الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إئتلاف مدني أم تحالف يسار في لبنان؟

فؤاد سلامة

2019 / 2 / 19
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


تنطلق هذه المقالة من محاولة البحث عن جواب على السؤال القديم، ما العمل؟ والسؤال هنا بالتحديد: ما هو الأجدى في مواجهة منظومة الفساد والمحاصصة في نظام طائفي مغلق؟ إئتلاف مدني أم تحالف يسار؟
منذ حوالي ٣ أشهر بدأ تحالف مجموعات من الحراك المدني سلسلة من التحركات في الشارع تحت اسم "استقلالنا عن استغلالكم". يضم هذا التحالف حوالي ٦ مجموعات أهمها "طلعت ريحتكم" و "بيروت مدينتي"(إضافة لحقي، المرصد الشعبي، كافح، وحراك المتن الأعلى)، وينضم لهذا التحالف أحيانا الحزب الشيوعي عبر "اتحاد الشباب الديمقراطي"، او مباشرة كما في تظاهرة الأحد ١٧ شباط تحت عنوان "لا ثقة".

نظرة موضوعية لهذا التحالف القديم-الجديد تخلص إلى الملاحظات التالية:
-هذا التحالف يحوي خلطة من التوجهات الحراكية والحزبية ذات المضمون اليساري بشكل عام، وبالتدقيق يمكن القول إنه خلطة يسار تقليدي، ويسار ليبرالي، ويسار راديكالي.
- ثمة تناقضات أيديولوجية كبيرة بين كل هذه اليسارات تتعايش في حالة كمون تحت عباءة "النضال المطلبي". الجميع متفقون مؤقتا على إخفاء هذه التناقضات خدمة للهدف المشترك وهو إبقاء الضغط الشعبي على منظومة الفساد والمحاصصة.
- القدرة التحشيدية للتحالف القائم تتراوح بين ٣٠٠ متظاهر في الحد الأدنى وال ٣٠٠٠ مشارك في الحد الأقصى. هذا اذا استثنينا مظاهرات الحزب الشيوعي والتي تتوصل لحشد يتراوح بين ٥٠٠٠ و ١٥٠٠٠ متظاهر، حشد يجمع الشيوعيين وحلفاءهم في لبنان، إضافة لأعداد من مستقلين وناشطين من مجموعات الحراك المدني.

الأسئلة التي تتبادر للذهن هي:
-هل تقتصر الكتلة المعارضة في لبنان على هذه الأرقام؟
-هل تكرار المسيرات المطلبية بمعدل مظاهرة او اعتصام أو مسيرة كل أسبوع يؤدي فعلاً لزيادة الضغط على المنظومة السلطوية؟
- هل تساهم هذه التحركات في استنهاض الشارع المعارض وتغري الشرائح الشعبية المتضررة بالانضمام إلى مسيرات تحالف اليسار الشيوعي-الحراكي؟
ليس هناك أجوبة قطعية على هذه الأسئلة. ولكن هناك إمكانية لاستنتاجات أولية تنطلق من الملاحظات التي سبقت ومن الأسئلة التي طُرحت.

أظهرت مراكز الدراسات بعد انتهاء الانتخابات النيابية التي جرت منذ أقل من سنة، أن الكتلة الاعتراضية الإجمالية في لبنان تُقدر ب ١٠٠.٠٠٠ شخص اذا استثنينا من هم تحت سن الاقتراع اي تحت ال ٢١ سنة (دراسة أعدها المنتدى المدني).
مقارنة بالقدرة التحشيدية القصوى لليسار وحلفائه مضافا إليهم ٥ أو ٦ مجموعات من الحراك المدني، يتبين أن خمس الكتلة المعارضة فقط يشارك في أضخم التحركات اليسارية، أي تلك التي تُعبّأ فيها كل الإمكانيات التحشيدية لليسار من وسائل نقل وتحضيرات مسبقة. وأما في التحركات شبه الأسبوعية تحت عنوان "استقلالنا عن استغلالكم" التي ينظمها يسار المجتمع المدني (من أقصاه إلى وسطه)، فإن القدرة التحشيدية ضعيفة جداً. هذا لا يدفع يسار المجتمع المدني إلى مراجعة سياسته وأساليبه، بل هو يمضي في تكرار مسيراته غير عابئ بعزوف "العامة" والنخب المعارضة عن المشاركة بقوة في تحركاته. وكأن المقصود هو فقط القول "نحن موجودون وغير يائسين وسنستمر في إثبات وجودنا وطرح مطالبنا ولو كنا فقط بضع مئات". يبدو واضحاً أنه ليس مهماً النتائج بقدر ما يهم التحرك والتلاقي بين نفس الوجوه والمناضلين، في نوع من الطقوس الاحتجاجية المكررة. وهكذا يصبح التحرك هدفاً بذاته لا وسيلة لتحقيق إنجاز.

في هذا الوقت يتساءل معظم أولئك الذين شاركوا في تحرك ٢٩ آب ٢٠١٥ والذين عزفوا عن المشاركة في تحركات "استقلالنا عن استغلالكم"، يتساءلون عن سر هذا الإصرار عند منظمي تلك التحركات، إصرار لا يفسره منطق ولا توجد خلفه حكمة معينة. يذهب البعض إلى افتراض أن الشيء الوحيد الذي قد يفسر هذه الطقوس التظاهرية هو المنطق اليساري الذي يقول بأن التغيير يبدأ بطليعة صغيرة، بحفنة من المناضلين العنيدين، الذين لا يملون ولا يكلون وأن الإصرار لا بد أن يكافأ يوما بالنجاح في إيقاظ الشعب الغافل من سباته ودفعه للمطالبة بحقوقه، وعندها فقط ستكون "السلطة للشارع"..

التحليل الموضوعي غير الإسقاطي، أي الذي لا يُسقط التمنيات على أرض الواقع، يذهب إلى خلاصات مغايرة. أولها أن وصفات اليسار المناضل والطليعي وأعلامه لم تعد كافية لاستنهاض الشارع المعارض. ثانيها أن التكرار غير المثمر لا يدفع للمزيد من التعبئة بل للمزيد من العزوف والإحباط للمشاركين الذين تزداد عزلتهم عن الناس ويزدادون إحساساً بعدم جدوى تحركاتهم وبعدم قدرتهم على التواصل مع الآخرين. وثالثها أن كل من يحمل هم توسيع القاعدة الشعبية للحراك المدني التغييري ينبغي أن يقبل بإحلال مبدأ التشاركية محل الحصرية في أي تحرك "نضالي"، لأن السمة اليسارية الظاهرة أو الباطنة لأي تحرك احتجاجي مُنفِّرة للقسم الأكبر من النخب المعارضة وللكتلة الاجتماعية المطلوب استنهاضها. أربع أخماس الكتلة المعارضة والشرائح الشعبية إما أنها تنفر من اليسار وأعلامه ورموزه، أو أنها لا تتقبل الإنضواء تحت قيادة يسارية حتى ولو كانت الشعارات والمطالب حياتية أو معيشية.
هل يستطيع اليساريون أن يتفهموا ذلك أم أنهم سيستمرون في التعامي عن هذه الحقيقة الساطعة، وهي أن "اليسار" لم يعد جاذباً حتى ولو كان "مطلبياً"، هذا بغض النظر عن صدق وإخلاص وتفاني "المؤمنين" به وبأفكاره وعدالته؟

ليست أفكار اليسار ولا قيمه أوفلسفته، هي ما تُنفِّر عامة الناس من اليسار، بل أساليب ورموز ووقائع معينة ارتبطت كلها باليسار وتاريخه منذ أن وصل هذا اليسار إلى إقامة أول دولة له. النموذج اليساري الدولتي والسلطوي شكّل سبباً أول لذلك النفور من اليسار في عصرنا، وطبعاً في مجتمعاتنا العربية فإن ثمة فزّاعات أخرى تأتي لتخفف من جاذبية اليسار.
القوى المدنية الإصلاحية المعتدلة والوسطية المعارضة لمنظومة الفساد والمحاصصة، هي حتى اليوم غير منظمة وغير مؤتلفة، وهي لا تملك أُطُراً حزبية أو تنظيمية، ولا ماكينة إعلامية كما هي حال الحزب الشيوعي، ولذا فهي غير قادرة على الدعوة لمظاهرات كبيرة، ولكنها تشكل احتياطا خاماً كبيرا يمكن ان ينضوي داخل أي تحرك احتجاجي لا يتفرد بقيادته أصحاب الخلفيات اليسارية والنَفَس الأيديولوجي.

إذا كان يصعب على اليساريبن عموماً تفهم رفض المجتمعات المعاصرة لليافطات وللرموز اليسارية، ورفضها للنزوع اليساري لقيادة التحركات الاعتراضية وإقصاء من لا يماشيهم نفس الخلفية السياسية، فلا بد من مواجهة إصرارهم على الإقصاء والتكرار، بالإصرار على دعوتهم للتخفف من النزعات "التأطيرية"، والتخلي عن طموحاتهم القيادية "الطليعية"، ولغتهم الخشبية ومظاهرهم الفولكلورية.
عندما يتشكل ائتلاف مدني واسع تشارك في بنائه وتأطيره كل قوى الاعتراض والتغيير من دون فيتوات، ويكون اليسار طرفاً ندّاً فيه لا "قائداً"، عندها فقط يمكن للقوى التغييرية أن تطمح لجذب كتلة اجتماعية واسعة إلى صفوفها تضغط في سبيل أهداف سياسية ومعيشية واقعية لا من أجل إسقاط نظامٍ أو محاربة أمبريالية-رجعية.

وكما أنه لا يكفي التشديد على المطالب المعيشية، ولا إخفاء الهوية اليسارية، لكي تخرج المجموعات من نخبويتها وهامشيتها وتقوقعها ويلتحق بها جمهورعريض وغير مسيّس، ينبغي كذلك الاعتراف بأنه ليس هناك أفكار مسبقة أو خطط جاهزة لتحديد الطرق والأساليب التي يجب سبرها واستنباطها للوصول إلى توسيع قاعدة الحراك المدني ليصبح حراكاً شعبياً. التفكير يجب أن ينصب على اجتراح وسائل وخططٍ غير تقليدية تُمكّننا جميعاً من استهداف الجمهور الأوسع، جمهور المعارضة أولاً، وجمهور أحزاب السلطة تالياً الذي ينبغي كسب تعاطفه او على الأقل عدم استعدائه في الأحياء والبلدات والنقابات ومختلف الساحات والمواقع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز


.. طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز




.. يوم الأرض بين الاحتفال بالإنجازات ومخاوف تغير المناخ


.. في يوم الأرض.. ما المخاطر التي يشكلها الذكاء الاصطناعي على ا




.. الجزائر: هل ستنضمّ جبهة البوليساريو للتكتل المغاربي الجديد؟