الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانغلاق الثقافي والمؤسسات الاجتماعية بالجنوب الشرقي المغربي....إلى أين؟

لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)

2019 / 2 / 20
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


قد يكون من المفيد، قبل الوقوف عند المضمون الديمقراطي لأية مؤسسة، يتوقف تسييرها على مشاركة المواطنين بشكل مباشر، أو عن طريق التمثيل، النظر في درجة الاندماج التي حققتها تلك المؤسسة في الوسط الاجتماعي الثقافي الذي أحدثت فيه. ذلك أن المؤسسة جهاز حديث نشأ في أجواء الدولة الوطنية الأوروبية وتغلف بالعلمانية، أو ببساطة يتوقف تسييره على القانون الوضعي الذي يفصل كل عاطفة أو عصبية أو عشائرية أو قبلية أو عنصرية، أو دين، عن العمل داخل المؤسسة. ومن هذا المنطلق، يتعذر الحكم بسلامة الجماعة المحلية بالجنوب الشرقي المغربي، من خطر الوقع الثقافي للقبيلة.
وقد يبدو هذا الحكم، قبل استحضار التاريخ القبلي للمنطقة، مصادرة على المطلوب. لذلك فالضرورة تقتضي اعتبار سوء اندماج الجماعة المحلية في المحيط الاجتماعي الثقافي بالجنوب الشرقي المغربي واحدة من الفرضيات التي يمكن للمهتم بالشأن المحلي أن يضعها بحثا عن سبل، لإعطاء المضمون التنموي والديمقراطي والقانوني لهذا المرفق القريب من المواطنين.
كلنا يعلم أن الجنوب الشرقي المغربي منتظم - من قبل- في مجالين وظيفيين، مجال اتحادية قبائل ايت ياف المان ومجال كونفدرالية أيت عطا. ويعود ذلك الانتظام الذي لحقته بعض التعديلات، وقل الهزات، إلى القرن السادس عشر الميلادي. ولسياسة التطويق التي نهجها السلطان مولاي إسماعيل دورها في تأسيس ثقافة المجال الوظيفي للقبائل القائمة على أساس القرابة بين الإنسان والأرض بواسطة الدم، دم الذين جرحوا دفاعا عن المرعى وقتلوا من أجل المحطب وأصابهم قرح بغية ضمان موارد الماء وتحصين الشريط الزراعي. وللإشارة فالقرابة بين الإنسان والأرض هي التي تؤسس ثقافة الانغلاق، وإن شئت ثقافة المقاومة والتحصين والدفاع الذاتي، وهي التي تفسر، من جانب خاص، تعذر إدماج أي مرفق عمومي أريد القيام بدور تنموي في هذا الجزء من الوطن.
وفي القرن الثامن عشر، وبعد التراجع المفاجئ للمحور التجاري سجلماسة فاس، أضحى التعلق بالأرض مخرجا وخلاصا لبعض القبائل التي تعيش على ضريبة العبور، المكس الذي يحمل اسم الزطاطة. لذلك ظهرت القرية الزراعية المحصنة لتؤدي دورا وظيفيا في البنية القبلية ولتعمق ثقافة الانغلاق، وفوق ذلك ظهر ما يسمى قبيلة القصر. ولقد ساهم الشيخ إبراهيم يسمور اليزدكي في غزواته ومعاركه ضد ايت عطا في دعم القبيلة ونشر الثقافة الزراعية واعتماد الأرض سبيلا للتحصين والدفاع الذاتي. وبموازاة ذلك، غيرت ايت عطا موقفها من التعامل مع المجال الضيق الذي ينحصر بين جبال الأطلس الكبير الأوسط والأطلس الصغير، حيث نزلت المنبسطات في القرن الثامن عشر تبحث عن مواقع خصبة في واحة الرتب وتافيلالت، لذلك عمرت أيت شاكر بالرتب في حدود سنة 1823، وتاخيامت، لدعم مدخرها من الحبوب والتمر، ولتشييد قرى زراعية محصنة تعد خير نموذج للعلاقة بين الإنسان والأرض. وباختصار شديد فالأرض مصدر الثروة والعلاقة بينها وبين الإنسان أوثق من أية علاقة قرابة أخرى.
وابتداء من 1907، بدأت قبائل الجنوب الشرقي المغربي تتعامل مع مؤثر خارجي قوي يمثل في الاحتلال الفرنسي لبودنيب ووضوح أطماعه التوسعية بواحة تافيلالت وجبال الأطلس الكبير الشرقي. ورغم نشاط المقاومة التي تدعو لها الزاوية الدرقاوية بتاوريرت، بواحة مدغرة، نشطت التجارة بين بشار وتافيلالت. وكان منتظرا بعد معركة بودنيب وما لحقها من المعارك الأخرى أن تنزع هذه القبائل نحو الانفتاح لتوافر شروط الانفتاح عن الخارج. لكن فتاوى الجهاد وتجريم التعامل مع المستعمر الفرنسي وافق عن غير قصد نزوع السياسة الاستعمارية الفرنسية التي تبتغي الحفاظ على البنية التقليدية، كما هي، في كل الأوساط التي تسميها المغرب غير النافع. وعمل المستعمر الفرنسي، بالمقابل، عل تفكيك البنية التقليدية بمواطن المنفعة، لأن النظام الرأسمالي باعتباره، باعتباره نظاما سوسيو اقتصاديا، لا يمكن له الاسترسال والتكيف إلا في وسط مكون من طبقتين، طبقة تملك وسائل الإنتاج، أو تقوم بدور الوسيط بين السكان المحليين والمستعمر، وهي الطبقة الوسطى والطبقة مجردة من وسائل الإنتاج أن كانت أرضا زراعية أو محارف يدوية في مجال الصناعة التقليدية، وهي الطبقة العاملة. وللتوضيح أكثر اهتدى النظام الاستعمار ابتداء من منتصف القرن الثامن عشر إلى تعمير الأرض الآهلة بالسكان، لا لضمان الأسواق والمنافذ والمواد الأولية بل لضمان اليد العاملة أيضا.
ولقد نجحت الدولة الفرنسية منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر في تحقيق نسبة مهمة من التفكيك بواسطة المعاهدات التجارية والتغلغل المالي والغزو العسكري وفرض بند الدولة المفضل على جميع المعاهدات التجارية إسوة بإنجلترا التي فرضت بند الدولة المفضل في المعاهدة التجارية الإنجليزية المغربية سنة 1856. بيان بند الدولة المفضلة، أو بند الدولة ذات الأسبقية، أن تستفيد الدولة المستعمرة الغالبة السابقة إلى فرض الاتفاقية على الدولة المغلوبة من بنود الاتفاقيات التي تعقدها الدولة، المغلوبة على أمرها، لاحقا. وجملة القول نشأت ممارسة الضغط على المغرب سؤلا في تفكيك بنيته الداخلية. وبعد الاحتلال الفرنسي سنة 1912، أضحت البنية السوسيو اقتصادية شبه مفككة إذ ظهرت الطبقة الكومبرادورية في البنية الاجتماعية الجديدة بجوار الشواطيء وبمحيط المدن الرئيسية، مراكش وفاس والرباط. وعلى العكس من ذك، انتعشت المحاكم العرفية التي دعمها ظهير 16 ماي 1930، في المغرب غير النافع، وقدمت دعما غير مشروط للبنية التقليدية على المستوى الثقافي، فانتشر نفوذ الشيوخ وطغت الجماعات الأهلية، وسمح للقواد التقليديين بالتصرف وفق النزوات والأعراف والمزاج، فنتج عن ذلك كله إعادة إنتاج نفس الوضعية السوسيو اقتصادية للقرن التاسع عشر، كما فعل القواد التقليديون، القائد عدي وبيهي، والقائد التهامي الكلاوي، بكاف معطشة على سبيل المثال. وحسبنا أن القائد عدي وبيهي حاول إعادة إنتاج تجربة الشيخ إبراهيم يسمور اليزدكي.
ومحصل القول أصبح الجنوب الشرقي المغربي بُعيد الاستقلال بنيانا مشيدا وفق إرادة الشيوخ والقواد بالرغم من المواقف التي تظهر ثائرة متمردة، أحيانا. ومن العوامل التي عمقت الانغلاق الثقافي في الكثير من مناطق الجنوب الشرقي المغربي، احتضانها للمعتقلات السرية، كنحو معتقل تازمامارت، وقلعة مكونة، وأكدز، وتاكونيت، فضلا عن احتضانها حدث التمرد بين 03 من شهر مارس من 1973 و8 منه بكل من أملاكو، وبوزمو، وتينغير. ولقد صاحب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بهذه المناطق أن طوقت وهمشت وتعمق انغلاقها واشتدت قبضتها الحديدية. وعلى الرغم من التحولات القروية التي شهدتها المنطقة بفعل انتشار الدخل غير الزراعي واعتماد الزراعة التسويقية في كثير من النقط وفسح المجال أمام الاستثمارات لا يزال البنيان مرصوصا ثابتا منغلقا.
نخلص من هذا كله إلى تأكيد الفرضية التي تجعل الجماعة المحلية جسما مزروعا بالجنوب الشرقي المغربي، شأنها شأن جل المؤسسات الاجتماعية التي لم تجد استحسانا. ذلك أن المشاركة في تسيير هذا الجهاز باسم الديمقراطية المحلية واللامركزية جعله جسما قبليا محضا، لذلك تلفى الاختفاء الكلي للباس السياسي والظهور الواضح للباس عشائري في ثلة من الجماعات المحلية. والغريب في الأمر أن التقطيعات الإدارية لا تزال تحترم الوحدات الجغرافية المتجانسة عرقيا ولم تغير شيئا من واقع المشيخات التقليدية التي خدمت بالأمس القيادات التقليدية، والاستعمار الفرنسي. ونضيف أن مؤسسة الجماعة الأهلية لا تزال وظيفية بشكل أكثر من الجماعة المحلية. وختاما فالنظر في الوضع الداخلي للمؤسسات سابق للأوان ما لم يحصل إدماج المرفق في الوسط الذي أحدث فيه بواسطة التحسيس واعتماد مقاربات معروفة في الحقل التنموي. لقد بات التحسيس من أجل إدماج المؤسسات الاجتماعية بالوسط القبلي إجراء غير مفكر فيه في الأوساط القبلية.
والغريب في الأمر أن التقطيعات الإدارية لا تزال تحترم الوحدات الجغرافية المتجانسة عرقيا ولم تغير شيئا من واقع المشيخات التقليدية التي خدمت بالأمس القيادات التقليدية. ونضيف أن مؤسسة الجماعة الأهلية لا تزال وظيفية بشكل أكثر من الجماعة المحلية. وختاما فالنظر في الوضع الداخلي للمؤسسات سابق للأوان ما لم يتم إدماج المرفق في الوسط الذي أحدث فيه بواسطة التحسيس واعتماد مقاربات معروفة في الحقل التنموي. لا بد من تعميم توصية قوامها تحسين التواصل في المرافق العمومية الاجتماعية للتقليل من وقع التوتر الذي يحصل بين الحقوقي والثقافي في الوسط القروي. ولبلوغ ذلك المقصد وتحقيق ذات المراد لا بد من إنشاء برامج تحسيسية تنصب حول التقليل من وقع الانغلاق على سير المرفق العمومي. وإذا كان من الضروري الاستشهاد بالواقع والحاصل، نسجل مثلا أن الوضع السيء نشأ يتطور ويزداد سوءا، بموضع أغبالو ن كردوس، بإقليم الرشيدية إذ نزل السكان بوابل من السب والشتم على الطبيبة العاملة هناك، يوم 22 من شهر أكتوبر من العام 2017 تحت تعبئة دعاة الانغلاق والعشائرية. ولقد أضحى مؤسسة القضاء تناقش هذه الأمور. إن المتتبع لأحداث التوتر بين المرفق العمومي والسكان المحليين الحاملين للثقافة العشائرية يلفى أن المرفق لم يكن بالمرة منتميا، من حيث التصور للدولة، بل هو ملك للجماعة الأهلية العشائرية، من حيث الاعتقادُ. فمتى نلتهم المرافق العمومية بقيمنا القديمة ونمنعها من آداء واجبها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر باريس حول السودان: ماكرون يعلن تعهد المانحين بتوفير مس


.. آلاف المستوطنين يعتدون على قرى فلسطينية في محافظتي رام الله




.. مطالبات بوقف إطلاق النار بغزة في منتدى الشباب الأوروبي


.. رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: هجوم إيران خلق فرص تعاون جديدة




.. وزارة الصحة في غزة: ارتفاع عدد الضحايا في قطاع غزة إلى 33757