الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تشهد مصر -ايلول اسود- ؟!

سعيد علام
اعلامى مصرى وكاتب مستقل.

(Saeid Allam)

2019 / 3 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


هل تشهد مصر "ايلول اسود" ؟!



"ان بلداً من البلدان يتملكه ويسيطر عليه رأس المال الذى يكون مستثمراً فيه".
وودرو ويلسون.
رئيس الولايات المتحدة الامريكية.


من المستحيل ان تستمر الاوضاع فى مصر وفقاً للمسار الحالى، فى المستقبل على المدى المتوسط، ناهينا عن المدى الطويل، حيث يبدو ان المعادلة التى يعتمدها النظام الحالى فى الحكم، تعتمد على كتلة من الشعب، مكون من قطاع كبير نسبياً من الشرائح العليا من الطبقى الوسطى، بالاضافة طبعاً لشرائح واسعة من الطبقة العليا، وكذلك من الشرائح العليا من الفئات الوظيفية فى مؤسسات الدولة المختلفة، خاصة المؤسسات العسكرية والامنية والقضائية والاعلامية، وقطاع من رجال الاعمال المقربين من النظام الحالى، وجميعهم ترتبط مصالحهم ارتباطاً عضوياً بالنظام الحالى.


الا ان هناك، من حيث المصالح، كتلة اكبر، تتشكل من غالبية الشعب المصرى، حيث يمثل الفقراء الاغلبية، تتناقض مصالحها مع المسار الحالى، حيث يسير المساران الاقتصادى والسياسى، ليس فقط ضد مصالحهم المباشرة، وانما ايضاً ضد موروثهم الوجدانى فيما يتعلق بالقضية الوطنية، الاستعمار الامريكى واسرائيل. ان هذه الكتلة الاكبر لن تستطيع، وليس لن ترغب، فى الاستمرار على نفس الحال، فى ظل المسار الحالى، مع تصاعده المؤكد، فى المستقبل على المدى المتوسط، لتفرض الاحتمالات المفجعة نفسها قسراً.


وفقاً للمنشور من اتفاق بين الحكومة المصرية وصندوق النقد، ان اسعار المحروقات سيتم تحريرها ابتداء من شهر ابريل، حيث يتم تحرير سعر بنزين 95 (وقود القادرين)، وفى شهر سبتمبر "ايلول" يتم تحرير سعر المواد البترولية الاخرى، بنزين 92، 80، السولار .. الخ، (وقود الطبقة الوسطى والدنيا)، الذى يتم به نقل كل السلع والخدمات والبشر .. وتحرير السعر هو الاسم الكودى لجعل السلع او الخدمات تباع فى السوق المحلى بالسعر العالمى، - طبعاً، لا ينطبق ذلك على الاجور التى تحسب بالسعر المحلى، والتى تقل عن مثيلاتها عالمياً، حوالى 18 مرة اذا ما تم احتسابها مع ما يقابلها بالدولار، وحوالى 20 مرة اذا ما تم احتسابها مع ما يقابلها باليورو -، "تحرير السعر" هو احد التعبيرات الغامضة المضللة التى يبدع الاقتصاديين البرجوازيين فى اختراع مصطلحات "اقتصادية" تخفى ورائها الحقائق المؤلمة. انها احدى الاساليب الغير نزيهة لتمرير ما لا يمكن تمريره. المدهش، ان يتم استخدام تعبير "التحرير" ذو المدلول الايجابى، مبعث الفخر فى الذاكرة الجمعية للشعوب، لتمرير اجراءات استعباد الجماهير ذاتها!. انها مصدر ضخم للتوتر الاجتماعى.


ايضاً، ووفقاً للخطوات المتسارعة لانجاز "التعديلات الدستورية" التى تسمح للرئيس "الحالى" بالاستمرار فى الحكم مدتتين جديتين، مدة كلً منهما ستة اعوام، وهو ما يعنى استمرار الرئيس "الحالى" فى الحكم حتى عام 2034، ووفقاً لهذه الخطوات المتسارعة، من المفترض ان يتم الاستفتاء على هذه التعديلات واقرارها، ونشرها فى الجريدة الرسمية لتصبح نافذة، كل ذلك خلال شهور قليلة قبل شهر سبتمبر "ايلول". تلك "التعديلات" التى يرى قطاع من الشعب، والذى سبق وان صوت لصالح هذا الدستور، انها اختراق للدستور لصالح الرئيس الحالى، هذا بخلاف قطاع اخر من الشعب لا يعترف بهذه "التعديلات"، ولا بالدستور نفسه، انها مصدر اخر للتوتر السياسى.


ايضاً، ووفق المنشور من اخبار عن موعد اعلان الولايات المتحدة عن ما يسمى "صفقة القرن"، والذى يقدر موعده بعد الانتخابات الاسرائلية، ابريل القادم، الذى هو ايضاً موعد يشهد تداعيات ردود فعله حتى حلول شهر سبتمبر "ايلول". "صفقة القرن" الذى كان الرئيس السيسى هو اول من صرح بهذا المصطلح "صفقة القرن" فى لقاء له مع الرئيس ترامب فى البيت الابيض، والذى اكد خلاله انه شخصياً ومصر ستقف بقوة معه (ترامب) فى تنفيذ هذه الصفقة، واضاف، انه يثق فى قدرة ترامب على تنفيذها. انها مصدر للتوتر فيما يتعلق بتراث وجدانى لغالبية الشعب المصرى، يتعلق بالقضية الوطنية، الاستعمار الامريكى واسرائيل.

لقد نجحت السلطة فى مصر، فى الفترة الماضية، فى فرض شتاء بارد وطويل على القوى المعارضة. الا انه فى الطريق الى سبتمبر "ايلول" القادم، تجتمع مجموعة من الخطوات، على المستويات السياسية "الداخلية والخارجية"، والاقتصادية والاجتماعية، تشير الى نتائج محتملة مقلقة تماماً. فى كل الاحوال تشير كل مؤشرات الواقع الفعلى وليس الافتراضى، ان الانتفاضة القادمة ستبدأ من اسفل، وايضاً كالعادة، ستصعد قوى الاسلام السياسى اليمينية وفى مقدمتها الاخوان المسلمين، لاعتلاء رأس الانتفاضة، رغم عنف الضربات التى تلقتها فى الفترة السابقة، انها قادرة، من خلال خبرات قمعها السابقة، على استعادة صفوفها ولياقتها سريعاً.

بشاير الموجة الثانية من رياح "الربيع العربى"، هلت من المغرب ووصلت للسودان ثم الجزائر.

بعد ثمان سنوات عجاف شهدت فصولها بعض دول الشرق الاوسط، العربية، منذ بداية الموجة الاولى من تسونامى "الربيع العربى"، شهدت خلالها انتصاراً للقوى المضادة للثورة، سواء باجبار قوى الثورة على عسكرة الثورة، او بالانقلاب العسكرى او الغير عسكرى، على الثورة، كل ذلك بدعم غير محدود من الانظمة الاقليمية الاستبدادية، دفاعاً عن وجودها ذاته، وبدعم مباشر من الانظمة الرأسمالية العالمية الذى تمثل ثروات المنطقة، سوقاً استهلاكياً وموارد، خاصة النفط، الهدف الاسمى الذى تتقزم بجواره اى اهداف اخرى، ديمقراطية او حقوق انسان، الا ان انتصار الثورة المضادة هى نفسها، لابد لها وان تؤدى الى موجات جديدة من الثورة ضدها.


ها هى بشاير الموجة الثانية من رياح التغيير العربى، "الربيع العربى"، تهل خجولة مترددة من المغرب، بعد "فرم" المواطن الكادح فى مفرمة ادارة الدولة الملكية الكسولة المتخمة بالرفاهية، من شقاء مزارعى وعمال الجنوب المنسى. وها هى بشاير حارة من اكثر شعوب المنطقة ثراءاً وشقاءاً، شعب السودان الطيب، يفاجأ العالم بصحوة صلبة مستمرة ضد نظام استبدادى قمعى فاسد، عسكرى دينى يمينى، افقر واحدة من اغنى دول المنطقة، وقسمها بأنانيته المفرطة، الى دول ومناطق معادية. وها هو شعب الجزائر يأتى شامخاً كعادته، صلب عنيد، الذى ما ان اراد يوماً شيئاً الا واستجاب له القدر، فى ريح عاصفة قوية ضد نظام مريض متكلس يعيش عاجزاً على كرسى متحرك، فى مكانه، ولا يريد ان يتحرك من مكان تمرتسه وراء اسلحة دفع الشعب ثمنها، ليستمر فى استنزاف شعب ضحى كثيراً، سواء بملايين الشهداء، او بالصبر على بلاء نظامه الفاسد.

كيف يمكن تجنب السيناريو الاسوأ، مصرياً ؟!

امام هذا المآزق، ومع احتملات تزايد تأزمه، فان السيناريوهات المحتملة لن تخرج عن احتمالين، الاول، ان تنفجر الاوضاع الداخلية بشكل وحجم، يصعب السيطرة عليه، لتشهد مصر صراعاً عنيفا بين كتلتين كبيرتين، بين الكتلة المؤيدة للنظام والكتلة الئائرة عليه، ممائلاً للنموذج السورى، على ان يأتى دعم الكتلة المؤيدة للنظام فى هذه الحالة بقيادة الولايات المتحدة الامريكية بدلاً من روسيا، والسعودية والامارات بدلاً من ايران وحزب الله.


اما الاحتمال الثانى، ان تنفجر الاوضاع الداخلية بشكل وحجم ومعدل سرعة، يصعب السيطرة عليه كلياً، وتسيطر الكتلة المنتفضة على السلطة، طبعاً بقيادة اسلامية، تشهد خلالها سلطة الدولة مرحلة انتقالية، ليست دينية تماماً، وليست مدنية تماماً، ووفقاً لميزان القوى الحادث وقتها تتحدد نتيجة الصراع بين الاتجاهين، الدينى والمدنى، بأفتراض تحييد مؤسسات الدولة، وفى مقدمتها المؤسستين العسكرية والامنية.


امام هذه الاحتمالات المفجعة، لا يحتاج النظام المصرى للسير فى اتجاه تأزيم مأزقه السياسى الداخلى أكثر، ليضاعف من المأزق السياسى الخارجى، المتمثل فى تحفز قوى عالمية للانقضاض على مصر، "الجائزة الكبرى"، حال تفجر المأزق السياسى الداخلى، - عندها سيصرخ احدهم "مؤامرة" -، الا ان مصادرة المجال العام يجعل النظام المصرى يزيد من حدة المأزق السياسى الداخلى، مأزق ضيق مجال ادارة الاستياء العام، وامام شعور النظام المتزايد بأنعدام الامن، سيزيد من قمعه، الذى لن يؤدى سوى الى زيادة احتمال اندلاع ازمات سياسية جديدة، وفيما تتزايد الصعوبات الاقتصادية، يسعى المجتمع المدنى والشباب الى تطوير اشكال جديدة ومبدعة للتعبير عن غضبها.


امام هذا المآزق التاريخى، ليس هناك من طريق امام النظام المصرى سوى طريق واحد، لا ثان له، اذا ما اراد الحفاظ على وحدة وسلامة مصر، هو طريق التخلى عن انانيته المفرطة الموروثة منذ 52، والنزول عند ضرورة ان يصون سلامة الوطن ووحدة شعبه واراضية، طريق المشاركة فى السلطة، وليس الاستحواذ عليها منفرداً بانانية مهلكة، بالمشاركة فى السلطة والثروة، وهو طريق يستدعى سياقاً مختلفاً، يكون فيه الشعب حامى السلطة، - ليس على طريقة التلفزيون المصرى "المهزلة"، التى دعى فيها الشعب للنزول لحماية جيشه ضد الاقباط امام ماسبيرو! -. طريق فتح المجال العام امام مجتمع مدنى منظم وقوى ومستقل. ان هذا المجتمع المدنى القوى هو فقط القادر على تحويل طاقة الشعب الى حائط صد امام اى اطماع خارجية، ليقطع الطريق على الوحش المتنمر من الخارج المتحفز للانقضاض بمساعدة "متعاون محلى"، هذه المعركة التى لن يستطيع النظام المصرى بمفرده، - كما اى نظام -، على الصمود امام ضغوطها الهائلة، وفى نفس الوقت، هذا المجتمع المدنى المنظم هو القادر على منع القوى المعادية للتغيير والتطور من تحويل انتفاضة الجماهير الى فوضى او انتكاسة حضارية.


ان المراهنة على القمع الامنى فى مواجهة خروج الناس الغاضب الى الشوارع والميادين، دون مجتمع مدنى منظم قوى مستقل، هو مغامرة شديدة العواقب، سيضعنا امام احد الاحتمالين السابقين، بما فيهم االسيناريو الاسوأ، فى ان تغرق البلاد فى الحرب الاهلية والفوضى والدمار والدماء والتهجير، لتنقض عليها بعد التدمير، بمساعدة الـ"متعاون المحلى"، وحوش الرأسمالية الجديدة، رأسمالية الكوارث، لتربح من اعادة الاعمار كما ربحت من قبل من امداد كل اطراف النزاع بالسلاح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بالضبط كدة
حازم (عاشق للحرية) ( 2019 / 3 / 3 - 08:02 )
هو كذلك يا استاذ سعيد، سيناريو محتمل جدا لما سيحدث، اؤيد جدا اقتراحك فى نهاية المقال كحل للأزمة -بعض التنازلات و تخفيف حدة تردى الاوضاع ليس حل نهائي لكن ينزع فتيل الأزمة لفترة جيدة-

لا أحاول أن اتسرع فى تقييم سبب وصول الاوضاع و هذه القرارات المحلية و العالمية إلى هذا: - هل صناع القرار العالمى و من وراءهم قيادتنا السياسية يتصرفون برعونة و غرور لهذه الدرجة؟ ام هم يتعمدون خلق هذا الغليان تصورا أنه يخدم مصلحتهم وفق منطق ما؟-
على كل حال كنت اتمنى لو كانت النخب السياسية اللطيفة بتاعتنا سمعت كلامك فى مقالة -تعديل بتعديل فلنعدل- و نتفاوض و نآخذ مكاسب طالما أننا لسنا أقوياء كفاية،
حاقول ايه يا استاذ سعيد! كل الضغط اللى احنا فيه ده كان يمكن التعامل معاه بذكاء و ابتكار و تخفيف أضراره إلى أقل درجة، انما نحن مُبتلين بنخب سياسية مضحكة، و تيار يمين دينى مسكوت على كل قرَفُه. مستعد أن اؤيد قيادتنا السياسية رغم ما صدر عنها لكن اذا اخذت خطوات لنزع فتيل الازمة، غير كدة فهم يلعبون بالنار و هم و حظّهم.


2 - شكرا على الروابط
حازم (عاشق للحرية) ( 2019 / 3 / 3 - 23:03 )
متشكر جدا على الروابط يا استاذ سعيد, عنوان الكتاب ده مش غريب عنى لكن ما قريتهوش قبل كدة , انا حمّلت الكتاب من اللينك و حأحاول أقراه و اشوف الفيديو لو امكن فى اقرب فرصة

اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي