الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (38)

عماد علي

2019 / 3 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


اي ان قدسية الله تختلف عن قدسية مخلوقاته و منها القرآن ايضا، كما ان انسانية عيسى يُحكم وفق العقيدة الاسلامية بالقوانين البايولوجية، و بالشكل ذاته من العقيدة فانها تُحكم مخلوقية القرآن بالقوانين اللغوية.. و هذا طبيعة اي شيء في الوجود، عدا الله. اي ان القانون الموجود المتبع في فضاء اللغة العربية يوجد في القرآن ايضا، و عليه ان كان هناك مجاز في اللغة العربية فيوجد في القرآن ايضا، كما اننا نحتاج الى تاويل بعض الكلمات اثناء الكلام الاعتيادي، فبالشكل نفسه في القرآن ايضا، مثلا عندما يُقال ذلك الشخص يده طويل، فان المقصود من كلمة اليد هو القوة و ليس اليد التي هي جزء من الجسد، وهذا عدا ان يكون تاويلا فليس بشيء، لان التاويل في النهاية و في الثقافة الاسلامية بشكل عام ليس بشيء الا ايهاب المعنى للكلمة بعيدة عن معناها الظاهري. اي انه عندما تؤّل هذه الكلمة وفق السياق و العبارة التي جاءت فيها يمكن ان يكون لها معنيين، احدهما غير حقيقي الذي يُسمى المجاز وهناك عكسه، والمجاز باب حقيقي لكل فعل من اجل اعطاء المعنى للكلمة.
ان من سمح لذلك التاويل هو اللغة، و لكن من اعطى القدرة للانسان للتاويل هو العقل. لذا فان الصفات التي تتحدث عن الله كيدُ الله فان المقصود هو قدرة و سلطة الله و ليس يده الحقيقية. في البداية، ان الجهميين و بعدهم المعتزلة هم من ابعدوا الشكوك عن طريق التاويل العقلاني و دافعوا عن القعائد الاسلامية، مثلا المهدي بنفسه هو اول خليفة الذي امر المعتزلة و الذين لهم القدرة على نقاش العقائد غير المتجانسة في الاسلام ان يبدئوا في التاليفات و نشرها في المجتمع الاسلامي كي يدافعوا عن العقائد الاسلامية ، واجبروا على الاعتماد على العقل، لان النصوص الدينية و بالاخص القرآن لم يوضح هذه التفاصيل بشكل دقيق، عدا ذلك فان حديث هؤلاء الذين عرفوا فيما بعد باهل الكلام، كان متوجها نحو اشاخاص لم يؤمنوا بالاسلام او كانوا يشكون به، وعليه بدلا من النقل كان عليهم ان يستخدموا العقل , و هذه هي الملاحظة ذاتها التي نراها عند ابن خلدون. لدى هذه الشخصية المهمة للفكر الاسلامي في القرن الثامن الهجري، يعود ظهور علم الكلام ان المسلمين الذين ولجوا في تفاصيل العقائد السائدة، و ادى ذلك الى ظهور الخلافات و الحوارات و الاثباتات عن طريق العقل الى جانب النقل، و عليه ظهر علم الكلام ( 43). و هذا كلام صحيح و لكن السبب في ظهور هذه النقاشات و التفصيلات هو سياسي، و هذا الجانب الخاطيء في منظور ابن خلدون. كما اشرنا اليه من قبل، فان جعد بن درهم هو اول من اوّل عن طريق العقل ( 44) و عليه بقيت لدى المسلمين طريقين اما العقل او النقل (45). و حسب راي هذا الكاتب فان بدايات ظهور تاريخ الفلسفة الاسلامية هو جعد بن درهم و جعد هو اول رائد للتفسير العقلاني في الاسلام ( 46). و من هنا يجب ان نقول ان المؤيدين للعقلانية الدينية بقيادة المعتزلة و المعروفين باهل الكلام, اوّلوا جميع تلك الصفات لله التي جاءت في القرآن. و لهذا تُعتبر المعتزلة هي اكبر جماعة و اكثرهم تاثيرا لتاويل القرآن، و حتى مصطلح ( المجاز) و البلاغة كان من ابداعاتهم، لانهم ارادوا ان ياخذوا المعنى الظاهري للكلمات نحو جهة اخرى و ان يعطوها المعنى الذي لم يتوضح في المُقال، و عليه قالوا ان لكل كلمة معناه الحقيقي و المجازي، و هذا اساس و مبدا لغوي و فكري مهم في عملية التاويل العقلاني للمعتزلة. و من وراء هذا تقف تلك العقيدة اللغوية و التي ما يُقصد بها هو الاهم, وليس ما قيل بذاته. فان ما تدل عليه النصوص يقع ماوراء المُقال كثيرا و ليس بظاهره، اي ان اقدس من النص هو ما يعنيه النص. ان فعل العثور على ذلك المعنى الذي يقصده النص، و لم يوضحه و لكنه يشير اليه، هو التاويل.
التاويل عندهم ليس فقط عملية قراءة الكلمات في النصوص المقدسة و ترجمة ما قيل و ليس ربط( الدال) ب( المدلول)، للعثور على المعنى الحقيقي، انما هي عملية رفع الوعي الى مستوى معرفة معنى الوحي، مشاركة الوعي العقلاني للانسان في فعل اعطاء المعنى، وهذا بقدر ماهو حاجة عقلانية بالشكل ذاته واجب ديني لابعاد الشكوك و الفهم الديني الخاطيء الذي يجعل المؤمن ان يشك في ان النص المقدس يحمل خلافات و اختلافات داخلية، لان كل رؤية للخلاف في النص المقدس نتاج عدم رؤية الدلالة اللغوية للنصوص لدى الوعي العقلاني، وعدم الوصول الى مستوى النص و طريق الوصول هو العقل. في الوقت ان المناوئين والمنافسين الاشداء للمعتزلة( بالاخص علماء الحنبليين، قواد نشر العقيدة الارثوذوكسية في الاسلام) لا يؤمنون بان القرآن صفة الله فقط و انما يقولون لا وجود للمجاز في القرآن، و كل ماموجود هو المعنى الحقيقي بالضبط.
و حسب عقيدتهم ان ما قيل في القرآن له المقصد و المعنى ذاته، لا وجود لاي معنى في خارج النص و كل ما موجود هو موجود فيه، و عليه انه لديهم؛ ان معنى النص المقدس لا يقع خارجه و في النص بالضبط و هو المعنى الظاهري لما قيل و هو الموجود، و يُقال لهذا الفعل التفسير. و طريق الوصوال الى معنى النص ، هو النص بذاته، وبالاخص ما يقوله القرآن. و عليه، فانه بدلا من حاجتنا الى القدرة العقلية في انتاج المعنى العقلاني للوحي، نحتاج الى ايمان رصين لعقلانية المُقال ظاهريا للنصوص. و هنا ان كان وجود المجاز في القرآن منفذأ اولا لعملية التاويل للنص القرآني، وبالاخص في مجال التوحيد، فانه عدم الايمان بوجود المجاز منفذ اول للتسليم بالمعنى الظاهري للنص ذاته، مثلا ابن تيمية و ابن القيم اثنان من اهل الحديث و اهل الشرع الحنبليين الكبار و لهما التاثير الاكبر على الثقافة الاسلامية و هما العدوان اللدودان للتيار العقلاني لتاويل القرآن، و انهما يعتقدان لا وجود للمجاز في القرآن، و كما يقول ابن القيم في كتاب ( الصواعق المرسلة على الجهمية و المعطلة) و هو يحاول باكثر من خمسين وجه ان يثبت ان لا وجود للمجاز في القرآن (47).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على طهران بعد الهجوم الإيراني الأخي


.. مصادر : إسرائيل نفذت ضربة محدودة في إيران |#عاجل




.. مسؤول أمريكي للجزيرة : نحن على علم بأنباء عن توجيه إسرائيل ض


.. شركة المطارات والملاحة الجوية الإيرانية: تعليق الرحلات الجوي




.. التلفزيون الإيراني: الدفاع الجوي يستهدف عدة مسيرات مجهولة في