الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لمحات من تاريخ العالم الاقتصادي . الجزء الاول/اوروبا والشرق

مظهر محمد صالح

2019 / 3 / 3
الادارة و الاقتصاد


لمحات من تاريخ العالم الاقتصادي .
الجزء الاول/اوروبا والشرق

مظهر محمد صالح

قبل ان يأخذنا العمر الى نهاياته الشاقة وتتجمد الافكار على حافات الالسنة والاقلام ونحن نرسم الحاضر، فأن المستقبل مازال يمسك بتلابيب عقلنا ليدفع بشواغلنا الثقافية الى فهم شيْ من حركة التاريخ الاقتصادي العالمي .

فسكان العالم الذين لم يزد عددهم قبل 2000عام على 200 مليون نسمة هم اليوم يزيدون على 7 مليار نسمة. وعلى سبيل المفارقة ، يقول المؤرخ الاقتصادي البريطاني (انغس مادسون) ان الناتج المحلي الاجمالي او الدخل الوطني لبلدان العالم قد ازداد خلال (الالف عام) الاخيرة بحوالي (338 مرة ) ولكن لم يرتفع متوسط نصيب الفرد من ذلك الناتج الا بحوالي ( 14مرة) ما يؤكد ان ثمة تركز في الدخول والثروات يجسد عالم ضعيف في عدالة توزيعه . وبالرغم من ذلك ، فان الاقتصاد العالمي صار اكثر دينامكية في 100 الى 150 سنة الاخيرة ولاسيما في العالم المتقدم صناعياً. فمنذ بداية القرن التاسع عشر وحتى الوقت الحاضر ، ازداد نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي في البلدان الصناعية (استثناءً عن باقي العالم) بنحو (20 مرة).

ومنذ 600 عام مضت ، بالاخص في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، فقد بلغ متوسط نصيب الفرد من الدخل الوطني السنوي او ما يسمى اليوم بالناتج المحلي الاجمالي (وحسب القوة الشرائية للدولار في الوقت الحاضر) مبلغاً متساوياً او متقارباً في بلدان العالم ومناطقه المختلفة والى حد بعيد نسبياً ، وكان في الغالب أقل من 600 دولار للفرد الواحد سنوياً .فأنتشار الفاقة والعوز والامراض و الاوبئة هي الظاهرة الاعم في ارجاء الكون بشكل لافت في تلك الازمنة . وان القلة القلية من الناس كانت تتمتع بمباهج الثراء وازدهار الحياة. و لم يزد متوسط دخل الفرد السنوي في نهاية العصور الوسطى في مناطق اوربا الشرقية واسيا وافريقيا واميركا اللاتينية على 400 دولار الى 450 دولار سنويأ ، في حين ارتفع دخل الفرد في بلدان اوربا الغربية الى فوق متوسطاته السنوية العالمية في ذلك الوقت ليبلغ بين 550 الى 700 دولار . والغريب في الامر ان اعلى متوسطات دخل الفرد سنوياً في العصر الوسيط كانت من نصيب سكان ايطاليا واليونان. اما في الوقت الحاضر ، فقد امست مجموعة البلدان الغنية ، التي تسمى اليوم بالدول الصناعية المتقدمة ، والتي تعاظمت خطاها الاقتصادية والتكنولوجية منذ القرن التاسع عشر ، تفوق نظيراتها من البلدان النامية متوسطة الدخل في درجة الغنى (بست مرات) ويرتفع تفوقها الى ( عشرين مرة ) بالمقارنة مع البلدان الفقيرة ولاسيما الافريقية منها.

تقول الحكمة السائدة في عالمنا اليوم ، بان الثورة الصناعية التي انطلقت في غضون القرن السابع عشر كانت بنفسها مفتاحاً للتغيير في كل شيْ . ولكن ثمة شرطين مسبقين تجاوزا عقدة الثورة الصناعية في تفسير التقدم التاريخي المتسارع في العالم الاوربي . فالشرط المسبق الاول ، يرجع الى التقدم الذي حصل في علوم الطاقة او ما سمي بالثورة في مجال الطاقة في اوربا وهي قوة معرفية سبقت الثورة الصناعية بقرون ، عندما استفادت اوربا من دور المفكرين العرب ونظرياتهم ، لتأخذ على عاتقها ترجمة علوم الشرق ونقلها على نحو متسارع الى المركز الاوربي لتصب في ملتقياتها الاولى في القرن الحادي عشر عند بقعة مشعة في ايطاليا تسمى (بولكانا) وهي مدينة للعلم والتطور الاوربي اللاحق وتقع في شمال ايطاليا حالياً ، ولاسيما عندما أخذ التطور العلمي ينهض في مجال تحويل الضوء الى طاقة والتي عرفت كما نوهنا آنفاً بثورة الطاقة . اما الشرط المسبق الاخر، فيرتكز ، في تفسيره لتقدم الامم الاوربية ، في ذلك الانتشار المعرفي السريع الذي ساد العالم و المتمثل باختراع الطباعة في القرن الخامس عشر . حيث رافق تقدم الطباعة ، ذلك التطور الهائل الذي حصل في علوم الرياضيات والفيزياء والانتاج الزراعي والصيرفة والملاحة البحرية وانتاج النسيج وبناء السفن والمحاسبة والنظام القانوني وحماية الملكية والتأمين وظهور الدولة - الامة ودور المراكز التجارية كضرورة جيدة في انتشار المخترعات وتقدم المبتكرات . كما كان لظهور العائلات التجارية واساطيلها البحرية واستخدام الماء في الانتاج ، قد اسست هي الاخرى ركيزة لانطلاق التقدم اللاحق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ان إدراك اهمية التقدم الناجز الذي تفجرت معالمه في القارة الاوربية قبل الف عام ، لم يفقدنا الرؤية في تلمس مقاليد التقدم المعرفي الذي اجتاح الصين وفارس وبلاد العرب قبل ان تكتسبه اوربا لاحقاً وتدفع به نحو الامام.

فعلى الرغم من تزايد اعداد السكان في العالم ولاسيما منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية و انتشار مظاهر الفقر والمجاعة في مناطق كثيرة من سطح الارض ، فان العالم لم ينتفع من إمكانات سكانه وقواه البشرية حتى اللحظة . ففي ظل سيادة العولمة المالية اوالعولمة الثانية ، فأن منظورها مازال مقتصراً على حرية انتقال رأس المال وتحرير فضاء المعلومات وحصر استدراج النخب البشرية عالية الاختصاص واستنزافها وتهجيرها من بلدانها الام الى المراكز الصناعية المتقدمة . وهو تدوير ضار للقوة البشرية عالية الطاقة دون القدرة على تحرير قوة العمل الدولي بمختلف اصنافه كافة بشكل متجانس صوب اسواق العمل الدولية . فالعولمة الاولى التي انتهت عشية اندلاع الحرب العالمية الاولى (يوم فرض قيد جواز السفر على تنقل مواطني امم العالم ) كانت بطبيعتها عولمة بشرية ، تمثلت إبتداءً في حرية انتقال الناس والقوى العاملة عبر مناطق العالم وأقاليمه دون قيد يذكر .إذ انتقلت اعداد من سكان البلدان المطلة على شرق الاطلسي (الشمالي والجنوبي) الى مواطن غرب الاطلسي المناظرة لها وبحرية عالية ، لتظهر بعدها ولادة القارة الامريكية الشمالية كقوة اقتصادية عظمى جاءت تحت دفع وتأثير العولمة البشرية.

صفوة القول ، انها العولمة الاولى (العولمة البشرية) التي تعاظمت في عصر الملكة فكتوريا وانتهت في مطلع القرن العشرين ، يوم نقل الناس معهم في هجرتهم ثقل معارفهم و قوة ابدانهم الشابة المنتجة عبر البحار ليظهرعالم آخر يسمى بالعالم الجديد كقوة عظمى اولى . اما العولمة الراهنة فان ديدنها هو هجرة العقول وهجرة الاموال سوية نحو اسواق العالم الاول وبأتجاه واحد على التوازي لا رجعة فيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 23 أبريل 2024


.. بايدن يعتزم تجميد الأصول الروسية في البنوك الأمريكية.. ما ال




.. توفر 45% من احتياجات السودان النفطية.. تعرف على قدرات مصفاة


.. تراجع الذهب وعيار 21 يسجل 3160 جنيها للجرام




.. كلمة أخيرة - لأول مرة.. مجلس الذهب العالمي يشارك في مؤتمر با