الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاجرُ موغادور: الفصل الخامس 7

دلور ميقري

2019 / 2 / 18
الادب والفن


ولكنه زوج الرهينة، مَن حظيَ أولاً برؤيتها مع منقذها. وكانت هيَ قد قادت " جانكو " مباشرةً إلى منزلها، دونما أن تنصت لاعتراضه. قالت له: " ما عليك سوى إرخاء اللثام على وجهك، فتبدو أمام أعين الفضوليين كأحد رجال القبائل ". وهذا ما فعله، مذعناً لإرادتها العنيدة. إلا أنّ حذره لم يكن بلا معنى، مثلما سيتبين لاحقاً.
وتدحرج الصوت المخمور للقبطان فوق الدرج الحجريّ، الموصل للدور العلويّ، بعدما عرف من جلبة الخدم بعودة امرأته. تركهما " المنقذ " يتعانقان عند ردهة المدخل، ثم دلف إلى صحن الدار: " إنها تحبه..! "، ردد في داخله بلا وعي. لقد قرصت قلبه الغيرةُ، فعل الناموس المزعج في أماسي هذه الحاضرة البحرية. غير أنّ الوقتَ كان ما يفتأ على مشارف العصر، ولم يكن ثمة أثر للهوام بعدُ في هذا المنزل الفخم، المؤثث بطريقة مهجّنة، كما بدا لعين الغريب منذ الوهلة الأولى. كذلك تعيّن عليه ملاحظة جانبٍ من شخصية سيّدة الدار، والتي برغم بساطتها لم تمنع نفسها من التذمر: " آه، رباه، ماذا سأقول! لا يمكن الوثوق بوجود رجلي في المنزل لوحده، طالما أنه من قلة الوعي بما حوله ألا يعبأ بمراقبة أعمال الخدم ". قالتها للضيف فيما كانت تمرر يدها على الغبار فوق سطح المنضدة المستديرة، الموضوعة في الرواق، محاطة بأرائك باروكية ذات فرش محليّ. وقد كررت المرأة الملولة هكذا ملاحظة، لما صعدت مع ضيفها إلى الترّاس: " رماد موقد الشواء، لوث الأرضية، المتسخة أصلاً بعذق الطيور ". وكان هوَ منشغلاً بالمشهد الجميل، المنبسط أمام عينيه: كانت السماء تنضحُ بلونها الرائق فوق البحيرة اللازوردية، المحصورة بين صخور المرسى السوداء واللسان الأخضر لذلك الوادي؛ أينَ يقوم معسكر القبائل، الذي احتجز فيه لبضعة أيام مع مضيفته. " لقد ذهب جورج إلى حجرته، ليأخذ قيلولته المعتادة. إنه لا يشعر بالراحة في الحديث، سوى في حالة صحوة الذهن "، قالت له وقد استعادت طبيعتها المرحة. كأنما كانت تعتذر لملاقاتها زوجها بتلك الطريقة الجافة، وكانت قد لحظت ولا شك أنها أثارت دهشة الضيف. الفارق الكبير في السنّ بينهما، فكّر هذا عندئذٍ، كان معقد إزار المسألة. إنه يعاملها بتسامح واضح، وكما لو كانت ابنته الأثيرة. فيما بعد، شاء صديقه الرابي وضع الأمر في نصاب آرائه الحصيفة، معتمداً كمألوف العادة على فكرٍ عميق مستمد من ثقافة شاملة: " خيّل إليّ دوماً، أن رومي ترى في الرجل صورة والدها الراحل، وكانت شديدة التعلق به ومتأثرة أيضاً بقناعاته الفكرية والسياسية ". وأردف قائلاً، مشيراً برأسه إلى ناحية رفوف الكتب: " ثمة علم مستحدث في الغرب الأوروبيّ، يدعونه علم النفس. وأعتقد أنه سيسهم مستقبلاً في تطور الطب، كون العديد من الأمراض العضوية سببها علّة في النفس أو الأعصاب ".
وهوَ ذا المضيف، وكان قد آبَ من القيلولة نشيطاً، يحدثه عن آخر أخبار صديقهما الرابي: " لقد قرر الانتقال للسكنى في الملّاح، مع أنه يمتلك منزلين في القصبة. يلوحُ أنه سيدع تجارة الأسرة لقريبٍ له، عاد مؤخراً إلى البلد من أوروبا، بينما سيتفرغ هوَ لشؤون الطائفة ورعاية مصالحها ". ثم تابع وعلى ملامحه الساخرة ابتسامة ذات مغزى: " ولكن المهم في الأمر، أننا سنكسب وجودك بقربنا في القصبة. هذا ما فهمته من كلام صديقنا، بشأن أحد منزلين سيدعه تحت تصرفك ". فلما انتبه إلى تضرج وجه الضيف، وأنه أحرج نتيجة الحديث عن تلك الهبة، فإنه عاد وتكلف الضحك قائلاً: " ولو أنني أخشى من أن مصالحك التجارية، التي ستبدأ بها هنا، قد تبعدك عن صحبتنا ".
وكانا لوحدهما في حجرة المكتب، حيث انتقلا إليها مع سريان البرودة في جسميهما مع حلول الأصيل. فإنّ " رومي "، التي عرفنا مقدار وسوستها بخصوص النظافة، كانت قد توجهت مع إحدى الخادمات إلى حمّام القصبة، وذلك على أثر إفاقة رجلها من قيلولته. بقية الخدم، كان عليهم مهمة إعادة الدار إلى سابق رونقها، أي إلى ما قبل يوم اختطاف سيّدتها من لدُن " قطاع الطرق "؛ كما كان يدعوهم ذلك الربان الأخرق. في سياق الحديث، جرى التطرق إلى هذا الأخير، حينَ استفهم القبطانُ عن سبب عدم مرافقته للأسيرين في طريق العودة من المعسكر. فرد الضيفُ بنبرة المتشكك، مقطباً حاجبيه الرقيقين: " أظن أن التيناوي استبقاه، بغية التوصل معه إلى مساومة خسيسة ". ثم واصل الكلام، ليقص على صديقه الجديد بعض تفاصيل لقائه مع خاطف امرأته، وكيفَ أراد أن يبادلها مع ربيبة " بوعزة "، المقيمة في منزل الرابي بصفة الخادمة.
" يا له من شخص وضيع، وجشع "، علّق المضيف على ما سمعه. ولاحَ أن تأثره بالقصة، كان من الشدة أنه مد يده إلى إحدى قوارير الخمر: " أترغبُ بمشاركتي في الشراب؟ "، سأل ضيفه فيما كان يصب لنفسه في القدح المسكوب من زجاج الكريستال. هز " جانكو " رأسه بحركة شكر، وكانت ترتسم ابتسامة على فمه، طالما أن المضيف كان سباقاً في إتراع القدح الآخر بالشراب الناريّ ذي اللون الأصهب. مع مضي الوقت بطيئاً، وللحظة رجوع سيّدة الدار من الحمّام بعد نحو ثلاث ساعات، كان الضيفُ مستمتعاً بالإنصات لقصص القبطان. كانت قصصه حقيقية بالطبع، مع أنها أشبهت بمغامرات " السندباد البحري "، التي سبقَ أن قرأها " جانكو " في أحد المجلدات الضخمة، العائدة لوالده الراحل.
كذلك وجدتهما " رومي "، في أوان عودتها إلى الدار، رطبة البشرة ومعطرة بأريج أنواع الصابون، وبالأخص ذلك المجبول من عصارة ثمار الشجرة المغربية الفريدة؛ الأرغانة. مظهرها أيضاً بالخصوص، بهرَ الضيفَ وجعله معقود اللسان، عاجزاً للحظات عن إجابة سؤالها عما لو كان رجلها قد أضجره بحكايات البحر: " كما هوَ دأبه، في كل مرةٍ ينفرد فيها مع شخص صديق ". وقد أدهشه، فوق ذلك، القهقهة المعقّبة سؤالها والصادرة من زوجها نفسه. فقال له بالتركية: " وإذاً، فإنك تلم باللهجة المغربية؟ "
" نعم ولكن بالحد الأدنى، المتيح لي ألا أبقى خارجَ الحديث! "، أجاب الرجل مطلقاً قهقهة جديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في