الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار الأعمى

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2019 / 2 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


في الصفحة 42 من الكتاب الحواري المشترك بين الفيلسوف الفرنسي إدغار موران والفيلسوف السويسري طارق رمضان والذي يحمل عنوان: «خطورة الأفكار: تساؤلات حول كبرى القضايا المعاصرة»، كشف الأول أن الدوغمائية ليست حكرا على الأديان، بل تطال كذلك الأحزاب اليسارية، ويقول في هذا الصدد: « هناك مثال آخر في التاريخ وهو الحزب الشيوعي الإيطالي والحزب الشيوعي الفرنسي . كان الحزب الأول مرنا، حتى فقد حيويته، في حين أن الحزب الشيوعي الفرنسي تفكك، لأنه كان دوغمائيا بشكل كبير»، يتضح من خلال هذا الكلام أن المرونة المفرطة تقتل الحزب وخاصة إذا انزاح عن الجماهير وقبل بالمساومة وتخلى عن هويته وهذا ما حصل للحزب الشيوعي الإيطالي الذي فقد حيويته وإشعاعه الجماهيري في أوساط الشعب الإيطالي، كما أن الوثوقية أي الإيمان الأعمى يقتل الحزب هو الآخر مثل تقديس الفكرة وإضفاء الهالة على الزعيم وتمجيد النص بشكل حرفي وإغفال الواقع وتحولاته، وهذا ما جرى للحزب الشيوعي الفرنسي الذي فقد شعبيته التي كسبها خلال الحرب العالمية الثانية حينما تصدى للاحتلال النازي وقدم الكثير من الأبطال والشهداء، لكنه استنكف عن مناصرة متمردي ماي 1968 بفرنسا، وكل ذلك مرده إلى تحجر الحزب وتصلبه أي أنه أعطى الأهمية للفكرة الثابتة وتناسى الواقع المتغير، ولذلك من اللازم القول هنا أن الفكرة مهما كانت نبيلة، فنبلها يقاس على ضوء الواقع، فاليسار المغربي مثلا الذي يطالب بالعدالة والاجتماعية و المجالية صمت بجبن عن قصف الجيش للريف المغربي عام 1958 على الرغم من أنه كان يقود الحكومة، وفي سنة 2017 وقع الاتحاد الاشتراكي مع الأغلبية الحكومية بلاغا ضد احتجاجات المغاربة في الريف، بينما الحزب الاشتراكي الموحد دعم محتجي الريف من بعيد باحثا عن استقطاب أتباع، ففي الحسيمة مثلا ربما لا وجود لفرع هناك، ومن أجل هذا الغرض أصدر بيانات متعددة وكأنها يريد أن يكفر عن أخطاء اليسار المغربي في أواخر الخمسينات من القرن الماضي، ومن ثمة فنبل الفكرة لا يجعل من الشخص الحامل للفكرة شخصا نبيلا، فأجدير مثلا لن تنس واحدا من أبطال جيش التحرير والذي هو عباس المسعدي مهما حاول الحزب الاشتراكي الموحد أن يكون نبيلا مع الريفيين، والأمر يتعلق بعموم اليساريين، ويقول إدغار موران في هذا الإطار: « أعرف بعض الرفاق الذين كانوا شيوعيين مقتنعين بالعمل من أجل تحرير الإنسانية، دون أن يعلموا أنهم كانوا يعملون على استعبادها» ص 103، يبدو من خلال هذه التعبير أن مهما كانت الفكرة نبيلة، قد تتحول إلى واقع مظلم يقوم على الاستعباد، نعم إن الكثير من الشيوعيين كانوا يدافعون عن الحرية والعدالة، ولما استلموا السلطة صاروا يستعبدون الناس مثل ستالين الذي سحق الكثير من المثقفين والفلاحين والعمال والرفاق، ولذلك فالفكرة مهما كان ظاهرها يشي بالحرية وغيرها من القيم، ففي عمقها تشي بشيء آخر، وهذا ما يتجسد عمليا في الواقع، أجل إن المهدي بن بركة هو الذي كتب الاختيار الثوري وحاول توحيد القارات الثلاث، ولكن المهدي بن بركة هو معلم الملك الحسن الثاني وهو من ساهم في بتر أطراف جيش التحرير المغربي في نضاله ضد الاستعمار الفرنسي، ومهما كانت اشتراكية المهدي بن بركة نبيلة، فالواقع يشي بغير ذلك، إن الكثير من اليساريين المغاربة يقدسون ستالين الفكرة ويتناسون ستالين الواقع أي ذلك الرجل الذي شيد مخيمات الغولاغ، كما يقدسون ماو الذي قاد المسيرة الطويلة عام 1934ـ1935 وينسون جرائم ماو خلال الثورة الثقافية، إضافة إلى ذلك تجد الكثير من شباب الحزب الاشتراكي الموحد يتمسحون ببنسعيد أيت يدر معتقدين أنه قاد جيش التحرير بالجنوب المغربي، ولكنهم يغفلون أن هذا الجيش ارتكب الكثير من التجاوزات في حق أناس أبرياء لا حول ولا قوة لهم في أقاليم اشتوكة أيت باها وكلميم وغيرهما، كما يتناسون قضية عباس المسعدي دفين أجدير، إنها الايديولوجية التي تجعل صاحبها أعمى لا يفكر في تناقضات الواقع والفكرة، فعوض أن يفكر وينقب في كتب التاريخ تجده يتهم الآخر بالشيطنة، ما أجمل أن يتم التغني بالشعارات من قبيل الحرية والكرامة والعدالة، ولكن السؤال الذي يبقى مطروحا عن أية حرية نتحدث ؟ هل يستطيع الحزب الاشتراكي الموحد الصغير مثلا أن يصرح علانية بحرية الضمير والمعتقد ؟ وهل يستطيع أن ينادي بالعلمانية وبحقوق الأقليات الدينية وغير الدينية ؟ إنه يدافع عن هذه القضايا بصمت ويرى أنها ليست من الأولويات، ففي الواقع يخاف على جماهيريته وهل هذا الحزب له جماهيرية ؟ إنه حزب صغير لا يستطيع أن يملأ قاعة واحدة، فمن أين يخاف ؟ إنه يخاف من نفسه وضميره الذي لم يستطع التخلص من الأغلال، كما أنه ينادي بالكرامة Ị والسؤال هنا: إذا كان هذا الحزب ينادي بالكرامة غير الملموسة والموجودة في حياة الناس، فما معنى المشاركة في الانتخابات وفق دستور لا ينص على كرامة المغاربة، إنها قمة الانتهازية والوصولية، إن الكرامة لا تحتاج إلى توضيح من أحد، والأمر كذلك بالنسبة للعدالة، كيف لحزب يقول بغياب مبدأ فصل السلط ويشارك في مؤسسة تشريعية ليس لها أية سلطة رقابية؟ ببساطة، إنه يشارك في الاستبداد ويضفي عليه الشرعية، كيف لمن قاطع الدستور أن يشارك في برلمان بموجب الدستور ؟ إنها مفارقات كبرى تعتري العمل الحزبي وخاصة في صفوف يسار يعتبر نفسه ممانعا ويرفض القبول بشروط اللعبة، مع العلم أنه منغمس فيها حد النخاع، فمن السهل أن يتم انتقاد المخزن بأنه غير ديمقراطي، ولكن ما أصعب أن تكون ديمقراطيا أيها المنادي بالديمقراطية، فهل نقابة السي دي تي ديمقراطية ؟ لقد احتكرها نقابتها نوبير الأموي، وتركها لقريبه الزاير، وهل الحزب الاشتراكي الموحد حزب ديمقراطي؟ نعم، إن الديمقراطية فكرة نبيلة تؤمن بمنطق الأغلبية وبمنطق الأقلية وبآليات الحوار والنقاش والقبول بالآخر والإنصات إلى القواعد، لا فرض إملاءات من الخارج، مثلا: لقد ذهبت الأمينة العامة منيب إلى السويد دون أن ترجع إلى القواعد، فهذه الأخيرة هي التي تقرر مشاركتها من عدمها، وفي هذا الإطار سوف أحكي عن أبرز الملاحظات التي أثارتني في المؤتمر الجهوي الأول الذي يتعلق بجهة سطات ـ الدار البيضاء الذي انعقد يومي 16 و17 من هذا الشهر، والتي توحي بغياب تام للديمقراطية:
ـ في مساء اليوم الأول من المؤتمر، تم اختيار خمسة أعضاء من مجلس الرئاسة بشكل فوقي وعمودي، مع العلم أن شروط اللعبة تلعب أفقيا انطلاقا من القاعدة.
ـ إن اللائحتين اللتين عرضتا على التصويت، لم يتم انتخابها ديمقراطيا والمشاورة بشأنها من طرف أعضاء الفروع الحزبية وكأننا كومبارس، وهذا يتنافى مع قواعد اللعبة الديمقراطية.
ـ لقد تم انتخاب مكتب سياسي دون إتاحة الفرصة أمام المؤتمرين لانتخاب مجلس جهوي كبرلمان يراقب عمل المكتب الجهوي.
ـ هيمنة أعضاء فروع الدار البيضاء على اللائحتين اللتين عرضتا على التصويت، وهذا يضرب في الصميم مبدأ العدالة المجالية والجهوية.
إن هذه الملاحظات وغيرها تؤكد بالملموس أن هذا الحزب الصغير والمنغلق على نفسه لا يختلف عن باقي الأحزاب، يتغنى بالديمقراطية وواقعه ديكتاتوري، وينادي بالحوار الرفاقي وفي واقعه الغوغائية، ففي البدايات الأولى من المؤتمر لاحظت أن هذا الحزب لم ينتج سوى أبواق، فأحد أعضائه كان شاب صغير يردد عاليا: " عاش الريف "، فبدل أن يكون هناك جلوس في موائد مستديرة ومناقشة المشكل الريفي بشكل هادئ، كان هناك الضجيج والغوغائية والأصوات العالية التي تزعج الآذان، فهل بهذه الممارسات الصبيانية يمكن لليسار المغربي أن يناقش ذاته ويناقش غيره ؟ هذا أولا، ثانيا: إن هذا الحزب يدعي أنه يدعم الشباب، إلا أنه لا يدعم سوى شيخه بن سعيد حينما جند كل طاقاته للتوقيع على كتابه الجديد، لكن لا يدعم شبابه ويحفزهم من أجل الإبداع والابتكار، لقد حولهم إلى أبواق انتخابية في المسيرات والحملات الانتخابية وجعل منهم دوغمائيين ومتعصبين لعقيدة الحزب دون أن تكون لديهم الأهلية للنقاش والتحاور، إن شباب الحزب عوض أن يوجهوا سياسات الحزب، يوجهون من طرف القيادة، ثالثا: لاحظت في المؤتمر المذكور الضجيج والصراع والتلاسن بين المؤتمرين ولم ألاحظ أي شكل من أشكال الحوار، وكنت في هذه اللحظة أتساءل: ماذا لو وصل هؤلاء الأشخاص إلى السلطة في يوم ما ؟ هل يمكن أن يدافعوا عن العدالة الاجتماعية ؟ إنهم يمارسون الغوغائية داخل حزبهم وغدا حينما يصلون إلى السلطة سوف تكون غوغائيتهم أكثر من هذه الغوغائية، ببساطة يريدون نصيبهم من الحلوى مستخدمين شعار« الشعب يريد»، ففي الواقع هم من يريدون وليس الشعب، وهذا هو العماء الأكبر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا خصّ الرئيس السنغالي موريتانيا بأول زيارة خارجية له؟


.. الجزائر تقدم 15 مليون دولار مساهمة استثنائية للأونروا




.. تونس: كيف كان رد فعل الصحفي محمد بوغلاّب على الحكم بسجنه ؟


.. تونس: إفراج وشيك عن الموقوفين في قضية التآمر على أمن الدولة؟




.. ما هي العقوبات الأميركية المفروضة على إيران؟ وكيف يمكن فرض ا