الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (25)

عماد علي

2019 / 2 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لذا فان المعتزلة التي يسميهم الشهرستاني باهل العدالة، فانهم قالوا من يُنقذ فان افعاله تستحق الثواب و هي من انقذته و من يخسر فان افعاله تستحق العقاب و هي ما لا تنقذه( 50) و هذه حاجة عقلية. شيء يتطلبه العقل قبل النقل. و من هذه الزاوية، فان الوعي العقلاني هو الذي اقترح التاويل العقلاني للنصوص الدينية، و هو في جوهره فعل و ترتيب المعنى الباطني و عمق النصوص مع المعطيات العقلية. و بعكسه، مؤيدو الجبرية و هم يجمعون الدعم الديني لهم باستمرارعن طريق النقل و النصوص الدينية. عدا المعنى الظاهري لبعض النصوص القرآنية من اجل ضرب حقيقة الدين و التيار العقلاني القدري، فان الجبريين استخدموا الحديث ايضا كسلاح مؤثر في الصراعات الفكرية، مثلا عندما قالوا ان النبي يقول ان القدريين مجوسيو الامة الاسلامية، و ان مرضوا فلا تزوروهم، و ان ماتوا فلا تحضروا دفنهم ( 51) و هكاذا العديد اكثروا من الادعاءات المثيلة لهذا. و ان كان هذا النص قد عدّ من قبل جزء قليل من اهل الحديث حديثا ضعيفا و الاكثرية المطلقة اعتبروه صحيحا، و لكن في جوهره يحمل عراقيل و مشاكل عديدة. اولا : عصر النبي لم يكن هناك قدريين كي يُشبّهوا بالمجوس، و هذه الظاهرة الفكرية هي نتيجة للعديد من الصراعات السياسية و الحروب الداخلية. ثانيا: كلمة القدرية ، هي مصطلح نسبوها الى حركة رافضي للقضاء و القدر و اسموا انفسهم بالعادلين و ادعوا في داخلهم، فان العدالة الالهية تتطلب ان يكون الانسان على الشر والخير الذي لم يختره الانسان و لم يكن فيه حرا. و لم يُسال عليه، اي ان المصطلح يعود الى عصر المشاكل السياسية و الفكرية بعد وفاة النبي. في المقابل و مع التنمية الفكرية القدرية و ظهور المعتزلة، فهم ايضا صاغوا احاديث خاصة بهم، مثلا في النصف الاول من القرن الثالث الهجري، ابو قاسم الرسي وهو معتزلة زيدي، دافع عن ان المعتزلة و الذين لم يؤمنوا بالقضاء و القدر ان يسموا بالقدريين, بعكس هذا من يؤمن بان اي فعل هو من قدرة الله، يجب ان يعرّف هؤلاء على انهم قدريين، وليس الاخرين. و في هذا الجانب، فيذكر حديث من النبي، فيزعم انه قائل: هناك جماعتان من امتي لُعنوا على لسان سبعين نبيا، و هم القدريين و المرجئة، فقالوا ايها النبي الله من هم القدريين و المرجئة؟ فقال: القدريين هؤلاء الذين يرتكبون الجريمة و بعده يدعون انه من الله و انه من امره، اما المرجئة فانهم هؤلاء الذين يقولون الايمان حديث لا فعل ( 52).
و بالشكل ذاته في رسالة ( الاجابة عن الجبريين) يقول: يقول القدري و الجبري: مخالفتنا قضاء و قدر من الله(53) . و هذا يعني عنده و في عصره ان المؤيدين للمعتزلة فان جبريتهم كان بنفس المعنى هو قدريتهم، و بهذا الشكل، جاء في الكثير من مصاردهم و الذي يزعمون انهم سؤل من هم القدريين. و اجاب قائلا: هؤلاء الذي يخالفون اوامر الله و يدعون بعد ذلك بانه قضاء و قدر الله، و هؤلاء جنود الابليس ( 54). و حتى القاضي عبدالجبار المعتزلي، و هو احد المنظرين المعتزليين الاكثر شهرة في القرن الخامس، يستخدم حديث ابو داوود ضد مناوئي المعتزلة، يقول: القدريين ليسوا بهؤلاء الذين لا يؤمنون بالقضاء و القدر و انما هؤلاء الذين يعتقدون ان اي شيء يصيبهم و اي فعل يؤدونه من قضاء اللهو قدره. بمعنى ان القدريين هؤلاء الذي يثبتون ذلك و ليس الذين يرفضونه، مثلا ( المكي من يُرتبط و يُنتسب الى المكة)، لذا ( لم يُقل لشخص مسلم ان لم يخضع للاسلام (55)، و بالشكل نفسه، فان القدريين هؤلاء الذي يؤمنون بقدر الله و لا يرفضونه. و كذلك التسمية بالقدري في الحديث( حسب تفسير القاضي) كان بسبب كثرة استخدامه( و مبرهن ذلك على ان الجبريين يتحدثون عن القدر كثيرا و ينسبون كل الزنى و السرقات الى القدريين (56). بعده هذا يعرض الكثير من الدلائل الدينية و بالاخص الاحاديث ليبرهن ان القدريين ليسوا بهؤلاء الذين يربطون قدرة و ارادة الناس على فعل الخير و الشر و انما هؤلاء الذين يرفضون تلك القدرة و ينسبون كل فعل شر الى الله.
كان هذا جزءا من الحرب الفكرية، اي استخدام سلاحة النص المقدس، وبالخص الحديث في تلك الصراعات، حاولت كل جهة بكل امكانياتها ان تنتج العديد من النصوص باسم النبي، لكي تدعي بانها سائرة على نهجه. و ان افرازات ذلك هو استخدام العقل كسلاح مؤثر اخر في تاويل و تفسير النصوص المقدسة، و في النتيجة يتمكنون ان يحرفوا و يحللوا و يفسروا معاني الايات كي يتناسب مع الدنيوية السياسية لهم، و بهذا الشكل ، ان اهل الحديث استخدموا الكثير من تلك الاحاديث في تلك الحرب، فان المعتزلة فعّلوا اكثرية طاقتهم العقلية كي يتمكّنوا من ان يصدروا و يهبوا عدة مقالات عقلانية و مقبولة للنصوص، كي تتناسب مع فلسفتهم السياسية. عدا ذلك، انهم تمكنوا من مزج العنصر الثقافي لحضارة الاخرين مع المجتمع العربي و الاسلامي، و هذا شرع افاقا اخرى امام تلك الحوارات، مما حدا بالمسلمين ان يواجهوا مجموعة من المعطيات الدينية و الفكرية الجديدة، و الذي يجبرهم هذا و بشكل اخر بعيد عن البساطة و المظهرية على ان يبحثوا عن المعنى العقلاني و العميق للنصوص، و بشكل يصنع خطاب ديني متوازي بين العقل و النقل. و كان هذا اول الابواب لتوجه السلطة العباسية الى الترجمة و العقلانية اليونانية في المرحلة الاولى ، و الذي في حينه كان اهل الحديث من النخبة الاجتماعية الصغيرة غير مؤثرة و لم يصبحو حركة ايديلولوجية و اجتماعية كبيرة بعد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تجرب التاكو السعودي بالكبدة مع الشيف ل


.. لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس




.. بعد 200 يوم.. كتائب القسام: إسرائيل لم تقض على مقاتلينا في غ


.. -طريق التنمية-.. خطة أنقرة للربط بين الخليج العربي وأوروبا ع




.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: حزب الله هو الأقوى عسكريا لأنه م