الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفساد -مافيات- منظمة .... العراق نموذجا

محمد رياض حمزة

2019 / 2 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


المتابع لتطورات كشف وفضح اساليب سرقة المال العام ( الفساد) من قبل كبار المسؤولين في الحكومات العراقية وتابعيهم منذ 2003 فانه جاء على لسان نواب ومسؤولين في الحكومة والمحافظات والإقليم .. وكذلك من شخصيات وطنية مشهود لها بالنزاهة والتجرد والصدق .. ومواطنين.
إلاّ إن البعض ممّن علا صوته أو صوتها الآن ومن قبل، في كشف صفقات الفساد قد يكون تسترا وكذبا ليلوذ او تلوذ به عمّا أرتكبه هو أو إرتكبته هي من فساد .. إستثناءً.. أن عدداً من المخلصين دأبوا يخاطرون بحياتهم ، لكشف المفسدين و صفقات الفساد واساليب الفساد. فحيتان الفساد المقيمون منهم في مفاصل الحكومة أوالعملية السياسية بقواها وتكتلاتها واحزابها وتياراتها كلها وبهدف البقاء في الواجهة كقادة سياسيين مشمولين ب " الحصانة" من المسائلة فتدبروا ان يأخذ فسادهم اسلوبا منظما وليس عشوائيا . فالفساد في العراق وخلال خمسة عشر سنة تحول إلى مافيات مسلحة تنهب المال العام تقتل من يقف في طريقها.
في عشرات المقابلات مع الاستاذ النائب السابق مشعان الجبوري ، الرجل الصريح الذي لا يخفي في نهجه كشف الفساد اساليباً وصفقاتاً واشخاصاً . كما لا ينكر غايته ومبتغاه ان له طموحاً سياسياً ، وذلك حق لأي مواطن عراقي . فما يصرح به من تهم لفضح الفساد وحيتان المفسدين يؤكده بوثائق ويقولها صراحة وبتحدي "أنه مستعد للذهاب إلى القضاء مع من يريد أن يقاضيني وأنه مسؤول عن كل كلمة قالها بحق من يذكرهم بأسمائهم". ثم أكد صراحة وكررها " أن كل فرد في الطبقة السياسية فسدة وسراق المال العام وهدرة ومرتشون" وعندما سُئِل هل أنت منهم قال " نعم قبضت الرشوة لأغلق ملفا ولم أغلقه فبلفت من حاول رشوتي"
وفي مقابلتين متلفزة بثتا مؤخرا مع الأستاذ مشعان الجبوري وحاوره فيهما الأستاذ كريم حمادي ، الاعلامي المحاور الرصين ، من خلال إحدى الفضائيات التلفزيونية التابعة لشبكة الاعلام العراقي الرسمية تحدث الجبوري بالتفصيل عن صفقات فساد وبالاسماء وكان الاستاذ حمادي لا يملك الا الصمت من هول ما يسمعه من الجبوري عن فضائح الفساد والمفسدين . فاستدرك الأستاذ حمادي لدرء المسؤولية عن شبكة الاعلام العراقي في ما ذكر الجبوري من اسماء المفسدين فقال " إن من حق كل من ذُكر في المقابلة من اسماء لهم حق الرد من خلال هذا البرنامج".
ما تقدم يؤسس لتوثيق واقع خطير يمكن ان يتحول إلى نفق مظلم قد يفجر العنف والإحتراب بسبب الفساد الذي تحول إلى مافيا منظمة .. فكيف ... ؟: الكل يعلم سواء في الرئاسات الثلاث والمجلس النيابي بأعضاءه كافة ووزراء الحكومتين السابقتين والحكومة الحالية وكذلك معظم رؤساء الأحزاب والتكتلات والتيارات والتجمعات وبأي مسمى ، وهي بالعشرت، أن كلا مشمول بموقع او بوظيفة في العمليىة السياسية ، وبذريعة الحيطة من أن يستهدفهم الإرهاب جندوا مرتزقة "حمايات" فتنامت اعدادهم منذ 2003 إلى جيش مكونه يختلف عددا حسب موقع النائب أو الوزير أو اقطاب الرئاسات الثلاث أو رؤساء القوى السياسية ، أحزابا وتكتلات .. وغيرها. فعدد تلك الحمايات يمكن ان يكون فصيلاً واكبر منه بعدد الفرقه والأكبر بعدد الفيلق. فلديمومة مكونات هذا الجيش وتأمين "الحماية" لابد من تمويل. أي يجب تأمين رواتب دائمة لأفراد الحمايات سواء أكان فصيلا أو فرقة أو فيلقاً. فما هي مصادر التمويل ؟.. اكبرها افساداً تمثل بسرقة المال العام الذي "قننه" زوراً كبار المسؤولين في الحكومات الثلاث والبرلمان فجاء برواتب سخية غير مسبوقة وبمخصصات للضيافة ونثريات وبمسميات انفاق اخرى . ذلك غير الرشى التي شملت مسؤولين عقدوا صفقات تجارية او انشائية أو صناعية ، وهي بالالاف ولم ينفذ منها ألاّ ما ندر. ولكي يستمر نهب المال العام كان لابد من تنسيق بين اقطاب العملية السياسية سواء في الحكومة او البرلمان ومجالس المحافظات وساسة الاقليم ليتواصل تدفق السيولة لدى كل من وظّف حماية باسترزاقها. فتغوّل الفساد ليأخذ نموذج المافيا المنظمة . فتحولت " مليشيات " جيش الحمايات إلى قوى مسلحة على أهبة الاستعداد للقيام بأي عمل ، ليس فقط لحماية مسترزقيها ، بل وللدفاع عن مصلحتها ــ رزقها للعيش . غير ناسين أن دول الجوار ساهمت وتسهم في تمويل تلك المليشيات.
ذلك هو " النموذج العراقي لمافيا الفساد" :
ولنبدأ بما تم مؤخرا تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي للتعرف على الهوة التي تفصل بين مستوى رواتب المواطنين من موظفي الدولة الكادحين وبين الطبقة السياسية العليا. وذلك في نص المنشور على شبكة التواصل الاجتماعي التالي :
" عبد المهدي يكشف رواتب المسؤولين والوزراء والنواب بالارقام:
ــــــ رواتب المسؤولين:اصدر مجلس الوزراء العراقي قرارا برفع السرية عن تقرير لديوان الرقابة حول فروقات رواتب المسؤولين.وقال مكتب عبد المهدي في بيان ان عبد المهدي اطلع مجلس الوزراء على تقرير لديوان الرقابة المالية عن الفروقات في الرواتب التقاعدية لرؤساء الجمهورية واعضاء مجلس الحكم ومجلس النواب والوزراء مشيرا الى انه وجه برفع السرية عنه تأكيدا لمبدأ الشفافية وبتسديد المسؤولين مابذمتهم من مبالغ مالية وتدقيق التقرير.وقال مصدر مقرب من الحكومة ان رواتب المسؤولين على النحو التالي ( الأرقام بالدينار العراقي ويمكن تحويلها للدولار بمتوسط صرف يومي 1200 دينار مقابل الدولار):
رئيس الجمهورية 50 مليون دينار اضافة الى 40 مليون بدلات وضيافات
نائب رئيس الجمهورية 40 مليون و 20 مليون بدلات وضيافات
رئيس مجلس الوزراء ونوابه 40 مليون و 20 مليون بدلات وضيافات
رئيس مجلس النواب ونوابه 35 مليون و 20 مليون بدلات وضيافات
اعضاء مجلس النواب 15 مليون و 10 مليون بدلات وضيافات
الوزراء 20 مليون و 15 مليون بدلات وضيافات. فليطلع ابناء الشعب العراقي على ألطريقه ألمنظمه للاستحواذ على المال العام" ( إنتهى نص المنشور ).
فإن كان الذي ورد في المنشور أعلاه قريب من الحقيقة فإن الذي كان رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي قد اعلنه عن خفض رواتب كبار المسؤولين في الحكومة محض إفتراء.كذلك لم نسمع او نقرأ تفنيدا لما ورد في المنشور او رفضا من كل "ذي ضمير " لتلك الرواتب التي لا يستحقونها والتي تستنزف المال العام. ذلك فساد الطبقة السياسية العليا.
وفي الحكومات الثلاث بدأ برئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي وخلفه حيدر العبادي والآني عادل عبد المهدي، فإن المالكي طالما كان يهدد بالكشف عن ملفات فساد تطال خصومه وعلى مدى ثمان سنوات من رئاسته للحكومة لم يكشف أياً منها. أما العبادي فقد قال في 28 تشرين الثاني2017بكلمة له في حفل تخرج بجامعة بغداد " إن الحرب على الفساد في العراق قد تكون أصعب من الحرب التي جرت ضدتنظيم الدولة الإسلامية. وإن الفساد في العراق تحول إلى مافيا وإنه يحتاج إلى تعاون الجميع لمحاربته ومن يقف وراءه من فاسدين وأن الفاسدين موجودون في كل مفاصل الدولة".( إنتهى تصريح العبادي).
أقول:لم أجد أقوى واصدق قولا وعزما على إجتثاث الفساد من تصريح العبادي الذي كرره مرارا في اطلالاته الاسبوعية على الصحافة، غير أنه وخلال ترؤسه للسلطة التنفيذية قبل أن يغادر منصبه في 25 تشرين الثاني 2018 .... وللاأسف لم يفعل شيئا . ولم يكشف فاسدا ولم يوضح إسترتيجية "حربه" المزعومة على مافيا الفساد.
أما رئيس الوزراء عادل عبد المهدي فقد تعهد ، كسلفيه، بمكافحة الفساد والتعامل مع الفاسدين بوصفهم لا يقلون خطرا عن تنظيم داعش.فأعاد تشكيل "المجلس الأعلى لمكافحة الفساد"، الذي أسّسه رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي في تشرين الأوّل من عام 2015، وأشار في 9 كانون الثاني 2019 إلى أنّه سيسّخر كلّ الإمكانات لإنجاحه، بعد أن أكّد في 31 كانون الأوّل من عام 2018 أنّ الهدف من إعادة تشكيله هو "اتّخاذ الإجراءات الرادعة وتوحيد جهود الجهات الرقابيّة للتصدّي للفساد وحماية المال العام
وقال خلال الاجتماع الأول للمجلس إن «الهدف من تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد هو تمكينه من اتخاذ الإجراءات الرادعة وتوحيد جهود الجهات الرقابية في سياق عمل جديد قادر على التصدي لأي جهة أو شخص مهما كان موقعه وأن نتصرف كدولة في كشف الفساد وحماية المجتمع والمواطنين والمال العام على حد سواء ( جريدة الشرق الاوسط في 2 كانون الثاني 2019).
وفي المحصلة ان المالكي لم يف بتهديداته ووعوده بمكافحة الفساد خلال ثمان سنوات من رئاسته الحكومة فهو متستر على الفساد. أما العبادي الذي خلص إلى أن الفساد تحول إلى مافيا وهدد باقوى العبارات على محاربته إلاّ أنه غادر منصبه صاغرا وأضعف من ان يفي بوعوده. أما عبد المهدي ومنذ توليه المنصب في 25 تشرين الاول 2018 ، وبعد اربعه أشهر لم يحسم بعد استكمال تشكيل حكومته فيبدو أن تناقضات الأحزاب و القوى التي "توافقت" على تنصيبه ، وفي إطار نظام المحاصصة المقيم ، يبدو أنه أضعف ،كسابقيه، في إنجاز العمل للقضاء على الفساد وإجثاث المفسدين. فمكونات مافيا الفساد اليوم أقوى من أي سلطة في العراق.
أما كيف سُرِقو يُسرق جزء المال العام فالنقرأ الخبر التالي على سبيل المثال لا الحصر:
ـــــ "باع البنك المركزي العراقي اكثر من /158/ مليون دولار في 2 شباط 2019 في مزاد بيع العملة الاجنبية . وقال البنك المركزي في بيان ان اجمالي المبلغ المباع بلغ /158/ مليونا و/368/ الفا و/ 629/ دولارا، بمشاركة/ 30 / مصرفاً وشركة واحدة" واوضح ان اجمالي البيع لاغراض تعزيز الارصدة في الخارج / حوالات واعتمادات/ بلغ /131/ مليونا و/618/ الفا و/629 / دولارا ، فيما بلغ اجمالي البيع النقدي/ 26/ مليونا و/750/ دولارا".

وكان بيع المبالغ المحولة لحسابات المصارف في الخارج والبيع النقدي ، بسعر 1190 ديناراً لكل دولار"(إنتهى الخبر)
من هنا يأخذ أحد سبل الفساد ونهب المال العام شرعيته حسب الصلاحيات التي خُولت للبنك المركزي، ولا أدري أي اقتصادي قذر سوّغ أو لجنة أقذر سوغت قيام البنك المركزي بيع اموال العراقيين باسلوب المزاد . هذا الاسلوب لا وجود له في أي دولة في العالم.فإن إفترضنا أن عدد ايام السنة التي يفتح البنك مزاد بيع العملة خلالها (200) يوم. وبمتوسط حسابي من ( 140) مليون دولار يوميا. وكان قد "بدأ تطبيق قد بدأ تطبيق المزاد بتاريخ 4/10/2003 وما زال العمل مستمربه حيث أصبح البنك المركزي بمثابة سوق مركزي للعملة الأجنبية ويستخدم أسلوب التعويم المدار (Managed float). .( موقع إتحاد المصارف العربية).
بمعنى أنه وخلال ( 15 سنة x 200 يوم سنويا x 140 مليون دولار كل يوم = (42 مليار دولار). سُرّبت دون معرفة اسهامها الفعلي في تحسين الاقتصاد العراقي.
أما من هم المشمولين بتهم نهب المال العام وباساليب الفساد الأخرى فهم كل من اعتبر طرفا في العملية السياسية ، أفرادا أو أحزابا أو أحلافا أو تكتلات، وأثرى بعد 2003 في الحكومة والبرلمان والمحافظات والاقليم . ولا استثني من تهم الفساد كل من تاجر بالدين لأغراض سياسية أو كل من روج للدين بتدابير سياسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الهجوم على إسرائيل: كيف ستتعامل ألمانيا مع إيران؟


.. زيلينسكي مستاء من الدعم الغربي المحدود لأوكرانيا بعد صدّ اله




.. العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية: توتر وانفراج ثم توتر؟


.. خالد جرادة: ماالذي تعنيه حرية الحركة عندما تكون من غزة؟ • فر




.. موقف الدول العربية بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم