الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياقة والتهور = الموت .

محمد بلمزيان

2019 / 3 / 1
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


السياقة قبل أن تكون مجموعة من المعطيات التقنية والفنية التي يجب أن يتعلمها السائق، فهي سلوك وثقافة ، فقد تكون أحيانا طريقة السياقة مرآة عاكسة لطبيعة الشخص الجالس خلف مقود السياقة، لاعتبارات كثيرة يمكن أن نتعرف على معدن ذلك الشخص، من خلال الإستئناس بقراءة بعض التصرفات التي تحدث في الطرقات والشوارع والتي تبعث على الحسرة والغثيان ، من قبل بعض السائقين المتهورين، والذين يستبيحون الفضاءات العامة محولينها الى ساحات حرب مفتوحة، وغالبا ما يكونون سببا وراء حوادث سير مميتة، أو في خسائر بشرية ومادية، ناهيكم عن أعطاب جسدية ونفسية مستديمة، في استهتار تام بقانون السياقة واستخفاف واضح بحقوق الآخرين في استعمال واقتسام هذا القضاء المشترك الا وهو الطريق أو الشارع العمومي.
أعتقد بأن ثمة ظروفا تتحكم في هذه الظاهرة المشينة التي أصبحت متزايدة. فالسياقة بطريقة متهورة لا تخلو من استعراض القوة في الطرقات والشوارع، ولعل أبرز عامل مساهم في تزايد هذه الظاهرة في اعتقادي ، هو العامل البشري، وهو ما يسائل بالدرجة الأولى، مدارس تعليم وإصدار رخصة السياقة، وحيثيات تسليمها للسائقين المقبلين على دخول غمار السياقة وليس المنافسة في الطرقات، من حيث مدى كفاءة العنصر البشري المنكب على تدريب المترشحين، وكذا التقنيات المعمول بها كمناهج التعليم والتدريب والمدد الزمنية التي تمنح للمترشح قبل اجتياز امتحان الحصول على رخصة السياقة، فهل هي كافية لصقل معارف تقنية معينة للتعاطي مع الطريق بكيفية سليمة؟ ويأتي في الدرجة الثانية عامل آخر لا يمكن إغفاله وهو وضعية الطرق وبنياتها العامة، وهل هي في مستوى التحديات المتزايدة للتنقل ولمستعملي الطريق، أم أنها تلعب دورا مساهما في تأزيم هذه الوضعية،وفي تناقض مع منظومة قوانين السير التي تستحدث عدة إجراءات قانونية في غياب البنية الطرقية القادرة على ضمان السير بالتصورات المعروضة في الأوراق، لكن بين هذا وذاك لا يمكن أن نغفل جوانب أخرى تبدو وراء الستار، تلعب دورها بكيفية مباشرة في بروز ظواهر متعفنة في الطرقات والشوارع، وهي المتعلقة بالجانب الثقافي لمستعملي الطريق سواء تعلق الأمر بالسائقين أو الراجلية على حد سواء، فغالبا ما يكون الجهل المطبق سببا في ارتكاب حوادث سير مميتة ، وقد تكون مخالفات لقوانين السير والجولان المختلفة من جهة السائقين أو الراجلين، مع استحضار نمط التنشئة والتربية الأسرية التي تكون من بين الأسباب المؤثرة في نمط العيش والتفكير والتعاطي مع المحيط، فالسلوك البشري قد يتعرض لضغوط خارجية، ناتجة أساسا عن ظروف الحياة اليومية والمتاعب الكثيرة التي أصبحت تطرحها تكاليف المعيشة المتزايدة، الشيء الذي تجعل أغلب الناس مستعجلين في قضاء حاجياتهم، وتراهم في صراع مع الزمن، وتسابق على المرافق العامة، وهو نفس المنهجية التي يتعاملون بها حتى في كيفية سياقتهم لسيارتهم في الطرقات بعصبية لا تخلو من غلو ونرفزة ، والتي يجعل منطق السرعة هو المنطق والقاعدة التي يحتكم إليها ظنا منهم أنها أقصر الطرق الى الوصول الى المبتغى أو أنها الحل الوحيد لمواجهة تحدي الزمن، الشيء الذي تضيع معه في ثنايا هذه الذهنية المتهورة، أغلب ما يمكن أن يتراكم من معارف ورصيد تقني في مجال السياقة، والحال أن عالم السياقة يستوجب قدرا من الحيطة والحذر مع المحيط الخارجي، بما يجعل احتمالية وقوع الحادثة ضئيلة في حدودها القصوى .
لاشك أن ما تخلفه هذه الحرب غير المعلنة في الطرقات من خسائر مادية وبشرية، فواتيرها باهضة الثمن، ناهيكم عن الأعطاب الإجتماعية والنفسية للعديد من الضحايا الذين يسقطون ضحايا حوادث السير المختلفة، وما تكلف لمعالجتها من ميزانيات كبيرة، فلا تكفي حملات التحسيس الموسمية من الحد من استفحال هذه الظاهرة، بدون أن يكون بالموازاة تدابير تهم الجانب التعليمي في مدارس التدريب للحصول على رخصة السياقة، وبدون إدماج مواد في المدرسة في بدايتها الأولى لتربية النشء على تعلمها والإستئناس بها في الفضاء الخارجي، لكون التربية منذ الصغر وكيفما كانت طبيعة هذه التربية التي يمكن أن يتلقاها الفرد، ستبقى العمود الفقري لطبيعة الشخصية التي يتم صقلها في المستقبل،وبالتالي فإن خلو المدرسة العمومية من برامج تعليمية قابلة للإستيعاب من قبل الناشئة لها دور في استدامة هذه الوضعية، فحينما يكون الجاهل للشيء يعاديه، فإن الإبقاء على جهل أو تجاهل هذا الواقع سيزيد من تأزيم الوضع، بل وأن الطرقات ستتحول الى حلبة لاستعراض القوة من السيارات على يد منعدمي الضمير ودخلاء على قطاع السير، وهو الإستعراض الذي من شأنه أن يحول الطرقات والشوارع الى ساحات وغى مفتوحة، والتهديد الجدي لكل مستعمل للطريق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الهدف وراء الضربة الإسرائيلية المحدودة في إيران؟|#عاجل


.. مصادر: إسرائيل أخطرت أميركا بالرد على إيران قبلها بثلاثة أيا




.. قبيل الضربة على إيران إسرائيل تستهدف كتيبة الرادارات بجنوب س


.. لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟




.. هل وصلت رسالة إسرائيل بأنها قادرة على استهداف الداخل الإيران