الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدخل الى جريمة التعذيب

خالد الخالدي

2019 / 2 / 20
حقوق الانسان


لازالت الإنسانية المتحضرة وفي مقدمتها المدافعون عن حقوق الانسان تمني النفس بالوصول الى عالم خالي من التعذيب والمعاملة السيئة والمعاملة اللاإنسانية والمهينة والحاطة بالكرامة البشرية كطموح كبير وهدف سام لم يتم تحقيقه على الرغم من كل التقدم الحاصل بالعمل على هذا الملف الحيوي والحساس والذي يضرب الكرامة الإنسانية بصميمها.
ان واحدا من اكثر الاعتقادات شيوعاً هو ان التعذيب يمارس في بلدان يكون فيها حدوث الانتهاكات والمخالفات لحقوق الانسان معتادا وطبيعيا او من قبل الأنظمة والحكومات الديكتاتورية بينما الحقيقة تتحدث عن ان التعذيب يمارس حتى في الدول التي تعتبر رائدة في مجال الدفاع عن حقوق الانسان او في مجال تطبيقها فعلى سبيل المثال تعد قضية ضحية التعذيب "سلموني" والتي تم اثباتها من قبل المحكمة الأوروبية عام 1999 ضد فرنسا واحدة من النماذج التي يتم الاستشهاد بها على الصعيد الأوروبي وهو ما ينسف الاعتقاد القائل بأن التعذيب يجري في دول دون أخرى وبشكل تقريبي يوضح تقرير للحكومة النمساوية عام 2014 ان ثلثي دول العالم جرى التحقق والتأكد منها انها تشهد ارتكاب جرائم تعذيب !!
ان مواجهة جريمة التعذيب والتصدي لها من ناحية التشريع القانوني على الصعيد الدولي بلغت اقصى حد وهو ان التعذيب محظور حظرا مطلقا تحت أي ظرف وفي أي مكان وزمان ومع هذه القاعدة لا يمكن ان يتم تخيل مستوى اعلى من هذا فهو أصبح محظورا بحكم القانون العرفي الدولي أي ان الحظر يسري على جميع الدول بصرف النظر انها صادقت او لم تصادق انضمت او لم تنضم اقرت او لم تقر حظر تعذيب على أي مستوى قانوني محلي او دولي
وطبقا للقانون الدولي لحقوق الانسان تعرف الاتفاقية الدولية والمشار اليها ب "اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او اللاإنسانية او المهينة " لعام 1984 والتي دخلت حيز النفاذ عام 1987 طبقا للمادة الأولى من الاتفاقية تعريف التعذيب انه
"أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث على معلومات أو اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو او أي شخص ثالث – أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية. ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها"
ومن خلال الاطلاع على محتوى التعريف فنلاحظ ان المشرع الدولي قد راعى بعدين لجريمة التعذيب وإساءة المعاملة اجمالا وهو البعد البدني والبعد النفسي لكنه لم يتضمن نقطة حاسمة وجوهرية وهي الإجابة عن تساؤل فحواه "ماذا لو قامت حكومة لدولة ما بتضمين عقوبات بقانونها الوطني؟ هنا جاء الرد حاسما من اللجنة المعنية بحقوق الانسان في الأمم المتحدة بالقول "لا يجوز التذرع بأية نصوص او ظروف أيا كان شكلها كمبرر لجميع ضروب التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او اللاإنسانية او المهينة" ولكي تقطع اللجنة الطريق بشكل نهائي امام أي محاولة للتذرع اضافت" ان الأساس القانوني والأخلاقي لحظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او اللاإنسانية او المهينة أساس مطلق وملزم لا يستسلم ولا يخضع لأي مصالح وسياسات وممارسات أيا كانت الظروف"
ومن خلال التعريف أيضا نلاحظ ان الاتفاقية كانت محددة بفصل جريمة التعذيب عن الجرائم التي تأخذ ذات الطابع من الشدة والوسائل القاسية المستخدمة بارتكاب الجريمة فأفرزتها الى ثلاث شروط للاعتداد بفعل وتحديد هل يشكل القيام به جريمة تعذيب من عدمها وهي
1 – هو عمل فعل بشكل متعمد نتيجة القيام به عذاب الم شديد جسدي بدني او عقلي نفسي او كلاهما
2 – عمل فعل يرتكب لغرض معين مثل الحصول على معلومات او لأي سبب يقوم على التمييز أيا كان نوعه
3 – عمل فعل يقوم به ويرتكبه موظف رسمي او شخص يتصرف بصفته الرسمية
ووفق ما تقدم فأننا نفهم ان هناك ضروب متعددة من المعاملة القاسية والتي تأتي نتيجة استخدام العنف والقوة غير القانونية مثل العنف الاسري لا يمكن عدها جرائم تعذيب بل لها توصيفاتها القانونية الخاصة بها مثل الضرب المفضي الى الموت كما يصفها المشرع العراقي على المستوى الوطني لكن كما تقدم ذكره كثيرا ما يسقط العاملون على الدفاع عن حقوق الانسان بفخ الاشتباه بينها وبين جريمة التعذيب
وعلى الرغم من ان أفعال جريمة التعذيب قد لا تتطلب أحيانا وقتا طويلا للقيام بها وارتكابها الا انها تستلزم وقتا طويلا يمتد أحيانا لسنوات طويلة لتجاوز اثارها من قبل الضحايا الا ان جميع التجارب اثبتت انه لا يمكن ان يتم معالجة الاثار بشكل كامل فالضحية سيبقى يتذكر تلك الظروف واللحظات الصعبة التي عاشها بينما قد يمنع التعذيب اخرين من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي خصوصا إذا افضت الى ضرر عقلي مثل الجنون او بدني جسيم مثل الاغتصاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تستبق الاجتياح البري لرفح بإنشاء مناطق إنسانية لاستي


.. إسرائيل.. تزايد احتمال إصدار محكمة الجنايات الدولية مذكرات ا




.. الأمم المتحدة تطالب بتحقيق دولي في المقابر الجماعية بمستشفيا


.. اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي بتهمة الرشوة




.. هل ستطبق دول أوروبية نموذج ترحيل طالبي اللجوء؟ | الأخبار