الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (40)

عماد علي

2019 / 3 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


و بهذا الشكل، فان هؤلاء يصابون بالتضليل و التشويه و اخيرا تشبيه الله بمخلوقاته، و كما قال السبكي في تعريف الحشويين. اما الشهرستاني يعتبر( الكثرية اهل الحديث) اقلية و يسميهم بالحشويين ايضا. برأيه، فان هؤلاء هم الذين جاءوا بعد احمد بن الحنبل و لخوفهم من ان يصابوا برفض صفات الله اعتقدوا كليا بان الله هو في الحقيقة لديه اليد و الاصبع و الساق و العين التي جاءت كما هي في القرآن و الحديث. لذلك قالوا بان الله جسد و لحم و دم و له اطراف كاليد و الساق و الراس واللسان و العينين و الاذنين، و مع ذلك قالوا انه جسد ليس كما هي الاجساد الاخرى، و لحم ليس كاللحوم الاخرى و دم ليس كالدماء الاخرى ( 55)، و به منحوا الله كافة الصفات الجسدية، و لكن في النهاية كانوا يقولون بان هذه الصفات الجسدية لا تشبه ما لدى المخلوقات. هؤلاء و ان كانوا تيارا من اهل الحديث و المدرسة النقلية، كانوا في الوقت نفسه مناوئين اشداء لتيار المعتزلة و العقلانيين. الملاحظ ان الشهرستاني يقول: هؤلاء استندوا على العديد من الاحاديث التي اخذوا اكثريتها من اليهود لاثبات عقائدهم، لان التشبيه من طبيعتهم ( 56). و الاعجب من هذا ان الشهرستاني بنفسه ياتي بحديث كمثال لتلك الاحاديث على انه اخذوه من اليهود ، جاء فيه ان النبي قال: بالله وصلت و صافحني، وبعده وضع يده على كتفي الى ان حسيت ببرودة اصبعه) . في الوقت ان هذا الحديث بنفسه على اساس ان مصدره اليهود و هو الذي يمنح معنا جسديا لله و انه حديث اهل الحديث الخشويين، وليس احمد بن الحنبل، كما يقول الشهرستاني، ان الحديث ذاته رواه احمد بن الحنبل في كتابه المعروف و الاكثر شهرة حول الحديث( 57). و حتى المدرسة النقلية و هي في قمة التطور و الظهور، لم يتمكن عند ابن تيمية ان يتنصل من اعطاء المعنى الجسدي لله. على الرغم من ان هؤلاء كانوا اشد الاضداد و المناوئين بان يُقال ان لله جسد، لان كلمة الجسد بذاتها هي بدعة و لم تكن موجودة من قبل. على الرغم انه يرفض ان يكون لله جسد ، فيقول: ليس من قبل اي من الانبياء و الصحابة و التابعين و ليس من السلفيين في هذه الامة و لم يُنقل عنهم بان لله جسد، او ليس له جسد، و انما اثباته و رفضه بدعة في الشريعة (58). اي، ان يمكن ان يكون جسدا او لا يمكن، منع نطق كلمة الجسد لوصف الله( وفق مقولة ابن التيمية) ليس بذلك الشيء الذي يرفضه العقل (كما هو حال المعتزلة) او يقبله( كما هو حال الكراميين) و انما يدل على ان الشرع في اعلى مستواه و هو النص المقدس فلم يبرهنه او يثبته ولم يرفضه ايضا و لا شيء اخر. و لكن وعلى الرغم من ذلك فكم من المرات فُسر و اُعطي المعنى الجسدي لله، مثلا يقول: العلماء المقبولين و الولي قالوا الصحيح: ان الله يُقعد النبي معه على العرش في يوم القيامة ( 59) و كذلك في العديد من المرات يُرد ذلك الحديث الى النبي الذي يُزعم انه قال: ان عرش الله مبني في السماوات، و اشار باصبعه بانه مثل القبة، (و من ثم قال) يصر كما هو صرير السرج عندما يركبه الفارس). و اوضح شيء لاعطاء المعنى الجسدي للرب، يقول: عندما ياتي الله( اي في يوم القيامة) و يجلس على كرسيه، فان الارض بكاملها تنصع باضواءه ( 60).
كل ذلك من اجل اعطاء المعنى لجسد الاله دون ان تستخدم كلمة الجسد , بحجة انها بدعة و لم تستخدم من قبل، ياتي من العقلية التي تقول ان كل ما ماقيل للنص المقدس له المعنى نفسه الذي يحمله و لا يمكن باي شكل كان ان يُبعد عن ذلك المعنى. تُسمى جميع هذه الافعال بالتفسير، و ليس بشيء الا اعطاء المعنى للنص بالشكل الذي تحمله ظاهرا, كما هو ترجمة النص دون اي فعل تاويلي ة قراءة و تحليل لغوي من لغة اخرى, بهذه المتابعة القصيرة ، يتوضح جيدا ان ربط العقيدة المناوئة لاي مذهب و تيار ديني اسلامي باليهود الى حد هو تهمة و تجريم و ليس حقيقة تاريخية، لحين اثبات ذلك. بمعنى اخر، العقلانية ذاتها كانت مصدر لرفض المصير الالهي، فكيف يكون مصدرا لمناوئيه, ثانيا انه المعطيات التاريخية لليهود بذاتها حول الاسم و الصفات الله ينقلون لنا العكس, الى حد يمكن ان نقول بدلا ان يكون اليهود هنو مصدر التشبيه فهم مصدر لرفض التشبيه، مثلا (موسى بن ميمون) وهو اكبر فيلسوف يهودي في القرون الوسطى و الذي سمي بموسى الثاني للدين اليهودي و كتابه (دلاله الحائرين) له تاثيرات النتاجات اللاهوتية لليهود بعد التورات، انه يعتقد ان الله ليس له الجسد و في اي شيء من الاشياء و اي جانب كان لا يشبه عباده, الوجود و الحياة و علمه لا يشبه حياة و علمهم، الفرق بينه و بينهم ( الله و مخولقاته) ليس بكثرة او قلة فقط، و انما بنوع الوجود, بهذا الشكل و بعد ذلك يقول انه لدى التورات و النبوة الكثير من الاشياء السرية و غير المعلومة، و لكن حول هذه المسالة يقول: فان رفض الجسد و التشبيه و الانفعال, شيء يجب ان يوضح و يُعلن (61).
الفيلسوف اليهودي موسى يقول بكل وضوح، ان النصوص التي لها معاني جسدية يجب ان تؤّل، و هذا بعكس العلماء المسلمين يعتقدون بان اليهود تعلم علم الكلام بنفسه من المسلمين و بالاخص من المعتزلة ( في بداية هذا الطريق كانوا جماعة و هم معتزلة ايضا ( ان رفاقنا ( اي اليهود) اخذوه منهم ( 62)، و ليس ببعيد ان من كان يقصد موسى من (رفاقنا) هم و بالتحديد( سعد الفيومي عاش في 268 – 330ه) اللغوي و اللاهوتي و اهل المتكلمة اليهود في القرن الثالث و الرابع الهجري. و لكن من هو هذا الفيومي و ما هي علاقته بمسالة التشبيه و عدم التشبيه لله بمخلوقاته. للجواب عن هذا، يمكن في البداية ما يفرض علينا ان نعود الى جزء من المصادر الاسلامية المتوفرة لدينا. اقدم مصدر اسلامي الذي يشير الى هذه الشخصية اليهودية هو المسعودي الذي عاصر الفيومي، فيقول ان هذا الشخص احد اؤلئك الذين ترجموا التورات الى العربية و و توفي فيما بعد عام 330 ه( 63).
بعده المقدسي وهو ثاني مؤرخ اسلامي يقول حول هذا، ربما كان زعيم نهج باسم (الفيومية) وهم الذين ترجموا التورات وفق المنهج و فسروه بالاحرف القاطعة، كما كان يفعل الباطنييون في الاسلام (64).
اما ابن حزم و الشهرستاني، ففي سياق الحوارات و الانتقادات في فكرة ( الافضل) عند المعتزلة يشيرون الى اسمه فقط. ابن حزم يذكره مع( المتكلمة اليهود) اليهود الاخرين (65). و كذلك الشهرستاني و في الوقت نفسه في زمن الانتقاد عن فكرة المعتزلة بذاته، يشير في نهايته الى هذا الاسم (66). و هذه اشارة الى ان هاتين الشخصيتين يعقتدان ان الفيومي كيهودي له راي المعتزلة ذاته في هذا المجال، ولكن دون ان يذكرا اي شيء اخر عنه.
لاثبات ان التشبيه لم يكن ظاهرة يهودية و العثور على تلك التاثيرات التي كانت لدى المسلمين من اهل الكلام على اليهود حول صفات الله بالاخص، نحاول هنا و عن ريق الكتاب الوحيد الخاص بالفيومي اليهودي حول التوحيد ان نفسر و نحلل الجهات الاخرى الدينية و الفكرية لهذه الحوارات، هذا الكتاب من اساسه هو جواب لجماعة ( قرائين) اليهودية، الذين كانوا جماعة في القرن الثاني الهجري ظهروا عند يهود بغداد بالاخص، كانوا يؤمنون بالتورات فقط و ليس بتلمود، لذا قيل عنهم القرائين، اي اؤلاء الذين ينكبون على قراءة التورات فقط. كان لهؤلاء من الجهات عدة كان رؤى مذهبية و دينية مختلفة مع جميع الجماعات الدينية اليهودية الاخرى، و هم من امنوا بان النصوص التي جاءت في التورات و فيها صفات الله يجب ان نؤمن بها كما هي و دون ان تُؤوّل، وهذا الاعتقاد قريب جدا من التوحيد السلفي الاسلامي. اما كتاب الفيومي بعكس هذا تماما و في بدايته ( وهو كتاب كلامي فلسفي) يقول بوضوح ( ليس له صورة و لا مِقدار و لا حال ولا حد ولا مكان و لا زمان) (67) و هذا في سياق الحديث حول اي شيء كان، ان الله يصنعه من العدم (اللاشيء كما يقول)، و هذه احدى النتائج المنطقية لتدقيق من اجل الوصول الى فهم مخلوقاته، و هذا بوضوح هو المبدا الفكري للمعتزلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان


.. أثناء زيارته لـ-غازي عنتاب-.. استقبال رئيس ألمانيا بأعلام فل




.. تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254