الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إدغار موران والقضية الفلسطينية: التزام أبدي

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2019 / 2 / 24
القضية الفلسطينية



بحكم أنني متتبع ودارس لإسهامات الفيلسوف الفرنسي إدغار موران، لطالما تساءلت : ما الذي جعل هذا الفيلسوف يكتب ويناصر القضية الفلسطينية ؟ هل لأن هذه القضية عادلة ؟ أعرف أن هذه القضية عادلة وإنسانية، ولذلك تستحق النصر والدعم من كافة الأحرار والحرائر في العالم، إنها قضية شعب تعرض للتهجير عام 1948 وأرغم على مغادرة أرضه بقوة السلاح مثل مذبحة دير ياسين وصبرا وشاتيلا، ومازال يتعرض لشتى أنواع التنكيل والعذاب، كما أن قراه ومدنه تعرضت لمحو ممنهج، ومن أجل هذه الأسباب مازالت القضية الفلسطينية وستبقى محل دعم في العالم أجمع، سواء في العالم العربي أو في اليابان والسويد وغيرها رغم هرولات بعض الزعماء العرب للتطبيع مع الكيان المحتل، فما طال الهنود الحمر والسود من ظلم وألم طال أيضا الشعب الفلسطيني المحروم حتى هذه اللحظة من العودة إلى وطنه، ويتحمل الكيان الصهيوني وزر هذا الظلم الجسيم كما تتحمله منظمة التحرير الفلسطينية التي قبلت السلام ـ الطعم مع الصهاينة دون تمكين الفلسطينيين من العودة إلى وطنهم ومازالوا لاجئين في الأردن وسورية ولبنان وفي العالم أجمع .
ومن أجل أن يعود الفلسطينيون إلى وطنهم ويقدم الجناة إلى العدالة التي مازالت غائبة حتى الآن بحكم أن الأمم المتحدة ولدت عرجاء، فكما نعلم أن هناك خمسة أعضاء دائمين منهم ثلاث دول: الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا هي أول الدول التي اعترفت بدولة إسرائيل ومازالت تقدم دعما للكيان الصهيوني دبلوماسيا واقتصاديا وإعلاميا وعسكريا، فمن اللازم على المثقف أن يقول كلمته كما قال الأديب المغربي محمد شكري وأن يترك الأمل مفتوحا أمام المستقبل، فالمثقف لا يكتب من أجل الحاضر فحسب، بل يكتب أيضا من أجل المستقبل الآتي، فالحق حق ولا يمكن السكوت عنه، كما أن المثقف ينبغي أن يتعالى على جميع الاعتبارات ويقف في صف المظلومين مثل العمل البطولي الذي قام به البطل الياباني كوزو أوكاموتو في مطار اللد عام 1972، لكن المهم في هذه اللحظة هو العمل الفكري والثقافي من أجل التعريف بقضية تتعرض للطمس في سياق التطبيع المكشوف الذي تقوم به الأنظمة الرجعية العربية، ومن الواجب فضح المخططات الرامية إلى طمس القضية الفلسطينية.
لقد نقبت عن الكتاب والفلاسفة الفرنسيين، ولم أجد أحسن من الفيلسوفين من إدغار موران وجاكوب كوهين في الدفاع عن القضية الفلسطينية، لقد استطاعا أن يتجاوزا كل المتاريس والحدود التي وضعت أمامهما، سواء كانت هذه المتاريس ذات بعد قانوني مثل قانون غيسو الذي اعتمد سنة 1990 ويجرم إنكار الهولوكوست، أو ذات بعد أمني مثل المضايقات التي تعرض لها الفيلسوف جاكوب كوهين في فرنسا من طرف اللوبي الفرنسي، كما أنه محروم من ولوج الإعلام الفرنسي وخاصة حينما ألف كتاب «ربيع السيانيم» ويتحدث فيه عن المتعاونين مع إسرائيل، وهم يهود يتواجدون في كل دول العالم، ويعملون في مختلف المجالات مثل الاقتصاد والإعلام والسياسة والثقافة لصالح الموساد في الغرب وفي الدفاع عن سياستها، ويقدر عددهم بآلاف الأشخاص، ففي الإعلام مثلا يجملون إسرائيل ويتهمون المقاومة الفلسطينية بالإرهاب ويصفون إسرائيل بحامية السلام .
ويمكن أن أشتغل على أعمال جاكوب كوهين في مقالات قادمة، لكن الآن سوف أحاول تحليل بعض الأفكار التي ناقشها إدغار موران في كتابه الحواري مع المفكر السويسري طارق رمضان: «خطورة الأفكار: تساؤلات حول كبرى القضايا»، وأول سؤال يتبادر إلى ذهني: كيف استطاع إدغار موران أن يخرج من السياج الوثوقي مع العلم أن جذوره يهودية أولا وكونه فرنسيا ثانيا ؟ أذهب إلى الصفحة 136 من الكتاب، فيقول : « لماذا أشعر إلى حد كبير أنني إنساني وابن هذه الأرض. أعتقد أن هذا الأمر يجد تفسيرا في الظروف التي عشتها في طفولتي ومراهقتي، وأود أن أقول أن ثقافتي كانت فرعية، يعني ثانوية في الأساس، ماذا يعني هذا الأمر؟ يعني أنني لم أتلق من أسرتي ومن أبي بالخصوص، ثقافة معينة أو تعليما دينيا أو سياسيا أو أخلاقيا . لقد كان هذا الجيل يمارس بدون شك ما يسمى بأخلاقيات التضامن الأسري.»، من خلال هذا الكلام، يرى إدغار موران أن شعوره الإنساني بالانتماء إلى الأرض ارتبط بشخصيته منذ طفولته ومراهقته، كما أنه لم يتلق من أسرته ثقافة يهودية سواء تعلق الأمر بالدين أو السياسة أو الأخلاق، إلا أنه تلقن مبدأ التضامن من داخل الأسرة دون أي اعتبار ديني، فأسرته التي تنحدر من يهود إسبانيا كانت علمانية تؤمن بالعلم ومبادئ الأنوار، ولكن ما السبب الذي جعله يتعلق بالقضية الفلسطينية؟ يقول في الصفحة 138: « ربما شعرت بالإقصاء بسبب وفاة والدتي، وعشت نوعا من الإقصاء من الأسرة، لأنها لم ترغب في التواصل معي بشأن حقيقة ما جرى، واكتشفت هذه الحقيقة لوحدي، لأنني كنت أشعر أنهم يكذبون علي. لقد كنت دائما أشعر وبكل حدة، بكل ما له علاقة بالإقصاء والإهانة. كما أود أن أقول أن موقفي من القضية الفلسطينية مرتبط أساسا بهذه التجربة التي عشتها.»، إن تعلق الفيلسوف إدغار موران بالقضية الفلسطينية يرجع بالضرورة إلى مفهوم الإقصاء الذي نجم عن وفاة والدته، لقد تعرض إلى الإبعاد من طرف الأسرة حينما لم تكشف السبب في وفاة والدته، وهو في عمر العاشرة، فتركته يبحث عن الحقيقة لوحده، ولذلك يرفض إدغار موران كل ما له علاقة بالإقصاء، فكما تعرض للإهانة من طرف أسرته تعرضت القضية الفلسطينية للإهانة من طرف الأسرة الدولية التي ترفض معاقبة الكيان الصهيوني ومنح الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة.
إن منح الشعب الفلسطيني حقه ينبغي أن يكون من منطلق إنساني بعيدا عن أي تخندق ديني أو سياسي أو اقتصادي، ففي الصفحة 152 من الكتاب يصرح أن البعد اليهودي في شخصيته معدوم كليا لأنه لم يتلق أي تربية دينية ولا يشعر بالانتماء إلى أي شعب، ويقول بصريح العبارة: « أنا لا أنتمي إلى شعب الله المختار، بل أنتمي إلى الشعب الملعون »، إنه يرفض الانتماء إلى الأمة اليهودية معلنا انحيازه إلى الغوييم، أي إلى طائفة المضطهدين، وبالضبط إلى الشعب الفلسطيني كشعب ملعون من طرف العصابات الصهيونية، غير أنه من الضروري القول أن إدغار موران من منطلق إنسانيته وكونيته يتضامن مع جميع المضطهدين في العالم، لقد تضامن مع معاناة اليهود في الماضي، إلا أنه رفض أن ينضم إلى جيش الحرب الصهيوني على الرغم من إلحاح صديقته على انضمامه، إن موقفه الإنساني جعله يعي أن تشكيل الكيان الصهيوني في فلسطين بمثابة ورم سرطاني خبيث (ص 153)، وفي هذا السياق يرى إدغار موران أن القضية الفلسطينية هي قضية سياسية، و يتم توظيف الدين فيها لأهداف سياسية، فالكيان الصهيوني الذي يستولي على مدينة القدس يحرم الملايين من المسيحيين والمسلمين الفلسطينيين من حقهم فيها.
يختبر إدغار موران مدى علمانية الدولة الصهيونية، ويقول أنها تعتبر الأعياد الوطنية أعيادا دينية، إنها تدمج الدين بكل تستر، وتتذرع في سياساتها قائلة: «إن الله يريد ذلك، إن الله وهبنا ذلك»، ويلفت إدغار موران أن حماس هي الأخرى تستخدم الله في صراعها مع الكيان الصهيوني وضد خصومها مثل فتح، وهذا المعطى أحدث شرخا في الصف الفلسطيني، ولذلك يقول إدغار موران في الصفحة 154 من الكتاب: « عندما يدخل الله كرمز للأديان في الواجهة، لا يمكن آنذاك تصور حدوث مصالحة»، إن الله في نظر إدغار موران يتحول إلى شماعة للصراع بين الأديان كما يحصل الآن بين إله الصهاينة وإله الفلسطينيين وبين الفلسطينيين أنفسهم، فبدل الوحدة من أجل الأرض المغتصبة، صار الصراع على مستوى السماء بين مؤمن وكافر، وبالتالي إن ظهور حركة حماس كحركة دينية عام 1987 شكل المعالم الأولى لإخفاق المقاومة وحتم على فتح الذهاب إلى أوسلو بحثا عن مظلة، وهذا ما أصاب المقاومة الفلسطينية بالشرخ والتلاشي، ومن ثمة يجب إبعاد القضية الفلسطينية عن مفاهيم الله والدين، بل ينبغي أن تنصب القضية على الأرض ولا شيء غير الأرض، إن ما يهم حماس هو المسجد الأقصى، في حين ما يهم الفلسطينيين هو الأرض الفلسطينية وطرد المحتل الصهيوني وتأسيس دولة مدنية يتعايش فيها الجميع.
إن إصابة القضية الفلسطينية بالعزلة لا يجعل المثقف الحر يشعر باليأس، فلا يجب الكف عن الشهادة لصالح المهزومين يقول إدغار موران ( ص 154)، كما يضيف قائلا: « إن الشيء الذي يؤثر في نفسي كثيرا في هذا التاريخ، ليس هو ظاهرة السيطرة، بل الظاهرة السيكولوجية المرتبطة بالاحتقار»، إن ما أثر في إدغار موران هو الاحتقار، لذلك يجب احتقار الاحتقار، ينبغي رفض الاحتقار الذي تعرض له اليهود منذ آلاف السنين، والآن يلزم رفض الإذلال الذي يتعرض له الفلسطينيون تحت راية إسرائيل، إنه عاهة مثبطة للهمم.
أخلص من خلال سبق أن إدغار موران يعتبر نصيرا للقضية الفلسطينية، ليس لأنها قضية دينية أو قومية، بل لأنها قضية إنسانية وكونية تعكس معاناة شعب تعرض للاضطهاد والاستعباد، وجرد من أرضه وحكم عليه بالرحيل، ولهذا يعتبر نصير الملعونين والمضطهدين والمظلومين، لقد تعلم منذ نعومة أظافره مبدأ التضامن أن يبحث عن الحقيقة لوحده وذلك منذ فقدان والدته، إنه يشعر بالفقدان بمثل ما يشعر به الفلسطينيون الذين فقدوا أرضهم ومنازلهم وقراهم، وهو الشعور نفسه الذي شعرت به حينما استولى الإقطاعيون على أراضي قبيلتي بعد الاستقلال كما تحكي الرواية الشفهية المحليةومن هذا المنطلق يدعو إدغار موران إلى توحيد الصف الفلسطيني من أجل استرداد الأرض الفلسطينية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن