكتبت رويترز ان التقرير يقول ان المرحلة الجديدة من المزاحمة بين القوى الدولية العظمى كالصين وروسيا واميركا يضع العالم امام مستقبل مجهول وعدائي.
وجاء في التقرير ان النظام العالمي القديم قد انهار، وان النظام العالمي الجديد يتشكل على خلفية المنافسة الشديدة بين اميركا وروسيا والصين. ويبحث التقرير في التهديدات الاساسية والفراغ في القيادة. ويقول ان الالمان يخشون من استقواء اميركا اكثر مما يخشون روسيا.
ويخصص التقرير ذو المائة صفحة القسم الاكبر منه لبحث القضايا التالية: توتر العلاقات بين الغرب وروسيا، السياسة الخارجية الجديدة لاميركا في عهد ترامب، بما في ذلك النزاع بينها وبين الصين، ومكان اوروبا من كل ذلك.
ان العودة الى عهد الدول العظمى المتفردة تمثل التحدي الاكبر للنظام العالمي الليبيرالي، دافعة الى الخلف خطر الارهاب الذي ساد في العقدين الاخيرين.
ولكن اذا كانت الصين تمثل تحديا لاميركا في الامد الابعد فإن روسيا تقف في المواجهة الان.
وفي الجدال حول اتفاقية الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى يقول التقرير ان الموقف الروسي هو "اكثر مرونة" ويذكر حرفيا "يبدو ان روسيا تعتمد على ان الناتو لن ينجح في الاتفاق على نشر صوارخ اميركية جديدة في اوروبا".
ويتوقف التقرير عند تصريحات الرئيس دونالد ترامب بأن اميركا لا ترغب ان تضطلع بعد الان بدور "الدركي العالمي".
وعلى خلفية خروج الكثير من العناصر المجربة والمعتدلة (كوزير الدفاع السابق ماتيس) من ادارة ترامب، يتوقع التقرير حدوث "قلاقل كبيرة" في اميركا في النصف الثاني من ولاية ترامب. وهو يدعو اصدقاء اميركا "للتعويض عن غياب قائد عالمي مستقر بشخص اميركا".
الا ان التقرير يؤكد ان الاتحاد الاوروبي هو "مهيأ بشكل سيئ جدا لاستقبال العصر الجديد من المنافسة بين الدول العظمى". وفي الوقت الراهن يقوم الاتحاد الاوروبي بخطواته الخجولة الاولى "للانفصال" عن اميركا.
ويخلص التقرير في جزئه الرئيسي الى الاستنتاج بأن "مرحلة التفاؤل التي اعقبت نهاية الحرب الباردة قد انتهت".
مما تقدم يبرز السؤال الكبير التالي: بعد فشل النظام العالمي الجديد لاميركا... اوروبا الى اين؟!
وفي رأينا المتواضع يمكن الجواب كما يلي:
ان المرحلة القادمة لن تكون مرحلة التقارب، بل على العكس ستكون مرحلة الابتعاد والخلافات والتناقضات وحتى النزاعات الاوروبية ـ الاميركية، وذلك على خلفية الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في اوروبا ذاتها، كما في اميركا!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غرقُ مطارِ -دبي- بمياهِ الأمطارِ يتصدرُ الترند • فرانس 24 /


.. واقعة تفوق الخيال.. برازيلية تصطحب جثة عمها المتوفى إلى مصرف




.. حكايات ناجين من -مقبرة المتوسط-


.. نتنياهو يرفض الدعوات الغربية للتهدئة مع إيران.. وواشنطن مستع




.. مصادر يمنية: الحوثيون يستحدثون 20 معسكرا لتجنيد مقاتلين جدد