الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصهيونية الدينية وسياسات الاستيطان الإسرائيلية

محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)

2019 / 3 / 7
القضية الفلسطينية


من المفارقات التي نتجت عن انتصار إسرائيل في حرب الأيام الستة عام 1967 استمرار الصراع وتواصله [بدلا من إنهائه] . فقد كان للحرب تأثير على الأمن الدولي و عدم الاستقرار الإقليمي في المنطقة فضلا عن انخراط إسرائيل في صراع داخلي تمحور حول استيطان الأراضي المحتلة و إدارة السكان الفلسطينيين الخاضعين للاحتلال . و تشكل الصهيونية الدينية أحد أذرع هذا الصراع ,حيث تقف كإيديولوجية وسط بين الصهيونية العلمانية التي أسسها ثيودور هرتزل في العام 1897 و بين التعاليم التقليدية الحاخامية التي ترفض جهد الإنسان في تأمين العودة إلى أرض إسرائيل القديمة. و تقوم الصهيونية الدينية على الاعتقاد بأن اليهود ملزمون بالعودة إلى إسرائيل باعتبارها توصية إلهية , وقد خلق الاحتلال [الإسرائيلي لبقية فلسطين الانتدابية و يناء و مرتفعات الجولان] شروطا ملائمة للحركة الصهيونية الدينية للصدام مع الحكومة الإسرائيلية العمالية لرغبة أعضائها الاستحواذ على الأراضي المحتلة حديثا و استيطانها بغض النظر عن المخاوف المتعلقة بالأمن القومي. و يمكنني الزعم هنا أن الحركة الصهيونية الدينية الصغيرة كان لها تأثير كبير لا يتناسب مع حجمها الديمغرافي على سياسات الحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بالمشاريع الاستيطان ,الأمر الذي من شأنه أن يكون له عواقب على مصير عملية السلام و مستقبل الشرق الأوسط .
أ) سؤال البحث الرئيسي:
شكلت حرب حزيران-يونيو 1967 أو حرب الايام الستة والنصر الذي حققته إسرائيل على حساب العرب حدثا كان له عواقب لاحقة وتأثيرا قويا صدم إسرائيل وجيرانها العرب والعالم. فعلى مدى تسعى عشر عاما [وهي الفترة الممتدة من قيام الدولة حتى الحرب]، كان الإسرائيليون يخشون من تعرضهم لهجوم تشنه دول الجوار المعادية التي رأت في وجود إسرائيل كغزو لأراضيهم . وقد وجدت إسرائيل ,المنتشية بنصرها غير المسبوق, نفسها تسيطر على مساحة شاسعة مما كان يعتبر أرض الأجداد التوراتية اليهودية القديمة, وبركوب موجة الإثارة هذه و الأهمية التاريخية للحدث ، سارعت كل من الحكومة الإسرائيلية وعناصر من السكان المدنيين إلى المطالبة بتثبيت قبضتهم على الأراضي المحتلة, من خلال افتراض مبررات تسوغ احتلال واستيطان القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان وشبه جزيرة سيناء بعدة طرق مختلفة لتشمل الأمن العسكري والقدرة على المساومة الدبلوماسية و مبررات قومية علمانية أو ثقافية والانتقام من الهزائم الأخيرة أو إعادة بناء المستوطنات المفقودة والوصية الدينية, ويرى الصهاينة المتدينون في الاستحواذ على أرض إسرائيل القديمة و استيطانها تفويضا توراتيا ،عليه أن يأخذ مكان الصدارة و يحل محل جميع الافتراضات و المبررات المطروحة وهو ما يمكن إنجازه من خلال العمل المشترك للرب والإنسان (1)
تسعى هذه الدراسة إلى تحديد ما إذا كان للصهيونية الدينية تأثير كبير على سياسات إسرائيل الاستيطانية بعد حرب 1967. فعلى عكس التطرف الإسلامي ، لا يتوفر لدينا معرفة واسعة بصورة عامة بشأن العناصر التي تشكل التطرف الصهيوني , وتتراوح الممارسات الإسرائيلية من مصادرة الأراضي إلى الاغتيالات المستهدفة, وتم تنفيذ مثل هذه الإجراءات من قبل منظمات حكومية و غير حكومية و جماعات إرهابية معروفة . و ينظر الكثيرون في الغرب إلى إجراءات إسرائيل المتطرفة على أنها مجرد جهود تضمن من خلالها [إسرائيل] أمنها وبقائها. بيد أن للصهاينة المتدينين الراديكاليين هدف مختلف يتمثل في طرد غير اليهود من أرض إسرائيل القديمة (أرض إسرائيل)(2), و لتحقيق هذا فإن الخطوة الأولى تقوم على الاحتلال الدائم للضفة الغربية, ولم تكن المستوطنات سوى ذريعة لتسويغ كل من الاحتياجات الأمنية للدولة العلمانية وأهداف الصهيونية الدينية على حد سواء , فهل لدى العناصر الدينية الصهيونية فرصة كبيرة للتأثير على سياسة الاستيطان الإسرائيلية الرسمية في الأراضي المحتلة؟ هل لهذا تأثير على عملية السلام العربية الإسرائيلية ودولة فلسطين المستقبلية؟
ب )الأهمية
تأسست الحركة الصهيونية رسميا على يد ثيودور هرتزل في العام 1897 (3), ضمن سياق كان في جزء منه رداً على تزايد معاداة السامية في أوروبا وأجزاء أخرى من العالم(4) . وحتى العام 1948 ، روجت الصهيونية لإنشاء وطن يهودي في أرض إسرائيل القديمة(5) , واشتملت السياسات الصهيونية قبل العام 1948 على تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين ، وتمويل المستوطنات هناك ، والضغط على القوى العالمية لدعم إنشاء وطن قومي لليهود, و توجت الحركة جهودها في العام 1948 بإقامة دولة إسرائيل الحديثة ، ومنذ ذلك الوقت استمرت [الصهيونية] في دعم إسرائيل.
نتج عن الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967 هزيمة التحالف العربي ، واحتلال إسرائيل للقدس الشرقية وشبه جزيرة سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية ومرتفعات الجولان. وباستثناء سيناء وقطاع غزة، بقيت هذه الأراضي محتلة وتم تشجيع المستوطنات اليهودية فيها , و تزعم الصهيونية الدينية بوصفها فرع من الحركة الصهيونية أن الاستيلاء اليهودي على أرض إسرائيل هو تفويض من الرب (6) .ويعتبر أتباعها الضفة الغربية جزءاً لا يتجزأ من دولة إسرائيل ويبدون مقاومة لعدم خسارتها. ونتيجة لذلك ،خلقت توجهات الصهيونية الدينية تداعيات بعيدة المدى على الصراع العربي الإسرائيلي ومستقبل أي عملية سلام. قد تمثل الصهيونية الدينية أقلية من السكان الإسرائيليين ، لكنها في المقابل تتضمن التزام أخلاقي بالنسبة للبعض مما يساهم في خلق تأثيرات هائلة غير متناسبة على المناخ العام السائد في المنطقة, قد تكون هذه الآثار ناتجة عن تصرفات رسمية مثل نشاط الحزب القومي الديني، أو قد تكون غير رسمية ،مثل العصيان المدني للمتطرفين المتدينين الصغار ، أو قد تكون أعمال إرهابية كما حدث في مجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل .
ج) المشاكل و الفرضيات
يعد موضوع الصهيونية الدينية وتأثيرها على سياسة الاستيطان موضوعا معقد واستفزازيا. و يظهر لنا على الفور العديد من المشاكل التي تقدم نفسها عند طرح مثل هذا التأثير ,فأولا ثمة مشكلة تتعلق بالمصطلحات والتعريفات. فالصهيونية تعني أشياء مختلفة عند أشخاص مختلفين وبالتالي يصعب تحديدها ؛ وهذا يعني تعدد أنواع الصهيونية. بالإضافة إلى ذلك ، هناك العديد من المصطلحات التي ترتبط بموضوع الصهيونية ، بما في ذلك المسيانية ، والأصولية ، وأنماط مختلفة من الأرثوذكسية اليهودية ، والتطرف الديني . كل هذه الشروط شائعة الاستخدام ، وفي بعض الحالات ، تكون ذات قابلية تبادلية . والفشل في تحديد واضح لهذه المصطلحات يزيد من حدة الارتباك في أي نقاش يثار حول هذه المواضيع. أما المشكلة الثانية فتتمثل في الطبيعة الذاتية للدوافع. إذ ليس من المجدي بالنسبة لأولئك الذين يدرسون الصهيونية الدينية أن يناقشوا مع الفاعلين الرئيسيين دوافع تصرفاتهم ،فضلا عن أن الردود لا تعكس الحقيقة بالضرورة . ومع ذلك ، يجب التقليل من الافتراضات والاستدلالات ، وعند الضرورة ، طرح ملاحظات على درجة ما من الثقة . ويمكن القول إن اقتباسات شخص ما هي أفضل مؤشر لتحديد دوافعه. كما سيكون من المجدي فحص الأفعال في ضوء العلاقات الشخصية والانتماءات الجماعية وتسلسل الأحداث أما المشكلة الثالثة فترتبط في علاقة الولايات المتحدة مع إسرائيل. و بسبب من حجم الدعم السياسي والعسكري والدولي الذي تتلقاه إسرائيل من الولايات المتحدة ، لا يسع هذه الأخيرة سوى التردد في الاعتراف بتأثر الحكومة الإسرائيلية بالدين أو برعايتها للعنف أو بارتكابها أعمالا إرهابية, فاعتراف الولايات المتحدة بكل ما سبق سوف يلحق أفدح الأضرار في العلاقات الأمريكية / الإسرائيلية و بمصداقية الولايات المتحدة في المجتمع الدولي.
وترى فرضيتي أن للصهيونية الدينية تأثير كبير على استيطان الأراضي المحتلة. وينعكس هذا التأثير في سياسات الدولة وأفعالها وفي تصرفات غير رسمية (أحيانًا غير قانونية) للمستوطنين أنفسهم. ولابد من الأخذ بعين الاعتبار مقدار التأثير الذي تمارسه الصهيونية الدينية ، والطبيعة المرنة للقناعة الدينية عند التطرق لمستقبل عملية السلام.قد تكون الصهيونية الدينية أكبر محدد فردي لمستقبل إسرائيل.
د) مراجعة الأدبيات
تعد إسرائيل موضوعا يثير حوله الجدل و يخلق العديد من الآراء و وجهات النظر المتنوعة. فأولئك الذين يؤيدون إسرائيل غالباً ما يفعلون ذلك بقناعة وإخلاص قويين ، بينما أولئك الذين يعارضونها ليسوا أقل تصميماً في معارضتهم. فعندما يتعلق الأمر بإسرائيل لا يوجد سوى القليل ممن يمكن وصفهم بالمحايدين حقا أو غير المنحازين ,و يمكن القول أن القضايا المتعلقة بإسرائيل سيطرت على الشؤون العالمية للقرن العشرين , لاسيما في أعقاب الحربين العالميتين وحقبة الحرب الباردة. وعلى الرغم من ظهور إسرائيل على المسرح العالمي تبقى القضايا المتعلقة بإسرائيل عصية على الفهم و ليس من السهل التعامل أو التعاطي معها , وفي حين يمكن استخدام وجهات نظر عدة مختلفة يمكن من خلالها رؤية إسرائيل, فإن الأمر يختلف عند الحديث عن الحركة الصهيونية , فعند دراسة الصهيونية ، ربما يكون التحول الأكثر بروزاً في الرؤية هو التباين بين النظرة الغربية و النظرة غير الغربية لها. ويصف غادي تاوب هذا في مقدمة كتابه "المستوطنون والكفاح حول معنى الصهيونية". فيرى أن الاختلاف الجوهري في الصهيونية هو في الرؤية الغربية و الرية غير الغربية لها، فمن هذا المنظور تنمو التباينات في الرؤية (7) .ويمثل اختلاف الرؤى هذا قيمة جوهرية و حاسمة في فهمنا للصهيونية , لاسيما في عملية تقويم مصادر تاريخ الصهيونية و نشاطها السياسي ، والصلات بالصراع أو العنف . ويتخذ العديد من الباحثين الصهاينة مقاربة تاريخية يصفون من خلالها تأسيس الحركة الصهيونية وقادتها الأوائل ودوافعهم ، إلى جانب الأحداث التاريخية الكبرى التي أثرت على الصهيونية مثل حرب [الاستقلال ]عام 1948 وحرب حزيران 1967 .
قام كل من روبرت فريدمان و آرثر هيرتزبيرغ و والتر لاكوير و جدعون شمعوني بنشر روايات تاريخية عن الحركة الصهيونية. فيركز فريدمان على المنظور غير الغربي الذي يناصره الزعماء الدينيون مثل الحاخام تسفي يهودا كوك و موشيه ليفنغر و مئير كهانا (8). في حين يسلط شمعوني الضوء على التأثيرات الغربية على الصهيونية. أما عبارة "الفكرة الصهيونية" التي أطلقها آرثر هيرتزبيرغ فهي تجميع لأعمال العديد من القادة الصهاينة الأوائل مع ملخص قصير يتضمن السيرة الذاتية لكل منهم ، مما يسهل فهم دوافعهم وأهدافهم الصهيونية. بالنسبة لهذه المقاربات التاريخية، يميل المنظور الغربي إلى التأكيد على معاداة السامية، والقومية اليهودية، وما ينتج عن ذلك من رغبة لوجود دولة ذات أغلبية يهودية. وفي المقابل، يؤكد المنظور غير الغربي على الثقافة اليهودية ، والرغبة في مكافحة الاستيعاب، وخاصة التأكيد على المزاعم الدينية التي تقول بأن وطن اليهود هو أرض إسرائيل القديمة (أرض إسرائيل)(9). وثمة مقاربة عامة لدراسة الحركة الصهيونية تتبنى وجهة نظر سياسية.
لقد دافع معظم السياسيين في إسرائيل عن الصهيونية ، لكن ما تعنيه الصهيونية لكل حزب مختلف تمامًا. وقد تناول عدد من الباحثين مثل تشارلز ليبمان ، وكولين شندلر ، وآشر كوهين ، وبرنارد سوسر ، التداخل الديني والسياسي لدى الصهيونية, وهنا يسعى التفسير الغربي للصهيونية لإبراز سياسة وقيم الغرب, أي الديمقراطية والرأسمالية وحقوق الإنسان والفصل بين الحكومة والدين. باختصار ، تهتم الصهيونية بإنشاء دولة يشكل فيها اليهود أغلبية إثنية و الحفاظ على أمنها, في حين تبدو النظرة غير الغربية مختلفة جدا فيما يتعلق بالتداخل ين الحكومة و الدين . ومن الأمثلة على ذلك الوجود المشترك للرمزية الدينية في الحكومة ، ومؤسسات الدولة مثل وزارة الشؤون الدينية ، وقوانين الدولة الدينية المتعلقة بالسبت (10). . ومن وجهة نظر أكثر صرامة للصهيونية الدينية ترى أن احتلال إسرائيل الكبرى وفرض قانون التوراة هو تفويض من الرب لتسهيل قدوم "العصر المسياني"(11 ) ,هذه النظرة غير الغربية للدين والدولة هي انعكاس مذهل لرؤية الجماعات الإسلامية التي تناضل من أجل قيام دولة إسلامية تحكمها الشريعة.
تنظر المقاربة الثالثة للصهيونية ضمن سياق الصراع العربي الإسرائيلي, و هذه المقاربة هي الأكثر شيوعًا ، مع التأكيد على الصراع نفسه مع الصهيونية كموضوع فرعي ، أو العكس. لقد كتب الكثير عن الصهيونية والصراع العربي الإسرائيلي، و يعد كتاب بيني موريس "الضحايا الصالحون" و كتاب مارتن سيكر "بين الهاشميين و الصهاينة" كأمثلة على هذا المنظور, في هذا السياق ، تؤكد وجهة النظر الغربية للصهيونية على حق إسرائيل في الوجود كأمة, و تسلط الضوء على معاناة اليهود التاريخية وتربط الصراع الحديث مع الفلسطينيين والدول العربية المجاورة بمعاداة السامية. و غالبًا ما يتم تصوير إسرائيل على أنها ضحية هجمات عنيفة ، ويجب عليها بدورها حماية نفسها من خلال العنف ,في المقابل ،تربط النظرة غير الغربية للصهيونية وللصراع العربي الإسرائيلي إسرائيل بالإمبريالية أو الاستعمار الغربي. ومن هذا المنظور، فإسرائيل عبارة عن قوة غزو خارجية قهرية تعتزم طرد السكان المحليين الفلسطينيين العرب أو الهيمنة عليهم ,والفلسطينيون ، وبدرجة أقل سكان البلدان المجاورة ، هم من وجهة النظر هذه ضحايا للعدوان الصهيوني. ويتفاقم هذا الأمر بسبب الاحتلال الإسرائيلي المستمر والقمع العنيف لحقوق الفلسطينيين, والأفعال المرتكبة بحقهم دون رادع على مرأى و مسمع من العالم (ولا سيما الغرب) الذي يكتفي بالمراقبة فقط .
وتركز المقاربة الرابعة في رؤية الحركة الصهيونية فيما يتعلق بالسياسة والمستوطنات على الصراع داخل إسرائيل حول معنى الصهيونية ، وطبيعة الدولة ، وطرق حل هذا الصراع . و ربما تكون هذه المقاربة هي الأكثر إغفالًا للصهيونية ، لكنها أيضا الأكثر أهمية و أكثرها جاذبية. لقد كان لهذا الصراع تأثيره الخطير على روح الشعب ,فماذا يعني أن تكون إسرائيليًا؟(12) هذا السؤال البسيط يقترب من تحديد هذا الجانب من الصراع ، لكنه يخطئ قليلاً. بيد أن الصراع يدور حول هوية الناس. هل الشعب إسرائيلي أم يهودي؟ هل هم أمة أم ثقافة؟ إثنية أم أعضاء في دين؟ الإجابة الفورية هي أن تكون إسرائيليا يعني أن تكون كل هذه الأشياء بآن معا, مع ذلك ، قد يكون الصراع الأكبر للصهيونية هو الإجابة على تلك الأسئلة, سيؤكد المنظور الغربي على القومية العلمانية والأغلبية اليهودية في دولة إسرائيل ، دون أن يحدد ما الذي يعرّف اليهودية. بينما سوف يرى المنظور غير الغربي أن الثقافة والدين هما القضية الحاسمة. و هنا حيث يتم كشف جذر المشكلة ينظر الصهاينة العلمانيون إلى الأراضي المحتلة على أنها مسائل أمنية، لكنهم حاولوا و سوف يحاولون مقايضة الأرض مقابل السلام(13). في حين لن يتوقف الصهاينة المتدينون و معهم أجزاء من مجموعات مثل المتطرفين التقليديين والأصوليين والميسيانيين و اليهود الراديكاليين عن المطالبة بإسرائيل الكبرى(14) - إن ملكية الأرض مرتبطة بقناعاتهم العميقة, و استخدم هؤلاء المتطرفون تكتيكات مختلفة -بما في ذلك العنف - ضد معارضيهم سواء كانوا فلسطينيين أو عربا أو حتى الإسرائيليين الآخرين. وتظهر عدد من المؤلفات الصراع الصهيوني الداخلي مثل كتاب "المستوطنون والكفاح حول معنى الصهيونية" لمؤلفه غادي تاوب ،وكتاب إيان س. لوستيك " من أجل الأرض والرب " ، و كتاب جوديث بتلر "سبل الافتراق : اليهودية ضد نقد الصهيونية" ،و كتاب " مسيانية ، صهيونية ، وراديكالية دينية متطرفة" ، بقلم آفيتزر رافيتسكي ، و "إخوة ضد إخوة" لإيهود سبرينزاك.
إلى أي مدى تبدو هذه الأقلية المتطرفة قوية بما يكفي للتأثير على سياسة الاستيطان ، وتخريب عمليات السلام ، أو حتى التهديد بالحرب الأهلية؟ من هذا المنظور ، أكبر عدو لإسرائيل هو في الداخل .
المقاربة الأخيرة التي سيتم تناولها هي وجهة نظر مختلفة تماما. في الفقرات السابقة ، تمت دراسة الصهيونية من المنظورين التاريخي والسياسي، وكذلك من منظور الصراع داخل الدولة وخارجها. أي أن دراسة الصهيونية الدينية وتأثيراتها على المستوطنات الإسرائيلية والنزاعات في الأراضي المحتلة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار المنظور الفلسطيني. هل يرى الفلسطينيون الاحتلال كنتيجة للسياسات الإسرائيلية الرسمية، أم كنتيجة لوجود الجماعات المتطرفة من المستوطنين؟ كم هو حجم العنف الذي يعاني منه الفلسطينيون سببه قوات الجيش الإسرائيلي بالنيابة عن المستوطنين أنفسهم؟ إذا كانت سياسات الدولة والجهات الفاعلة هم الجناة الرئيسيون ، فهل يمكن العثور على أصل هذه السياسات والإجراءات في عناصر الصهيونية الدينية داخل الحكومة الإسرائيلية؟
كتاب دون بيرتس "الضفة الغربية: التاريخ ، السياسة ، المجتمع ، والاقتصاد" وكتاب أمل جمال "الحركة الوطنية الفلسطينية: سياسة النزاع ، 1967-2005 ، يعتبران ممثلان لهذه الأدبيات.
لقد كتب الكثير عن الصراع العربي الإسرائيلي ، والصهيونية ، واستيطان الأراضي المحتلة. هناك العديد من الطرق للنظر في هذه الموضوعات ، كما تمت مناقشتها. ومع ذلك ، لا توجد دراسات محددة حول تأثير الصهيونية الدينية في سياسات إسرائيل الاستيطانية. هذا موضوع هام للدراسة لأنه إذا كان الدين قد تسلل إلى مستويات أعلى في الحكومة في إسرائيل ، أو أنه قادر على التلاعب بقرارات الحكومة ، فإن الطريقة التي ينظر بها العالم إلى إسرائيل ومستوطناتها سوف تتغير بشكل أساسي.
الحركة المتعلقة بالصهيونية الدينية :
خلافا للرأي الشائع ، ثمة صعوبات لاتزال قائمة في تعريف الصهيونية, ويبدو أن للكلمة وقعها الخاص المميز الذي يخلق أو يكشف عن تصورات مسبقة تتحدى التفسير, و بطبيعة الحال لا تمتاز تلك التصورات بكونها إيجابية دائما أو سلبية دائما, بل تميل لأن تكون مستقطبة بطريقة ما , على الرغم من أن الباحثين و الدارسين الأكاديميين يتصفون بالحياد وعدم التحيز أو التحيز ، فعند الحديث عن الصهيونية يكون الجهلاء وغير المتعلمين هم فقط المحايدون حقاً.
وفي هذا الصدد ينبغي لي , قبل شيء , الاعتراف بتعصبي , فقد نشأت في أسرة دينية في "حزام الكتاب المقدس" في جنوب الولايات المتحدة ،حيث كان العديد من أبطالي الإسرائيليين القدماء المتناثرة قصصهم في ثنايا العهدين القديم والجديد من الكتاب المقدس المسيحية. و بالإضافة إلى هذه القصص التعليمية والملهمة ، هناك ثمة آيات محددة ، بالنسبة لمن هم مثلي، تطالبنا بالولاء لصهيون, كما في سفر التكوين , الإصحاح 12 , "3 وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ" و كذلك مضمون الإصحاح 27 من سفر التكوين(15). غير أنه ليس كل أطياف المسيحيين يدعمون إسرائيل أو اليهود نظرا للطبيعة الانقسامية حيال هذا الأمر, فنلاحظ أن العديد من المسيحيين في الطرف الآخر من هذا الطيف يحملون اليهود مسؤولية موت يسوع. و يستدلون على هذا بمفهوم مختلف لتبرير معتقداتهم مثلما تجسده الآية 24 من الإصحاح 26 من إنجيل متى "24 إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ابْنُ الإِنْسَانِ. كَانَ خَيْرًا لِذلِكَ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ" !(16 ) ورغم أن الآية تتحدث بطريقة لا لبس فيها عن رجل واحد، لكنها صارت بالنسبة للبعض الآن تنطبق على كل البشر , و كلا هاتين النظرتين المتطرفتين موجودتان داخل الكنيسة المسيحية أما خارج المسيحية فقد قام البعض بدعم الصهيونية للتعويض عن ماضي الشعب اليهودي و معاناته .و لمفهوم معاداة السامية تاريخ طويل يمتد إلى ما قبل هولوكوست الحرب العالمية الثانية. لقد أيد البعض الحركة الصهيونية بسبب المشاعر المعادية للسامية ، وعدم القدرة على تخيل حل أفضل "للمشكلة اليهودية" بديلا عن تشجيع الهجرة إلى دولة أخرى, و من ناحية أخرى، عارض الكثيرون الصهيونية باعتبارها غزو غربي آخر يهدف إلى إجلاء السكان الأصليين وينتهك حقوق الإنسان غير القابلة للتصرف التي يفترض أن الغرب يناصرها, و رغم هذه الرؤى المتباينة إلى حد كبير و الاختلاف في وجهات النظر و الميول و التحيزات أو بسبب كل ذلك يبدو أن تعيين المصطلحات المتعلقة بالصهيونية من الأهمية بمكان لأي شخص يتصدى لدراسة هذا الموضوع, فالصهيونية -بالنسبة للكثيرين- ليست أكثر من دعم للشعب اليهودي من خلال وسائل مختلفة ، بما في ذلك وسائل الدعم اللفظية أو المالية أو السياسية. ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو, من أين أتى المصطلح؟ أقدم إشارة معروفة إلى صهيون هي تلك التي وردت في الإصحاح الخامس من سفر صموئيل الثاني الآية 7 " وَأَخَذَ دَاوُدُ حِصْنَ صِهْيَوْنَ، هِيَ مَدِينَةُ دَاوُدَ"(17) , ومثل هذه الإشارة تم تفسيرها على أنها مرادف للقدس ، كما هو موضح بأفضل شكل في المزمور 147 ( الآية 12 منه) " سبحي يا أورشليم الرب، سبحي إلهك يا صهيون" (18) لذلك تشير صهيون إلى أورشليم بالمعنى الحرفي للكلمة, بيد أنه يتم استخدام الكلمة للإشارة إلى جبل الهيكل على وجه الخصوص أو لكل ارض اسرائيل على العموم وهذا الاستخدام الأخير لكلمة صهيون هو الذي تم طرحه في أواخر القرن التاسع عشر عندما نحت ناثان بيرنبوم مصطلح الصهيونية(19). لكن الاستخدام الأكثر شيوعا يعود إلى تأسيس الحركة الصهيونية على يد ثيودور هرتزل الذي ألف كتابه الشهير "دولة اليهود" في العام 1896 ، و بعدها بعام أسس المنظمة الصهيونية وترأس المؤتمر الصهيوني الأول في بازل ، في سويسرا(20) . ويصف أفيزير رافيتسكي ، في كتابه الأساسي حول الموضوع ، الصهيونية بأنها "حركة يهودية حديثة". "تلك المبادرة الإنسانية العلمانية [التي] رغبت في تحقيق العودة إلى صهيون و لم شمل المنفيين ... لجعل" الناس الأبديين "شعبًا تاريخيًا ، مرتبطًا مؤقتًا ومكانيًا ؛ من أجل"تحويل " الشعب المختار " إلى "شعب عادي " مثلهم مثل غيرهم من الأمم "(21). و يصف غادي تاوب ذلك بأنه" تطبيق المبدأ العالمي لتقرير المصير على اليهود "(22). ويقتبس تاوب إعلان استقلال إسرائيل الذي يشير إلى حق اليهود في إقامة دولتهم "مثل كل الأمم الأخرى"(23). لم تكن الصهيونية كذلك ضد اليهودية أو الدين بشكل عام ، لكنها كانت حركة غير دينية صارمة ,كانت حركة علمانية وسياسية تهدف إلى إقامة دولة يهودية ديمقراطية. كما يصفها روبرت فريدمان : " كانت الصهيونية حركة تحرير قومية يهودية التزمت بمبادئ الليبرالية والديموقراطية في القرن التاسع عشر , أكثر من كونها مجرد حركة قامت كرد فعل على نزعة معاداة السامية "(24). و نظرا للاستخدام غير المؤهل بصفة عامة لمصطلح الصهيونية, فمن المفهوم أن يعني الصهيونية السياسية أو العلمانية بصورة عامة ، ولأغراض هذه الدراسة ،و للتبسيط أكثر ، فإن هذه التعابير الثلاثة ستكون مترادفة. كانت معاداة الصهيونية هي رد الفعل ضد الصهيونية, وهي لا تزال قائمة حتى اليوم، ولكن كان لها حضور أكبر في الفترة الممتدة من العام 1890 حتى تأسيس دولة إسرائيل في العام 1948، واستمر بعض من هذا التأثير حتى حرب حزيران 1967. وتأسست معاداة الصهيونية في المجتمع الديني اليهودي (أساسا من خلال السلبية التقليدية المدعومة من قبل الأرثوذكسية المتطرفة (25) )، ولكنها تختلف اختلافاً واضحاً عن الصهيونية الدينية ، والتي سيتم شرحها فيما بعد. و تكمن جذور معاداة الصهيونية في مجموعة المعتقدات اليهودية التاريخية التي تطورت بعد الثورة اليهودية الأخيرة ضد الرومان سنة 136 م. كانت الخسائر اليهودية ثقيلة جدا في حروبها "المسيانية " ضد روما. فقد ضاع الهيكل مرة ثانية، و لم هناك وجود لشعب إسرائيل نفسه . و بدأ الحاخامات بنشر تعاليمهم التي تقول بأنه من الخطأ "الإسراع في الوصول للنهاية بجهد إنساني"(26). ويوضح رافيتسكي أن التلمود اليهودي وحاخامات التاريخ يلقون باللوم على جهود الإنسان المضللة للكشف عن الميسيا أو "الإسراع في النهاية" بسبب معاناة الماضي (27) .كانت حجة معاداة الصهيونية ترى أن العقيدة اليهودية الصادقة تستلزم من اليهود أن يحافظوا على السلبية والبحث عن الخلاص في المسيا وحده. (28) كانت الصهيونية (التي كان يرأسها يهود غير متدينين في البدء) محاولة لفرض العودة من خلال الجهد البشري (29). على عكس الموقف الصهيوني الصريح غير الديني، و رأى المناهضون للصهيونية فيها بمثابة هجوم مباشر على اليهودية نفسها وانتهاك صارخ للحظر الطويل على "العودة إلى فلسطين بالقوة" و "الإجبار"(30) باختصار ، لاقت معاداة الصهيونية دعما من الحاخامات التقليديين الذين أرادوا الحفاظ على السلبية اليهودية ومنع العودة إلى فلسطين من خلال الجهود البشرية.
ومثلها مثل الفئات المعادية للصهيونية ، كانت قيادة الصهيونية الدينية تتكون من الحاخامات ضمن الجالية اليهودية ,غير أنهم , بخلاف ذلك, دعموا العودة إلى فلسطين من خلال الجهد البشري ونظروا إلى الخلاص النهائي بوصفه مشروع مشترك بين الرب و الإنسان (31).وهكذا ، أصبحت الصهيونية الدينية طريقًا وسطًا - تسوية أو انصهارًا – بين أنصار الصهيونية السياسية والفئات المعادية للصهيونية(32). لقد مثلت الصهيونية الدينية وسيلة لبعض اليهود المتدينين لدعم وتعزيز الصهيونية العلمانية التي أدانتها الصهيونية والتعاليم التقليدية المتطرفة . كما كانت تبريرًا لليهود المتدينين لينتقلوا إلى فلسطين (فيما بعد إسرائيل) ، سواء بدافع من الاضطهاد ومعاداة السامية أو من خلال الرغبة في العيش في "أرض الميعاد" أرض الأجداد . و كان الحاخام أبراهام كوك(33) (1865 - 1935) من أبرز ممثلي الصهيونية الدينية. و من أوائل الذين دافعوا عن الصهيونية السياسية ضد المناهضين للصهيونية الذين ينتمون للأرثوذكسية اليهودية المتطرفة (34). قام كوك بذلك بدعوى أن يد الرب تحرك العالم ، وعلى وجه التحديد الصهاينة في أيامه ،"نحو خلاصهم،" من دون علمهم(35).وينقل رافيتسكي عن كوك قوله “هم أنفسهم [يقصد العلمانيين الصهاينة] لا يدركون ما يريدون. فالروح الإلهية , رغم ذلك, تبشر بجهودهم . (36). وهو ما تدعمه الآية الأولى من الإصحاح 26 من سفر الأمثال " قَلْبُ الْمَلِكِ فِي يَدِ الرَّبِّ كَجَدَاوِلِ مِيَاهٍ، حَيْثُمَا شَاءَ يُمِيلُهُ." "(37) .واستخدم كوك هذا المفهوم , بمعنى من المعاني ,لتسويغ الأعمال الأخلاقية أو اللاأخلاقية قليلاً للناس العلمانيين أو الخاطئين. و اعفى كوك, بهذه الطريقة ، "أولئك الذين يدنسون السبت ويأكلون الأطعمة المحرمة" دون إعطاء "صك الموافقة على الخطيئة أو التمرد"(38) ,ويمكن اعتبار أعمال الصهاينة السياسيين الذين لا يلتزمون بالتوراة أو ممارسة التعاليم اليهودية معذورين لأن الرب يستخدمهم لإعادة اليهود من المنفى. ويعتقد كوك أن العودة الجسدية ستؤدي إلى عودة روحية و إلى الإيمان اليهودي(39). و باختصار برر كوك أو أجاز عمل الصهيونية السياسية في الوقت الذي كان يعظ شخصيا عن القداسة الفردية, وعموما , فإن أحد التصريحات التي أدلى بها أبراهام كوك لدعم تبرير الخطيئة سيتم تطويحه لاحقا بعيدا إلى حد لم يقصده كوك قط, يقول كوك "هناك أوقات ينبغي فيها تجاوز شريعة التوراة ,و لكن لا ينبغي لأحد أن يظهر السبيل الشرعي لذلك, و بالتالي يتم تحقيق الهدف من خلال تخطي الحدود .. و عندما تتوقف النبوة , يتم التصحيح بواسطة الخرق المستمر, وهذا يبدو مأساويا ظاهريا , لكنه يحمل في باطنه الفرح"(40). لقد قدم ابراهام كوك الأعذار لغير المتدينين دون التغاضي عن الأفعال الآثمة التي يرتكبها المتدينون. وبعد وفاة ابراهام كوك سنة 1935 أصبح ابنه تسفي يهودا كوك ( 1891 – 1982) المتحدث باسم الصهيونية الدينية الذي أخذ تعاليم والده إلى مطارح أبعد و أشد تطرفا رغم أنها تؤدي إلى استدلال منطقي , أي أن إسرائيل غير معنية [وغير ملامة]من ناحية القدسية بتصرفاتها و أعمالها (41). فالصهيونية السياسية و كذلك الدينية تتحركان بيد الرب لغزو الأرض و استيطانها , في حين تأتي القداسة الشخصية لاحقا .بعد أن يتم غزو الأرض و استيطانها. في الواقع ، أعلى تسفي كوك من شأن غزو الأرض واستيطانها “من وضع الالتزام بمبادىء "المتسفاه" [ وصايا الرب] وفقا لصياغة موسى بن نحمان ، إلى الالتزام بالوصايا[المتسفاه] ".(42 ) كما هو مذكور في الإصحاح 33 من سفر العدد( آية 53) " تَمْلِكُونَ الأَرْضَ وَتَسْكُنُونَ فِيهَا لأَنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكُمُ الأَرْضَ لِكَيْ تَمْلِكُوهَا" (43) .وبهذا يصبح الهدف الرئيسي هو استيطان الأرض، والذي يجب بموجبه أن تخضع له كل الاعتبارات الأخرى, وقد زعم الحاخام يسرائيل أريئيل ، تلميذ زفي كوك ، أن استيطان الأرض كانت "مساويا في القيمة لجميع وصايا الكتاب المقدس الأخرى مجتمعة,(فهي) ... الأساس لجميع وصايا الكتاب المقدس" والتي بدونها " تفقد جميع وصايا الكتاب معناها (44) ، وهكذا كان زفي كوك قادرا على دعم وجهة نظر أكثر تشدداً من والده, فقام مع أتباعه بتوسيع مقولة كوك الاب بخصوص الأوقات التي" يجب فيها تجاوز شريعة التوراة"، و باتت تستخدم الآن لتبرير الأعمال المتطرفة ، الخاطئة ، أو حتى الإرهابية التي يرتكبها المتدينون. (45). بمعنى الغاية تبرر الوسيلة ,و علاوة على ذلك ، وبسبب أولوية هذه الوصية ، كان يجب اعتبار الحكومة الإسرائيلية شرعية فقط عندما تدعم الاستحواذ على الأرض واستيطانها (46) . نصت تعاليم تسفي كوك على أن "غزو الأرض واستيطانها ... تمليها سياسة إلهية"و "لا يمكن لسياسة دنيوية أن تحل محل السياسة الإلهية "(47). تم تبرير التطرف الديني وأعمال العنف والإرهاب بسبب الحماس لاستيطان الأرض. و سوف يؤدي مثل هذا النمط من التفكير في نهاية المطاف إلى العديد من الفظائع مثل المجزرة التي اقترفها غولدشتين و اغتيال اسحق رابين و السعي لتدمير قبة الصخرة و غيرها الكثير.
هناك العديد من المصطلحات الأخرى التي تستخدم عادة عند الإشارة إلى الصهيونية الدينية ، أو أي حركة دينية. تشمل هذه المصطلحات ، على سبيل المثال لا الحصر ، أشياء مثل الأصولية والراديكالية والتطرف. وتختلف معاني هذه المصطلحات من شخص لآخر. على الرغم من أن دافعنا الأول سيقودنا إلى الافتراض بأننا نفهم هذه المصطلحات بالطريقة التي يقصدها المؤلف , فإن الكثير من الارتباك و سوء الفهم سينتج بعد ذلك , و على سبيل المثال ، يصف إيان لوستيك ، في كتابه "من أجل الأرض والرب" ، الأصولية اليهودية وهي ذاتها التي يشير لها أفيزر رافيتسكي وغيره بالصهيونية الدينية. وقد درس كلا المؤلفين نفس الحركات، ولكن أشارا لها بأسماء مختلفة و يفضل معظم الباحثين استخدام مصطلح الصهيونية الدينية عندما يتعلق الأمر بهذا الموضوع. و لأغراض هذه الدراسة ، نطلق مصطلح الاصولية عندما نستخدمه كمصطلح ديني بحت ، في إشارة إلى الإيمان الأعمى بالمعتقدات الدينية أو التقاليد الدينية المكرسة للتفسير الحرفي للكتاب المقدس (48). في حين أن الراديكالية و التطرف يتم التعامل معهما كمصطلحين مترادفين يستخدمان للإشارة إلى الأشخاص أو الأفعال الموجودة خارج التيار الرئيسي السائد أو غالبية أي مجموعة أو حركة. علما أنه لا يتم هنا استخدام الأصولية أو التطرف أو الراديكالية للتعبير عن العنف، على الرغم من أن الأخيرين قد يجنحان أكثر نحو أعمال العنف.
الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة: 1967-2014
لم توجد سياسة حكومية رسمية فيما يتعلق في الاستيطان بعد حرب حزيران 1967 نظرا لتجنب إسرائيل تبني سياسات الاستيطان الرسمية وقد ساهم عاملان في إحجام الحكومة الإسرائيلية عن وضع سياسة رسمية للمستوطنات فأولاً ، كان للحركة الصهيونية والهجرة اليهودية إلى فلسطين واستقرارها تاريخ لا يقل عن سبعين عامًا بحلول عام 1967. و على الرغم من أن البعض ( أي الصهاينة) يعدون ميلاد دولة إسرائيل في العام 1948 انتصارا في نواح كثيرة , إلا أنهم يرونه أيضا عقبة أمام استيطان إسرائيل الكبرى و التي يطلقون عليها ايضا تسمية أرض إسرائيل الكاملة ، والتي ضمت الضفة الغربية وقطاع غزة. (49) . وقد واصلت عناصر هامة من السكان و لمدة تسعة عشر عاماً ( من 1948 إلى 1967 ) الترويج لاستيطان الضفة الغربية الأردنية وقطاع غزة المصري. في الواقع ، قام الأردن بضم الضفة الغربية في 2نيسان-4 أبريل 1950. لقد كان التهديد المستمر بغزو إسرائيل من قبل جيرانها العرب هو الذي جعلها تعي حجم معاناة الثغرات الأمنية التي أوجدتها خطوط الهدنة في العام 1949. (50)لذلك ، في غضون أيام من انتصار إسرائيل في الحرب على الأردن وسوريا ومصر، تم بالفعل تنفيذ خطط الاستيطان بدعم من أعلى وأدنى مستويات الحكومة الإسرائيلية والسكان. وقد أظهر ذلك الرغبة العميقة في استيطان وحكم الأراضي المحتلة المكتسبة حديثاً (أو المعاد الاستحواذ عليها). ثانيا جعلت بنود اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 الاستيطان في هذه الأراضي غير قانوني على الرغم من الرغبة الإسرائيلية ,مما ساهم في إحجام الحكومة الإسرائيلية عن وضع سياسة رسمية سواء لصالح أو ضد المستوطنات. أدى هذا الوضع إلى توتر واسع النطاق شمل الحكومة الإسرائيلية، والعسكريين، والسكان المدنيين. فمن ناحية، شعرت عناصر داخل هذه المجموعات الثلاث برغبة قوية في استيطان الأراضي التي تم احتلالها حديثًا. و بالنسبة للصهاينة المتدينين ، كانت معظم هذه الأراضي تحمل أهمية توراتية قديمة بالنسبة للشعب اليهودي. أما بالنسبة للعلمانيين، سوف توفر هذه الأراضي مزيدا من الأمن والقوة التفاوضية في إطار عملية السلام , ومن ناحية أخرى، لم تكن هناك طريقة قانونية لإسرائيل "لنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي احتلتها"(51) .ووجدت إسرائيل أنه من الأسهل تشجيع الاستيطان بهدوء تحت غطاء خفي للمناطق العسكرية ، في حين لم يتم البت رسميا في مسألة المستوطنات. و في اجتماع عقد بين رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي إشكول والرئيس الأمريكي ليندون جونسون في كانون الثاني-يناير 1968 ،قال أشكول ردا على أسئلة عامة تتعلق بمستقبل المستوطنات الإسرائيلية : "قررت حكومتي عدم اتخاذ قرار بهذا الشأن (52)". وهو ما أصبح عرفا في الأساليب الاستيطانية للحكومة الإسرائيلية ،مما يجعل من الصعب أو المستحيل العثور على سياسة إسرائيلية رسمية حول الاستيطان.
تغطي المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة فترة زمنية تبدأ بحرب حزيران وتستمر حتى الوقت الحاضر. و يمكن تقسيم هذه السنوات الـ 47 إلى فترات أكثر قابلية للإدارة باستخدام الخصائص العامة لهذه الفترات. و يختلف الباحثون حول الكيفية الأفضل لتقسيم سنوات الاستيطان هذه . ولقد اخترت بدوري تقسيما مقبولا وقابلا للتعريف بسهولة و تشمل على :الفترة الأولى وهي التي تتوافق مع قيادة حزب العمل الممتدة من العام 1967 إلى العام 1977.أما الفترة الثانية فتوافق سيطرة الليكود في الحكم من العام 1977 إلى العام 1987. في حين تميز الانتفاضة الأولى الأعوام من 1987 إلى 1993. و تغطي اتفاقيات أوسلو الفترة من 1993 إلى 2000. و تهيمن الانتفاضة الثانية على الفترة من 2000 إلى 2005 ، وتستمر فترة الاستيطان الأخيرة حتى الوقت الحاضر. وبينما لا تتوافق هذه الفئات العريضة مع التغييرات في الإدارة الإسرائيلية ، إلا أنني سأقسم بعد ذلك فترة الاستيطان و الاحتلال تبعا لمنصب رئيس الحكومة .وسوف تكون هناك مناقشة أكثر عمقا لأعمال رئيس الوزراء إشكول ، وكذلك خطط ألون وديان ، باعتبارها اساسا للمقارنة بين خطط القيادة والاستيطان اللاحقة, إذ حدد هؤلاء الرجال الثلاثة- في أقل من عامين بعد حرب حزيران -ما يعد سابقة لسنوات الاحتلال التالية.
أ. الهيمنة العمالية : 1967-1977
شغل ليفي إشكول منصب رئيس وزراء إسرائيل من 26 حزيران-يونيو 1963 ، حتى وفاته في 26 شباط-فبراير 1969. و كان قبل ذلك قد شغل منصب وزير الزراعة ووزير المالية، وقبلهما كان رئيسا لإدارة المستوطنات.و عرف عن إشكول أنه رجل غير حاسم و يتوجس خشية من الالتزام أو الارتباط بأي قرار . يتحدث غرشوم غورنبرغ عن "إشكول المتردد المدفوع من قبل المستوطنين المتطرفين " ، مضيفًا أن "كانت حكومته المنقسمة غير قادرة على اختيار [خطة ألون] أو أي سياسة أخرى"(53).و يجادل غورنبرغ بانفتاح إشكول يكاد يصل إلى الريبة، لكن " رغبته في أن يوازن كل فكرة جعلته يبرز الأمور من منظور براغماتي أو من زاوية التنازلات "(54). رأى إشكول وآخرون مثله قيمة في التردد العام حين يسعون لـ "تحويل الغموض إلى سياسة قومية" (55) ، وهو اتجاه ما زال ساريا حتى يومنا هذا, وكان أشكول- بالنسبة لأولئك الذين عملوا معه- مؤيدًا قويًا وثابتا للاستيطان داخل الأراضي المحتلة عام 1967، كما سيظهر في الفقرات التالية التي تغطي مشروع الاستيطان في جميع المناطق الرئيسية في الأراضي المحتلة(56).تركزت مشاعر أشكول القوية فيما يتعلق بضم و / أو استيطان القدس, فقد خشي العديد من المسؤولين الحكوميين من أن الضغوط الدولية (معظمها من الولايات المتحدة) ستطالب إسرائيل في القريب العاجل التخلي عن جميع الأراضي المحتلة. و في اجتماع حكومي في 11 حزيران / يونيو ، بعد يوم واحد فقط من انتهاء الحرب ، أعرب إشكول عن رغبته في إعادة توحيد القدس بطريقة تبرر امتلاك إسرائيل الدائم للمدينة بأكملها. أراد أن يحدث هذا بأسرع وقت ممكن، "قبل أن يقول أحدهم لا " (57 ) , وفي صباح اليوم نفسه ، هدمت الجرافات الجدران التي فصلت القدس الشرقية والغربية.(58).لم يكن إشكول وحده من يمتلك مثل هذه المشاعر . فقد امتلك الكثيرون في الحكومة والجيش والسكان المدنيون شعورا قويا ليس نحو القدس فحسب ، بل نحو جميع الأراضي المحتلة. وفي استطلاع للرأي أجري في تموز-يوليو فإن ما نسبته "91 % من الإسرائيليين يفضلون الاحتفاظ الدائم بالقدس الشرقية ، و 85 % فضلوا الاحتفاظ بمرتفعات الجولان السورية ، و 71 %يريدون الاحتفاظ بالضفة الغربية"(59). وفي أواخر حزيران - يونيو ، وافقت الحكومة على طريقة لتوحيد المدينة دون ضمها رسميا, من خلال تعديلات على قانونين يسمح أحدهما لوزير الداخلية بتوسيع حدود المدينة وفي حين يسمح التعديل الآخر لمجلس الوزراء بتوسيع رقعة القانون الإسرائيلي بما يتناسب مع الحدود الجديدة(60) ,و تم وصف هذا -عبر مراوغة دلالية- بــ" الاندماج البلدي" بدلاً من الضم ، لكن هذا لم يمنع من مضاعفة مساحة القدس الإسرائيلية ثلاث مرات(61) . وفي أوائل تموز-يوليو ، بادر إشكول شخصياً بإصدار الأوامر لـ "بناء الأحياء اليهودية في القدس الشرقية بأسرع وقت ممكن" لأن " السيطرة الإسرائيلية في القدس تعتمد على المستوطنات اليهودية"(62)
و بعيد الحرب مباشرة و تحديدا في التاسع عشر من حزيران -يونيو ، كانت إسرائيل مستعدة لتقديم صفقة "الأرض مقابل السلام" الأولى, عبر مقترح تم توجيهه إلى مصر و سوريا يعرض إعادة سيناء وغزة و الجولان مقابل الاعتراف الدولي والسلام الدائم(63) ,و تم استبعاد الأردن والضفة الغربية بشكل واضح من الصفقة. فقد كان لدى إسرائيل خطط أخرى للضفة الغربية.
أما فيما يخص مجمع عصيون الاستيطاني جنوب بيت لحم ، فقد قامت مجموعة من الملتزمين الكلفين بعملية إعادة التوطين في منطقة بزيارة للموقع يوم 13 حزيران / يونيو(64). كان مجمع عصيون يضم أربعة قرى زراعية (كيبوتزات) تعرضت للتدمير إثر قتال عنيف و كثيف قبل يوم من الاستقلال الإسرائيلي في أيار-مايو 1948. كان لمجمع عتصيون قيمة معنوية كبيرة قوية بالنسبة للكثيرين في إسرائيل. و قام تيودور ميرون بإبلاغ الحكومة الإسرائيلية بالرأي القانوني الذي ينص على أن الاستيطان في الأراضي المحتلة غير قانوني بموجب اتفاقية جنيف الرابعة ، ولكن فيما يتعلق بكتلة عتصيون على وجه التحديد، يمكن القول إن الناس "يعودون إلى منازلهم". (65). وبحلول الرابع و العشرين من أيلول -سبتمبر 1967 ، اتخذ أشكول قرارا عبر عنه إعلان الحكومة إنشاء مركز استيطاني أو موقع ناحال شبه عسكري في مجمع عتصيون خلال أسبوعين. ستكون تسميته كقاعدة عسكرية وبالتالي استغلال الثغرة في نصيحة ميرون القانونية(66) رغم إصرار المستوطنون على وضعهم المدني ,وكانت خطط الاستيطان في هضبة الجولان تجري مبكرا على قدم و ساق , ففي الرابع عشر من حزيران التقى قائد المستوطنات الطموح مع رئيس القيادة الشمالية للجيش لمناقشة إمكانية الاستيطان هناك (67) , وكانت مرتفعات الجولان قد استخدمت أثناء الحرب كنقطة انطلاق قذائف المدفعية السورية المدمرة ,و سوق يدعم الجيش و إدارة المستوطنات , في البداية , التوطن دون علم رئيس الوزراء أو مجلس الوزراء. و لم يوافق مجلس الوزراء على استيطان العمال المدنيين الذين كانوا يشغلون مرتفعات الجولان إلا في أواخر آب-أغسطس ، وفي الأول من أيلول-سبتمبر، وافق مجلس الوزراء على بيان غامض يقول إن المستوطنين "يمكنهم أن يبقوا في المرتفعات."(68) وكان هؤلاء المستوطنون على كشوف مرتبات وزير العمل يغال آلون، الذين وصفهم بأنهم عاطلين سابقين عن العمل من أجل توفير الدعم المالي الحكومي(69) وفي اجتماع وزاري في 27 آب / أغسطس ، تم أيضا الموافقة على فتح مستوطنة في محطة زراعية تجريبية باسم العريش في سيناء(70). وبعد ذلك بأيام فقط ، كان أشكول يقوم بجولة في شمال سيناء ردا على رفض مؤتمر الخرطوم في 1 سبتمبر / أيلول المقترح الإسرائيلي :الأرض مقابل السلام وقال أثناء ذلك "إذا كانت [لاءات] الخرطوم هي الموقف المعلن ، فإن إجابتنا هي" نحن باقون هنا "(71). وفي غضون ذلك الوقت ، أضيفت مستوطنات أخرى إلى العريش ، بما في ذلك نقطة حراسة مضيق تيران في شرم الشيخ، وعدة مستوطنات مثل ياميت التي كان الغاية منها فصل قطاع غزة عن شبه جزيرة سيناء(72). وكان لوادي الأردن أيضًا أهمية استراتيجية وهو في معظمه منطقة غير مأهولة و يحتوي على القليل من الأراضي الصالحة للزراعة، غير أنه كان بمثابة رادع طبيعي لصد أي عدوان أردني محتمل , وقد تم إنشاء ثلاث مواقع متقدمة في وادي الأردن أثناء حكم أشكول. على الرغم من أن إدارة إشكول غالبا ما توصف بأنها غير حاسمة، أو مشلولة بسبب اتخاذها القرار بعد فوات الأوان، إلا أن هذه السمة بدأت كأنها تخدم الغرض منها بحيث أصبحت في النهاية هي السمة المعتمدة للحكومات الإسرائيلية, كما أظهرت الأمثلة السابقة، في أقل من عام ونصف بعد حرب الأيام الستة، كانت إدارة إشكول تسعى بقوة إلى تحقيق الاستيطان في القدس، والجولان، وسيناء، وغور الأردن بطريقة تجنبت الكثير من الانتقاد الدولي, كما تم خلال هذه الفترة وضع خطتين رئيسيتين من شأنها أن تكون لها آثار طويلة الأمد: خطة يغال ألون و خطة موشي ديان . فقبل حرب حزيران، شارك يغال ألون في حركة أرض إسرائيل الكاملة وحلم باليوم الذي ستضم فيه إسرائيل الضفة الغربية.(73) . غير أن آلون الذي كان وزيرا للمالية توصل إلى قناعة بأن حلمه بضم الأرض التي تسيطر عليها إسرائيل لن يتحقق حتى قبل أن يتوقف القتال في حزيران-يونيو و سبب ذلك يعود إلى أن الشعب الفلسطيني لم يغادر بيوته كما حصل في العام 1948. (74). كان يدرك آلون بالفطرة أن ضم الأراضي المحتلة يعني منح السكان العرب الجنسية الإسرائيلية ، الأمر الذي من شأنه أن يهدد الأغلبية اليهودية في إسرائيل. من ناحية أخرى ، لم يكن باستطاعة إسرائيل حكم السكان العرب لفترة طويلة دون توفير العدل الحكومي وحقوق الإنسان (75). ولذلك سرعان ما أتى الحل على يده مبكرا حين اقترح في الثالث من تموز - يوليو 1967 ، على مجلس الوزراء إنشاء معسكرات عمل مؤقتة في مرتفعات الجولان،(كان على قناعة بضرورة ضمها لأسباب أمنية / تكتيكية(76)), كما اقترح ألون ضم واستيطان سهل رفح في شمال سيناء. من أجل خلق حاجز بين غزة ومصر (لم يكن آلون يتوقع أن تحتفظ إسرائيل بسيناء)(77) . لكن القلب الحقيقي لخطة ألون ، الذي اقترح لأول مرة على مجلس الوزراء في أواخر تموز-يوليو ، كان ضم واستيطان الجانب الغربي من نهر الأردن والبحر الميت (78). كانت هذه المناطق قليلة السكان وغير متطورة ، لكنها كانت ستوفر لإسرائيل حدوداً أكثر أماناً مع الأردن. وقال ألون إن المناطق العربية المكتظة بالسكان في مناطق الهضاب يجب أن تُمنح حكمًا ذاتيًا أو تُعاد إلى الحكم الأردني(79). و سوف تربط الممرات الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية المراكز السكانية في الضفة الغربية في الشمال والجنوب بالأردن من جهة الشرق مع إبقاء السيطرة الأمنية العسكرية للضفة الغربية بيد السلطات الإسرائيلية (80). كانت إحدى الأفكار الأساسية لـ ألون هي استيطان المناطق الملحقة بسرعة , فحسب قوله : "لا يمكننا السيطرة على الأرض بدون استيطان" (81), و لأسباب عدة، من المرجح أن يكون بينها الإنكار الظاهري، لم يتم تبني خطة آلون رسمياً, في حين استهدفت خطته بصورة غير رسمية الاستيطان في الأراضي المحتلة تحت إدارة إشكول والعديد من رؤساء الوزراء الذين أتوا بعده.(82), .
وكان وزير الدفاع موشي ديان من أشد المعارضين السياسيين لآلون , وكان ديان قد أعرب في اليوم التالي لبداية حرب حزيران على أحد المحطات التلفزيونية الأمريكية بأن على إسرائيل أن تحتفظ بقطاع غزة والضفة الغربية(83). اقترح ديان خطته الخاصة حول أفضل الخيارات الممكنة للأراضي التي تم الاستحواذ عليها حديثًا والتي كانت, في نواح كثيرة, في ضوء المنافسة بينه و بين آلون ، "الصورة النيجاتيف " من خطة ألون(84) ,فوفقا لخطة ديان ، ينبغي على إسرائيل إقامة مواقع دفاعية على طول سلسلة الجبال المأهولة بالسكان العرب ، بالقرب من المدن العربية ، وليس في وادي الأردن ذي الكثافة السكانية المنخفضة. هناك خمس قواعد للجيش، ومستوطنات مدنية يهودية مماثلة، متصلة بشبكة من الطرق، ستقسم الضفة الغربية وتمنع السكان العرب من المطالبة بالاستقلال (85 ) (86) يجب على إسرائيل أيضاً أن تتغلب على اقتصادات السكان العرب واليهود من أجل مزيد من التشجيع على ثنيهم عن المطالبة بالاستقلال مستقبلا (87) . ثمة فرق آخر بين خطط ألون وديان, فبينما ركز ألون على الاستيطان الزراعي، قام دايان بالترويج للاستيطان في المناطق الحضرية, وهذا ما يحسب ميزة لخطة ديان فقد كان الجيل الإسرائيلي الشاب ينفر من العيش في مجتمعات زراعية ريفية والعمل في الأرض. كانت المستوطنات الزراعية تعاني بالفعل من ندرة المستوطنين الجدد. وقد اشتركت خطط آلون و ديان في ثلاثة أوجه, فقد اعتقد ديان , مثله مثل آلون, بأنه ينبغي منح سكان الضفة الغربية الملتزمين حكما ذاتيا محدودا أو الاحتفاظ بالجنسية الأردنية بينما توفر إسرائيل الأمن(89). ثانيا ،وكما هو الحال في خطة آلون لم يتم تبني خطة ديان رسميا , ثم وجه الشبه الثالث يتمثل في استخدام خطة ديان بشكل غير رسمي كدليل للأنشطة الاستيطانية منذ العام 1967 و حتى اليوم.(90)
يمكن القول عن أنشطة رئيس الوزراء إشكول وأهمية خطط ألون وديان بأنها مجرد عينة عن النشاط الاستيطاني المبكر، ولكنها تبين أن الاستيطان لم يكن شيئا تم جر هذه الإدارة إليه. إن التردد والغموض اللذان ميزا السياسة القومية غالباً ما يخفيان ما يجري خلف الكواليس. و لا يمكن ملاحظة أي سياسة معتمدة رسميا فيما يتعلق بالوقوف مع أو ضد استيطان الأراضي المحتلة , بيد أن هذا لم يمنع البداية القوية للاستيطان, و يصف غورنبرغ الأمر على هذا النحو، "قرارات صغيرة، يتم صياغتها شيئًا فشيئًا، مع تمدد للسلطة إلى أبعد من نواياها، كان تضاف إلى سياسة جديدة ، لا يمكن القول عنها أنها مرفوضة أو مقبولة ."( 91 ) .وبحلول 26 شباط-فبراير 1969 تاريخ وفاة إشكول، بعد سنة و ثمانية أشهر فقط من حرب حزيران، "كانت هناك عشر مستوطنات في الجولان، وثلاثة في وادي الأردن، جنبا إلى جنب مع كفار عتصيون ومستوطنة الخليل جنوب القدس، ومخطط الاستيطان في منطقة رفح". (92). ومن آخر أعمال إدارة إشكول، كانت محاولات حزب العمل في كانون الثاني-يناير 1969 "استكمال عملية إنشاء حزب حاكم يقف وراء كل ما هو سياسي و ما هو لا سياسي ممكن حول أكثر قضايا البلاد مصيرية ، ومستقبل المناطق". (93)
تولت غولدا مئير منصب رئاسة الحكومة في العام 1969 ، ربما لأنها كانت أقل القادة إثارة للخلاف بين قيادات حزب العمل المكون حديثا , احتلت إسرائيل و حزب العمل في تلك الفترة مواقع القوة وكان أحد المهام الملقاة على عاتق مئير هو الحفاظ على قوة كليهما .وقد أدى ذلك إلى حل وسط داخل الحزب يقضي بعدم تقديم تنازلات للجيران العرب. و منذ بداية عملها كرئيسة للوزراء كان نشاط الاستيطان مبرراً علنياً لأغراض أمنية ، ولكنه استخدم أيضاً لإجبار مصر وسوريا والأردن على التحدث مباشرة مع إسرائيل حول اتفاق سلام (94). تم تشجيع الاستيطان وتوسيعه في مرتفعات الجولان ،و الخليل. وقطاع غزة وسهل رفح شمال شرق سيناء ، إلى جانب شرم الشيخ بالقرب من مضيق تيران (95). ومع ذلك تم الرفض بصورة متكررة لمحاولات الاستيطان بالقرب من نابلس أو مقترحات تسمح للمواطنين اليهود والشركات الخاصة شراء ممتلكات من العرب في الأراضي المحتلة (96) . وعلى الرغم من النشاط الاستيطاني الهام الذي تمت الموافقة عليه، لم تكن هذه الإجراءات مقنعة لعناصر الجناح اليميني. ويصف غورنبيرغ تلك الفترة قائلا: "إن الروح التي تطالب بوضع المزيد من اليهود على الأرض كانت حقيقة مقبولة, وعندما وافقت الحكومة على مواقع مستوطنة جديدة في الأراضي المحتلة ، تدافعت الحركات المختلفة [اتحاد الكيبوتزات ومختلف منظمات الموشاف ، أو القرى الزراعية التعاونية ] للحصول عليها (97). وقد أدى انتصار إسرائيل في حرب 1967 ، وكذلك العمق الإقليمي الذي اكتسبته في الجولان والضفة الغربية وسيناء، إلى شعور مبالغ فيه بالتفوق على جيرانها العرب(98). مع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 1973، كان ذلك يعني أن إسرائيل لم تكن مستعدة تمامًا لحرب يوم الغفران. على الرغم مما حقته من نصر تكتيكي في الحرب ، إلا أنها كانت مكلفة. و ألقي اللوم على مئير وديان بسبب تفاجئهما ، وكان على حزب "العمل" البحث عن شراكات غير متوقعة لمواجهة صعود الليكود و "غوش إيمونيم". (99) ,وقد استمر الاستيطان بعد الحرب، لكن هذه المرة بتحول جديد -حيث بدأت الضغوط الدبلوماسية الآن في زيادة النشاط الاستيطاني في المناطق التي تعتزم إسرائيل الاحتفاظ بها.(100)
بعد أن اضطرت مئير إلى تحمل مسؤولية حرب يوم الغفران ،تم الدعوة لانتخابات جديدة فاز فيها إسحاق رابين بفارق ضئيل على شمعون بيريز في نيسان-أبريل 1974 ، وحصلت حكومته (بوجود بيريز كوزير للدفاع) بالكاد على موافقة الكنيست في حزيران-يونيو (101) . وبالمقارنة مع الإحساس الزائف بالأمن من جانب إدارة مئير، كانت حكومة رابين غير آمنة بصورة أكثر وضوحا للجميع , و يصف غورنبيرغ الوضع : "لقد انكسر الحزب الحاكم، وصارت سيطرته على السلطة هشة، فيما يتنازع زعماءه فيما بينهم " (102 ) أي نزاع حول سياسة الاستيطان أو مناقشة تنازلات من أجل السلام يمكن أن يسقط الإدارة(103), و يتابع غورنبيرغ القول في جو من عدم الثقة ، و في غياب سياسة الاستيطان كان" كل مسؤول يقوم بعمل ما يراه صحيحا بالنسبة له" (104).وقد أدت العديد من الأسباب إلى زيادة معدل الاستيطان، ولكن كان أهمها الخوف من فقدان الأرض في محادثات السلام بعد حرب 1973. و تضمنت التغييرات الجديدة في الحكومة إنشاء مراكز حضرية وضواحي في مرتفعات الجولان وقلب الضفة الغربية، إلى جانب مصنع لوزارة الدفاع (105). اكتسب حزب الليكود الذي تم تشكيله حديثا نفوذه على اليمين من خلال تشجيع استيطان أكثر توسعية . وكانت غوش إيمونيم ( كتلة المؤمنين) حركة دينية غير حكومية تحدت علانية موقف الحكومة بشأن المناطق التي لا حدود لها للاستيطان (106). وأجبرت غوش إمونيم الحكومة على الاستيطان في عوفره [التي أقيمت على أراضي سلواد و عين يبرود] و قدوم في الضفة الغربية ,وقد عزيت المواجهة في سبسطية إلى حد كبير إلى نزع الشرعية عن حكومة حزب العمل. (107) ثمة تغيير آخر طرأ اثناء وجود رابين على رأس الحكومة و يدعو غورنبرغ هذا التغير بـ" اللاشرعية"، وهو ميل الحكومة إلى تبرير الأعمال غير القانونية عندما تكون هذه الأعمال مدفوعة بدوافع قومية ، ودعم الولاء السياسي على حساب سلطة القانون (108 ).تم منح مصادرة الأراضي من الفلسطينيين الآن موافقة حكومية. وقد تراجعت هيمنة حزب العمل في عام 1976 وسط فضائح وخلافات وسوء إدارة وعدم القدرة على التعبير عن السياسة أو فرضها(110).وبحلول العام 1977 ، كان هناك ما يقرب من 72 مستوطنة في الأراضي المحتلة(111).
الهيمنة الليكودية 1977-1987
لدى مقارنة حكومة حزب العمل بحكومة الليكود فقد كان الأخير أكثر عسكرة وعدائية في أنشطته التوسعية (112). وقد عارض حزب العمل في ظل قيادة رابين أنشطة حركة غوش إيمونيم، لكن الليكود كان في ائتلاف "مع الحزب القومي الديني الذي تهيمن عليه الحركة " (113). أعطيت مراكز الاستيطان الحكومية السلطة لمؤيدي غوش إيمونيم ، وباتت مستوطنات مثل عوفر و قدوم في المناطق ذات الكثافة السكانية العربية الآن ذات أولوية (114) . وقد أعطى الليكود أهمية قصوى على إبقاء التواجد الدائم في الضفة الغربية وقطاع غزة، اللتان هما جزء من أرض إسرائيل القديمة (115).
أصبح مناحيم بيغن رئيساً للوزراء في 20 حزيران / يونيو 1977، بعد انهيار حكومة حزب العمل. وألقى خطاب انتصاره من مستوطنة إيلون موريه في الضفة الغربية ، حيث وعد بإنشاء المزيد من هذه المستوطنات في المستقبل.(116) . أضاف بيغن خمسة وثلاثون مستوطنة خلال السنوات الست التي قضاها ، لكن كان لديه أولويات لم تتطابق مع أنصار غوش إيمونيم. و في آذار / مارس 1979 ، وقع بيغن معاهدة سلام مع مصر تعيد بموجبها إسرائيل شبه جزيرة سيناء لمصر و تتعهد بقيام حكم ذاتي محدود للفلسطينيين، و وقف أنشطة الاستيطان الإسرائيلية لمدة ثلاثة أشهر (117). وعلى الرغم من الاحتجاجات الشديدة، أزيلت مستوطنات سيناء. كانت فكرة بيغن عن الحق في الاستيطان في كل مكان في أرض إسرائيل مركزة على الضفة الغربية وغزة ، وخاضعة للأمن القومي وسيادة الدولة (118).وفي وقت لاحق من ذلك العام، بعد أن حكمت المحكمة الإسرائيلية العليا ضد مصادرة الأراضي من أجل الاستيطان، أعلنت إدارة بيغن أن " جميع الأراضي غير المسجلة وغير المربوطة في المناطق الريفية يجب أن تكون أراضي خاضعة للدولة"(119). وفي أيار / مايو 1980 ، أصدرت إسرائيل قانون القدس، الذي مدد القانون الإسرائيلي إلى القدس الشرقية ، وإعلان المدينة الموحدة عاصمة لإسرائيل(120) . وبالمثل، صدر القانون المتعلق بمرتفعات الجولان في كانون الأول-ديسمبر 1981 القاضي بتمديد القانون الإسرائيلي نحو مرتفعات الجولان(121) . وفي العام 1982 غزت إسرائيل لبنان رداً على هجمات فصائل منظمة التحرير الفلسطينية المتواجدة في لبنان , وقد ساهم التورط في تلك الحرب التي لم تحظ بشعبية، بالإضافة إلى ارتفاع التضخم الاقتصادي، إلى استقالة بيغن في العام 1983 (122).
تولى اسحق شامير منصب رئيس الوزراء مؤقتا حتى موعد الانتخابات في أيلول- سبتمبر 1984. وخيمت أجواء حرب لبنان و التضخم المفرط، والانقسامات داخل الليكود على هذا المنصب في ذلك العام (123) . في الوقت الذي ازدادت فيه المستوطنات، رغم أنها لم تحظ على تركيز الحكومة المتورطة في حينه في مشاكل الحرب و المشاكل الاقتصادية(124). وكان يعرف عن شامير نفسه أنه ينتمي للجناح المتشدد لـ " الصهيونية المتصلبة و الاستيطانية التوسعية في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية ة قطاع " (125) . و لا تظهر خطة دروبليس المقترحة سنة 1983 , (لتضاف إلى خطط آلون و ديان) سوى المشاعر الشعبية السائدة و الداعمة للاستيطان في مناطق السكان العرب؛ ولكن لم يتم تبنيها قط, وبحلول العام 1984، بدأت إسرائيل في استخدام القانون العثماني الذي تم اكتشافه مؤخراً لتبرير مصادرة الأراضي الريفية غير المستخدمة في الأراضي المحتلة ، وبعد فترة وجيزة ، كان "40٪ من الضفة الغربية إما في أيدي إسرائيليين أو تسيطر عليها الدولة, وتم تحديد الأراضي لبناء عشرات المستوطنات الجديدة. "(127).
لم يتمكن شامير وحزبه بسبب حرب لبنان ومتاعب التضخم من تأمين انتخابات 1984. فتم تشكيل حكومة وحدة وطنية بين الليكود والعمل. وكان شمعون بيريز رئيسا للوزراء للسنتين الأوليتين ثم تبعه شامير في المنصب للسنتين التاليتين (128) . و تابعت إدارة بيريز بصوة واضحة إنهاء حرب لبنان مع الاستمرار في الاستيطان ، وبدأت الحكومة في تنفيذ خطة الاستقرار الاقتصادي ، واستكشاف " الخيار الأردني " للأراضي المحتلة " (129) . و تمثل الموقف الرسمي للحكومة في العمل على تطوير "المستوطنات القائمة دون انقطاع " (130). لكن هذا لم يكن كافيا للجناح اليميني من المستوطنين الذي ادعوا بأن بيريز معادي للصهيونية (131). عاد إسحاق شامير مرة أخرى لمنصب رئيس الحكومة في العام 1986. وعادت وتائر الاستيطان و مصادرة الأراضي في الارتفاع . ورفض شامير في العام 1987 محاولات الأردن لتحقيق السلام بربطه في الانسحاب من الضفة الغربية (132). وكانت منظمة التحرير الفلسطينية قد هزمت و أبعدت عن لبنان. كل هذه الأمور مع اقترانها بالصعوبات الاقتصادية واستمرار الإحباط بسبب الاحتلال والظلم الإسرائيلي، ساهمت في تضاؤل آمال السكان الفلسطينيين في الأراضي المحتلة و تركتهم دون ملاذ يلجؤون إليه (133) . وقد واجهوا ما يصفه غورنبرغ بأنه "ضم بطيء الحركة"(134) .و بحلول العام 1987 كان "أكثر من نصف أراضي الضفة الغربية وثلث قطاع غزة قد صودرت أو منع الفلسطينيون من الوصول إليها "(135) . وخلال سنوات حكم شامير تلك ( 1986 - 1987 ) كان قد اكتمل العقد الثاني من عملية استيطان إسرائيل للأراضي المحتلة. اختلفت الأنشطة الاستيطانية في ظل هيمنة الليكود قليلاً عن الأنشطة السابقة التي بدأت مع إشكول وألون وديان, إذا ما استثنينا النقاش الموجز بخصوص احتلال و استيطان جنوب لبنان , وقد دعمت الإدارات الليكودية بصورة عامة الممارسات الاستيطان الأكثر عدوانية والأقل تسترا مما كانت عليه في عهود الحكومات العمالية. على الرغم من تسليم بيغن لسيناء، كان بيريس هو الوحيد الذي يفكر في التنازل عن أجزاء من الضفة الغربية.
الانتفاضة الأولى : 1987-1993
انتخب اسحق شامير، المتشدد في الاستيطان مرة أخرى رئيسا للحكومة طيلة فترة الانتفاضة الأولى باستثناء السنة الأخيرة منها و لم يتم اختزال جهوده الرامية إلى زيادة الاستيطان ومصادرة الأراضي بسبب النزاع والاهتمام الدولي (136). وأدى النقد الداخلي والخارجي بشأن توسع المستوطنات الإسرائيلية إلى تجميد بناء مستوطنات جديدة ، لكن تضاعف سكان المستوطنات القائمة في الضفة الغربية أكثر من النصف خلال الانتفاضة الأولى(137) . أصبحت الأرض حرة الآن للمستوطنين ، وزادت المساعدات الحكومية بشكل كبير(138) ,مما أدى إلى تغيير في التركيبة السكانية للمستوطنين, وتم جذب المستوطنين لأسباب اقتصادية أكثر منها دينية (139). و كان على هؤلاء المستوطنين الذين أرادوا إقامة مستوطنات جديدة أن يلجؤوا إلى "بناء مستوطنات وبؤر استيطانية غير مرخصة " ، يتم تجاهلها في البداية ولكنها تحظى في النهاية بدعم الحكومة (140).وقد زادت إسرائيل من عمليات الإبعاد والتعذيب وهدم المنازل وحظر التجول المفرط والعزلة المجتمعية كمحاولات مشجعة لهجرة - نزوح جماعي - للفلسطينيين إلى الدول المجاورة (141).وقد خلقت إسرائيل بيئة في الأراضي الفلسطينية يعيش فيها الفلسطينيون ضمن شروط دون المستوى ومعتمدين على إسرائيل فيما يتعلق بالسلع المصنّعة، والعمالة، وحتى الموارد الأساسية (142). و كان شامير أيضاً أداة أساسية في تمكين هجرة اليهود الروس بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وجلب اليهود من إثيوبيا في العام 1991 (143). و رغم كل هذا فقد كان النجاح الأكبر للانتفاضة هو أنها أدت إلى اتفاقات أوسلو في العام 1993.
وتسبب الاهتمام السلبي الناتج عن الانتفاضة في انتخاب اسحاق رابين رئيساً للوزراء بتفويض شعبي لتقليص النشاط الاستيطاني (144) . وفي العام 1987، أعلن رابين أن القدس والمناطق المحيطة بها "ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية" (145). وهو الذي عرف عنه في سنوات الانتفاضة الأولى و وبصفته وزيرا للدفاع باتباع سياسة "القبضة الحديدية" (146).ومع ذلك، فعندما انتخب رئيسا الوزراء كان قد حصل تغيير فعلي لوجهة نظره فبدأ على الفور في السعي إلى إبرام اتفاقات سلام مع منظمة التحرير الفلسطينية. غير أن نشاط الاستيطان سار كما كان في الإدارة السابقة. ورغم الدعم الحكومي الرسمي المحدود للنشاط الاستيطاني فقد حصل المستوطنون بسهولة على دعم و إن كان أقل في المستوى من قبل المستوطنين اليمينيين الذين زادوا من نشاطهم تحت تهديد مخاطر تقلص الامتيازات المستقبلية للأراضي في الضفة الغربية (147). و باختصار، كانت فترة الانتفاضة الأولى هي التغيير الهام الأول في الإجراءات الاستيطانية. بسبب الاهتمام الداخلي والخارجي السلبي الذي سببته الانتفاضة، كانت المستوطنات الجديدة محدودة للغاية. وقد أدى ذلك إلى التوسع السريع في المستوطنات القائمة وتضاعف البؤر الاستيطانية غير القانونية.
لم يتم تبني سياسات استيطانية رسمياً منذ العام 1967 ،رغم أن مثل هذه السياسات كانت مدعومة بشكل علني من أعلى مستويات الحكومة, و قد أصبح الدعم الحكومي المفتوح, خلال الانتفاضة الأولى، نادرًا ، وحل محله الجهود الحكومية والمدنية الأقل مستوى والتي كان يكتنفها الغموض ,وإجمالاً، تشير بيانات جهاز الإحصاء المركزي الإسرائيلي بأن معدل النمو السنوي للمستوطنات طوال هذه الفترة تجاوز الـ 10 %.
اتفاقية أوسلو 1993-2000
صدم إسحق رابين شعبه والعالم بإعلان أوسلو الأول في أيلول-سبتمبر 1993. وهو الذي أمضى العام الذي سبق في الحديث و التخطيط لمثل هكذا اتفاق، غير أنه تعرض لانتقادات قاسية و مباشرة من قبل زعماء الليكود مثل نتنياهو وشارون (149). ولم يحظ اتفاق أوسلو بشعبية كبيرة من قبل المستوطنين اليمينيين الذين وصفوا رابين بأنه نازي أو عربي ،ونعتوه بالخائن (150).
أدى إعلان أوسلو إلى توقيع اتفاق سلام إسرائيلي / أردني وكذلك عودة ياسر عرفات وإنشاء السلطة الفلسطينية في العام 1994 (151). وبرر رابين اتفاقيات أوسلو بالقول أن السلطة الفلسطينية هي من سوف يتحمل مسؤولية و عبء العنف الفلسطيني، وبالتالي نأت إسرائيل بنفسها بعيدا عن هذا المأزق في الوقت ذاته الذي ستحتفظ فيه بالسيطرة النهائية على الأراضي (152).و هو ما يصفه نفيه جوردن بأنه " نقل " الجوانب الاكثر قلقا و المسؤوليات في الأراضي المحتلة للسلطة الفلسطينية (153). في الواقع , أصبحت السلطة الفلسطينية "ذراعا للسلطة الإسرائيلية " (154). وبدء المستوطنون اليمينيون-ردا على أوسلو- "بمضاعفة عملية الاستيطان "من خلال إضافة مستوطنة جديدة لكل مستوطنة قائمة (155).
غالباً ما يرتبط النمو السريع للمواقع الاستيطانية غير القانونية بهذه الفترة ، كما هو مذكور في تحقيقات تايلور ساسون المعروفة حول ظهور البؤر الاستيطانية (156). في النهاية ، كان حل الدولتين والتنازل عن الأراضي أكثر مما يحتمله البعض , ناقش حاخامات المستوطنات ما إذا كان رابين يستحق الموت بسبب "الجرائم" التي ارتكبها بالفعل ، أم بسبب تلك التي سيرتكبها في المستقبل . (157) وأسفرت الجهود المبذولة لعرقلة عملية السلام في نهاية المطاف عن مآسي مجزرة الحرم الإبراهيمي سنة 1994. واغتيال رابين في تشرين الثاني -نوفمبر 1995. و عاد شمعون بيريس إلى رئاسة الوزراء لمدة سبعة أشهر بعد اغتيال رابين إلى حين إجراء الانتخابات. وكان بيريس بصفته وزيرا للخارجية أثناء حكومة رابين منذ العام 1992 ،قد أعرب باستمرار عن رغبته في السعي إلى السلام مع الفلسطينيين والدول العربية المجاورة. وكان مؤيدًا لخطة "غزة أولاً" في منح حكم ذاتي محدود في غزة ، فضلاً عن كونه الداعم الرئيسي لمحادثات أوسلو(159) . بيد أنه لم يشر ,بعد اغتيال رابين ، إلى المحادثات الفلسطينية(160).و قد استنفذ وجوده في منصب رئاسة الحكومة للإعداد للانتخابات وإخراج وحدات الجيش الإسرائيلي من أجزاء من الأراضي المحتلة ، ومكافحة العمليات الإرهابية الانتحارية الواسعة التي ضربت إسرائيل (161). كان بيريس مؤهلا للفوز في الانتخابات بسبب التعاطف الحاصل بعد اغتيال رابين و تقدم مسار اتفاقات أوسلو, ولكن الموجة العالية من النشاط الإرهابي قلبت الموجة (162) ليفوز بنيامين نتنياهو في انتخابات حزب الليكود في أيار-مايو 1996. و باعتباره نموذجا عن فكر الليكود كان نتنياهو أقل رغبة في مقايضة الأرض مقابل السلام. وعلى الرغم من تعهده بالالتزام باتفاقية أوسلو فقد قام هو نفسه بتوقيع اتفاقات سلام الخليل و واي ريفر, لكنه تملص من الالتزام بتلك الاتفاقات (163). و برغم كل هذه الاتفاقات استأنف نتنياهو مصادرة الأراضي و الاستيطان على نحو مفتوح و عاجل من أجل منع أي تنازل عن الأرض لصالح السلطة الفلسطينية (164). بدا نتنياهو كشخص غير جدير بالثقة بالنسبة للولايات المتحدة وللسلطة الفلسطينية ولحكومته .وقد وعد قاعدته اليمينية بعدم الموافقة على التنازل عن الأرض ، لكنه أخل بهذا الوعد في واي ريفر. ثم أخبر اليسار صراحة أنه لا ينوي تنفيذ الاتفاق(165).
وشارك آرييل شارون بصفته وزيرا للخارجية في محادثات واي ريفر , و شجع لدى عودته إلى إسرائيل المستوطنين عبر الإذاعة العامة "للاستيلاء على المزيد من التلال والتمدد نحو الأراضي , فكل شيء نقبض عليه سيبقى في أيدينا , وكل شيء لا نمسك به سيكون في أيديهم."(166). كما أضيف , من ناحية أخرى بعدا جديدا للأنشطة الاستيطانية أثناء إدارة نتنياهو, فقد أدت ممارسات الفصل إلى تقليل التهديد الأمني الذي يشكله الانتحاريون و ساهم هذا الفصل في حماية و تأمين الأرض في المناطق المحتلة، فضلاً عن إعاقة الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية (167). شملت إجراءات الفصل بناء الجدار ، والطرق الخاصة باليهود ، وإغلاق المدن الفلسطينية ، والحد من الحركة ، و متطلبات التصاريح للعمل و السفر (168). غير أن الاضطرابات الاقتصادية والعزلة الدولية وفشل اتفاقات السلام، فضلا عن عدم موثوقية نتنياهو ، أدت إلى هزيمته في انتخابات سنة 1999 (169). ليتم انتخاب إيهود باراك كرئيس للحكومة بأغلبية كبيرة، مما أعطاه تفويضا للبدء بـ "مفاوضات سلام مكثفة"(170). قام باراك بسحب القوات الإسرائيلية من لبنان بعد 17 عامًا من الاحتلال (171) . وتفاوض مع سوريا دون نجاح. كما وافق على دعم وتحسين اتفاق واي ريفر مع عرفات (172). و لكن انهارت مفاوضات السلام في محادثات كامب ديفيد 2000 بسبب الخلافات حول القدس الشرقية والمدينة القديمة ،و "حق العودة" للاجئين الفلسطينيين ، والتواصل الجغرافي الضفة الغربية الفلسطينية (173). وقد ظهر لأول مرة قيام رئيس وزراء إسرائيلي بتقديم عرض جدي للتنازل عن جزء من القدس وأغلبية الضفة الغربية وغزة. ومع ذلك، فإن "حق العودة" للاجئين الفلسطينيين كان سيسمح للاجئين من حرب الاستقلال عام 1948، أو أطفالهم، بالعودة إلى الأراضي الإسرائيلية، مما يعرض الأغلبية اليهودية داخل دولة إسرائيل للخطر, فضلا عن استمرار نمو المستوطنات الإسرائيلية (174). ﻭ قد ارتفع عدد سكان المستوطنات في الأراضي المحتلة بنسبة 58% , منذ العام 1993 وحتى العام 2000 وفي ظل اتفاق أوسلو (175). وقد شكل فشل اتفاقات كامب ديفيد في تموز / يوليو 2000 عاملا سببيا لاندلاع الانتفاضة الثانية في أيلول / سبتمبر 2000.
تم تجميد النشاط الاستيطاني في هذه الفترة من اتفاقات أوسلو بشكل رسمي أو تخفيضه إلى حد كبير، إلا أن النمو الاستيطاني "غير القانوني" استمر في الارتفاع دون هوادة. ومع ذلك ، تتميز هذه الفترة أيضا بأعظم استعداد لإسرائيل للتنازل عن الأرض مقابل السلام. كانت المقترحات الإسرائيلية في أوسلو و كامب ديفيد تمثل "أكثر تنازل إسرائيلي تم تقديمه على الإطلاق "(176).كان الأمل في التوصل إلى اتفاق سلام في أعلى مستوياته، غير أن الهجمات الإرهابية واغتيال إسحاق رابين ألحقت ضررا فادحا لا يمكن إصلاحه بهذا الأمل, كما زادت سياسات الفصل وبناء الجدار ، والطرق التفافية الخاصة باليهود ، والحد من حركة الفلسطينيين من المصاعب الاقتصادية والسيطرة الفعالة على الأعمال القانونية للفلسطينيين ، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع أكثر فأكثر .
الانتفاضة الثانية 2000-2005
بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في 29 أيلول- سبتمبر 2000 ، حاول إيهود باراك حل النزاع بسرعة عن طريق تدخل الجيش الإسرائيلي لتخفيف التصعيد وبذل المزيد من ضبط النفس ، مما سمح بتغطية إعلامية مفتوحة للنزاع (رغم أن ذلك كان يعمل ضده) ، ومحاولة أخيرة لعقد اتفاق سلام مع عرفات برعاية الرئيس الأمريكي كلينتون .وافق باراك والحكومة الإسرائيلية في نهاية المطاف على تقديم مزيد من التنازلات في الضفة الغربية، وإخلاء معظم المستوطنات، والتنازل عن الحرم القدسي، وقبول محدود لـ "حق العودة" .لكن عرفات رفض كل ذلك ،ربما كان يرغب في رؤية إلى أين ستقود الانتفاضة الثانية ، وعلى إثر ذلك تخلى باراك عن محادثات السلام و استقال في 9 كانون أول-ديسمبر 2000 (177). و في آذار -مارس 2001 انتخب أريئيل شارون رئيسا للحكومة و هو الذي يدعوه البعض عادة بـ أبي الحركة الاستيطانية(178) ,و كان كله تصميم على " إخماد [الانتفاضة الثانية] بالقوة العسكرية" (179). وفي نفس الوقت، واصلت إسرائيل مصادرة الأراضي في الضفة الغربية (180). واستمر النمو السكاني للمستوطنات في النمو نحو 5 % على الرغم من عنف الانتفاضة الثانية (181). وبحلول العام 2003 ، تعرض فكر شارون لتغيير عميق و قرر الانسحاب الكامل (المستوطنين العسكريين والمدنيين) من قطاع غزة. من الصعب تحديد دوافع شارون , ولكن على الأرجح تضمن بعضا من المخاطر الهائلة التي يسببها قطاع غزة للإسرائيليين ( و يتضمن ذلك عدد السكان الفلسطينيين الكبير هناك , فضلا عن مستويات الفقر المدقع الذي يعزز النشاط الإرهابي) ، و تأمين المزيد من الحدود لحماية الأغلبية اليهودية و اكتساب قوة تفاوضية دولية (183). كان شارون مؤيدا لأنشطة الاستيطان من أجل تحسين أمن إسرائيل؛ أما الآن فقد بدت المستوطنات في نظره عبئا أمنيا يمكن التضحية بها دون إبطاء بسبب المخاوف المتعلقة بالأمن الأمن القومي بصورة عامة (184). و يزعم كل من أزولاي و عوفر أن انسحاب شارون كان استمرارًا لإيديولوجية الانفصال التي بدأت في عهد نتنياهو واكتسبت شعبية مع بداية الانتفاضة الثانية (185). رغم أن شارون قام بحملة على قيم الليكود التقليدية للحفاظ على أكبر قدر ممكن من الأراضي المحتلة ، إلا أن تبديله لم يكن بدون دعم الكنيست ، والمحكمة العليا ، وأغلبية الجمهور الذي وافق على الانسحاب من غزة(186).
ظل النمو الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي المحتلة خلال الانتفاضة الثانية فوق الـ 5% ، واستمرت أيضًا مصادرة الأراضي خلال هذه الفترة مع استمرار الأنشطة الاستيطانية ، كجزء من نظام طويل الأمد للاحتلال والقمع والظلم ،وهو ما كان سبباً رئيسياً للانتفاضة الثانية. إن التنازلات المقترحة لإدارة باراك، وكذلك الانسحاب أحادي الجانب من غزة، يشهدان على الموقف المتغير داخل إسرائيل تجاه الأنشطة الاستيطانية. كانت هذه فترات انقطاع كبيرة مع الاتجاهات التي تم تحديدها في العقد الأول في ظل إدارة إشكول و ألون و ديان. بالإضافة إلى جوانب أخرى من الحالة أثرت على الاستيطان بطرق غير مباشرة. وتشمل هذه سياسات الفصل التي كان من الممكن أيضا أن تهدف إلى زيادة المشقة وتؤدي إلى هجرة الفلسطينيين أو إذعانهم ، والحفاظ على الأغلبية اليهودية داخل إسرائيل ومناطق معينة من الأراضي المحتلة التي تعتزم الاحتفاظ بها. يمكن لهذه العوامل أن تساعد في تفسير الانسحاب من غزة والمقاومة المستمرة لحق الفلسطينيين في العودة.
الفترة الحالية:2005-2014
عندما قرر شارون الانسحاب من غزة ، انفصل عن حزب الليكود وشكل حزب كاديما مع إيهود أولمرت. استند برنامج حزب كاديما على انسحاب أحادي الجانب من الأراضي المحتلة (187). تولى أولمرت رئاسة الوزراء عندما لم يعد شارون قادراً على القيام بمهامه، ثم تم انتخابه رئيساً للوزراء في آذار- مارس 2006. وخلال حملته الانتخابية ، كشف أولمرت عن خطته بخصوص الأراضي المحتلة (189) التي تقوم على حل الدولتين ﻭ تعزيز المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية قرب الخط الأخضر وهي المناطق ذات الكثافة الاستيطانية اليهودية العالية و التي من المقرر ضمها إلى إسرائيل مقابل ضم مناطق مأهولة بالسكان [العرب] في إسرائيل إلى فلسطين. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تفكيك ونقل عدد لابأس به من المستوطنات الإسرائيلية. وقدر أحد المصادر أنه كان من المقرر إخلاء ثلث المستوطنين الإسرائيليين من الضفة الغربية (109). وإذا لم توافق السلطة الفلسطينية على هذه الخطة، فإن إسرائيل ستكون مستعدة للتصرف من جانب واحد ، كما فعلت في غزة , غير أن سوء إدارة إسرائيل لحرب لبنان 2006 أخرج هذه الخطة عن مسارها, بالإضافة إل ذلك تسبب العنف المتصاعد في غزة في التشكيك بمغزى الانسحاب من جانب واحد (191). و استمرت مصادرة الأراضي و عمليات الاستيطان في ظل إدارة أولمرت في الارتفاع -لاسيما حول القدس- على الرغم من خطط سلام أولمرت وحل اﻟدوﻟﺗﯾن(192) . تم إقالة أولمرت في العام 2008 بسبب الفساد ، لكنه بقي في حكومة تصريف الأعمال إلى أن أعيد انتخاب نتنياهو في العام 2009 (193). و خلال الولاية الثانية لنتنياهو تمت العودة لتكتيكات الليكود الاستيطانية ,و توقفت محادثات السلام خلال السنوات الثلاث الأولى التي قضاها في السلطة، وهي السنوات التي استمر فيها سكان المستوطنات في النمو بمعدل 6% سنوياً (194) . وقد تعهد نتنياهو بالحفاظ على الوضع الراهن - السيطرة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة مع تجنب أي حل يفضي إلى حل الدولتين (195) , وقد انجذب معظم المستوطنون الجدد بفضل مغريات المساكن المدعومة التي تقدمه الحكومة في الأراضي المحتلة مثلما كان هذا نموذجيا في العشرة السابقة (196). لاسيما في البؤر الاستيطانية القريبة من الحدود, علما أن هناك من يأتي للاستيطان لدوافع إيديولوجية أو دينية أو قومية.
و في التاسع و العشرين من تشرين الثاني-نوفمبر 2012 ، أصدرت الأمم المتحدة قراراً بمنح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو (197). وكانت رد إدارة نتنياهو هو زيادة بناء المستوطنات في منطقة E1 في القدس الشرقية (التي ضمتها إسرائيل بشكل غير رسمي في العام 1967 ، ورسميا في العام 1980) (198).
تبين هذه الفترة الحالية أن انقسام إسرائيل فيما يتعلق بالمستوطنات أصبح أكثر وضوحا وجلاء . في عهد أولمرت ، كانت إسرائيل قريبة جدا من تقديم تنازلات كبيرة و تخفيض حقيقي للمستوطنات، وحل الدولتين. و ما تقترحه خطة أولمرت قريب إلى حد ما من خطط آلون و ديان ، لكن دون النظر إلى غور الاردن كحاجز أمني في عصر التكنولوجيا العسكرية. بينما اتبعت تكتيكات نتنياهو أسلوب المماطلة وتوسيع المستوطنات وهو ما يشير إلى الرؤية الأخرى المتطرفة ، وتدل على أن الخيارات بين اليمين واليسار الإسرائيليين تقترب من مقولة الكل أو اللا شيء . لكن نزعة الغموض ، والمماطلة ، واستخدام الثغرات ، والمبادرة الحكومية الأقل مستوى ما زالت قائمة.
لا يعد سلوك إسرائيل الرسمي بشأن الاستيطان في الضفة الغربية والأراضي المحتلة الأخرى سياسة رسمية. السمة الثانية لسياسة الاستيطان هي أنه يجب تغييرها في كثير من الأحيان. و عند تحري سياسة إسرائيل الاستيطانية لابد أن نلحظ بعضا من أوجه التماثل و الاتساق، التي يمكن تلخيصها في الغموض، والتردد، و المماطلة، ومن المفيد جداً النظر في أمرين. أولاً ، ما هي التركيبة السياسية للإدارة؟ ثانيا ، ما تفعله الحكومة - على عكس ما تقوله - على المستويين الأعلى و الأدنى. كما أنه من المثير للاهتمام النظر مجددا إلى دور الصهيونية الدينية و تأثيرها على نشاط الحكومة الاستيطاني.
تأثير الصهيونية الدينية على استيطان الأراضي المحتلة
ينتمي أعضاء الصهيونية الدينية إلى طيف المجتمع الإسرائيلي ، من طالب المدرسة الدينية العادي إلى أعلى المناصب الوزارية , و تحاول الصهيونية الدينية التأثير في سياسات إسرائيل الاستيطانية وأنشطتها عبر جميع مستويات هذا الطيف, ففي المستويات الدنيا ، تحاول مجموعات صغيرة من الأفراد ذوي الدوافع الدينية إنشاء المستوطنات دون النظر إلى الاعتبارات أو القيود الحكومية. كما يظهر الصهاينة المتدينون في المستويات العليا للدولة و يشغلون مناصب حزبية و حكومية ويؤثرون على سياسات الحكومة الاستيطانية وأعمالها بصفة رسمية. تشغل الحركات الاجتماعية مثل غوش إيمونيم (كتلة المؤمنين) منتصف هذا الطيف، وتسعى إلى زيادة الدعم الشعبي لجهود الاستيطان على نطاق ضيق فضلاً عن ممارسة الضغط خارج الكنيست على المستوى الحكومي. في هذا الفصل ، أستكشف في كل من هذه المجالات الثلاثة بعض أبرز الأمثلة على الفرص للصهيونية الدينية للتأثير في سياسة الاستيطان ذات التأثير الكبير.
المستوطنون: التأثير على الأرض
المثال الأول والأكثر وضوحا للتأثير الديني للصهيونية على سياسة إسرائيل الاستيطانية هو إنشاء مستوطنات غير مرخصة في الأراضي المحتلة(199). تستطيع مجموعات صغيرة من المستوطنين التصرف في تحد لسلطة الحكومة مع قدر كبير من الإفلات من العقاب. على الرغم من وجود العديد من الأمثلة ، فقد أخذت عينات من حالات الخليل وإيلون موريه في حقبة (حزب) العمل (1967-1977) ، وانتشار البؤر الاستيطانية غير القانونية في الفترة التي أعقبت اتفاقيات أوسلو (1993-2000). هذه الحالات مهمة لأن الخليل وإيلون موريه ينطويان على اشتباكات كبيرة بين الحكومة والمستوطنين ، في حين أن التحول إلى البؤر الاستيطانية غير القانونية هو تغيير كبير في التكتيكات.
على الرغم من أن مستوطنة غوش عتصيون (تأسست في أيلول -سبتمبر ر 1967) سبقت الاستيطان في الخليل ، فإن الخليل تقدم المثال الرئيسي الأول للاستيطان المفروض على الحكومة. تسمى الخليل مدينة إبراهيم ، وتحتوي على قبر الآباء البطاركة إبراهيم وإسحق ويعقوب (201). و هي أيضا المدينة التي كان يحكمها الملك داود قبل أن يستولي على القدس (202) .
بالإضافة إلى ذلك، كانت مدينة الخليل، مع غوش عتصيون والمدينة القديمة في القدس، من أماكن الاستيطان الكبيرة لليهود قبل العام 1948 (203). ونظرا لأن الخليل هي مدينة إبراهيم، لذلك تعتبر أيضًا مكانًا مهمًا للمسلمين وتعرف قبور الآباء البطاركة يعرف ايضا باسم المسجد الإبراهيمي. لهذه الأسباب رأى موشيه ليفنغر الحاخام غير المعروف و تلميذ زفي كوك أنه من الضروري وجود مستوطنة يهودية في الخليل (204)..قام ليفنغر ببعض المحاولات للحصول على إذن من الحكومة، لكن الحكومة المنقسمة لم تتمكن من اتخاذ قرار بشأن الخليل (205) . وفي نيسان -أبريل من العام 1968 ، قاد ليفنغر غير الصبور مجموعة صغيرة للانتقال بشكل غير قانوني إلى فندق في الخليل للاحتفال بأسبوع عيد الفصح(206). وربما حصلت مجموعته على إذن من الجيش للبقاء لليلة واحدة ، ولكن ليفنغر جلب معه سلعه و أدواته المنزلية بما يحي أنه لم يكن ينوي (207). ليس هذ ا فحسب، فقد كانت هذه الجماعة مثيرة للجدل و دائمة الصخب و الصراخ أثناء إقامتهم إقامتهم. وطلب ليفنغر "المساعدة" الأمنية من الجيش ، وتم تزويده بالأسلحة بالإضافة إلى حراس الشرطة (208). كما قامت المجموعة بزيارات وقحة إلى الحرم الإبراهيمي ومكتب رئيس البلدية الفلسطيني. كان قائد الجيش المحلي مترددًا في إبعاد هؤلاء اليهود من الخليل خلال أسبوع الفصح، وانتظر بعد ذلك قرارًا من الحكومة. لكن الحكومة، كما ذكر سابقا، كانت منقسمة حيال الأمر, و قام ألون بزيارة المستوطنة لإظهار الدعم لهم, ثم تبعه بيغن وآخرون. وكان معظم المسؤولين الآخرين ، بمن فيهم رئيس الوزراء إشكول، ضد السماح لجماعة ليفنغر بالبقاء فلم تكن مستوطنة الخليل مقررة بعد لكن الاساليب التي اتبعها ليفنغر هي التي تسببت في معظم الاعتراضات. إن السماح لمجموعة دينية صغيرة بإملاء سياسة الاستيطان وفي النهاية مصير الأراضي المحتلة كان أمرًا شائنًا لاشك . أشار إشكول إلى أن هذا من شأنه إضعاف السلطة العسكرية وسلطة الدولة في الأراضي المحتلة ، وربما يؤدي إلى تصعيد الخلاف (209). يصف إيان لوستيك رد فعل الحكومة المفزع بهذه الطريقة، "بسبب من انقسامها الداخلي و اعتمادها على أصوات الحزب القومي الديني... تراجعت الحكومة العمالية عن حظرها الأصلي ضد الاستيطان المدني في المنطقة (210). في السنة ونصف السنة التالية ، تصارعت الحكومة مع نفسها حول كيفية إزالة الحاخام ليفنغر العنيد من الخليل. نتج عن الحل الوسط المفروض على الحكومة إنشاء مستوطنة كريات أربع ، وهي واحدة من أكبر المستوطنات حتى تاريخه (211). وقد وضع هذا الحدث صدعًا كبيرًا في قدرة الحكومة على السيطرة على المستوطنين الدينيين (212).
و لكن أكثر الصدامات الدراماتيكية شهرة بين المستوطنين الدينيين والدولة كانت في الجهود التي بذلتها جماعة إيلون موريه لإنشاء مستوطنة في منطقة نابلس, وسوف يتعاون أعضاء الجماعة فيما بينهم لتأسيس حركة غوش إيمونيم في العام 1974. وفي حزيران-يونيو من ذلك العام ، بدأت هذه المجموعة من المستوطنين المتدينين، الذين تعبوا من انتظار موافقة الحكومة، ببناء مستوطنة أطلقوا عليها اسم إيلون موريه في قاعدة عسكرية للجيش تقع في قرية حوارة قرب نابلس, قبل أن يقوم الجيش الإسرائيلي بإزالة المجموعة، و ظهر في الموقع عدد من الشخصيات البارزة بما في ذلك أرئيل شارون والحاخام تسفي كوك ، لإثبات دعمهم للجهود التي قاموا بها (214). وبعد شهر واحد ، قامت المجموعة نفسها (التي باتت تسمى مجموعة إيلون موريه على اسم المستوطنة التي حاولوا إنشائها) , إقامة مستوطنتهم أو فرض امتياز من الحكومة في محطة قطار سبسطية. في هذه المحاولة الثانية، تم دعمهم من قبل شخصيات معروفة مثل حنان بورات وموشيه ليفنغر، وزار الموقع مناحيم بيغن وأربعة عشر عضواً آخر في الكنيست (215). ومع ذلك، قام الجيش بإزالة المجموعة مرة أخرى. كانت هاتين المحاولتين الأوليتين من طبيعة مدنية للغاية ، حيث كان كل جانب يتعاطف مع الآخر(216).
على الرغم من أن هذه المحاولات الرامية إلى الاستقرار في منطقة محظورة كانت غير قانونية ، فقد تم الدفاع عن المستوطنين ووصفهم بأنهم وطنيين من قبل المتعاطفين معهم من أعلى مستويات الحكومة (217) . وقد بذلت جماعة إيلون موريه خمس محاولات أخرى على الأقل للاستقرار في منطقة نابلس. نتج عن كل محاولة ازدياد العداء بين المستوطنين والحكومة ، وكان الجيش عالقا في وسطهما (218). وصل العداء إلى الذروة في كانون أول -ديسمبر 1975 في سبسطية حيث استخدم المستوطنون تكتيكًا مختلفًا هذه المرة ، واختاروا محاولة الاستيطان مع أسبوع احتفالات الحانوكا وقاموا بمظاهرات كبيرة, ولتجنب مواجهة سيئة وإتاحة الوقت لإيجاد حل، سمحت الحكومة للمجموعة بالبقاء خلال العطلة وحظيت بتغطية إعلامية يومية وحضر فعاليات العيد حاخامات معروفين وكتاب أغاني وشعراء، وما بين ثلاثة وأربعة آلاف شخص (219) . وبحلول نهاية الأسبوع ، قررت الحكومة إزالة المستوطنين والمتظاهرين، ولكن مساومة من تحت الطاولة أجبرت إدارة رابين الغاضبة على تأسيس مستوطنة قرب معسكر قدوم (220).
ويصف غيرشوم غورنبرغ حصة الحكومة في سباق الاستيطان هذا كحل وسط مباشر لدفاعها الإقليمي ودبلوماسيتها (221) . كما يصف إيهود سبرينزاك، في كتابه ( إخوة ضد إخوة)، هذا الصدام بمصطلحات أكثر عدائية ، قائلا إن سبسطية كانت "تنازل يقر به الجميع على أنه هزيمة نكراء للحكومة " (222). وسوف يتصاعد هذا الصراع مع مرور السنين. يتذكر رابين هذه الهزيمة ,وكانت أوسلو كانت على الأقل جزءاً من الانتقام (223) . هذه التفاعلات المشحونة بين رابين والمستوطنين ستؤدي في نهاية المطاف إلى اغتيال رابين على يد متطرف ديني (224) وهو ما يشير إلى أن التصدع في قدرة الحكومة على تقييد الاستيطان ذي الدوافع الدينية أصبح شرخا كاملا .
ومثال ثالث على تأثير المستوطنين المتدينين على سياسة الاستيطان الحكومية هو النمو السريع للبؤر الاستيطانية غير القانونية في أعقاب اتفاقات أوسلو . و تختلف الظروف المحيطة بهذه البؤر الاستيطانية غير القانونية بشكل كبير عن المثالين السابقين. وكما نوقش سابقا ، حوّل الحاخام تسفي كوك الصهيونية الدينية إلى حركة تتمحور حول الوصايا الإلهية[المتسفاه]، أي الأمر التوراتي لامتلاك واستيطان أرض إسرائيل. لقد استكشفنا المنطق الذي يجب أن تحل فيه هذه الأوامر محل الأوامر الأخرى لأن جميع الأوامر الأخرى تعتمد (في عقل الصهاينة المتدينين) على قانون التوراة الذي ينبغي تطبيقه على كامل أرض إسرائيل، أو كما يذكره شعار غوش إيمونيم "أرض إسرائيل لشعب إسرائيل وفقا لتوراة إسرائيل (226)" كانت الخطوة التالية في تطور هذه الفكرة هي تبرير الأعمال غير الأخلاقية من أجل ضمان الاستحواذ على الأرض والنشاط الاستيطاني. كما كان يبشر زيفي كوك وتلاميذه بأن الرب لن يسمح بحدوث انتكاسات كتلك التي حصلت في إخلاء مستوطنة ياميت في نيسان-أبريل 1982 (227).
أصبح الصهاينة المتدينون أكثر تطرفًا في أفعالهم ومعتقداتهم نتيجة لسلسلة من الهزائم المتصورة ، وتوقيع اتفاقات كامب ديفيد في عام 1978 ، وحكم إيلون موريه لعام 1979 ، و إخلاء ياميت عام 1982. كان الحركة اليهودية السرية المثال الأول لهذا التطرف ، لكنه وصل إلى ذروته في مجزرة غولدشتاين واغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين(228) .
دخل قادة الطائفة الصهيونية الدينية "صمتًا لاهوتياً" عندما أدركوا إلى أين تقودهم أيديولوجيتهم ،وباتوا عاجزين عن التوفيق بين هذه الأفعال والتوراة التي يدعون أنهم يناصرونها ، (229). لقد أصبحت هذه الحركة الدينية مفلسة أخلاقيا, وغير قادرة على تحرير نفسها من تجربة عقدين من الصراع المرير , ولم يتبق لها سوى المستوطنين المتدينين .و برغم حظر المستوطنات المنصوص عليه في اتفاقات أوسلو ، أو بسببها ، بدأ المستوطنون عملية تضاعف ، مما أدى إلى النمو السريع للبؤر غير القانونية (230). و برغم أن معظم الخطاب اللاهوتي المتعلق بالاستيطان تم إسكاته ، إلا أن الغالبية العظمى من المستوطنين أنفسهم ما زالوا مدفوعين بدوافع أيديولوجية دينية وقومية(231) . اكتشفت تاليا ساسون، في تحقيقاتها الأولية عن البؤر الإسرائيلية غير القانونية ، أن النشاط الاستيطاني استمر دون هوادة منذ أوسلو. مع اختلاف رئيسي واحد. تم إبعاد المسؤولين في المناصب العليا الحكومية ممن يعدون مكلفين بحماية القانون - في هذه الحالة الحظر على المستوطنات - من دائرة النفوذ عن قصد لكن دون حذر يذكر . على الرغم من أن القانون كان يتطلب أعلى مستويات من سيطرة الحكومة على عملية الاستيطان، فقد كان في الواقع مدعومًا بشكل حصري في المستوى الثاني، المستوى التنفيذي، كما تسميها ساسون(232) . وهذا ما جعل البؤر الاستيطانية غير قانونية[لكنها موجودة بالفعل] (233) . وتوضح ساسون أن هذه البؤر الاستيطانية بدأ بها المستوطنون عبر مجموعة متنوعة من الطرق (طلب المرافق التعليمية ، والمزارع ، أو حتى الهوائيات) ، ولكن سرعان ما دعمتها المستويات الأدنى من الحكومة دون أن تصبح المستويات الأعلى متورطة على الإطلاق(234). و يعزو أزولاي و عوفر في كتابهما (شرط الدولة الواحدة) بدء هذه البؤر الاستيطانية إلى المستوطنين (235).في حين يجادل غادي تاوب بأن السبب يعود لقيادة الصهاينة المتدينين للمشروع الاستيطاني ويعزو ذلك الفضل إلى موشيه فيغلين وهو صهيوني ديني ,وإلى مجموع المستوطنين مع المستوطنات النائية التي تلقى تشجعا والطرق الالتفافية لليهود فقط (236). و يزعم تاوب أن هدف هؤلاء المستوطنين هو منع تقسيم الضفة عن طريق إقامة اليهود في كل المنطقة وعزل المجتمعات الفلسطينية عبر الطرق المحظورة (237)
باختصار ، تظهر المستوطنات في الخليل وقدوم كيف أن المستوطنين أنفسهم تصرفوا دون موافقة مسبقة من الحكومة. كانت الحكومة منقسمة حول ما إذا كانت ستبني مستوطنات , وإن كان الجواب نعم , فأين، حيث عارض بعض أعضاء الحكومة بإصرار إما أساليب المستوطنين أو المواقع التي اختاروها. استخدم المستوطنون تمايزهم الديني، وحافزهم لإطاعة الأمر الإلهي" المتسفاه"، في محاولة لاكتساب معنويات عالية. ونتيجة لإجراءات المستوطنين في هذين الموقعين ، ثبت أنه من الأسهل على الحكومة إعطاء إذن للمستوطنين بعد وقوع الحدث بدلاً من إجبارهم على الإجلاء. جادل نفيه غوردون في كتابه " احتلال إسرائيل" أنه لو شاءت الحكومة الاعتراض فعلاً ، لكانت قد أوقفت إنشاء هذه المستوطنات وغيرها (238).و يستنتج أن المستوطنين كانوا يتصرفون بموافقة الحكومة ويخدمون أهدافها من خلال هذه المواجهات ، وأن "كل معسكر [الحكومة والمستوطنين] ، (و لكل منهما لهم أسبابه الخاصة )، أن يظهر تدخله على أنه مواجهة بين قوى تحمل وجهات نظر متناقضة تماما" (239). أتفق مع غوردون على أن الحكومة الإسرائيلية ، إن لم تكن مقيدة بعوامل أخرى ، كان أكثر من قادرة على التغلب على التحديات التي تفرضها هذه المحاولات الاستيطانية. ولكن ثمة، قيود أخرى على الحكومة نوقشت سابقا. كان حزب العمل يدير حكومة ائتلافية تزداد هشاشة مع مرور الوقت .
كان هناك تعارض بين المسؤولين والمواطنين في البلاد حول ما الذي ينبغي القيام به لاستعادة وطنهم القديم. كانت الحكومة تحت أنظار المجتمع الدولي ، ولم يكن السلام مع الجيران العرب ومع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة مؤكدًا أبدًا. و في ضوء هذه العوامل، كانت هناك حجة أخرى معقولة مفادها أن المستوطنين في الخليل وقدوم كانوا قادرين على استغلال قيود الحكومة وإجبارها على تقديم تنازلات لم تكن ترغب في القيام بها. فقد الصهاينة المتديّنين بعد اتفاقات أوسلو موقعهم الأخلاقي بسبب مجزرة غولدشتين واغتيال رابين. تراجعوا عن الشيء الوحيد الذي بقي لهم ، خلق الحقائق على الأرض على الرغم من حظر [الاستيطان حسب اتفاقات ]أوسلو. وعلى الرغم من أن المستويات الأدنى من الحكومة قد تعاونت بالتأكيد ودعمت المستوطنين ، فإن انتشار البؤر الاستيطانية غير القانونية في أوائل التسعينيات حتى العام 2005 يمكن أن يُعزى إلى تواجد مجتمع صهيوني ديني يستجيب لتحدي ضخم يهدد مبادئهم وشرعيتهم.
ب. الأحزاب السياسية والوزارات: التأثير من الداخل.
المثال الثاني على قدرة الصهيونية الدينية في التأثير على سياسة الاستيطان الإسرائيلية هو وجود الأحزاب السياسية التي تم تأسيسها بقصد التعبير عن الحفاظ على السيطرة على الأراضي المحتلة وتشجيع الاستيطان هناك, و يعد الحزب القومي الديني أفضل مثال على ذلك ، لكنه ليس الوحيد. تأسس الحزب القومي الديني في العام 1956 ، من اندماج عدة أحزاب يعود تأسيس بعضها إلى العام 1902(240).. وما زال الحزب الديني القومي موجودًا حتى يومنا هذا ضمن ائتلاف البيت اليهودي، الذي انضم إليه في عام 2008 (241), ومنذ الكنيست الثالثة (242) حتى التاسعة( التي انتهت في عام 1981 ) كان الحزب القومي الديني يعد الحزب السياسي الرئيسي في المجتمع الصهيوني الديني، والذي يمتلك ما بين 8% إلى 10% من مقاعد الكنيست، وبالتالي كان يمتلك من القوة ما يكفي لكي يحظى بمكانة خاصة من قبل أحزاب الائتلاف الأكبر الأخرى (243).
شهد العام 1981 انقساما في المجتمع السياسي الصهيوني الديني نشأ عنه عدة أحزاب، لم يكن أيا منها قادر على التمثيل الكامل كما كان عليه حال الحزب القومي الديني سابقا (244). أما اليوم و باعتباره جزء من البيت اليهودي، يحظى الحزب بـ 11 مقعدًا وهو خامس أكبر حزب في إسرائيل(245) .
مكونات الحزب القومي الديني هم من اليهود الأرثوذكس الذين يتقبلون الكثير من الحداثة ، ومع ذلك لا يمكن إنكار جذورهم الدينية. و يفسر كل من كوهين و سوسر موقف الحزب المؤيد للاستيطان على أنه مبني على الضرورات التوراتية التي تحظر التخلي عن الأرض أو عرقلة الاستيطان. لقد كان للحزب القومي فرصة في بعض الأحيان لقيادة الكيان الحكومي في سبيل تعزيز الاحتفاظ بالأراضي المحتلة واستيطانها و قد استخدم الحزب الدين بشكل ثابت لدعم موقفه العدواني , خلافا لبعض الذين يؤمنون بالأسباب الأمنية للمشروع الاستيطاني. وبعبارة أخرى ، فإن موقف الحزب الصلب من الاستيطان يقوم على عنصر الدين أكثر من عنصري القومية أو الأمن, و بالإضافة إلى ذلك ، غالبًا ما كان يشغل زعماء الحزب مناصب وزارية تساهم في تقدم الاستيطان , مثل وزارات النقل والإعمار والإسكان والبنية التحتية الوطنية والشؤون الدينية والتعليم والثقافة والرعاية الاجتماعية والداخلية (247) التي استطاع الحزب من خلالها تعزيز ودعم النشاط الاستيطاني عبر أنشطة العمل والإسكان والمدارس الطرق ،و غير ذلك الكثير. على الرغم من أن هذا قد يؤمن موافقة الحكومة على المشروع الاستيطاني، إلا أن الحال ليس هكذا دائمًا, فلدى إسرائيل تاريخ طويل وموثق جيداً لوزراء يعملون خارج نطاق صلاحياتهم الرسمية ، سواء لصالح الأحزاب أو المصالح الشخصية أو مصالح معارفهم, ولذلك كان هؤلاء يميلون لاتخاذ القرارات بأنفسهم بدلاً من السماح للحكومة الجماعية بتبني قرارات استيطانية هامة وفقاً للوائح التنظيمية (248), وهو ما أكدته تاليا ساسون في تحقيقاتها في العام 2005 حول مواقع البؤر الاستيطانية الإسرائيلية غير القانونية. (249). وفي الواقع شغل الحزب القومي الديني مواقع وزارات الإسكان والتعمير، و الرفاه والخدمات الاجتماعية خلال أبحاث ساسون (250).و تقول ساسون أن مكتب وزير الإسكان و التعمير قاوم عملها و تحريها عن البؤر الاستيطانية غير الشرعية و قام بتزوير المعلومات التي قدمها لها (251).
ولكن, هل تتحمل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن الأعمال التي ترتكب خارج نطاق البروتوكول؟ إذا كان السؤال يتوقف على هذه النقطة , فالإجابة هي نعم و لا بآن معا ,و يفسر أزولاي و عوفر الأمر بأنه يمكن للحكومة أن تنكر مسؤوليتها عن هذه البؤر إذا ما اكتفت بوصفها بأنها غير قانونية (252) , من ناحية أخرى يقول غادي تاوب إن [رئيس الوزراء] شارون حاول التقليل من وقع الدلالة السلبية لتعريف هذه البؤر الاستيطانية غير المصرح ببنائها بطريقة أخرى من خلال تسميتها بالبؤر غير القانونية(253) , غير أنه لا يمكن للحكومة أن تنكر أن المستوطنات تتلقى الدعم الحكومي بما في ذلك حماية الجيش(254) , فإذا كان على الحكومة تحمل المسؤولية النهائية، فإن المسؤولية المباشرة تقع على عاتق الوزارات التي تقدم الدعم غير المصرح به ، وبعض هذه الوزارات يشغلها أعضاء من الحزب القومي الديني الداعي لتكثيف الممارسات الاستيطانية.
ثمة العديد من الأحزاب السياسية في إسرائيل إلى جانب الحزب القومي الديني , وهذه الأحزاب تروج لأطياف متنوعة من الصهيونية الدينية, ولعل أشهرها حركتي "هتحيا" و "كاخ" .
تأسست حركة ها تحييا في العام 1979 على يد[صهاينة] قوميين علمانيين و دينيين من الذين رفضوا اتفاق مناحيم بيغن في كامب ديفيد الذي ينص على التخلي عن سيناء من أجل السلام مع مصر. وعلى الرغم من أن الحركة لم تكن حزباً دينياً بحتاً ، إلا أنها لاقت دعما من الحاخام تسفي كوك، وكان من بين أعضائها زعماء دينيين معروفين بتوجهاتهم الدينية مثل بورات ، كاتسوفر ، و ليفنغر (255).
و قد ساهمت الصهيونية الدينية الأكثر تطرفا في تشكيل هتحيا بسبب من عدم رضا الأولى عن موقف الحزب القومي الديني الذي أبدى موافقته على اتفاقية كامب ديفيد, كانت الصهيونية الدينية بدعمها لحركة هتحيا تهدف إلى عرقلة الانسحاب من سيناء من خلال الفوز بمقاعد الكنيست في انتخابات العام 1981, التي ضمنت فيها حركة هتحيا ثلاث مقاعد فقط ,غير أن هذا العدد القليل من المقاعد لم يمنعها من تنظيم مقاومة فعلية مادية ضد الانسحاب من سيناء في العام 1982 , كما نجحت في الضغط على الحكومة لضم القدس الشرقية وزيادة مساكن المستوطنات في الضفة الغربية, واعتمدت هتحيا الترويج لسياسة طرد الفلسطينيين من الأراضي المحتلة (256), ليس هذا فحسب , بل قامت بما هو أكثر تطرفا من خلال التهديد بحرب أهلية فيما لو تخلت الحكومة عن أراض في غزة أو الضفة الغربية, وبحلول العام 1992 غادرت هتحيا الائتلاف الحاكم - الذي أدى لانهيار الحكومة - بسبب خطط رئيس الوزراء شامير فيما يتعلق بالسيطرة على الأراضي المحتلة ، لكن هذه الخطوة أثبتت أنها مدمرة للذات, إذ لم تتمكن هتحيا من استعادة قوتها (257). وفي المقابل , تمثل حركة كاخ المثال الأكثر تطرفا ضمن الأحزاب الصهيونية الدينية, وتأست الحركة سنة 1971 على يد الحاخام مئير كهانا، و تضمن برنامج حركة كاخ -من بين أمور عدة أخرى- الطرد القسري للسكان الفلسطينيين من الأراضي المحتلة (258) , بيد أن هذا لم يمنع زعيم الحركة كاهانا من القول أن حركته لم تقم على مبادئ التحيز ضد الفلسطينيين ( يدعوهم العرب) ؛بل كان يرى أنه من الواجب احترامهم، لكن ليس لهم مكان في إسرائيل الكبرى(259). وبالتالي كانت كاخ حركة مؤيدة بقوة للمشروع الاستيطاني، وبسبب من توجهاتها العنصرية منعت الحركة من خوض الانتخابات في العام 1985 (260), ومن ثم تم إعلان حركة كاخ أنها لا تتمتع بأي صفة قانونية في إسرائيل إثر مجزرة الحرم الإبراهيمي التي وقعت سنة 1994 (261),و في السنة التالية، اغتيل رئيس الوزراء اسحق رابين على يد متطرف ديني آخر يمكن القول أنه قام بعمله متأثرا بأفكار كاهانا (262). ونتيجة لذلك، ألحق كاهانا وحركته ضرراً لا يمكن إصلاحه في المجتمع الصهيوني الديني وجهودهم الاستيطانية, وتعد هذه الأحداث بمثابة الاسباب التي دعت حركة الاستيطان إلى الانتقال لاستخدام تكتيك إنشاء البؤر الاستيطانية غير القانونية(263). وعلى النقيض من ذلك، لم تتحقق بالكامل بنود اتفاقات أوسلو التي بدأها رابين ، والتي كانت ستعرض أحلام إسرائيل الكبرى الموحدة للخطر(264).
هناك ,ثمة, العديد من الأمثلة الأخرى عن الأحزاب السياسية التي تأسست على مبادئ الصهيونية الدينية مثل موراشا [التقاليد أو التراث], موليديت, تكوما, الوحدة الوطنية, ومؤخرا آحي و أرض إسرائيل لنا (265). و يشير تواجد الصهيونية الدينية في أعلى مستويات الحكومة - الكنيست والوزارات - إلى قدرتها على التأثير في السياسات المتعلقة بالاحتفاظ بالأراضي المحتلة واستيطانها. قد لا يبدو هذا التأثير في هذا المستوى قويا في البداية. وكما نوقش في الفصل السابق ، فإن حكومة إسرائيلية تمتاز بالتردد و المساومة يجعل من تأثير أي حزب ضئيلا ويحد من التطلعات السياسية.
ج. غوش إيمونيم : تجسير الهوة
لا تكتمل مناقشة تأثير الصهيونية الدينية دون التعريج على حركة غوش إيمونيم, تم الحديث في فقرات سابقة بأن قيام مستوطنات في الخليل وقدوم بخلاف التوجه العلني لحكومة توصف بأنها مترددة يظهر مدى تأثير الصهيونية الدينية عند المستويات الدنيا ,كما تم الحديث أيضا بأن الأحزاب السياسية التي تأسست على قاعدة الصهيونية الدينية قد أثرت في الحكومة عند المستويات العليا, وحركة غوش إيمونيم هي الجسر بين هذين النقيضين، من خلال تقديمها للدعم الهائل للمشروع الاستيطاني على المستويين الحكومي والمحلي.
تأسست غوش إيمونيم في العام 1974 لتصحيح ما يعد تصورا لفشل حكومة حزب العمل في فرض سيطرتها الكاملة على الأراضي المحتلة(266). وقد ترك الانتصار المذهل في حرب حزيران الإسرائيليين مقتنعين بفضائل حكومتهم. ولكن بحلول العام 1973، لم تفعل الحكومة سوى القليل لتثبيت سيطرة إسرائيل على الأراضي التي استحوذت عليها إسرائيل في حربها الأخيرة (267). و كان الصهاينة المتدينون (الذين كانوا في حالة من النشوة المسيانية بعد العام 1967 ) أكثر من عانوا من هذا , وألحقت حرب يوم الغفران (1973) الضرر بسمعة الحكومة الفاضلة و زاد الطين بللا المحادثات حول تسويق مقولة الأرض مقابل السلام ، وفشل الحزب القومي الديني في اتخاذ موقف هام بشأن الاحتفاظ بشبه جزيرة سيناء. ونتيجة لذلك ، تشكلت حركة غوش إيمونيم من الصهاينة المتدينين الذين شعروا بأن على إسرائيل الحفاظ بكل الأراضي المحتلة , وقامت إيديولوجية الحركة على تعاليم الحاخام تسفي كوك، الذي يرى بأن الرب أعاد الأرض الموعودة إلى إسرائيل. وزعم أنه لا يجوز -وفقا للتوراة- التخلي عن أي جزء من الأرض التي أعادها الرب إلى إسرائيل في حرب حزيران.
و يصف كوهين و سوسر حركة غوش إيمونيم بأنها سيدة المشروع الاستيطاني بلا منازع باعتبارها حركة صهيونية دينية (269). بينما يقول رافيتسكي أن أفكار الصهيونية الدينية كما تبناها تسفي كوك ترجمت مباشرة إلى مبادئ وأفعال غوش إيمونيم.(270), بما في ذلك ملكية الوطن القديم الذي وهبه الرب لإسرائيل، وأولوية حروب الرب[متسفاه](271) , و بالتالي تحول الاستيطان من وجهة نظر غوش إيمونيم إلى خلاص و تفويض توراتي، فبعد الانتصارات الإسرائيلية الحاسمة في عامي 1948 و 1967، لم يعد الفلسطينيون في الأراضي المحتلة ينتمون لهذه الأرض، وبالتالي هم ليسوا أمة وليس لهم حقوق سياسية(272) . و بسبب إحجام الحكومة الإسرائيلية عن التصرف وفقا لهذا التفويض التوراتي للاحتفاظ بالأراضي واستيطانها، بدأت غوش إيمونيم بنشر تعاليمها التي ظهرت كنوع من صراع بين الصهيونية والحكومة، فالتفويض التوراتي ينبغي له أن يستمر, و لا يجوز لأي حكومة يهودية أن تلغي شرعيته (273) .و من أجل التأكيد على صلاحية هذه المقولة استرشدت الحركة بقول الحاخام أبراهام كوك "هناك أوقات يجب فيها تجاوز قوانين التوراة." (274) , الذي تبناه-آنذاك- لتبرير التعاون مع الصهيونية السياسية, في حين تعيد غوش إيمونيم استخدامه الآن لتبرير معارضة الحكومة التي خلقتها الصهيونية, وكان الهدف الأساسي لغوش إيمونيم بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة سواء بموافقة أم بدون موافقة الحكومة (275) . وعلى الرغم من تغاضيها في بعض الأحيان عن أنشطة الاستيطان غير القانونية، لم تكن الأعمال العنيفة للحركة مقصودة أبدا(276). ومع ذلك، فإن شعورهم بحقهم في التواجد في المناطق المكتظة بالسكان مثل الخليل أدى بالحركة إلى الدخول في صراع مع الفلسطينيين، مما دفعهم -أي عناصر غوش إيمونيم-للأخذ على عاتقهم المواجهة منفردين ،و الانسياق نحو العنف(277).
ارتبطت غوش إيمونيم، لفترة قصيرة ، بالحزب القومي الديني . وسرعان ما تمكن كليهما من إسقاط التي فرضها الكنيست على الاستيطان بغية تحقيق أعلى معدلات تعزيز المشروع الاستيطاني ، ولو بشكل غير قانوني إذا لزم الأمر. ردمت غوش إيمونيم الفجوة بين الحكومة والمستوطنين ، وقدمت الدعم على الأرض، وضغطت على أعلى المستويات كما وظفت مجموعة متنوعة من التكتيكات التي شملت الأنشطة القانونية وغير القانونية. و قدمت الحركة احتجاجاتها روتينية كلما كانت تشعر بوجود انتهاكات حكومية للحق اليهودي التوراتي في الأراضي المحتلة.
سيطرت غوش إيمونيم على الفضاء السياسي الإسرائيلي خارج أطر الكنيست لما يقرب من عقدين من الزمن، ودعت إلى قيام مظاهرات عدة يقدر عدد المشاركين فيها بأكثر من عشرة آلاف شخص (278) . أما فيما يتعلق بفرض المستوطنات على الحكومة، كان لدى الحركة استراتيجية متطورة تبدأ في بناء مستوطنة كبيرة مخادعة دون موافقة الحكومة ومن ثم تفاوض الحكومة على الموافقة على وجود أقل أو مؤقت ، ثم ينمو هذا التواجد القليل أو المؤقت إلى مستوطنة ثابتة (279)
كان الحاخام موشيه ليفنغر ، الذي أسس مستوطنة الخليل عام 1968 ، القائد العملياتي و الزعيم التنفيذي للحركة منذ البداية ، ومن ثم أصبح الزعيم الرمزي لها بعد وفاة الحاخام تسفي كوك (280). و يثني روبرت فريدمان (المسؤول في حركة الاستيطان و مؤلف كتاب "المتحمسون لصهيون") على ليفنغر باعتباره من أكبر دعاة مبادرة الاستيطان الصهيوني الديني، وقد أشارت له إحدى استطلاعات الراي بأنه الرجل الأكثر تأثيراً في إسرائيل في ثمانينيات القرن الماضي (281). ورغم كل هذه الإشادة يوصف ليفنغر عادة بأنه شخص عدائي و يشار إليه في أحيان كثيرة بصفته "فاشي ديني" (282) . و برغم تأثيره الواضح , فلاشك أنه ساهم أيضا في زيادة منسوب العنف الجزئي .
خلقت اتفاقية كامب ديفيد أزمة داخل الحركة وأدت , بصورة مباشرة, إلى تكوين ما يعرف باسم الحركة السرية اليهودية (283) التي سرعان ما تم الكشف عن ارتباطها بحركة غوش إيمونيم عند كشفها في العام 1984 ؛ حيث تبين أن خلاياها السرية مكونة من أقلية صغيرة من أعضاء غوش إيمونيم الذين تبنوا العنف المتطرف, ويجادل سبرينزاك بأن التيار السائد في غوش إيمونيم أظهر انحرافًا نحو العنف (284) . وقد يُقال إن الحركة السرية اليهودية كانت حركة منفصلة، لكن معظم الباحثين لا يؤيدون مثل هذا الرأي، حتى أن البعض منهم أطلق على هذه المجموعة اسم حركة غوش إيمونيم السرية (285). وعلى أي حال , كانت الحركة السرية اليهودية مسؤولة عن عدة هجمات استهدف بعضها خمسة رؤساء بلديات عرب في العام 1980 وكذلك الهجوم على الكلية الإسلامية في الخليل في العام 1983، فضلاً عن مخططات قصف قبة الصخرة وخمس حافلات ركاب عربية(286), شكل اكتشاف أمر الحركة السرية اليهودية أزمة رئيسية ثانية لغوش إيمونيم ، بيد أنها لم تعبر عن أسفها حيال الأمر (287)
عانت غوش إيمونيم من ضربة ثالثة لسمعتها مع صعود حركة كاخ ، التي انعكست أفعالها العنيفة وأفكارها المتطرفة بصورة سيئة على النشاط الصهيوني الديني وعلى المشاريع الاستيطانية. وعلى الرغم من أن حزب كاخ تمتع بشعبية كافية سمحت لزعيمه مئير كهانا في الدخول إلى الكنيست في العام 1984، إلا أنه منع من الترشح في الكنيست التالي (1988 ) بسبب تصريحاته العنصرية والمعادية للديمقراطية، وبعد ذلك بسنوات قليلة(1994) أعلن عن عدم شرعية حركة كاخ 1994(288). وقد انعكست هذه الصورة السلبية عن كاخ إلى حد ما على غوش إيمونيم وعلى الصهيونية الدينية برمتها ,وبلغ التصعيد في العنف والخطاب المتطرف ذروته في مجزرة الحرم الإبراهيمي واغتيال رابين.
ومن الملفت للنظر أن يتعامل الصهاينة المتدينون مع هذه الأحداث بصمت ،الأمر الذي تبعه "صمت لاهوتي" على حد قول رافيتسكي (289) .
يرى سبرينزاك أن حركة غوش إيمونيم بلغت ذروة قوتها في أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي حيث كانت "الأكثر تأثيراً على الصعيد الاجتماعي ًفي البلاد فضلا عن تأثيرها غير المسبوق على سياسات الحكومة والخطاب العام." (290) . وعملت غوش إيمونيم-كما تمت الإشارة إلى ذلك- كمجموعة ضغط وكذلك كحركة اجتماعية، استطاعت تنسيق أنواع مختلفة من الاحتجاجات والمظاهرات, و وفقاً للبيانات التي قدمتها حركة السلام الآن في إسرائيل، فمن أصل 110 مستعمرات مرخّصة أُنشئت بين 1974 و 1992 (فترة ازدهار حركة غوش إيمونيم) ، ثمة 45 مستوطنة تعود لمستوطنين متدينين ، و 10 أخرى تعد مستوطنات مختلطة من الناحية الإيديولوجية (291). قد لا تكون هذه المستوطنات نتيجة جهود غوش إيمونيم المباشرة ، ولكن كان على الجميع طلب مساعدتها غير المباشرة لجهودها و تأثيرها المعروفين, ومثال على ذلك سلسلة الأحداث المذكورة في بداية هذه الدراسة عن سبسطية و التي كانت من نتائج جهود مجموعة إيلون موريه، وهي فصيل داخل غوش إيمونيم, و سابقة سبسطية هذه تكررت بشكل كبير من قبل غوش إيمونيم في العديد من المستوطنات الأخرى (292) .
دعمت غوش إيمونيم الصهيونية الدينية في كلا المستويين ( الأدنى و الأعلى) لتعزيز عملية الاستيطان باعتبار أن الحركة كانت تمثل جسرا يربط بين الوزارات والأحزاب على أعلى المستويات الحكومية و صولا إل المستويات الأدنى المتمثل في عمل المستوطنين على الأرض .
في كل من هذه المجالات ، أشارت الأدلة إلى أن للصهيونية الدينية تأثيرا جزئيا لا يقاوم على سياسات وعمليات إسرائيل الاستيطانية ، كما هو واضح هذا التأثير في اتفاقيتي كامب ديفيد وأوسلو والانسحابات من سيناء وغزة. لقد أبدت الحكومة ، عندما كانت غير مقيدة وتمتلك دوافعها الخاصة ، استعدادها للتصرف بما يتعارض مع المجتمع الصهيوني الديني. من ناحية أخرى ، أظهرت الطائفة الصهيونية الدينية قدرة ملحوظة على توفير الحوافز واستغلال القيود, بحيث أصبح المستوطنين الدينيين خبراء في التلاعب بالسلطات، أو الانحناء أو خرق القواعد ، واستخدام مجموعة متنوعة من التكتيكات لتحقيق أهدافهم ، مما يزيد من تأثير حركتهم القليلة العدد (293).
...................
ملاحظات :
مقتطفات من النص الأصلي المقدم كرسالة ماجستير في الدراسات الأمنية ( قسم الشرق الأوسط و جنوب شرق آسيا و جنوب الصحراء الأفريقية ) بعنوان RELIGIOUS ZIONISM AND ISRAELI SETTLEMENT POLICY و التي قدمت في المدرسة العليا للبحرية NAVAL POSTGRADUATE SCHOOL كاليفورنيا-لولايات المتحدة الأمريكية
تاريخ النشر: 2014
المؤلف: James E. Low
المترجم: محمود الصباغ
الهوامش
(MIDDLE EAST, SOUTHEAST ASIA, SUB-SAHARAN AFRICA)

1. Gadi Taub, The Settlers and the Struggle over the Meaning of Zionism (New Haven: Yale University Press, 2010), 39, 43–44.
2. Robert L. Friedman, Zealots for Zion: Inside Israel’s West Bank Settlement Movement (New Brunswick: Rutgers University Press, 1992), xxx.
3. Maxime Rodinson, Israel and the Arabs (New York: Penguin Books, 1982), 13.
4. Friedman, Zealots, xxviii.
5. Arthur Hertzberg, The Zionist Idea: A Historical Analysis and Reader (Philadelphia: The Jewish Publication Society, 1997), 202.
6. Friedman, Zealots, 4.
7. Taub, The Settlers, 1–3.
8. Friedman, Zealots, 3, 12, 48.
9. Friedman, Zealots, xxxiv.
10. Charles S. Liebman and Eliezer Don-Yehiya, Religion and Politics in Israel, (Bloomington: Indiana University Press, 1984), 15–24.
11. Friedman, Zealots, 4, 12.
12. Gershon Shafir and Yoav Peled, Being Israeli: The Dynamics of Multiple Citizenship (Cambridge University Press, 2002), title page.
13. Friedman, Zealots, xxv.
14. Friedman, Zealots, xxxvi.
15. Gen. 27:29 (New Living Translation).
16. Mat. 26:24 (New Living Translation).
17. 2 Sam. 5:7 (New Living Translation).
18. Ps. 147:12 (New Living Translation).
19. Nicholas De Lange, An Introduction to Judaism (Cambridge University Press, 2000), 30.
20. Hertzberg, Zionist Idea, 64.
21. Aviezer Ravitzky, Messianism, Zionism, and Jewish Religious Radicalism (University of Chicago Press, 1993), 10.
22. Taub, The Settlers, 23.
23. Ibid.
24. Friedman, Zealots, xxviii.
25. Ravitzky, Messianism, 42.
26. Ibid., 11.
27. Ibid., 10–11.
28. Ibid., 11.
29. Ibid., 15.
30. Ibid., 11–12.
31. Ravitzky, Messianism, 30.
32. Asher Cohen and Bernard Susser, Israel and the Politics of Jewish Identity: The Secular-Religious Impasse (Baltimore: John Hopkins University Press, 2000), 4.
33. Ravitzky, Messianism, 86 and Ian S. Lustick, For the Land and the Lord: Jewish Fundamentalism in Israel (New York: Council on Foreign Relations Press, 1988), 29.
34. Ravitzky, Messianism, 87.
35. Ibid., 104, 112.
36. Ibid., 112. Brackets inserted by author for clarification.
37. Prov. 21:1 (New King James Version) the concept of God -dir-ecting the actions of those who do not believe´-or-follow Him is common in -script-ure, including: Prov. 16:9 Ex. 9:12 and Isa. 41:2 (according to most biblical scholars, Isaiah 41:2 refers to Cyrus of Persia).
38. Ravitzky, Messianism, 114, 102.
39. Ibid., 113.
40. Rabbi Abraham Kook, quoted in Ravitzky, Messianism, 105.
41. Ravitzky, Messianism, 136.
42. Taub, The Settlers, 45.
43. Num. 33:53 (New Living Translation).44. Taub, The Settlers, 74.
45. Ravitzky, Messianism, 115.
46. Ibid., 139.
47. Ibid., 131.
48. Lustick, For the Land, 5.
49. Gershom Gorenberg, The Accidental Empire: Israel and the Birth of the Settlements, 1967–1977 (New York: Times Books, 2006), 86.
50. Ibid., 49.
51. “Convention (IV) relative to the Protection of Civilian Persons in Time of War,” Geneva, August 12, 1949, http://www.icrc.org/ihl.nsf
/385ec082b509e76c41256739003e636d/6756482d86146898c125641e004aa3c5.
52. Gorenberg, Accidental Empire, 127.
53. Gorenberg, Accidental Empire, 118.
54. Ibid., 182–83.
55. Ibid., 75.
56. Ibid., 110, 113, 125.
57. Ibid., 46.
58. Ibid., 45.
59. Gorenberg, Accidental Empire, 63.
60. Ibid., 58.
61. Ibid., 59.
62. Ibid., 63.
63. Ibid., 52–53.
64. Ibid., 69.
65. Ibid., 102.
66. Gorenberg, Accidental Empire, 113–14.
67. Ibid., 70.
68. Ibid., 97–98.
69. Ibid., 122.
70. Ibid., 97.
71. Ibid., 110.
72. Ibid., 167.73. Gorenberg, Accidental Empire, 40.
74. Ibid.
75. Ibid., 49.
76. Ibid., 75.
77. Ibid., 167.
78. “The Allon Plan,” Jewish Virtual Library, accessed May 16, 2014,http://www.jewishvirtuallibrary.org/jsource/History/allonplan.html.
79. Gorenberg, Accidental Empire, 81.
80. Ibid., 80–81, 152.
81. Ibid., 51.
82. Ibid., 124, 179.
83. Gorenberg, Accidental Empire, 50.
84. Ibid., 82.
85. Ibid.
86. Shaul Arieli, “The five fists-Dayan plan - the mountain ridge plan, 1968,” ShaulArieli.com,accessed May 16, 2014,
http://www.shaularieli.com/image/users/77951/ftp/my_files/maps_in_english/Policy%20Programs/Map_13
-The-five-fists--Dayan-plan---the-mountain-ridge-plan_-1968.gif?id=10168453.
87. Gorenberg, Accidental Empire, 172–73.
88. Ibid., 172.
89. Ibid., 51, 82.
90. Ibid., 175.
91. Gorenberg, Accidental Empire, 98.
92. Ibid., 182.
93. Gorenberg, Accidental Empire, 178.
94. Ibid., 186.
95. Ibid., 190, 205, 212–14.
96. Ibid., 230, 244.
97. Ibid., 195.
98. Ibid., 191.
99. Gorenberg, Accidental Empire, 264, 268.
100. Ibid., 271.
101. Ibid., 274, 283.
102. Ibid., 318.
103. Ibid., 311.
104. Ibid., 346.
105. Ibid., 289, 298.
106. Ibid., 291, 308.
107. Ibid., 314, 317, 326.
108. Gorenberg, Accidental Empire, 294, 340.
109. Ibid., 355.
110. Ibid., 356.
111. Ibid., 347.
112. Taub, The Settlers, 61.
113. Lustick, For the Land, 40.
114. Ibid.
115. Ibid.
116. Taub, The Settlers, 65.
117. Taub, The Settlers, 67.
118. Ibid., 66.
119.Ariella Azoulay and Adi Ophir, The One-State Condition: Occupation and Democracy in Israel/Palestine (Stanford University Press, 2013), 61.
120. Benny Morris, Righteous Victims: A History of the Zionist-Arab Conflict, 1881–2001 (New York: Vintage Books, 2001), 487.
121. Guy Ben-Porat, Yagil Levy, Sholmo Mizrahi, Arye Naor, and Erez Tzfadia, Israel Since 1980 (Cambridge University Press, 2008), 50.
122. “Menachem Begin,” Israel Ministry of Foreign Affairs, March 18, 2014,
http://www.mfa.gov.il/mfa/aboutisrael/state/pages/menachem%20begin.aspx Ben-Porat, Levy, Mizrahi, Naor, and Tzfadia, Israel Since 1980, 76.
123. Ben-Porat, Levy, Mizrahi, Naor, and Tzfadia, Israel Since 1980, 76.
124. “Yitzhak Shamir,” Israel Ministry of Foreign Affair, accessed March 17, 2014,
http://www.mfa.gov.il/mfa/aboutisrael/state/pages/yitzhak%20shamir.aspx.
125. Joel Brinkley, “Yitzhak Shamir, Former Israeli Prime Minister, Dies at 96,” New York Times, June 30, 2012, http://www.nytimes.com/2012/07/01/world/middleeast/yitzhak-shamir-former-primeminister-
of-israel-dies-at-96.html?pagewanted=all&_r=0 and Azriel Bermant, “The legacy of Yitzhak Shamir,” The Telegraph, July 3, 2012, http://www.telegraph.co.uk/comment/9373386/The-legacy-of-Yitzhak-Shamir.html.
126. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 64.
127. Ibid.
128. Ben-Porat, Levy, Mizrahi, Naor, and Tzfadia, Israel Since 1980, 76.
129. Ben-Porat, Levy, Mizrahi, Naor, and Tzfadia, Israel Since 1980, 96 Lustick, For the Land, 124.
130. Lustick, For the Land, 161.
131. Ibid., 124.
132. “Biography of Yitzhak Shamir,” Zionism and Israel – Biographies, accessed March 18, 2014,
http://www.zionism-israel.com/bio/Itzhak_Shamir_biography.htm.
133. Gorenberg, Accidental Empire, 150.
134. Ibid., 369.
135. William L. Cleveland and Martin Bunton, “Israeli-Palestinian Relations After the Oslo Accords,” In The Contemporary Middle East: A Westview Reader, ed. Karl Yambert (Philadelphia: Westview Press, 2010), 89.
136. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 81.
137. Morris, Righteous Victims, 567.
138. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 81.
139. Ibid.
140. Ben-Porat, Levy, Mizrahi, Naor, and Tzfadia, Israel Since 1980, 66.
141. Neve Gordon, Israel’s Occupation (Berkley, CA: University of California Press, 2008), 168 Morris, Righteous Victims, 567.
142. Morris, Righteous Victims, 566.
143. “Biography of Yitzhak Shamir”
144. Gorenberg, Accidental Empire, 369.
145. Lustick, For the Land, 161.
146. Gordon, Israel’s Occupation, 156.
147. Taub, The Settlers, 88.
148. Joshua Mitnick, “Obama demands that Israel stop settlements. How feasible is that?” The Christian Science Monitor, May 21, 2009, accessed March 12, 2014,http://www.csmonitor.com/World/Middle-East/2009/0521/p06s01-wome.html.
159. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 164 Morris, Righteous Victims, 260.
160. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 96.
161. Morris, Righteous Victims, 636.
162. Ibid.
163. Robert O. Freedman, “Israel and the Arabs, and Beyond,” In The Contemporary Middle East: A Westview Reader, ed. Karl Yambert (Philadelphia: Westview Press, 2010), 73.
164. Cleveland and Bunton, “Israeli-Palestinian Relations,” 96–97.
165. Morris, Righteous Victims, 648.
166. Gorenberg, Accidental Empire, 371.
167. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 88.
168. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 88.
169. Morris, Righteous Victims, 650.
170. Ibid., 652.
171. Dan Ephron, “Israeli Defense Minister Barak Quits Politics,” The Daily Beast, November 26, 2012, accessed March 19, 2014, http://www.thedailybeast.com/articles/2012/11/26/israeli-defenseminister-barak-quits-politics.html.
172. Morris, Righteous Victims, 653.
173. Morris, Righteous Victims, 659 Gordon, Israel’s Occupation, 197.
174. Morris, Righteous Victims, 654.
175. Gorenberg, Accidental Empire, 372.
176. Morris, Righteous Victims, 659.
177. Ibid., 660–673.
178. “Israeli-Palestinian settlements deadlock: Echo of Sharon’s policies?” RT.com, January 11, 2014, accessed March 15, 2014, http://rt.com/news/israel-settlements-ariel-sharon-466/.
179. Gorenberg, Accidental Empire, 373.
180. Joyce Dalsheim, Unsettling Gaza: Secular Liberalism, Radical Religion, and the Israeli Settlement Project, (Oxford University Press, 2011), 8.
181. Mitnick, “Obama demands.”
182. Taub, The Settlers, 123.
183. Gorenberg, Accidental Empire, 374.
184. Taub, The Settlers, 123.
185. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 88.
186. Gorenberg, Accidental Empire, 374.
187. Taub, The Settlers, 10.
188. “Israel’s Plan,” Australians For Palestine, 2008, accessed May 16, 2014,http://www.australiansforpalestine.net/solutions/israels-plan.
189. Ben-Porat, Levy, Mizrahi, Naor, and Tzfadia, Israel Since 1980, 88–89.
190. Angela Godfrey-Goldstein, “Ehud Olmert’s “Convergence Plan.”“ The Electronic Intifada, May 29, 2006, accessed March 13, 2014, http://electronicintifada.net/content/ehud-olmerts-convergenceplan/5986.
191. “Ehud Olmert,” Jewish Virtual Library, accessed March 12, 2014, https://www.jewishvirtuallibrary.org/jsource/biography/olmert.html 192. Godfrey-Goldstein, “Olmert’s Convergence Plan.”
193. Phoebe Greenwood, “Ehud Olmert convicted in corruption case,” The Guardian, July 10, 2012,
http://www.theguardian.com/world/2012/jul/10/ehud-olmert-guilty-corruption.
194. “Israeli settler population surges under Netanyahu.” Fox News. July 09, 2012, accessed March 12,
2014, http://www.foxnews.com/world/2012/07/09/israeli-settler-population-surges-under-netanyahu/.
195. “Israeli settler population.”
196. “Israeli settler population.”
197. “United Nations Resolution 67/19,” General Assembly of the United Nations: 67th Session, accessed March 12, 2014,
http://www.un.org/en/ga/search/view_doc.asp?symbol=A/67/PV.44.
198. Herb Keinon, “Netanyahu: Gov’t okayed E1 planning, not building,” The Jerusalem Post, December 2, 2012, accessed March 18, 2014, http://www.jpost.com/Diplomacy-and-Politics/Netanyahu- Govt-okayed-E1-planning-not-building.
199. Ehud Sprinzak, The Ascendance of Israel’s Radical Right (Oxford University Press, 1991), 150.
200. “Facts on the Ground: The APN Map Project, Americans for Peace Now,” 2011,http://archive.peacenow.org/map.php.
201. Gorenberg, Accidental Empire, 80.
202. Ibid., 151.
203. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 50.
204. Gorenberg, Accidental Empire, 138.
205. Ibid., 139.
206. Lustick, For the Land, 42.
207. Gorenberg, Accidental Empire, 143.
208. Ibid., 145.
209. Gorenberg, Accidental Empire, 158.
210. Lustick, For the Land, 42.
211. Ibid., 43.
212. Gorenberg, Accidental Empire, 145–50.
213. Facts on the Ground, http://archive.peacenow.org/map.php.
214. Gorenberg, Accidental Empire, 281.
215. Gorenberg, Accidental Empire, 293.
216. Ibid., 294.
217. Ibid., 294.
218. Ibid., 309–10.
219. Ibid., 329.
220. Gorenberg, Accidental Empire, 331, 339. Camp Kaddum would later become the Kdumim settlement (Taub, The Settlers), 60.
221. Gorenberg, Accidental Empire, 308.
222. Ehud Sprinzak, Brother Against Brother: Violence and Extremism in Israeli Politics from Altalena to the Rabin Assassination (New York: The Free Press, 1999), 252.
223. Sprinzak, Brother, 252.
224. Ibid., 253.
225. Facts on the Ground, http://archive.peacenow.org/map.php.
226. Lustick, For the Land, 8.
227. Taub, The Settlers, 85.
228. Ibid., 97.
229. Aviezer Ravitzky quoted in Taub, The Settlers, 100.
230. Taub, The Settlers, 110.
231. Sason, “Summary,” n.p.
http://www.mfa.gov.il/mfa/aboutisrael/state/law/pages/summary%20of%20opinion%20concerning%20una
uthorized%20outposts%20-%20talya%20sason%20adv.aspx.
232. Sason, “Summary,” n.p.
http://www.mfa.gov.il/mfa/aboutisrael/state/law/pages/summary%20of%20opinion%20concerning%20una
uthorized%20outposts%20-%20talya%20sason%20adv.aspx.
233. These outposts are illegal when compared to the previous settlements, which were approved according to Israeli law. All settlements, however, are illegal according to the Fourth Geneva Convention. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 92.
234. Sason, “Summary,” n.p.
http://www.mfa.gov.il/mfa/aboutisrael/state/law/pages/summary%20of%20opinion%20concerning%20una
uthorized%20outposts%20-%20talya%20sason%20adv.aspx.
235. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 91.
236. Taub, The Settlers, 111.
237. Ibid., 111.
238. Gordon, Israel’s Occupation, 124.
239. Ibid.
240. Liebman and Don-Yehiya, Religion and Politics, 57.
241. Israel Political Parties: the Jewish Home, Jewish Virtual Library, accessed June 14, 2014,
https://www.jewishvirtuallibrary.org/jsource/Politics/JewishHome.html.
242. Third Knesset, Knesset.gov.il,
https://www.knesset.gov.il/review/ReviewPage2.aspx?kns=3&lng=3. The merger forming the NRP happened a year after the elections.
243. Cohen and Susser, Israel and the Politics, 48.
244. Ibid., 49.
245. The Jewish Home, https://www.jewishvirtuallibrary.org/jsource/Politics/JewishHome.html.
246. Cohen and Susser, Israel and the Politics, 58 Ben-Porat, Levy, Mizrahi, Naor, and Tzfadia,Israel Since 1980, 34.
247. National Religious Party, Jewish Virtual Library, accessed June 14, 2014,
http://www.jewishvirtuallibrary.org/jsource/judaica/ejud_0002_0015_0_14603.html.
248. Gorenberg, Accidental Empire, 150.
249. Sason, “Summary,” n.p.
http://www.mfa.gov.il/mfa/aboutisrael/state/law/pages/summary%20of%20opinion%20concerning%20una
uthorized%20outposts%20-%20talya%20sason%20adv.aspx.
250. Sixteenth Knesset: Government 30, Governments of Israel, accessed June 14, 2014,
http://www.knesset.gov.il/govt/eng/GovtByNumber_eng.asp?govt=30.
251. Sason, “Summary,” n.p.
http://www.mfa.gov.il/mfa/aboutisrael/state/law/pages/summary%20of%20opinion%20concerning%20una
uthorized%20outposts%20-%20talya%20sason%20adv.aspx
252. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 92.
253. Taub, The Settlers, 203n1.
254. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 92.
255. Charles S. Liebman, ed., Religious and Secular: Conflict and Accomodation Between Jews in Israel (Jerusalem: Keter Publishing House, 1990), 134.
256. Israel Political Parties: Tehiya, Jewish Virtual Library, accessed June 14, 2014, https://www.jewishvirtuallibrary.org/jsource/Politics/Tehiya.html.
257. Friedman, Zealots, 140–41.
258. Mark Juergensmeyer, Terror in the Mind of God: The Global Rise of Religious Violence (Berkley,CA: University of California Press, 2001), 58.
259. Juergensmeyer, Terror, 56.
260. Israel Political Parties: Kach, Jewish Virtual Library, accessed June 14, 2014,https://www.jewishvirtuallibrary.org/jsource/Politics/kach.html.
261. Ibid.
262. Juergensmeyer, Terror, 54.
263. Taub, The Settlers, 110.
264. Ibid., 88.
265. Liebman, Religious and Secular, 148.
266. Sprinzak, Brother, 147.
267. Ibid., 149.
268. Gideon Shimoni, The Zionist Ideology (Hanover: Brandeis University Press, 1997), 151.
269. Cohen and Susser, Israel and the Politics, 57.
270. Ravitzky, Messianism, 80.
271. Shimoni, Zionist Ideology, 343 Taub, The Settlers, 45.
272. Sprinzak, Brother, 154.
273. Ibid., 155.
274. Abraham Kook quoted in Ravitzky, Messianism, 105.
275. Ben-Porat, Levy, Mizrahi, Naor, and Tzfadia, Israel Since 1980, 153.
276. Sprinzak, Brother, 146.
277. Ibid., 170.
278. Ibid., 177.
279. Sprinzak, Brother, 149–51.
280. Ibid., 150.
281. Friedman, Zealots, 3–4.
282. Ibid., 4.
283. Sprinzak, Brother, 156.
284. Ibid., 146, 179.
285. Lustick, For the Land, 69.
286. Sprinzak, Brother, 146
287. Sprinzak, Brother, 171.
288. Ibid., 207, 215, 245.
289. Taub, Settlers, 100.
290. Sprinzak, Brother, 174.
291. Settlements and Outposts, Peace Now, accessed June 14, 2014,
http://peacenow.org.il/eng/content/settlements-and-outposts. Spreadsheet appears under the link “DOWNLOAD Settlements and Outposts Numbers and Data.”
292. Sprinzak, Brother, 150.
293. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 49.

LIST OF REFERENCES
“The Allon Plan.” Jewish Virtual Library. Accessed May 16, 2014.
http://www.jewishvirtuallibrary.org/jsource/History/allonplan.html.
Arieli, Shaul. “The five fists-Dayan plan - the mountain ridge plan, 1968.” ShaulArieli.com. Accessed May 16, 2014.
http://www.shaularieli.com/image/users/77951/ftp/my_files/maps_in_english/Policy%20Programs/Map_13-The-five-fists--Dayan-plan---the-mountain-ridge-plan_-1968.gif?id=10168453.
Azoulay, Ariella, and Adi Ophir. The One-State Condition: Occupation and Democracy in Israel/Palestine. Stanford University Press, 2013.
Ben-Porat, Guy, Yagil Levy, Sholmo Mizrahi, Arye Naor, and Erez Tzfadia. Israel Since 1980. Cambridge University Press, 2008.
Bermant, Azriel. “The Legacy of Yitzhak Shamir.” The Telegraph. July 3, 2012.
http://www.telegraph.co.uk/comment/9373386/The-legacy-of-Yitzhak-Shamir.html.
“Biography of Yitzhak Shamir.” Zionism and Israel - Biographies. Accessed March 18, 2014.
http://www.zionism-israel.com/bio/Itzhak_Shamir_biography.htm.
Brinkley, Joel. “Yitzhak Shamir, Former Israeli Prime Minister, Dies at 96.” New York Times. June 30, 2012.
http://www.nytimes.com/2012/07/01/world/middleeast/yitzhak-shamir-formerprime-minister-of-israel-dies-at-96.html?pagewanted=all&_r=0.
Butler, Judith. Parting Ways: Jewishness and the Critique of Zionism. New York: Columbia University Press, 2012.
Cleveland, William L, and Martin Bunton. “Israeli-Palestinian Relations After the Oslo Accords.” In The Contemporary Middle East: A Westview Reader, edited by Karl Yambert, 87–103. Philidelphia: Westview Press, 2010.
Cohen, Asher, and Bernard Susser. Israel and the Politics of Jewish Identity: The Secular-Religious Impasse. Baltimore: Johns Hopkins University Press, 2000.
Cohn-Sherbok, Dan, and Dawoud El-Alami. The Palestine-Israeli Conflict: A Beginner’s Guide. Oxford: Oneworld Publications, 2003.
“Convention (IV) relative to the Protection of Civilian Persons in Time of War.” Geneva.August 12, 1949.
http://www.icrc.org/ihl.nsf/385ec082b509e76c41256739003e636d/6756482d86146898c125641e004aa3c5.
Cross, Remy, and David A. Snow. “Radicalism within the Context of Social Movements:Processes and Types.” Journal of Strategic Security 4, no. 4 (2011): 115–30.
Dalsheim, Joyce. Unsettling Gaza: Secular Liberalism, Radical Religion, and the Israeli Settlement Project. Oxford University Press, 2011.
De Lange, Nicholas. An Introduction to Judaism. Cambridge University Press, 2000. “Ehud Olmert.” Jewish Virtual Library. Accessed March 12, 2014.
https://www.jewishvirtuallibrary.org/jsource/biography/olmert.html.
Ephron, Dan. “Israeli Defense Minister Barak Quits Politics.” The Daily Beast.November 26, 2012.
http://www.thedailybeast.com/articles/2012/11/26/israelidefense-minister-barak-quits-politics.html.
“Facts on the Ground: The APN Map Project. Americans for Peace Now.” 2011,http://archive.peacenow.org/map.php
Freedman, Robert O. “Israel and the Arabs, and Beyond.” In The Contemporary Middle East: A Westview Reader, edited by Karl Yambert, 67–74. Philidelphia: Westview Press, 2010.
Friedman, Robert I. Zealots for Zion: Inside Israel’s West Bank Settlement Movement. New Brunswick, New Jersey: Rutgers University Press, 1992.
Godfrey-Goldstein, Angela. “Ehud Olmert’s “convergence plan.”“ The Electronic
Intifada. May 29, 2006. http://electronicintifada.net/content/ehud-olmertsconvergence-plan/5986.
Gordon, Neve. Israel’s Occupation. Berkley, CA: University of California Press, 2008.
Gorenberg, Gershom. The Accidental Empire: Israel and the Birth of the Settlements, 1967–1977. New York: Times Books, 2006.
Greenwood, Phoebe. “Ehud Olmert convicted in corruption case.” The Guardian. July 10, 2012. http://www.theguardian.com/world/2012/jul/10/ehud-olmert-guiltycorruption.
Hertzberg, Arthur. The Zionist Idea: A Historical Analysis and Reader. Washington, D.C.: Jewish Publication Society, 1997.
“Israeli settler population surges under Netanyahu.” Fox News. July 09, 2012.
http://www.foxnews.com/world/2012/07/09/israeli-settler-population-surgesunder-netanyahu/.
“Israeli-Palestinian settlements deadlock: Echo of Sharon’s policies?” RT.com. January 11, 2014. http://rt.com/news/israel-settlements-ariel-sharon-466/.
“Israel’s Plan.” Australians For Palestine, 2008. Accessed May 16, 2014.
http://www.australiansforpalestine.net/solutions/israels-plan.
Jamal, Amal. The Palestinian National Movement: Politicts of Contention, 1967–2005.Bloomingtion: Indiana University Press, 2005.
Juergensmeyer, Mark. Terror in the Mind of God: The Global Rise of Religious Violence.Berkley, CA: University of California Press, 2001.
Keinon, Herb. “Netanyahu: Gov’t okayed E1 planning, not building.” The Jerusalem Post. December 2, 2012. http://www.jpost.com/Diplomacy-and-Politics/Netanyahu-Govt-okayed-E1-planning-not-building.
Laqueur, Walter. A History of Zionism: From the French Revolution to the Establishment of the State of Israel. New York: Schocken Books, 2003.
Lesch, Ann M, and Ian S Lustick,. Exile and Return: Predicaments of Palistinians and Jews. Philadelphia: University of Pennsylvannia Press, 2005.
Liebman, Charles S, ed. Religious and Secular: Conflict and Accomodation Between Jews in Israel. Avi Chai, 1990.
Liebman, Charles S, and Eliezer Don-Yehiya. Religion and Politics in Israel.Bloomington: Indiana University Press, 1984.
Lustick, Ian S. For the Land and the Lord: Jewish Fundamentalism in Israel. New York:Counsil on Foreign Relations, 1988.
“Menachem Begin.” Israel Ministry of Foreign Affairs. March 18, 2014.
http://www.mfa.gov.il/mfa/aboutisrael/state/pages/menachem%20begin.aspx.
Mitnick, Joshua. “Obama demands that Israel stop settlements. How feasible is that?”The Christian Science Monitor. May 21, 2009.
http://www.csmonitor.com/World/Middle-East/2009/0521/p06s01-wome.html.
Morris, Benny. Righteous Victims: A History of the Zionist-Arab Conflict, 1881–2001. New York: Vintage Books, 2001.
Peretz, Don. The West Bank: History, Politics, Society, and Economy. Boulder: Westview Press, 1986.
Ravitzky, Aviezer. Messianism, Zionism, and Jewish Religious Radicalism. University of Chicago Press, 1993.
Robinson, Glenn E. “The Palestinians.” In The Contempory Middle East: A Westview Reader, edited by Karl Yambert, 55–66. Philidelphia: Westview Press, 2010.
Rodinson, Maxime. Israel and the Arabs. New York: Penquin Books, 1982.
Said, Edward W. The Question of Palestine. New York: Vintage Books, 1992.
Sason, Talya. “Summary of the Opinion Concerning Unauthorized Outposts.” Israel Ministry of Foreign Affairs. March 10, 2005.
http://www.mfa.gov.il/mfa/aboutisrael/state/law/pages/summary%20of%20opinio
n%20concerning%20unauthorized%20outposts%20-%20talya%20sason%20adv.aspx.
Shafir, Gershon, and Yoav Peled. Being Israeli: The Dynamics of Multiple Citizenship.Cambridge University Press, 2002.
Shimoni, Gideon. The Zionist Ideology. Hanover: Brandeis University Press, 1997.
Shindler, Colin. A History of Modern Israel. Cambridge University Press, 2013.
———. The Triumph of Military Zionism: Naمن المفارقات التي نتجت عن انتصار إسرائيل في حرب الأيام الستة عام 1967 استمرار الصراع وتواصله [بدلا من إنهائه] . فقد كان للحرب تأثير على الأمن الدولي و عدم الاستقرار الإقليمي في المنطقة فضلا عن انخراط إسرائيل في صراع داخلي تمحور حول استيطان الأراضي المحتلة و إدارة السكان الفلسطينيين الخاضعين للاحتلال . و تشكل الصهيونية الدينية أحد أذرع هذا الصراع ,حيث تقف كإيديولوجية وسط بين الصهيونية العلمانية التي أسسها ثيودور هرتزل في العام 1897 و بين التعاليم التقليدية الحاخامية التي ترفض جهد الإنسان في تأمين العودة إلى أرض إسرائيل القديمة. و تقوم الصهيونية الدينية على الاعتقاد بأن اليهود ملزمون بالعودة إلى إسرائيل باعتبارها توصية إلهية , وقد خلق الاحتلال [الإسرائيلي لبقية فلسطين الانتدابية و يناء و مرتفعات الجولان] شروطا ملائمة للحركة الصهيونية الدينية للصدام مع الحكومة الإسرائيلية العمالية لرغبة أعضائها الاستحواذ على الأراضي المحتلة حديثا و استيطانها بغض النظر عن المخاوف المتعلقة بالأمن القومي. و يمكنني الزعم هنا أن الحركة الصهيونية الدينية الصغيرة كان لها تأثير كبير لا يتناسب مع حجمها الديمغرافي على سياسات الحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بالمشاريع الاستيطان ,الأمر الذي من شأنه أن يكون له عواقب على مصير عملية السلام و مستقبل الشرق الأوسط .
أ) سؤال البحث الرئيسي:
شكلت حرب حزيران-يونيو 1967 أو حرب الايام الستة والنصر الذي حققته إسرائيل على حساب العرب حدثا كان له عواقب لاحقة وتأثيرا قويا صدم إسرائيل وجيرانها العرب والعالم. فعلى مدى تسعى عشر عاما [وهي الفترة الممتدة من قيام الدولة حتى الحرب]، كان الإسرائيليون يخشون من تعرضهم لهجوم تشنه دول الجوار المعادية التي رأت في وجود إسرائيل كغزو لأراضيهم . وقد وجدت إسرائيل ,المنتشية بنصرها غير المسبوق, نفسها تسيطر على مساحة شاسعة مما كان يعتبر أرض الأجداد التوراتية اليهودية القديمة, وبركوب موجة الإثارة هذه و الأهمية التاريخية للحدث ، سارعت كل من الحكومة الإسرائيلية وعناصر من السكان المدنيين إلى المطالبة بتثبيت قبضتهم على الأراضي المحتلة, من خلال افتراض مبررات تسوغ احتلال واستيطان القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان وشبه جزيرة سيناء بعدة طرق مختلفة لتشمل الأمن العسكري والقدرة على المساومة الدبلوماسية و مبررات قومية علمانية أو ثقافية والانتقام من الهزائم الأخيرة أو إعادة بناء المستوطنات المفقودة والوصية الدينية, ويرى الصهاينة المتدينون في الاستحواذ على أرض إسرائيل القديمة و استيطانها تفويضا توراتيا ،عليه أن يأخذ مكان الصدارة و يحل محل جميع الافتراضات و المبررات المطروحة وهو ما يمكن إنجازه من خلال العمل المشترك للرب والإنسان (1)
تسعى هذه الدراسة إلى تحديد ما إذا كان للصهيونية الدينية تأثير كبير على سياسات إسرائيل الاستيطانية بعد حرب 1967. فعلى عكس التطرف الإسلامي ، لا يتوفر لدينا معرفة واسعة بصورة عامة بشأن العناصر التي تشكل التطرف الصهيوني , وتتراوح الممارسات الإسرائيلية من مصادرة الأراضي إلى الاغتيالات المستهدفة, وتم تنفيذ مثل هذه الإجراءات من قبل منظمات حكومية و غير حكومية و جماعات إرهابية معروفة . و ينظر الكثيرون في الغرب إلى إجراءات إسرائيل المتطرفة على أنها مجرد جهود تضمن من خلالها [إسرائيل] أمنها وبقائها. بيد أن للصهاينة المتدينين الراديكاليين هدف مختلف يتمثل في طرد غير اليهود من أرض إسرائيل القديمة (أرض إسرائيل)(2), و لتحقيق هذا فإن الخطوة الأولى تقوم على الاحتلال الدائم للضفة الغربية, ولم تكن المستوطنات سوى ذريعة لتسويغ كل من الاحتياجات الأمنية للدولة العلمانية وأهداف الصهيونية الدينية على حد سواء , فهل لدى العناصر الدينية الصهيونية فرصة كبيرة للتأثير على سياسة الاستيطان الإسرائيلية الرسمية في الأراضي المحتلة؟ هل لهذا تأثير على عملية السلام العربية الإسرائيلية ودولة فلسطين المستقبلية؟
ب )الأهمية
تأسست الحركة الصهيونية رسميا على يد ثيودور هرتزل في العام 1897 (3), ضمن سياق كان في جزء منه رداً على تزايد معاداة السامية في أوروبا وأجزاء أخرى من العالم(4) . وحتى العام 1948 ، روجت الصهيونية لإنشاء وطن يهودي في أرض إسرائيل القديمة(5) , واشتملت السياسات الصهيونية قبل العام 1948 على تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين ، وتمويل المستوطنات هناك ، والضغط على القوى العالمية لدعم إنشاء وطن قومي لليهود, و توجت الحركة جهودها في العام 1948 بإقامة دولة إسرائيل الحديثة ، ومنذ ذلك الوقت استمرت [الصهيونية] في دعم إسرائيل.
نتج عن الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967 هزيمة التحالف العربي ، واحتلال إسرائيل للقدس الشرقية وشبه جزيرة سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية ومرتفعات الجولان. وباستثناء سيناء وقطاع غزة، بقيت هذه الأراضي محتلة وتم تشجيع المستوطنات اليهودية فيها , و تزعم الصهيونية الدينية بوصفها فرع من الحركة الصهيونية أن الاستيلاء اليهودي على أرض إسرائيل هو تفويض من الرب (6) .ويعتبر أتباعها الضفة الغربية جزءاً لا يتجزأ من دولة إسرائيل ويبدون مقاومة لعدم خسارتها. ونتيجة لذلك ،خلقت توجهات الصهيونية الدينية تداعيات بعيدة المدى على الصراع العربي الإسرائيلي ومستقبل أي عملية سلام. قد تمثل الصهيونية الدينية أقلية من السكان الإسرائيليين ، لكنها في المقابل تتضمن التزام أخلاقي بالنسبة للبعض مما يساهم في خلق تأثيرات هائلة غير متناسبة على المناخ العام السائد في المنطقة, قد تكون هذه الآثار ناتجة عن تصرفات رسمية مثل نشاط الحزب القومي الديني، أو قد تكون غير رسمية ،مثل العصيان المدني للمتطرفين المتدينين الصغار ، أو قد تكون أعمال إرهابية كما حدث في مجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل .
ج) المشاكل و الفرضيات
يعد موضوع الصهيونية الدينية وتأثيرها على سياسة الاستيطان موضوعا معقد واستفزازيا. و يظهر لنا على الفور العديد من المشاكل التي تقدم نفسها عند طرح مثل هذا التأثير ,فأولا ثمة مشكلة تتعلق بالمصطلحات والتعريفات. فالصهيونية تعني أشياء مختلفة عند أشخاص مختلفين وبالتالي يصعب تحديدها ؛ وهذا يعني تعدد أنواع الصهيونية. بالإضافة إلى ذلك ، هناك العديد من المصطلحات التي ترتبط بموضوع الصهيونية ، بما في ذلك المسيانية ، والأصولية ، وأنماط مختلفة من الأرثوذكسية اليهودية ، والتطرف الديني . كل هذه الشروط شائعة الاستخدام ، وفي بعض الحالات ، تكون ذات قابلية تبادلية . والفشل في تحديد واضح لهذه المصطلحات يزيد من حدة الارتباك في أي نقاش يثار حول هذه المواضيع. أما المشكلة الثانية فتتمثل في الطبيعة الذاتية للدوافع. إذ ليس من المجدي بالنسبة لأولئك الذين يدرسون الصهيونية الدينية أن يناقشوا مع الفاعلين الرئيسيين دوافع تصرفاتهم ،فضلا عن أن الردود لا تعكس الحقيقة بالضرورة . ومع ذلك ، يجب التقليل من الافتراضات والاستدلالات ، وعند الضرورة ، طرح ملاحظات على درجة ما من الثقة . ويمكن القول إن اقتباسات شخص ما هي أفضل مؤشر لتحديد دوافعه. كما سيكون من المجدي فحص الأفعال في ضوء العلاقات الشخصية والانتماءات الجماعية وتسلسل الأحداث أما المشكلة الثالثة فترتبط في علاقة الولايات المتحدة مع إسرائيل. و بسبب من حجم الدعم السياسي والعسكري والدولي الذي تتلقاه إسرائيل من الولايات المتحدة ، لا يسع هذه الأخيرة سوى التردد في الاعتراف بتأثر الحكومة الإسرائيلية بالدين أو برعايتها للعنف أو بارتكابها أعمالا إرهابية, فاعتراف الولايات المتحدة بكل ما سبق سوف يلحق أفدح الأضرار في العلاقات الأمريكية / الإسرائيلية و بمصداقية الولايات المتحدة في المجتمع الدولي.
وترى فرضيتي أن للصهيونية الدينية تأثير كبير على استيطان الأراضي المحتلة. وينعكس هذا التأثير في سياسات الدولة وأفعالها وفي تصرفات غير رسمية (أحيانًا غير قانونية) للمستوطنين أنفسهم. ولابد من الأخذ بعين الاعتبار مقدار التأثير الذي تمارسه الصهيونية الدينية ، والطبيعة المرنة للقناعة الدينية عند التطرق لمستقبل عملية السلام.قد تكون الصهيونية الدينية أكبر محدد فردي لمستقبل إسرائيل.
د) مراجعة الأدبيات
تعد إسرائيل موضوعا يثير حوله الجدل و يخلق العديد من الآراء و وجهات النظر المتنوعة. فأولئك الذين يؤيدون إسرائيل غالباً ما يفعلون ذلك بقناعة وإخلاص قويين ، بينما أولئك الذين يعارضونها ليسوا أقل تصميماً في معارضتهم. فعندما يتعلق الأمر بإسرائيل لا يوجد سوى القليل ممن يمكن وصفهم بالمحايدين حقا أو غير المنحازين ,و يمكن القول أن القضايا المتعلقة بإسرائيل سيطرت على الشؤون العالمية للقرن العشرين , لاسيما في أعقاب الحربين العالميتين وحقبة الحرب الباردة. وعلى الرغم من ظهور إسرائيل على المسرح العالمي تبقى القضايا المتعلقة بإسرائيل عصية على الفهم و ليس من السهل التعامل أو التعاطي معها , وفي حين يمكن استخدام وجهات نظر عدة مختلفة يمكن من خلالها رؤية إسرائيل, فإن الأمر يختلف عند الحديث عن الحركة الصهيونية , فعند دراسة الصهيونية ، ربما يكون التحول الأكثر بروزاً في الرؤية هو التباين بين النظرة الغربية و النظرة غير الغربية لها. ويصف غادي تاوب هذا في مقدمة كتابه "المستوطنون والكفاح حول معنى الصهيونية". فيرى أن الاختلاف الجوهري في الصهيونية هو في الرؤية الغربية و الرية غير الغربية لها، فمن هذا المنظور تنمو التباينات في الرؤية (7) .ويمثل اختلاف الرؤى هذا قيمة جوهرية و حاسمة في فهمنا للصهيونية , لاسيما في عملية تقويم مصادر تاريخ الصهيونية و نشاطها السياسي ، والصلات بالصراع أو العنف . ويتخذ العديد من الباحثين الصهاينة مقاربة تاريخية يصفون من خلالها تأسيس الحركة الصهيونية وقادتها الأوائل ودوافعهم ، إلى جانب الأحداث التاريخية الكبرى التي أثرت على الصهيونية مثل حرب [الاستقلال ]عام 1948 وحرب حزيران 1967 .
قام كل من روبرت فريدمان و آرثر هيرتزبيرغ و والتر لاكوير و جدعون شمعوني بنشر روايات تاريخية عن الحركة الصهيونية. فيركز فريدمان على المنظور غير الغربي الذي يناصره الزعماء الدينيون مثل الحاخام تسفي يهودا كوك و موشيه ليفنغر و مئير كهانا (8). في حين يسلط شمعوني الضوء على التأثيرات الغربية على الصهيونية. أما عبارة "الفكرة الصهيونية" التي أطلقها آرثر هيرتزبيرغ فهي تجميع لأعمال العديد من القادة الصهاينة الأوائل مع ملخص قصير يتضمن السيرة الذاتية لكل منهم ، مما يسهل فهم دوافعهم وأهدافهم الصهيونية. بالنسبة لهذه المقاربات التاريخية، يميل المنظور الغربي إلى التأكيد على معاداة السامية، والقومية اليهودية، وما ينتج عن ذلك من رغبة لوجود دولة ذات أغلبية يهودية. وفي المقابل، يؤكد المنظور غير الغربي على الثقافة اليهودية ، والرغبة في مكافحة الاستيعاب، وخاصة التأكيد على المزاعم الدينية التي تقول بأن وطن اليهود هو أرض إسرائيل القديمة (أرض إسرائيل)(9). وثمة مقاربة عامة لدراسة الحركة الصهيونية تتبنى وجهة نظر سياسية.
لقد دافع معظم السياسيين في إسرائيل عن الصهيونية ، لكن ما تعنيه الصهيونية لكل حزب مختلف تمامًا. وقد تناول عدد من الباحثين مثل تشارلز ليبمان ، وكولين شندلر ، وآشر كوهين ، وبرنارد سوسر ، التداخل الديني والسياسي لدى الصهيونية, وهنا يسعى التفسير الغربي للصهيونية لإبراز سياسة وقيم الغرب, أي الديمقراطية والرأسمالية وحقوق الإنسان والفصل بين الحكومة والدين. باختصار ، تهتم الصهيونية بإنشاء دولة يشكل فيها اليهود أغلبية إثنية و الحفاظ على أمنها, في حين تبدو النظرة غير الغربية مختلفة جدا فيما يتعلق بالتداخل ين الحكومة و الدين . ومن الأمثلة على ذلك الوجود المشترك للرمزية الدينية في الحكومة ، ومؤسسات الدولة مثل وزارة الشؤون الدينية ، وقوانين الدولة الدينية المتعلقة بالسبت (10). . ومن وجهة نظر أكثر صرامة للصهيونية الدينية ترى أن احتلال إسرائيل الكبرى وفرض قانون التوراة هو تفويض من الرب لتسهيل قدوم "العصر المسياني"(11 ) ,هذه النظرة غير الغربية للدين والدولة هي انعكاس مذهل لرؤية الجماعات الإسلامية التي تناضل من أجل قيام دولة إسلامية تحكمها الشريعة.
تنظر المقاربة الثالثة للصهيونية ضمن سياق الصراع العربي الإسرائيلي, و هذه المقاربة هي الأكثر شيوعًا ، مع التأكيد على الصراع نفسه مع الصهيونية كموضوع فرعي ، أو العكس. لقد كتب الكثير عن الصهيونية والصراع العربي الإسرائيلي، و يعد كتاب بيني موريس "الضحايا الصالحون" و كتاب مارتن سيكر "بين الهاشميين و الصهاينة" كأمثلة على هذا المنظور, في هذا السياق ، تؤكد وجهة النظر الغربية للصهيونية على حق إسرائيل في الوجود كأمة, و تسلط الضوء على معاناة اليهود التاريخية وتربط الصراع الحديث مع الفلسطينيين والدول العربية المجاورة بمعاداة السامية. و غالبًا ما يتم تصوير إسرائيل على أنها ضحية هجمات عنيفة ، ويجب عليها بدورها حماية نفسها من خلال العنف ,في المقابل ،تربط النظرة غير الغربية للصهيونية وللصراع العربي الإسرائيلي إسرائيل بالإمبريالية أو الاستعمار الغربي. ومن هذا المنظور، فإسرائيل عبارة عن قوة غزو خارجية قهرية تعتزم طرد السكان المحليين الفلسطينيين العرب أو الهيمنة عليهم ,والفلسطينيون ، وبدرجة أقل سكان البلدان المجاورة ، هم من وجهة النظر هذه ضحايا للعدوان الصهيوني. ويتفاقم هذا الأمر بسبب الاحتلال الإسرائيلي المستمر والقمع العنيف لحقوق الفلسطينيين, والأفعال المرتكبة بحقهم دون رادع على مرأى و مسمع من العالم (ولا سيما الغرب) الذي يكتفي بالمراقبة فقط .
وتركز المقاربة الرابعة في رؤية الحركة الصهيونية فيما يتعلق بالسياسة والمستوطنات على الصراع داخل إسرائيل حول معنى الصهيونية ، وطبيعة الدولة ، وطرق حل هذا الصراع . و ربما تكون هذه المقاربة هي الأكثر إغفالًا للصهيونية ، لكنها أيضا الأكثر أهمية و أكثرها جاذبية. لقد كان لهذا الصراع تأثيره الخطير على روح الشعب ,فماذا يعني أن تكون إسرائيليًا؟(12) هذا السؤال البسيط يقترب من تحديد هذا الجانب من الصراع ، لكنه يخطئ قليلاً. بيد أن الصراع يدور حول هوية الناس. هل الشعب إسرائيلي أم يهودي؟ هل هم أمة أم ثقافة؟ إثنية أم أعضاء في دين؟ الإجابة الفورية هي أن تكون إسرائيليا يعني أن تكون كل هذه الأشياء بآن معا, مع ذلك ، قد يكون الصراع الأكبر للصهيونية هو الإجابة على تلك الأسئلة, سيؤكد المنظور الغربي على القومية العلمانية والأغلبية اليهودية في دولة إسرائيل ، دون أن يحدد ما الذي يعرّف اليهودية. بينما سوف يرى المنظور غير الغربي أن الثقافة والدين هما القضية الحاسمة. و هنا حيث يتم كشف جذر المشكلة ينظر الصهاينة العلمانيون إلى الأراضي المحتلة على أنها مسائل أمنية، لكنهم حاولوا و سوف يحاولون مقايضة الأرض مقابل السلام(13). في حين لن يتوقف الصهاينة المتدينون و معهم أجزاء من مجموعات مثل المتطرفين التقليديين والأصوليين والميسيانيين و اليهود الراديكاليين عن المطالبة بإسرائيل الكبرى(14) - إن ملكية الأرض مرتبطة بقناعاتهم العميقة, و استخدم هؤلاء المتطرفون تكتيكات مختلفة -بما في ذلك العنف - ضد معارضيهم سواء كانوا فلسطينيين أو عربا أو حتى الإسرائيليين الآخرين. وتظهر عدد من المؤلفات الصراع الصهيوني الداخلي مثل كتاب "المستوطنون والكفاح حول معنى الصهيونية" لمؤلفه غادي تاوب ،وكتاب إيان س. لوستيك " من أجل الأرض والرب " ، و كتاب جوديث بتلر "سبل الافتراق : اليهودية ضد نقد الصهيونية" ،و كتاب " مسيانية ، صهيونية ، وراديكالية دينية متطرفة" ، بقلم آفيتزر رافيتسكي ، و "إخوة ضد إخوة" لإيهود سبرينزاك.
إلى أي مدى تبدو هذه الأقلية المتطرفة قوية بما يكفي للتأثير على سياسة الاستيطان ، وتخريب عمليات السلام ، أو حتى التهديد بالحرب الأهلية؟ من هذا المنظور ، أكبر عدو لإسرائيل هو في الداخل .
المقاربة الأخيرة التي سيتم تناولها هي وجهة نظر مختلفة تماما. في الفقرات السابقة ، تمت دراسة الصهيونية من المنظورين التاريخي والسياسي، وكذلك من منظور الصراع داخل الدولة وخارجها. أي أن دراسة الصهيونية الدينية وتأثيراتها على المستوطنات الإسرائيلية والنزاعات في الأراضي المحتلة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار المنظور الفلسطيني. هل يرى الفلسطينيون الاحتلال كنتيجة للسياسات الإسرائيلية الرسمية، أم كنتيجة لوجود الجماعات المتطرفة من المستوطنين؟ كم هو حجم العنف الذي يعاني منه الفلسطينيون سببه قوات الجيش الإسرائيلي بالنيابة عن المستوطنين أنفسهم؟ إذا كانت سياسات الدولة والجهات الفاعلة هم الجناة الرئيسيون ، فهل يمكن العثور على أصل هذه السياسات والإجراءات في عناصر الصهيونية الدينية داخل الحكومة الإسرائيلية؟
كتاب دون بيرتس "الضفة الغربية: التاريخ ، السياسة ، المجتمع ، والاقتصاد" وكتاب أمل جمال "الحركة الوطنية الفلسطينية: سياسة النزاع ، 1967-2005 ، يعتبران ممثلان لهذه الأدبيات.
لقد كتب الكثير عن الصراع العربي الإسرائيلي ، والصهيونية ، واستيطان الأراضي المحتلة. هناك العديد من الطرق للنظر في هذه الموضوعات ، كما تمت مناقشتها. ومع ذلك ، لا توجد دراسات محددة حول تأثير الصهيونية الدينية في سياسات إسرائيل الاستيطانية. هذا موضوع هام للدراسة لأنه إذا كان الدين قد تسلل إلى مستويات أعلى في الحكومة في إسرائيل ، أو أنه قادر على التلاعب بقرارات الحكومة ، فإن الطريقة التي ينظر بها العالم إلى إسرائيل ومستوطناتها سوف تتغير بشكل أساسي.
الحركة المتعلقة بالصهيونية الدينية :
خلافا للرأي الشائع ، ثمة صعوبات لاتزال قائمة في تعريف الصهيونية, ويبدو أن للكلمة وقعها الخاص المميز الذي يخلق أو يكشف عن تصورات مسبقة تتحدى التفسير, و بطبيعة الحال لا تمتاز تلك التصورات بكونها إيجابية دائما أو سلبية دائما, بل تميل لأن تكون مستقطبة بطريقة ما , على الرغم من أن الباحثين و الدارسين الأكاديميين يتصفون بالحياد وعدم التحيز أو التحيز ، فعند الحديث عن الصهيونية يكون الجهلاء وغير المتعلمين هم فقط المحايدون حقاً.
وفي هذا الصدد ينبغي لي , قبل شيء , الاعتراف بتعصبي , فقد نشأت في أسرة دينية في "حزام الكتاب المقدس" في جنوب الولايات المتحدة ،حيث كان العديد من أبطالي الإسرائيليين القدماء المتناثرة قصصهم في ثنايا العهدين القديم والجديد من الكتاب المقدس المسيحية. و بالإضافة إلى هذه القصص التعليمية والملهمة ، هناك ثمة آيات محددة ، بالنسبة لمن هم مثلي، تطالبنا بالولاء لصهيون, كما في سفر التكوين , الإصحاح 12 , "3 وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ" و كذلك مضمون الإصحاح 27 من سفر التكوين(15). غير أنه ليس كل أطياف المسيحيين يدعمون إسرائيل أو اليهود نظرا للطبيعة الانقسامية حيال هذا الأمر, فنلاحظ أن العديد من المسيحيين في الطرف الآخر من هذا الطيف يحملون اليهود مسؤولية موت يسوع. و يستدلون على هذا بمفهوم مختلف لتبرير معتقداتهم مثلما تجسده الآية 24 من الإصحاح 26 من إنجيل متى "24 إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ابْنُ الإِنْسَانِ. كَانَ خَيْرًا لِذلِكَ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ" !(16 ) ورغم أن الآية تتحدث بطريقة لا لبس فيها عن رجل واحد، لكنها صارت بالنسبة للبعض الآن تنطبق على كل البشر , و كلا هاتين النظرتين المتطرفتين موجودتان داخل الكنيسة المسيحية أما خارج المسيحية فقد قام البعض بدعم الصهيونية للتعويض عن ماضي الشعب اليهودي و معاناته .و لمفهوم معاداة السامية تاريخ طويل يمتد إلى ما قبل هولوكوست الحرب العالمية الثانية. لقد أيد البعض الحركة الصهيونية بسبب المشاعر المعادية للسامية ، وعدم القدرة على تخيل حل أفضل "للمشكلة اليهودية" بديلا عن تشجيع الهجرة إلى دولة أخرى, و من ناحية أخرى، عارض الكثيرون الصهيونية باعتبارها غزو غربي آخر يهدف إلى إجلاء السكان الأصليين وينتهك حقوق الإنسان غير القابلة للتصرف التي يفترض أن الغرب يناصرها, و رغم هذه الرؤى المتباينة إلى حد كبير و الاختلاف في وجهات النظر و الميول و التحيزات أو بسبب كل ذلك يبدو أن تعيين المصطلحات المتعلقة بالصهيونية من الأهمية بمكان لأي شخص يتصدى لدراسة هذا الموضوع, فالصهيونية -بالنسبة للكثيرين- ليست أكثر من دعم للشعب اليهودي من خلال وسائل مختلفة ، بما في ذلك وسائل الدعم اللفظية أو المالية أو السياسية. ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو, من أين أتى المصطلح؟ أقدم إشارة معروفة إلى صهيون هي تلك التي وردت في الإصحاح الخامس من سفر صموئيل الثاني الآية 7 " وَأَخَذَ دَاوُدُ حِصْنَ صِهْيَوْنَ، هِيَ مَدِينَةُ دَاوُدَ"(17) , ومثل هذه الإشارة تم تفسيرها على أنها مرادف للقدس ، كما هو موضح بأفضل شكل في المزمور 147 ( الآية 12 منه) " سبحي يا أورشليم الرب، سبحي إلهك يا صهيون" (18) لذلك تشير صهيون إلى أورشليم بالمعنى الحرفي للكلمة, بيد أنه يتم استخدام الكلمة للإشارة إلى جبل الهيكل على وجه الخصوص أو لكل ارض اسرائيل على العموم وهذا الاستخدام الأخير لكلمة صهيون هو الذي تم طرحه في أواخر القرن التاسع عشر عندما نحت ناثان بيرنبوم مصطلح الصهيونية(19). لكن الاستخدام الأكثر شيوعا يعود إلى تأسيس الحركة الصهيونية على يد ثيودور هرتزل الذي ألف كتابه الشهير "دولة اليهود" في العام 1896 ، و بعدها بعام أسس المنظمة الصهيونية وترأس المؤتمر الصهيوني الأول في بازل ، في سويسرا(20) . ويصف أفيزير رافيتسكي ، في كتابه الأساسي حول الموضوع ، الصهيونية بأنها "حركة يهودية حديثة". "تلك المبادرة الإنسانية العلمانية [التي] رغبت في تحقيق العودة إلى صهيون و لم شمل المنفيين ... لجعل" الناس الأبديين "شعبًا تاريخيًا ، مرتبطًا مؤقتًا ومكانيًا ؛ من أجل"تحويل " الشعب المختار " إلى "شعب عادي " مثلهم مثل غيرهم من الأمم "(21). و يصف غادي تاوب ذلك بأنه" تطبيق المبدأ العالمي لتقرير المصير على اليهود "(22). ويقتبس تاوب إعلان استقلال إسرائيل الذي يشير إلى حق اليهود في إقامة دولتهم "مثل كل الأمم الأخرى"(23). لم تكن الصهيونية كذلك ضد اليهودية أو الدين بشكل عام ، لكنها كانت حركة غير دينية صارمة ,كانت حركة علمانية وسياسية تهدف إلى إقامة دولة يهودية ديمقراطية. كما يصفها روبرت فريدمان : " كانت الصهيونية حركة تحرير قومية يهودية التزمت بمبادئ الليبرالية والديموقراطية في القرن التاسع عشر , أكثر من كونها مجرد حركة قامت كرد فعل على نزعة معاداة السامية "(24). و نظرا للاستخدام غير المؤهل بصفة عامة لمصطلح الصهيونية, فمن المفهوم أن يعني الصهيونية السياسية أو العلمانية بصورة عامة ، ولأغراض هذه الدراسة ،و للتبسيط أكثر ، فإن هذه التعابير الثلاثة ستكون مترادفة. كانت معاداة الصهيونية هي رد الفعل ضد الصهيونية, وهي لا تزال قائمة حتى اليوم، ولكن كان لها حضور أكبر في الفترة الممتدة من العام 1890 حتى تأسيس دولة إسرائيل في العام 1948، واستمر بعض من هذا التأثير حتى حرب حزيران 1967. وتأسست معاداة الصهيونية في المجتمع الديني اليهودي (أساسا من خلال السلبية التقليدية المدعومة من قبل الأرثوذكسية المتطرفة (25) )، ولكنها تختلف اختلافاً واضحاً عن الصهيونية الدينية ، والتي سيتم شرحها فيما بعد. و تكمن جذور معاداة الصهيونية في مجموعة المعتقدات اليهودية التاريخية التي تطورت بعد الثورة اليهودية الأخيرة ضد الرومان سنة 136 م. كانت الخسائر اليهودية ثقيلة جدا في حروبها "المسيانية " ضد روما. فقد ضاع الهيكل مرة ثانية، و لم هناك وجود لشعب إسرائيل نفسه . و بدأ الحاخامات بنشر تعاليمهم التي تقول بأنه من الخطأ "الإسراع في الوصول للنهاية بجهد إنساني"(26). ويوضح رافيتسكي أن التلمود اليهودي وحاخامات التاريخ يلقون باللوم على جهود الإنسان المضللة للكشف عن الميسيا أو "الإسراع في النهاية" بسبب معاناة الماضي (27) .كانت حجة معاداة الصهيونية ترى أن العقيدة اليهودية الصادقة تستلزم من اليهود أن يحافظوا على السلبية والبحث عن الخلاص في المسيا وحده. (28) كانت الصهيونية (التي كان يرأسها يهود غير متدينين في البدء) محاولة لفرض العودة من خلال الجهد البشري (29). على عكس الموقف الصهيوني الصريح غير الديني، و رأى المناهضون للصهيونية فيها بمثابة هجوم مباشر على اليهودية نفسها وانتهاك صارخ للحظر الطويل على "العودة إلى فلسطين بالقوة" و "الإجبار"(30) باختصار ، لاقت معاداة الصهيونية دعما من الحاخامات التقليديين الذين أرادوا الحفاظ على السلبية اليهودية ومنع العودة إلى فلسطين من خلال الجهود البشرية.
ومثلها مثل الفئات المعادية للصهيونية ، كانت قيادة الصهيونية الدينية تتكون من الحاخامات ضمن الجالية اليهودية ,غير أنهم , بخلاف ذلك, دعموا العودة إلى فلسطين من خلال الجهد البشري ونظروا إلى الخلاص النهائي بوصفه مشروع مشترك بين الرب و الإنسان (31).وهكذا ، أصبحت الصهيونية الدينية طريقًا وسطًا - تسوية أو انصهارًا – بين أنصار الصهيونية السياسية والفئات المعادية للصهيونية(32). لقد مثلت الصهيونية الدينية وسيلة لبعض اليهود المتدينين لدعم وتعزيز الصهيونية العلمانية التي أدانتها الصهيونية والتعاليم التقليدية المتطرفة . كما كانت تبريرًا لليهود المتدينين لينتقلوا إلى فلسطين (فيما بعد إسرائيل) ، سواء بدافع من الاضطهاد ومعاداة السامية أو من خلال الرغبة في العيش في "أرض الميعاد" أرض الأجداد . و كان الحاخام أبراهام كوك(33) (1865 - 1935) من أبرز ممثلي الصهيونية الدينية. و من أوائل الذين دافعوا عن الصهيونية السياسية ضد المناهضين للصهيونية الذين ينتمون للأرثوذكسية اليهودية المتطرفة (34). قام كوك بذلك بدعوى أن يد الرب تحرك العالم ، وعلى وجه التحديد الصهاينة في أيامه ،"نحو خلاصهم،" من دون علمهم(35).وينقل رافيتسكي عن كوك قوله “هم أنفسهم [يقصد العلمانيين الصهاينة] لا يدركون ما يريدون. فالروح الإلهية , رغم ذلك, تبشر بجهودهم . (36). وهو ما تدعمه الآية الأولى من الإصحاح 26 من سفر الأمثال " قَلْبُ الْمَلِكِ فِي يَدِ الرَّبِّ كَجَدَاوِلِ مِيَاهٍ، حَيْثُمَا شَاءَ يُمِيلُهُ." "(37) .واستخدم كوك هذا المفهوم , بمعنى من المعاني ,لتسويغ الأعمال الأخلاقية أو اللاأخلاقية قليلاً للناس العلمانيين أو الخاطئين. و اعفى كوك, بهذه الطريقة ، "أولئك الذين يدنسون السبت ويأكلون الأطعمة المحرمة" دون إعطاء "صك الموافقة على الخطيئة أو التمرد"(38) ,ويمكن اعتبار أعمال الصهاينة السياسيين الذين لا يلتزمون بالتوراة أو ممارسة التعاليم اليهودية معذورين لأن الرب يستخدمهم لإعادة اليهود من المنفى. ويعتقد كوك أن العودة الجسدية ستؤدي إلى عودة روحية و إلى الإيمان اليهودي(39). و باختصار برر كوك أو أجاز عمل الصهيونية السياسية في الوقت الذي كان يعظ شخصيا عن القداسة الفردية, وعموما , فإن أحد التصريحات التي أدلى بها أبراهام كوك لدعم تبرير الخطيئة سيتم تطويحه لاحقا بعيدا إلى حد لم يقصده كوك قط, يقول كوك "هناك أوقات ينبغي فيها تجاوز شريعة التوراة ,و لكن لا ينبغي لأحد أن يظهر السبيل الشرعي لذلك, و بالتالي يتم تحقيق الهدف من خلال تخطي الحدود .. و عندما تتوقف النبوة , يتم التصحيح بواسطة الخرق المستمر, وهذا يبدو مأساويا ظاهريا , لكنه يحمل في باطنه الفرح"(40). لقد قدم ابراهام كوك الأعذار لغير المتدينين دون التغاضي عن الأفعال الآثمة التي يرتكبها المتدينون. وبعد وفاة ابراهام كوك سنة 1935 أصبح ابنه تسفي يهودا كوك ( 1891 – 1982) المتحدث باسم الصهيونية الدينية الذي أخذ تعاليم والده إلى مطارح أبعد و أشد تطرفا رغم أنها تؤدي إلى استدلال منطقي , أي أن إسرائيل غير معنية [وغير ملامة]من ناحية القدسية بتصرفاتها و أعمالها (41). فالصهيونية السياسية و كذلك الدينية تتحركان بيد الرب لغزو الأرض و استيطانها , في حين تأتي القداسة الشخصية لاحقا .بعد أن يتم غزو الأرض و استيطانها. في الواقع ، أعلى تسفي كوك من شأن غزو الأرض واستيطانها “من وضع الالتزام بمبادىء "المتسفاه" [ وصايا الرب] وفقا لصياغة موسى بن نحمان ، إلى الالتزام بالوصايا[المتسفاه] ".(42 ) كما هو مذكور في الإصحاح 33 من سفر العدد( آية 53) " تَمْلِكُونَ الأَرْضَ وَتَسْكُنُونَ فِيهَا لأَنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكُمُ الأَرْضَ لِكَيْ تَمْلِكُوهَا" (43) .وبهذا يصبح الهدف الرئيسي هو استيطان الأرض، والذي يجب بموجبه أن تخضع له كل الاعتبارات الأخرى, وقد زعم الحاخام يسرائيل أريئيل ، تلميذ زفي كوك ، أن استيطان الأرض كانت "مساويا في القيمة لجميع وصايا الكتاب المقدس الأخرى مجتمعة,(فهي) ... الأساس لجميع وصايا الكتاب المقدس" والتي بدونها " تفقد جميع وصايا الكتاب معناها (44) ، وهكذا كان زفي كوك قادرا على دعم وجهة نظر أكثر تشدداً من والده, فقام مع أتباعه بتوسيع مقولة كوك الاب بخصوص الأوقات التي" يجب فيها تجاوز شريعة التوراة"، و باتت تستخدم الآن لتبرير الأعمال المتطرفة ، الخاطئة ، أو حتى الإرهابية التي يرتكبها المتدينون. (45). بمعنى الغاية تبرر الوسيلة ,و علاوة على ذلك ، وبسبب أولوية هذه الوصية ، كان يجب اعتبار الحكومة الإسرائيلية شرعية فقط عندما تدعم الاستحواذ على الأرض واستيطانها (46) . نصت تعاليم تسفي كوك على أن "غزو الأرض واستيطانها ... تمليها سياسة إلهية"و "لا يمكن لسياسة دنيوية أن تحل محل السياسة الإلهية "(47). تم تبرير التطرف الديني وأعمال العنف والإرهاب بسبب الحماس لاستيطان الأرض. و سوف يؤدي مثل هذا النمط من التفكير في نهاية المطاف إلى العديد من الفظائع مثل المجزرة التي اقترفها غولدشتين و اغتيال اسحق رابين و السعي لتدمير قبة الصخرة و غيرها الكثير.
هناك العديد من المصطلحات الأخرى التي تستخدم عادة عند الإشارة إلى الصهيونية الدينية ، أو أي حركة دينية. تشمل هذه المصطلحات ، على سبيل المثال لا الحصر ، أشياء مثل الأصولية والراديكالية والتطرف. وتختلف معاني هذه المصطلحات من شخص لآخر. على الرغم من أن دافعنا الأول سيقودنا إلى الافتراض بأننا نفهم هذه المصطلحات بالطريقة التي يقصدها المؤلف , فإن الكثير من الارتباك و سوء الفهم سينتج بعد ذلك , و على سبيل المثال ، يصف إيان لوستيك ، في كتابه "من أجل الأرض والرب" ، الأصولية اليهودية وهي ذاتها التي يشير لها أفيزر رافيتسكي وغيره بالصهيونية الدينية. وقد درس كلا المؤلفين نفس الحركات، ولكن أشارا لها بأسماء مختلفة و يفضل معظم الباحثين استخدام مصطلح الصهيونية الدينية عندما يتعلق الأمر بهذا الموضوع. و لأغراض هذه الدراسة ، نطلق مصطلح الاصولية عندما نستخدمه كمصطلح ديني بحت ، في إشارة إلى الإيمان الأعمى بالمعتقدات الدينية أو التقاليد الدينية المكرسة للتفسير الحرفي للكتاب المقدس (48). في حين أن الراديكالية و التطرف يتم التعامل معهما كمصطلحين مترادفين يستخدمان للإشارة إلى الأشخاص أو الأفعال الموجودة خارج التيار الرئيسي السائد أو غالبية أي مجموعة أو حركة. علما أنه لا يتم هنا استخدام الأصولية أو التطرف أو الراديكالية للتعبير عن العنف، على الرغم من أن الأخيرين قد يجنحان أكثر نحو أعمال العنف.
الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة: 1967-2014
لم توجد سياسة حكومية رسمية فيما يتعلق في الاستيطان بعد حرب حزيران 1967 نظرا لتجنب إسرائيل تبني سياسات الاستيطان الرسمية وقد ساهم عاملان في إحجام الحكومة الإسرائيلية عن وضع سياسة رسمية للمستوطنات فأولاً ، كان للحركة الصهيونية والهجرة اليهودية إلى فلسطين واستقرارها تاريخ لا يقل عن سبعين عامًا بحلول عام 1967. و على الرغم من أن البعض ( أي الصهاينة) يعدون ميلاد دولة إسرائيل في العام 1948 انتصارا في نواح كثيرة , إلا أنهم يرونه أيضا عقبة أمام استيطان إسرائيل الكبرى و التي يطلقون عليها ايضا تسمية أرض إسرائيل الكاملة ، والتي ضمت الضفة الغربية وقطاع غزة. (49) . وقد واصلت عناصر هامة من السكان و لمدة تسعة عشر عاماً ( من 1948 إلى 1967 ) الترويج لاستيطان الضفة الغربية الأردنية وقطاع غزة المصري. في الواقع ، قام الأردن بضم الضفة الغربية في 2نيسان-4 أبريل 1950. لقد كان التهديد المستمر بغزو إسرائيل من قبل جيرانها العرب هو الذي جعلها تعي حجم معاناة الثغرات الأمنية التي أوجدتها خطوط الهدنة في العام 1949. (50)لذلك ، في غضون أيام من انتصار إسرائيل في الحرب على الأردن وسوريا ومصر، تم بالفعل تنفيذ خطط الاستيطان بدعم من أعلى وأدنى مستويات الحكومة الإسرائيلية والسكان. وقد أظهر ذلك الرغبة العميقة في استيطان وحكم الأراضي المحتلة المكتسبة حديثاً (أو المعاد الاستحواذ عليها). ثانيا جعلت بنود اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 الاستيطان في هذه الأراضي غير قانوني على الرغم من الرغبة الإسرائيلية ,مما ساهم في إحجام الحكومة الإسرائيلية عن وضع سياسة رسمية سواء لصالح أو ضد المستوطنات. أدى هذا الوضع إلى توتر واسع النطاق شمل الحكومة الإسرائيلية، والعسكريين، والسكان المدنيين. فمن ناحية، شعرت عناصر داخل هذه المجموعات الثلاث برغبة قوية في استيطان الأراضي التي تم احتلالها حديثًا. و بالنسبة للصهاينة المتدينين ، كانت معظم هذه الأراضي تحمل أهمية توراتية قديمة بالنسبة للشعب اليهودي. أما بالنسبة للعلمانيين، سوف توفر هذه الأراضي مزيدا من الأمن والقوة التفاوضية في إطار عملية السلام , ومن ناحية أخرى، لم تكن هناك طريقة قانونية لإسرائيل "لنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي احتلتها"(51) .ووجدت إسرائيل أنه من الأسهل تشجيع الاستيطان بهدوء تحت غطاء خفي للمناطق العسكرية ، في حين لم يتم البت رسميا في مسألة المستوطنات. و في اجتماع عقد بين رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي إشكول والرئيس الأمريكي ليندون جونسون في كانون الثاني-يناير 1968 ،قال أشكول ردا على أسئلة عامة تتعلق بمستقبل المستوطنات الإسرائيلية : "قررت حكومتي عدم اتخاذ قرار بهذا الشأن (52)". وهو ما أصبح عرفا في الأساليب الاستيطانية للحكومة الإسرائيلية ،مما يجعل من الصعب أو المستحيل العثور على سياسة إسرائيلية رسمية حول الاستيطان.
تغطي المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة فترة زمنية تبدأ بحرب حزيران وتستمر حتى الوقت الحاضر. و يمكن تقسيم هذه السنوات الـ 47 إلى فترات أكثر قابلية للإدارة باستخدام الخصائص العامة لهذه الفترات. و يختلف الباحثون حول الكيفية الأفضل لتقسيم سنوات الاستيطان هذه . ولقد اخترت بدوري تقسيما مقبولا وقابلا للتعريف بسهولة و تشمل على :الفترة الأولى وهي التي تتوافق مع قيادة حزب العمل الممتدة من العام 1967 إلى العام 1977.أما الفترة الثانية فتوافق سيطرة الليكود في الحكم من العام 1977 إلى العام 1987. في حين تميز الانتفاضة الأولى الأعوام من 1987 إلى 1993. و تغطي اتفاقيات أوسلو الفترة من 1993 إلى 2000. و تهيمن الانتفاضة الثانية على الفترة من 2000 إلى 2005 ، وتستمر فترة الاستيطان الأخيرة حتى الوقت الحاضر. وبينما لا تتوافق هذه الفئات العريضة مع التغييرات في الإدارة الإسرائيلية ، إلا أنني سأقسم بعد ذلك فترة الاستيطان و الاحتلال تبعا لمنصب رئيس الحكومة .وسوف تكون هناك مناقشة أكثر عمقا لأعمال رئيس الوزراء إشكول ، وكذلك خطط ألون وديان ، باعتبارها اساسا للمقارنة بين خطط القيادة والاستيطان اللاحقة, إذ حدد هؤلاء الرجال الثلاثة- في أقل من عامين بعد حرب حزيران -ما يعد سابقة لسنوات الاحتلال التالية.
أ. الهيمنة العمالية : 1967-1977
شغل ليفي إشكول منصب رئيس وزراء إسرائيل من 26 حزيران-يونيو 1963 ، حتى وفاته في 26 شباط-فبراير 1969. و كان قبل ذلك قد شغل منصب وزير الزراعة ووزير المالية، وقبلهما كان رئيسا لإدارة المستوطنات.و عرف عن إشكول أنه رجل غير حاسم و يتوجس خشية من الالتزام أو الارتباط بأي قرار . يتحدث غرشوم غورنبرغ عن "إشكول المتردد المدفوع من قبل المستوطنين المتطرفين " ، مضيفًا أن "كانت حكومته المنقسمة غير قادرة على اختيار [خطة ألون] أو أي سياسة أخرى"(53).و يجادل غورنبرغ بانفتاح إشكول يكاد يصل إلى الريبة، لكن " رغبته في أن يوازن كل فكرة جعلته يبرز الأمور من منظور براغماتي أو من زاوية التنازلات "(54). رأى إشكول وآخرون مثله قيمة في التردد العام حين يسعون لـ "تحويل الغموض إلى سياسة قومية" (55) ، وهو اتجاه ما زال ساريا حتى يومنا هذا, وكان أشكول- بالنسبة لأولئك الذين عملوا معه- مؤيدًا قويًا وثابتا للاستيطان داخل الأراضي المحتلة عام 1967، كما سيظهر في الفقرات التالية التي تغطي مشروع الاستيطان في جميع المناطق الرئيسية في الأراضي المحتلة(56).تركزت مشاعر أشكول القوية فيما يتعلق بضم و / أو استيطان القدس, فقد خشي العديد من المسؤولين الحكوميين من أن الضغوط الدولية (معظمها من الولايات المتحدة) ستطالب إسرائيل في القريب العاجل التخلي عن جميع الأراضي المحتلة. و في اجتماع حكومي في 11 حزيران / يونيو ، بعد يوم واحد فقط من انتهاء الحرب ، أعرب إشكول عن رغبته في إعادة توحيد القدس بطريقة تبرر امتلاك إسرائيل الدائم للمدينة بأكملها. أراد أن يحدث هذا بأسرع وقت ممكن، "قبل أن يقول أحدهم لا " (57 ) , وفي صباح اليوم نفسه ، هدمت الجرافات الجدران التي فصلت القدس الشرقية والغربية.(58).لم يكن إشكول وحده من يمتلك مثل هذه المشاعر . فقد امتلك الكثيرون في الحكومة والجيش والسكان المدنيون شعورا قويا ليس نحو القدس فحسب ، بل نحو جميع الأراضي المحتلة. وفي استطلاع للرأي أجري في تموز-يوليو فإن ما نسبته "91 % من الإسرائيليين يفضلون الاحتفاظ الدائم بالقدس الشرقية ، و 85 % فضلوا الاحتفاظ بمرتفعات الجولان السورية ، و 71 %يريدون الاحتفاظ بالضفة الغربية"(59). وفي أواخر حزيران - يونيو ، وافقت الحكومة على طريقة لتوحيد المدينة دون ضمها رسميا, من خلال تعديلات على قانونين يسمح أحدهما لوزير الداخلية بتوسيع حدود المدينة وفي حين يسمح التعديل الآخر لمجلس الوزراء بتوسيع رقعة القانون الإسرائيلي بما يتناسب مع الحدود الجديدة(60) ,و تم وصف هذا -عبر مراوغة دلالية- بــ" الاندماج البلدي" بدلاً من الضم ، لكن هذا لم يمنع من مضاعفة مساحة القدس الإسرائيلية ثلاث مرات(61) . وفي أوائل تموز-يوليو ، بادر إشكول شخصياً بإصدار الأوامر لـ "بناء الأحياء اليهودية في القدس الشرقية بأسرع وقت ممكن" لأن " السيطرة الإسرائيلية في القدس تعتمد على المستوطنات اليهودية"(62)
و بعيد الحرب مباشرة و تحديدا في التاسع عشر من حزيران -يونيو ، كانت إسرائيل مستعدة لتقديم صفقة "الأرض مقابل السلام" الأولى, عبر مقترح تم توجيهه إلى مصر و سوريا يعرض إعادة سيناء وغزة و الجولان مقابل الاعتراف الدولي والسلام الدائم(63) ,و تم استبعاد الأردن والضفة الغربية بشكل واضح من الصفقة. فقد كان لدى إسرائيل خطط أخرى للضفة الغربية.
أما فيما يخص مجمع عصيون الاستيطاني جنوب بيت لحم ، فقد قامت مجموعة من الملتزمين الكلفين بعملية إعادة التوطين في منطقة بزيارة للموقع يوم 13 حزيران / يونيو(64). كان مجمع عصيون يضم أربعة قرى زراعية (كيبوتزات) تعرضت للتدمير إثر قتال عنيف و كثيف قبل يوم من الاستقلال الإسرائيلي في أيار-مايو 1948. كان لمجمع عتصيون قيمة معنوية كبيرة قوية بالنسبة للكثيرين في إسرائيل. و قام تيودور ميرون بإبلاغ الحكومة الإسرائيلية بالرأي القانوني الذي ينص على أن الاستيطان في الأراضي المحتلة غير قانوني بموجب اتفاقية جنيف الرابعة ، ولكن فيما يتعلق بكتلة عتصيون على وجه التحديد، يمكن القول إن الناس "يعودون إلى منازلهم". (65). وبحلول الرابع و العشرين من أيلول -سبتمبر 1967 ، اتخذ أشكول قرارا عبر عنه إعلان الحكومة إنشاء مركز استيطاني أو موقع ناحال شبه عسكري في مجمع عتصيون خلال أسبوعين. ستكون تسميته كقاعدة عسكرية وبالتالي استغلال الثغرة في نصيحة ميرون القانونية(66) رغم إصرار المستوطنون على وضعهم المدني ,وكانت خطط الاستيطان في هضبة الجولان تجري مبكرا على قدم و ساق , ففي الرابع عشر من حزيران التقى قائد المستوطنات الطموح مع رئيس القيادة الشمالية للجيش لمناقشة إمكانية الاستيطان هناك (67) , وكانت مرتفعات الجولان قد استخدمت أثناء الحرب كنقطة انطلاق قذائف المدفعية السورية المدمرة ,و سوق يدعم الجيش و إدارة المستوطنات , في البداية , التوطن دون علم رئيس الوزراء أو مجلس الوزراء. و لم يوافق مجلس الوزراء على استيطان العمال المدنيين الذين كانوا يشغلون مرتفعات الجولان إلا في أواخر آب-أغسطس ، وفي الأول من أيلول-سبتمبر، وافق مجلس الوزراء على بيان غامض يقول إن المستوطنين "يمكنهم أن يبقوا في المرتفعات."(68) وكان هؤلاء المستوطنون على كشوف مرتبات وزير العمل يغال آلون، الذين وصفهم بأنهم عاطلين سابقين عن العمل من أجل توفير الدعم المالي الحكومي(69) وفي اجتماع وزاري في 27 آب / أغسطس ، تم أيضا الموافقة على فتح مستوطنة في محطة زراعية تجريبية باسم العريش في سيناء(70). وبعد ذلك بأيام فقط ، كان أشكول يقوم بجولة في شمال سيناء ردا على رفض مؤتمر الخرطوم في 1 سبتمبر / أيلول المقترح الإسرائيلي :الأرض مقابل السلام وقال أثناء ذلك "إذا كانت [لاءات] الخرطوم هي الموقف المعلن ، فإن إجابتنا هي" نحن باقون هنا "(71). وفي غضون ذلك الوقت ، أضيفت مستوطنات أخرى إلى العريش ، بما في ذلك نقطة حراسة مضيق تيران في شرم الشيخ، وعدة مستوطنات مثل ياميت التي كان الغاية منها فصل قطاع غزة عن شبه جزيرة سيناء(72). وكان لوادي الأردن أيضًا أهمية استراتيجية وهو في معظمه منطقة غير مأهولة و يحتوي على القليل من الأراضي الصالحة للزراعة، غير أنه كان بمثابة رادع طبيعي لصد أي عدوان أردني محتمل , وقد تم إنشاء ثلاث مواقع متقدمة في وادي الأردن أثناء حكم أشكول. على الرغم من أن إدارة إشكول غالبا ما توصف بأنها غير حاسمة، أو مشلولة بسبب اتخاذها القرار بعد فوات الأوان، إلا أن هذه السمة بدأت كأنها تخدم الغرض منها بحيث أصبحت في النهاية هي السمة المعتمدة للحكومات الإسرائيلية, كما أظهرت الأمثلة السابقة، في أقل من عام ونصف بعد حرب الأيام الستة، كانت إدارة إشكول تسعى بقوة إلى تحقيق الاستيطان في القدس، والجولان، وسيناء، وغور الأردن بطريقة تجنبت الكثير من الانتقاد الدولي, كما تم خلال هذه الفترة وضع خطتين رئيسيتين من شأنها أن تكون لها آثار طويلة الأمد: خطة يغال ألون و خطة موشي ديان . فقبل حرب حزيران، شارك يغال ألون في حركة أرض إسرائيل الكاملة وحلم باليوم الذي ستضم فيه إسرائيل الضفة الغربية.(73) . غير أن آلون الذي كان وزيرا للمالية توصل إلى قناعة بأن حلمه بضم الأرض التي تسيطر عليها إسرائيل لن يتحقق حتى قبل أن يتوقف القتال في حزيران-يونيو و سبب ذلك يعود إلى أن الشعب الفلسطيني لم يغادر بيوته كما حصل في العام 1948. (74). كان يدرك آلون بالفطرة أن ضم الأراضي المحتلة يعني منح السكان العرب الجنسية الإسرائيلية ، الأمر الذي من شأنه أن يهدد الأغلبية اليهودية في إسرائيل. من ناحية أخرى ، لم يكن باستطاعة إسرائيل حكم السكان العرب لفترة طويلة دون توفير العدل الحكومي وحقوق الإنسان (75). ولذلك سرعان ما أتى الحل على يده مبكرا حين اقترح في الثالث من تموز - يوليو 1967 ، على مجلس الوزراء إنشاء معسكرات عمل مؤقتة في مرتفعات الجولان،(كان على قناعة بضرورة ضمها لأسباب أمنية / تكتيكية(76)), كما اقترح ألون ضم واستيطان سهل رفح في شمال سيناء. من أجل خلق حاجز بين غزة ومصر (لم يكن آلون يتوقع أن تحتفظ إسرائيل بسيناء)(77) . لكن القلب الحقيقي لخطة ألون ، الذي اقترح لأول مرة على مجلس الوزراء في أواخر تموز-يوليو ، كان ضم واستيطان الجانب الغربي من نهر الأردن والبحر الميت (78). كانت هذه المناطق قليلة السكان وغير متطورة ، لكنها كانت ستوفر لإسرائيل حدوداً أكثر أماناً مع الأردن. وقال ألون إن المناطق العربية المكتظة بالسكان في مناطق الهضاب يجب أن تُمنح حكمًا ذاتيًا أو تُعاد إلى الحكم الأردني(79). و سوف تربط الممرات الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية المراكز السكانية في الضفة الغربية في الشمال والجنوب بالأردن من جهة الشرق مع إبقاء السيطرة الأمنية العسكرية للضفة الغربية بيد السلطات الإسرائيلية (80). كانت إحدى الأفكار الأساسية لـ ألون هي استيطان المناطق الملحقة بسرعة , فحسب قوله : "لا يمكننا السيطرة على الأرض بدون استيطان" (81), و لأسباب عدة، من المرجح أن يكون بينها الإنكار الظاهري، لم يتم تبني خطة آلون رسمياً, في حين استهدفت خطته بصورة غير رسمية الاستيطان في الأراضي المحتلة تحت إدارة إشكول والعديد من رؤساء الوزراء الذين أتوا بعده.(82), .
وكان وزير الدفاع موشي ديان من أشد المعارضين السياسيين لآلون , وكان ديان قد أعرب في اليوم التالي لبداية حرب حزيران على أحد المحطات التلفزيونية الأمريكية بأن على إسرائيل أن تحتفظ بقطاع غزة والضفة الغربية(83). اقترح ديان خطته الخاصة حول أفضل الخيارات الممكنة للأراضي التي تم الاستحواذ عليها حديثًا والتي كانت, في نواح كثيرة, في ضوء المنافسة بينه و بين آلون ، "الصورة النيجاتيف " من خطة ألون(84) ,فوفقا لخطة ديان ، ينبغي على إسرائيل إقامة مواقع دفاعية على طول سلسلة الجبال المأهولة بالسكان العرب ، بالقرب من المدن العربية ، وليس في وادي الأردن ذي الكثافة السكانية المنخفضة. هناك خمس قواعد للجيش، ومستوطنات مدنية يهودية مماثلة، متصلة بشبكة من الطرق، ستقسم الضفة الغربية وتمنع السكان العرب من المطالبة بالاستقلال (85 ) (86) يجب على إسرائيل أيضاً أن تتغلب على اقتصادات السكان العرب واليهود من أجل مزيد من التشجيع على ثنيهم عن المطالبة بالاستقلال مستقبلا (87) . ثمة فرق آخر بين خطط ألون وديان, فبينما ركز ألون على الاستيطان الزراعي، قام دايان بالترويج للاستيطان في المناطق الحضرية, وهذا ما يحسب ميزة لخطة ديان فقد كان الجيل الإسرائيلي الشاب ينفر من العيش في مجتمعات زراعية ريفية والعمل في الأرض. كانت المستوطنات الزراعية تعاني بالفعل من ندرة المستوطنين الجدد. وقد اشتركت خطط آلون و ديان في ثلاثة أوجه, فقد اعتقد ديان , مثله مثل آلون, بأنه ينبغي منح سكان الضفة الغربية الملتزمين حكما ذاتيا محدودا أو الاحتفاظ بالجنسية الأردنية بينما توفر إسرائيل الأمن(89). ثانيا ،وكما هو الحال في خطة آلون لم يتم تبني خطة ديان رسميا , ثم وجه الشبه الثالث يتمثل في استخدام خطة ديان بشكل غير رسمي كدليل للأنشطة الاستيطانية منذ العام 1967 و حتى اليوم.(90)
يمكن القول عن أنشطة رئيس الوزراء إشكول وأهمية خطط ألون وديان بأنها مجرد عينة عن النشاط الاستيطاني المبكر، ولكنها تبين أن الاستيطان لم يكن شيئا تم جر هذه الإدارة إليه. إن التردد والغموض اللذان ميزا السياسة القومية غالباً ما يخفيان ما يجري خلف الكواليس. و لا يمكن ملاحظة أي سياسة معتمدة رسميا فيما يتعلق بالوقوف مع أو ضد استيطان الأراضي المحتلة , بيد أن هذا لم يمنع البداية القوية للاستيطان, و يصف غورنبرغ الأمر على هذا النحو، "قرارات صغيرة، يتم صياغتها شيئًا فشيئًا، مع تمدد للسلطة إلى أبعد من نواياها، كان تضاف إلى سياسة جديدة ، لا يمكن القول عنها أنها مرفوضة أو مقبولة ."( 91 ) .وبحلول 26 شباط-فبراير 1969 تاريخ وفاة إشكول، بعد سنة و ثمانية أشهر فقط من حرب حزيران، "كانت هناك عشر مستوطنات في الجولان، وثلاثة في وادي الأردن، جنبا إلى جنب مع كفار عتصيون ومستوطنة الخليل جنوب القدس، ومخطط الاستيطان في منطقة رفح". (92). ومن آخر أعمال إدارة إشكول، كانت محاولات حزب العمل في كانون الثاني-يناير 1969 "استكمال عملية إنشاء حزب حاكم يقف وراء كل ما هو سياسي و ما هو لا سياسي ممكن حول أكثر قضايا البلاد مصيرية ، ومستقبل المناطق". (93)
تولت غولدا مئير منصب رئاسة الحكومة في العام 1969 ، ربما لأنها كانت أقل القادة إثارة للخلاف بين قيادات حزب العمل المكون حديثا , احتلت إسرائيل و حزب العمل في تلك الفترة مواقع القوة وكان أحد المهام الملقاة على عاتق مئير هو الحفاظ على قوة كليهما .وقد أدى ذلك إلى حل وسط داخل الحزب يقضي بعدم تقديم تنازلات للجيران العرب. و منذ بداية عملها كرئيسة للوزراء كان نشاط الاستيطان مبرراً علنياً لأغراض أمنية ، ولكنه استخدم أيضاً لإجبار مصر وسوريا والأردن على التحدث مباشرة مع إسرائيل حول اتفاق سلام (94). تم تشجيع الاستيطان وتوسيعه في مرتفعات الجولان ،و الخليل. وقطاع غزة وسهل رفح شمال شرق سيناء ، إلى جانب شرم الشيخ بالقرب من مضيق تيران (95). ومع ذلك تم الرفض بصورة متكررة لمحاولات الاستيطان بالقرب من نابلس أو مقترحات تسمح للمواطنين اليهود والشركات الخاصة شراء ممتلكات من العرب في الأراضي المحتلة (96) . وعلى الرغم من النشاط الاستيطاني الهام الذي تمت الموافقة عليه، لم تكن هذه الإجراءات مقنعة لعناصر الجناح اليميني. ويصف غورنبيرغ تلك الفترة قائلا: "إن الروح التي تطالب بوضع المزيد من اليهود على الأرض كانت حقيقة مقبولة, وعندما وافقت الحكومة على مواقع مستوطنة جديدة في الأراضي المحتلة ، تدافعت الحركات المختلفة [اتحاد الكيبوتزات ومختلف منظمات الموشاف ، أو القرى الزراعية التعاونية ] للحصول عليها (97). وقد أدى انتصار إسرائيل في حرب 1967 ، وكذلك العمق الإقليمي الذي اكتسبته في الجولان والضفة الغربية وسيناء، إلى شعور مبالغ فيه بالتفوق على جيرانها العرب(98). مع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 1973، كان ذلك يعني أن إسرائيل لم تكن مستعدة تمامًا لحرب يوم الغفران. على الرغم مما حقته من نصر تكتيكي في الحرب ، إلا أنها كانت مكلفة. و ألقي اللوم على مئير وديان بسبب تفاجئهما ، وكان على حزب "العمل" البحث عن شراكات غير متوقعة لمواجهة صعود الليكود و "غوش إيمونيم". (99) ,وقد استمر الاستيطان بعد الحرب، لكن هذه المرة بتحول جديد -حيث بدأت الضغوط الدبلوماسية الآن في زيادة النشاط الاستيطاني في المناطق التي تعتزم إسرائيل الاحتفاظ بها.(100)
بعد أن اضطرت مئير إلى تحمل مسؤولية حرب يوم الغفران ،تم الدعوة لانتخابات جديدة فاز فيها إسحاق رابين بفارق ضئيل على شمعون بيريز في نيسان-أبريل 1974 ، وحصلت حكومته (بوجود بيريز كوزير للدفاع) بالكاد على موافقة الكنيست في حزيران-يونيو (101) . وبالمقارنة مع الإحساس الزائف بالأمن من جانب إدارة مئير، كانت حكومة رابين غير آمنة بصورة أكثر وضوحا للجميع , و يصف غورنبيرغ الوضع : "لقد انكسر الحزب الحاكم، وصارت سيطرته على السلطة هشة، فيما يتنازع زعماءه فيما بينهم " (102 ) أي نزاع حول سياسة الاستيطان أو مناقشة تنازلات من أجل السلام يمكن أن يسقط الإدارة(103), و يتابع غورنبيرغ القول في جو من عدم الثقة ، و في غياب سياسة الاستيطان كان" كل مسؤول يقوم بعمل ما يراه صحيحا بالنسبة له" (104).وقد أدت العديد من الأسباب إلى زيادة معدل الاستيطان، ولكن كان أهمها الخوف من فقدان الأرض في محادثات السلام بعد حرب 1973. و تضمنت التغييرات الجديدة في الحكومة إنشاء مراكز حضرية وضواحي في مرتفعات الجولان وقلب الضفة الغربية، إلى جانب مصنع لوزارة الدفاع (105). اكتسب حزب الليكود الذي تم تشكيله حديثا نفوذه على اليمين من خلال تشجيع استيطان أكثر توسعية . وكانت غوش إيمونيم ( كتلة المؤمنين) حركة دينية غير حكومية تحدت علانية موقف الحكومة بشأن المناطق التي لا حدود لها للاستيطان (106). وأجبرت غوش إمونيم الحكومة على الاستيطان في عوفره [التي أقيمت على أراضي سلواد و عين يبرود] و قدوم في الضفة الغربية ,وقد عزيت المواجهة في سبسطية إلى حد كبير إلى نزع الشرعية عن حكومة حزب العمل. (107) ثمة تغيير آخر طرأ اثناء وجود رابين على رأس الحكومة و يدعو غورنبرغ هذا التغير بـ" اللاشرعية"، وهو ميل الحكومة إلى تبرير الأعمال غير القانونية عندما تكون هذه الأعمال مدفوعة بدوافع قومية ، ودعم الولاء السياسي على حساب سلطة القانون (108 ).تم منح مصادرة الأراضي من الفلسطينيين الآن موافقة حكومية. وقد تراجعت هيمنة حزب العمل في عام 1976 وسط فضائح وخلافات وسوء إدارة وعدم القدرة على التعبير عن السياسة أو فرضها(110).وبحلول العام 1977 ، كان هناك ما يقرب من 72 مستوطنة في الأراضي المحتلة(111).
الهيمنة الليكودية 1977-1987
لدى مقارنة حكومة حزب العمل بحكومة الليكود فقد كان الأخير أكثر عسكرة وعدائية في أنشطته التوسعية (112). وقد عارض حزب العمل في ظل قيادة رابين أنشطة حركة غوش إيمونيم، لكن الليكود كان في ائتلاف "مع الحزب القومي الديني الذي تهيمن عليه الحركة " (113). أعطيت مراكز الاستيطان الحكومية السلطة لمؤيدي غوش إيمونيم ، وباتت مستوطنات مثل عوفر و قدوم في المناطق ذات الكثافة السكانية العربية الآن ذات أولوية (114) . وقد أعطى الليكود أهمية قصوى على إبقاء التواجد الدائم في الضفة الغربية وقطاع غزة، اللتان هما جزء من أرض إسرائيل القديمة (115).
أصبح مناحيم بيغن رئيساً للوزراء في 20 حزيران / يونيو 1977، بعد انهيار حكومة حزب العمل. وألقى خطاب انتصاره من مستوطنة إيلون موريه في الضفة الغربية ، حيث وعد بإنشاء المزيد من هذه المستوطنات في المستقبل.(116) . أضاف بيغن خمسة وثلاثون مستوطنة خلال السنوات الست التي قضاها ، لكن كان لديه أولويات لم تتطابق مع أنصار غوش إيمونيم. و في آذار / مارس 1979 ، وقع بيغن معاهدة سلام مع مصر تعيد بموجبها إسرائيل شبه جزيرة سيناء لمصر و تتعهد بقيام حكم ذاتي محدود للفلسطينيين، و وقف أنشطة الاستيطان الإسرائيلية لمدة ثلاثة أشهر (117). وعلى الرغم من الاحتجاجات الشديدة، أزيلت مستوطنات سيناء. كانت فكرة بيغن عن الحق في الاستيطان في كل مكان في أرض إسرائيل مركزة على الضفة الغربية وغزة ، وخاضعة للأمن القومي وسيادة الدولة (118).وفي وقت لاحق من ذلك العام، بعد أن حكمت المحكمة الإسرائيلية العليا ضد مصادرة الأراضي من أجل الاستيطان، أعلنت إدارة بيغن أن " جميع الأراضي غير المسجلة وغير المربوطة في المناطق الريفية يجب أن تكون أراضي خاضعة للدولة"(119). وفي أيار / مايو 1980 ، أصدرت إسرائيل قانون القدس، الذي مدد القانون الإسرائيلي إلى القدس الشرقية ، وإعلان المدينة الموحدة عاصمة لإسرائيل(120) . وبالمثل، صدر القانون المتعلق بمرتفعات الجولان في كانون الأول-ديسمبر 1981 القاضي بتمديد القانون الإسرائيلي نحو مرتفعات الجولان(121) . وفي العام 1982 غزت إسرائيل لبنان رداً على هجمات فصائل منظمة التحرير الفلسطينية المتواجدة في لبنان , وقد ساهم التورط في تلك الحرب التي لم تحظ بشعبية، بالإضافة إلى ارتفاع التضخم الاقتصادي، إلى استقالة بيغن في العام 1983 (122).
تولى اسحق شامير منصب رئيس الوزراء مؤقتا حتى موعد الانتخابات في أيلول- سبتمبر 1984. وخيمت أجواء حرب لبنان و التضخم المفرط، والانقسامات داخل الليكود على هذا المنصب في ذلك العام (123) . في الوقت الذي ازدادت فيه المستوطنات، رغم أنها لم تحظ على تركيز الحكومة المتورطة في حينه في مشاكل الحرب و المشاكل الاقتصادية(124). وكان يعرف عن شامير نفسه أنه ينتمي للجناح المتشدد لـ " الصهيونية المتصلبة و الاستيطانية التوسعية في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية ة قطاع " (125) . و لا تظهر خطة دروبليس المقترحة سنة 1983 , (لتضاف إلى خطط آلون و ديان) سوى المشاعر الشعبية السائدة و الداعمة للاستيطان في مناطق السكان العرب؛ ولكن لم يتم تبنيها قط, وبحلول العام 1984، بدأت إسرائيل في استخدام القانون العثماني الذي تم اكتشافه مؤخراً لتبرير مصادرة الأراضي الريفية غير المستخدمة في الأراضي المحتلة ، وبعد فترة وجيزة ، كان "40٪ من الضفة الغربية إما في أيدي إسرائيليين أو تسيطر عليها الدولة, وتم تحديد الأراضي لبناء عشرات المستوطنات الجديدة. "(127).
لم يتمكن شامير وحزبه بسبب حرب لبنان ومتاعب التضخم من تأمين انتخابات 1984. فتم تشكيل حكومة وحدة وطنية بين الليكود والعمل. وكان شمعون بيريز رئيسا للوزراء للسنتين الأوليتين ثم تبعه شامير في المنصب للسنتين التاليتين (128) . و تابعت إدارة بيريز بصوة واضحة إنهاء حرب لبنان مع الاستمرار في الاستيطان ، وبدأت الحكومة في تنفيذ خطة الاستقرار الاقتصادي ، واستكشاف " الخيار الأردني " للأراضي المحتلة " (129) . و تمثل الموقف الرسمي للحكومة في العمل على تطوير "المستوطنات القائمة دون انقطاع " (130). لكن هذا لم يكن كافيا للجناح اليميني من المستوطنين الذي ادعوا بأن بيريز معادي للصهيونية (131). عاد إسحاق شامير مرة أخرى لمنصب رئيس الحكومة في العام 1986. وعادت وتائر الاستيطان و مصادرة الأراضي في الارتفاع . ورفض شامير في العام 1987 محاولات الأردن لتحقيق السلام بربطه في الانسحاب من الضفة الغربية (132). وكانت منظمة التحرير الفلسطينية قد هزمت و أبعدت عن لبنان. كل هذه الأمور مع اقترانها بالصعوبات الاقتصادية واستمرار الإحباط بسبب الاحتلال والظلم الإسرائيلي، ساهمت في تضاؤل آمال السكان الفلسطينيين في الأراضي المحتلة و تركتهم دون ملاذ يلجؤون إليه (133) . وقد واجهوا ما يصفه غورنبرغ بأنه "ضم بطيء الحركة"(134) .و بحلول العام 1987 كان "أكثر من نصف أراضي الضفة الغربية وثلث قطاع غزة قد صودرت أو منع الفلسطينيون من الوصول إليها "(135) . وخلال سنوات حكم شامير تلك ( 1986 - 1987 ) كان قد اكتمل العقد الثاني من عملية استيطان إسرائيل للأراضي المحتلة. اختلفت الأنشطة الاستيطانية في ظل هيمنة الليكود قليلاً عن الأنشطة السابقة التي بدأت مع إشكول وألون وديان, إذا ما استثنينا النقاش الموجز بخصوص احتلال و استيطان جنوب لبنان , وقد دعمت الإدارات الليكودية بصورة عامة الممارسات الاستيطان الأكثر عدوانية والأقل تسترا مما كانت عليه في عهود الحكومات العمالية. على الرغم من تسليم بيغن لسيناء، كان بيريس هو الوحيد الذي يفكر في التنازل عن أجزاء من الضفة الغربية.
الانتفاضة الأولى : 1987-1993
انتخب اسحق شامير، المتشدد في الاستيطان مرة أخرى رئيسا للحكومة طيلة فترة الانتفاضة الأولى باستثناء السنة الأخيرة منها و لم يتم اختزال جهوده الرامية إلى زيادة الاستيطان ومصادرة الأراضي بسبب النزاع والاهتمام الدولي (136). وأدى النقد الداخلي والخارجي بشأن توسع المستوطنات الإسرائيلية إلى تجميد بناء مستوطنات جديدة ، لكن تضاعف سكان المستوطنات القائمة في الضفة الغربية أكثر من النصف خلال الانتفاضة الأولى(137) . أصبحت الأرض حرة الآن للمستوطنين ، وزادت المساعدات الحكومية بشكل كبير(138) ,مما أدى إلى تغيير في التركيبة السكانية للمستوطنين, وتم جذب المستوطنين لأسباب اقتصادية أكثر منها دينية (139). و كان على هؤلاء المستوطنين الذين أرادوا إقامة مستوطنات جديدة أن يلجؤوا إلى "بناء مستوطنات وبؤر استيطانية غير مرخصة " ، يتم تجاهلها في البداية ولكنها تحظى في النهاية بدعم الحكومة (140).وقد زادت إسرائيل من عمليات الإبعاد والتعذيب وهدم المنازل وحظر التجول المفرط والعزلة المجتمعية كمحاولات مشجعة لهجرة - نزوح جماعي - للفلسطينيين إلى الدول المجاورة (141).وقد خلقت إسرائيل بيئة في الأراضي الفلسطينية يعيش فيها الفلسطينيون ضمن شروط دون المستوى ومعتمدين على إسرائيل فيما يتعلق بالسلع المصنّعة، والعمالة، وحتى الموارد الأساسية (142). و كان شامير أيضاً أداة أساسية في تمكين هجرة اليهود الروس بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وجلب اليهود من إثيوبيا في العام 1991 (143). و رغم كل هذا فقد كان النجاح الأكبر للانتفاضة هو أنها أدت إلى اتفاقات أوسلو في العام 1993.
وتسبب الاهتمام السلبي الناتج عن الانتفاضة في انتخاب اسحاق رابين رئيساً للوزراء بتفويض شعبي لتقليص النشاط الاستيطاني (144) . وفي العام 1987، أعلن رابين أن القدس والمناطق المحيطة بها "ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية" (145). وهو الذي عرف عنه في سنوات الانتفاضة الأولى و وبصفته وزيرا للدفاع باتباع سياسة "القبضة الحديدية" (146).ومع ذلك، فعندما انتخب رئيسا الوزراء كان قد حصل تغيير فعلي لوجهة نظره فبدأ على الفور في السعي إلى إبرام اتفاقات سلام مع منظمة التحرير الفلسطينية. غير أن نشاط الاستيطان سار كما كان في الإدارة السابقة. ورغم الدعم الحكومي الرسمي المحدود للنشاط الاستيطاني فقد حصل المستوطنون بسهولة على دعم و إن كان أقل في المستوى من قبل المستوطنين اليمينيين الذين زادوا من نشاطهم تحت تهديد مخاطر تقلص الامتيازات المستقبلية للأراضي في الضفة الغربية (147). و باختصار، كانت فترة الانتفاضة الأولى هي التغيير الهام الأول في الإجراءات الاستيطانية. بسبب الاهتمام الداخلي والخارجي السلبي الذي سببته الانتفاضة، كانت المستوطنات الجديدة محدودة للغاية. وقد أدى ذلك إلى التوسع السريع في المستوطنات القائمة وتضاعف البؤر الاستيطانية غير القانونية.
لم يتم تبني سياسات استيطانية رسمياً منذ العام 1967 ،رغم أن مثل هذه السياسات كانت مدعومة بشكل علني من أعلى مستويات الحكومة, و قد أصبح الدعم الحكومي المفتوح, خلال الانتفاضة الأولى، نادرًا ، وحل محله الجهود الحكومية والمدنية الأقل مستوى والتي كان يكتنفها الغموض ,وإجمالاً، تشير بيانات جهاز الإحصاء المركزي الإسرائيلي بأن معدل النمو السنوي للمستوطنات طوال هذه الفترة تجاوز الـ 10 %.
اتفاقية أوسلو 1993-2000
صدم إسحق رابين شعبه والعالم بإعلان أوسلو الأول في أيلول-سبتمبر 1993. وهو الذي أمضى العام الذي سبق في الحديث و التخطيط لمثل هكذا اتفاق، غير أنه تعرض لانتقادات قاسية و مباشرة من قبل زعماء الليكود مثل نتنياهو وشارون (149). ولم يحظ اتفاق أوسلو بشعبية كبيرة من قبل المستوطنين اليمينيين الذين وصفوا رابين بأنه نازي أو عربي ،ونعتوه بالخائن (150).
أدى إعلان أوسلو إلى توقيع اتفاق سلام إسرائيلي / أردني وكذلك عودة ياسر عرفات وإنشاء السلطة الفلسطينية في العام 1994 (151). وبرر رابين اتفاقيات أوسلو بالقول أن السلطة الفلسطينية هي من سوف يتحمل مسؤولية و عبء العنف الفلسطيني، وبالتالي نأت إسرائيل بنفسها بعيدا عن هذا المأزق في الوقت ذاته الذي ستحتفظ فيه بالسيطرة النهائية على الأراضي (152).و هو ما يصفه نفيه جوردن بأنه " نقل " الجوانب الاكثر قلقا و المسؤوليات في الأراضي المحتلة للسلطة الفلسطينية (153). في الواقع , أصبحت السلطة الفلسطينية "ذراعا للسلطة الإسرائيلية " (154). وبدء المستوطنون اليمينيون-ردا على أوسلو- "بمضاعفة عملية الاستيطان "من خلال إضافة مستوطنة جديدة لكل مستوطنة قائمة (155).
غالباً ما يرتبط النمو السريع للمواقع الاستيطانية غير القانونية بهذه الفترة ، كما هو مذكور في تحقيقات تايلور ساسون المعروفة حول ظهور البؤر الاستيطانية (156). في النهاية ، كان حل الدولتين والتنازل عن الأراضي أكثر مما يحتمله البعض , ناقش حاخامات المستوطنات ما إذا كان رابين يستحق الموت بسبب "الجرائم" التي ارتكبها بالفعل ، أم بسبب تلك التي سيرتكبها في المستقبل . (157) وأسفرت الجهود المبذولة لعرقلة عملية السلام في نهاية المطاف عن مآسي مجزرة الحرم الإبراهيمي سنة 1994. واغتيال رابين في تشرين الثاني -نوفمبر 1995. و عاد شمعون بيريس إلى رئاسة الوزراء لمدة سبعة أشهر بعد اغتيال رابين إلى حين إجراء الانتخابات. وكان بيريس بصفته وزيرا للخارجية أثناء حكومة رابين منذ العام 1992 ،قد أعرب باستمرار عن رغبته في السعي إلى السلام مع الفلسطينيين والدول العربية المجاورة. وكان مؤيدًا لخطة "غزة أولاً" في منح حكم ذاتي محدود في غزة ، فضلاً عن كونه الداعم الرئيسي لمحادثات أوسلو(159) . بيد أنه لم يشر ,بعد اغتيال رابين ، إلى المحادثات الفلسطينية(160).و قد استنفذ وجوده في منصب رئاسة الحكومة للإعداد للانتخابات وإخراج وحدات الجيش الإسرائيلي من أجزاء من الأراضي المحتلة ، ومكافحة العمليات الإرهابية الانتحارية الواسعة التي ضربت إسرائيل (161). كان بيريس مؤهلا للفوز في الانتخابات بسبب التعاطف الحاصل بعد اغتيال رابين و تقدم مسار اتفاقات أوسلو, ولكن الموجة العالية من النشاط الإرهابي قلبت الموجة (162) ليفوز بنيامين نتنياهو في انتخابات حزب الليكود في أيار-مايو 1996. و باعتباره نموذجا عن فكر الليكود كان نتنياهو أقل رغبة في مقايضة الأرض مقابل السلام. وعلى الرغم من تعهده بالالتزام باتفاقية أوسلو فقد قام هو نفسه بتوقيع اتفاقات سلام الخليل و واي ريفر, لكنه تملص من الالتزام بتلك الاتفاقات (163). و برغم كل هذه الاتفاقات استأنف نتنياهو مصادرة الأراضي و الاستيطان على نحو مفتوح و عاجل من أجل منع أي تنازل عن الأرض لصالح السلطة الفلسطينية (164). بدا نتنياهو كشخص غير جدير بالثقة بالنسبة للولايات المتحدة وللسلطة الفلسطينية ولحكومته .وقد وعد قاعدته اليمينية بعدم الموافقة على التنازل عن الأرض ، لكنه أخل بهذا الوعد في واي ريفر. ثم أخبر اليسار صراحة أنه لا ينوي تنفيذ الاتفاق(165).
وشارك آرييل شارون بصفته وزيرا للخارجية في محادثات واي ريفر , و شجع لدى عودته إلى إسرائيل المستوطنين عبر الإذاعة العامة "للاستيلاء على المزيد من التلال والتمدد نحو الأراضي , فكل شيء نقبض عليه سيبقى في أيدينا , وكل شيء لا نمسك به سيكون في أيديهم."(166). كما أضيف , من ناحية أخرى بعدا جديدا للأنشطة الاستيطانية أثناء إدارة نتنياهو, فقد أدت ممارسات الفصل إلى تقليل التهديد الأمني الذي يشكله الانتحاريون و ساهم هذا الفصل في حماية و تأمين الأرض في المناطق المحتلة، فضلاً عن إعاقة الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية (167). شملت إجراءات الفصل بناء الجدار ، والطرق الخاصة باليهود ، وإغلاق المدن الفلسطينية ، والحد من الحركة ، و متطلبات التصاريح للعمل و السفر (168). غير أن الاضطرابات الاقتصادية والعزلة الدولية وفشل اتفاقات السلام، فضلا عن عدم موثوقية نتنياهو ، أدت إلى هزيمته في انتخابات سنة 1999 (169). ليتم انتخاب إيهود باراك كرئيس للحكومة بأغلبية كبيرة، مما أعطاه تفويضا للبدء بـ "مفاوضات سلام مكثفة"(170). قام باراك بسحب القوات الإسرائيلية من لبنان بعد 17 عامًا من الاحتلال (171) . وتفاوض مع سوريا دون نجاح. كما وافق على دعم وتحسين اتفاق واي ريفر مع عرفات (172). و لكن انهارت مفاوضات السلام في محادثات كامب ديفيد 2000 بسبب الخلافات حول القدس الشرقية والمدينة القديمة ،و "حق العودة" للاجئين الفلسطينيين ، والتواصل الجغرافي الضفة الغربية الفلسطينية (173). وقد ظهر لأول مرة قيام رئيس وزراء إسرائيلي بتقديم عرض جدي للتنازل عن جزء من القدس وأغلبية الضفة الغربية وغزة. ومع ذلك، فإن "حق العودة" للاجئين الفلسطينيين كان سيسمح للاجئين من حرب الاستقلال عام 1948، أو أطفالهم، بالعودة إلى الأراضي الإسرائيلية، مما يعرض الأغلبية اليهودية داخل دولة إسرائيل للخطر, فضلا عن استمرار نمو المستوطنات الإسرائيلية (174). ﻭ قد ارتفع عدد سكان المستوطنات في الأراضي المحتلة بنسبة 58% , منذ العام 1993 وحتى العام 2000 وفي ظل اتفاق أوسلو (175). وقد شكل فشل اتفاقات كامب ديفيد في تموز / يوليو 2000 عاملا سببيا لاندلاع الانتفاضة الثانية في أيلول / سبتمبر 2000.
تم تجميد النشاط الاستيطاني في هذه الفترة من اتفاقات أوسلو بشكل رسمي أو تخفيضه إلى حد كبير، إلا أن النمو الاستيطاني "غير القانوني" استمر في الارتفاع دون هوادة. ومع ذلك ، تتميز هذه الفترة أيضا بأعظم استعداد لإسرائيل للتنازل عن الأرض مقابل السلام. كانت المقترحات الإسرائيلية في أوسلو و كامب ديفيد تمثل "أكثر تنازل إسرائيلي تم تقديمه على الإطلاق "(176).كان الأمل في التوصل إلى اتفاق سلام في أعلى مستوياته، غير أن الهجمات الإرهابية واغتيال إسحاق رابين ألحقت ضررا فادحا لا يمكن إصلاحه بهذا الأمل, كما زادت سياسات الفصل وبناء الجدار ، والطرق التفافية الخاصة باليهود ، والحد من حركة الفلسطينيين من المصاعب الاقتصادية والسيطرة الفعالة على الأعمال القانونية للفلسطينيين ، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع أكثر فأكثر .
الانتفاضة الثانية 2000-2005
بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في 29 أيلول- سبتمبر 2000 ، حاول إيهود باراك حل النزاع بسرعة عن طريق تدخل الجيش الإسرائيلي لتخفيف التصعيد وبذل المزيد من ضبط النفس ، مما سمح بتغطية إعلامية مفتوحة للنزاع (رغم أن ذلك كان يعمل ضده) ، ومحاولة أخيرة لعقد اتفاق سلام مع عرفات برعاية الرئيس الأمريكي كلينتون .وافق باراك والحكومة الإسرائيلية في نهاية المطاف على تقديم مزيد من التنازلات في الضفة الغربية، وإخلاء معظم المستوطنات، والتنازل عن الحرم القدسي، وقبول محدود لـ "حق العودة" .لكن عرفات رفض كل ذلك ،ربما كان يرغب في رؤية إلى أين ستقود الانتفاضة الثانية ، وعلى إثر ذلك تخلى باراك عن محادثات السلام و استقال في 9 كانون أول-ديسمبر 2000 (177). و في آذار -مارس 2001 انتخب أريئيل شارون رئيسا للحكومة و هو الذي يدعوه البعض عادة بـ أبي الحركة الاستيطانية(178) ,و كان كله تصميم على " إخماد [الانتفاضة الثانية] بالقوة العسكرية" (179). وفي نفس الوقت، واصلت إسرائيل مصادرة الأراضي في الضفة الغربية (180). واستمر النمو السكاني للمستوطنات في النمو نحو 5 % على الرغم من عنف الانتفاضة الثانية (181). وبحلول العام 2003 ، تعرض فكر شارون لتغيير عميق و قرر الانسحاب الكامل (المستوطنين العسكريين والمدنيين) من قطاع غزة. من الصعب تحديد دوافع شارون , ولكن على الأرجح تضمن بعضا من المخاطر الهائلة التي يسببها قطاع غزة للإسرائيليين ( و يتضمن ذلك عدد السكان الفلسطينيين الكبير هناك , فضلا عن مستويات الفقر المدقع الذي يعزز النشاط الإرهابي) ، و تأمين المزيد من الحدود لحماية الأغلبية اليهودية و اكتساب قوة تفاوضية دولية (183). كان شارون مؤيدا لأنشطة الاستيطان من أجل تحسين أمن إسرائيل؛ أما الآن فقد بدت المستوطنات في نظره عبئا أمنيا يمكن التضحية بها دون إبطاء بسبب المخاوف المتعلقة بالأمن الأمن القومي بصورة عامة (184). و يزعم كل من أزولاي و عوفر أن انسحاب شارون كان استمرارًا لإيديولوجية الانفصال التي بدأت في عهد نتنياهو واكتسبت شعبية مع بداية الانتفاضة الثانية (185). رغم أن شارون قام بحملة على قيم الليكود التقليدية للحفاظ على أكبر قدر ممكن من الأراضي المحتلة ، إلا أن تبديله لم يكن بدون دعم الكنيست ، والمحكمة العليا ، وأغلبية الجمهور الذي وافق على الانسحاب من غزة(186).
ظل النمو الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي المحتلة خلال الانتفاضة الثانية فوق الـ 5% ، واستمرت أيضًا مصادرة الأراضي خلال هذه الفترة مع استمرار الأنشطة الاستيطانية ، كجزء من نظام طويل الأمد للاحتلال والقمع والظلم ،وهو ما كان سبباً رئيسياً للانتفاضة الثانية. إن التنازلات المقترحة لإدارة باراك، وكذلك الانسحاب أحادي الجانب من غزة، يشهدان على الموقف المتغير داخل إسرائيل تجاه الأنشطة الاستيطانية. كانت هذه فترات انقطاع كبيرة مع الاتجاهات التي تم تحديدها في العقد الأول في ظل إدارة إشكول و ألون و ديان. بالإضافة إلى جوانب أخرى من الحالة أثرت على الاستيطان بطرق غير مباشرة. وتشمل هذه سياسات الفصل التي كان من الممكن أيضا أن تهدف إلى زيادة المشقة وتؤدي إلى هجرة الفلسطينيين أو إذعانهم ، والحفاظ على الأغلبية اليهودية داخل إسرائيل ومناطق معينة من الأراضي المحتلة التي تعتزم الاحتفاظ بها. يمكن لهذه العوامل أن تساعد في تفسير الانسحاب من غزة والمقاومة المستمرة لحق الفلسطينيين في العودة.
الفترة الحالية:2005-2014
عندما قرر شارون الانسحاب من غزة ، انفصل عن حزب الليكود وشكل حزب كاديما مع إيهود أولمرت. استند برنامج حزب كاديما على انسحاب أحادي الجانب من الأراضي المحتلة (187). تولى أولمرت رئاسة الوزراء عندما لم يعد شارون قادراً على القيام بمهامه، ثم تم انتخابه رئيساً للوزراء في آذار- مارس 2006. وخلال حملته الانتخابية ، كشف أولمرت عن خطته بخصوص الأراضي المحتلة (189) التي تقوم على حل الدولتين ﻭ تعزيز المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية قرب الخط الأخضر وهي المناطق ذات الكثافة الاستيطانية اليهودية العالية و التي من المقرر ضمها إلى إسرائيل مقابل ضم مناطق مأهولة بالسكان [العرب] في إسرائيل إلى فلسطين. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تفكيك ونقل عدد لابأس به من المستوطنات الإسرائيلية. وقدر أحد المصادر أنه كان من المقرر إخلاء ثلث المستوطنين الإسرائيليين من الضفة الغربية (109). وإذا لم توافق السلطة الفلسطينية على هذه الخطة، فإن إسرائيل ستكون مستعدة للتصرف من جانب واحد ، كما فعلت في غزة , غير أن سوء إدارة إسرائيل لحرب لبنان 2006 أخرج هذه الخطة عن مسارها, بالإضافة إل ذلك تسبب العنف المتصاعد في غزة في التشكيك بمغزى الانسحاب من جانب واحد (191). و استمرت مصادرة الأراضي و عمليات الاستيطان في ظل إدارة أولمرت في الارتفاع -لاسيما حول القدس- على الرغم من خطط سلام أولمرت وحل اﻟدوﻟﺗﯾن(192) . تم إقالة أولمرت في العام 2008 بسبب الفساد ، لكنه بقي في حكومة تصريف الأعمال إلى أن أعيد انتخاب نتنياهو في العام 2009 (193). و خلال الولاية الثانية لنتنياهو تمت العودة لتكتيكات الليكود الاستيطانية ,و توقفت محادثات السلام خلال السنوات الثلاث الأولى التي قضاها في السلطة، وهي السنوات التي استمر فيها سكان المستوطنات في النمو بمعدل 6% سنوياً (194) . وقد تعهد نتنياهو بالحفاظ على الوضع الراهن - السيطرة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة مع تجنب أي حل يفضي إلى حل الدولتين (195) , وقد انجذب معظم المستوطنون الجدد بفضل مغريات المساكن المدعومة التي تقدمه الحكومة في الأراضي المحتلة مثلما كان هذا نموذجيا في العشرة السابقة (196). لاسيما في البؤر الاستيطانية القريبة من الحدود, علما أن هناك من يأتي للاستيطان لدوافع إيديولوجية أو دينية أو قومية.
و في التاسع و العشرين من تشرين الثاني-نوفمبر 2012 ، أصدرت الأمم المتحدة قراراً بمنح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو (197). وكانت رد إدارة نتنياهو هو زيادة بناء المستوطنات في منطقة E1 في القدس الشرقية (التي ضمتها إسرائيل بشكل غير رسمي في العام 1967 ، ورسميا في العام 1980) (198).
تبين هذه الفترة الحالية أن انقسام إسرائيل فيما يتعلق بالمستوطنات أصبح أكثر وضوحا وجلاء . في عهد أولمرت ، كانت إسرائيل قريبة جدا من تقديم تنازلات كبيرة و تخفيض حقيقي للمستوطنات، وحل الدولتين. و ما تقترحه خطة أولمرت قريب إلى حد ما من خطط آلون و ديان ، لكن دون النظر إلى غور الاردن كحاجز أمني في عصر التكنولوجيا العسكرية. بينما اتبعت تكتيكات نتنياهو أسلوب المماطلة وتوسيع المستوطنات وهو ما يشير إلى الرؤية الأخرى المتطرفة ، وتدل على أن الخيارات بين اليمين واليسار الإسرائيليين تقترب من مقولة الكل أو اللا شيء . لكن نزعة الغموض ، والمماطلة ، واستخدام الثغرات ، والمبادرة الحكومية الأقل مستوى ما زالت قائمة.
لا يعد سلوك إسرائيل الرسمي بشأن الاستيطان في الضفة الغربية والأراضي المحتلة الأخرى سياسة رسمية. السمة الثانية لسياسة الاستيطان هي أنه يجب تغييرها في كثير من الأحيان. و عند تحري سياسة إسرائيل الاستيطانية لابد أن نلحظ بعضا من أوجه التماثل و الاتساق، التي يمكن تلخيصها في الغموض، والتردد، و المماطلة، ومن المفيد جداً النظر في أمرين. أولاً ، ما هي التركيبة السياسية للإدارة؟ ثانيا ، ما تفعله الحكومة - على عكس ما تقوله - على المستويين الأعلى و الأدنى. كما أنه من المثير للاهتمام النظر مجددا إلى دور الصهيونية الدينية و تأثيرها على نشاط الحكومة الاستيطاني.
تأثير الصهيونية الدينية على استيطان الأراضي المحتلة
ينتمي أعضاء الصهيونية الدينية إلى طيف المجتمع الإسرائيلي ، من طالب المدرسة الدينية العادي إلى أعلى المناصب الوزارية , و تحاول الصهيونية الدينية التأثير في سياسات إسرائيل الاستيطانية وأنشطتها عبر جميع مستويات هذا الطيف, ففي المستويات الدنيا ، تحاول مجموعات صغيرة من الأفراد ذوي الدوافع الدينية إنشاء المستوطنات دون النظر إلى الاعتبارات أو القيود الحكومية. كما يظهر الصهاينة المتدينون في المستويات العليا للدولة و يشغلون مناصب حزبية و حكومية ويؤثرون على سياسات الحكومة الاستيطانية وأعمالها بصفة رسمية. تشغل الحركات الاجتماعية مثل غوش إيمونيم (كتلة المؤمنين) منتصف هذا الطيف، وتسعى إلى زيادة الدعم الشعبي لجهود الاستيطان على نطاق ضيق فضلاً عن ممارسة الضغط خارج الكنيست على المستوى الحكومي. في هذا الفصل ، أستكشف في كل من هذه المجالات الثلاثة بعض أبرز الأمثلة على الفرص للصهيونية الدينية للتأثير في سياسة الاستيطان ذات التأثير الكبير.
المستوطنون: التأثير على الأرض
المثال الأول والأكثر وضوحا للتأثير الديني للصهيونية على سياسة إسرائيل الاستيطانية هو إنشاء مستوطنات غير مرخصة في الأراضي المحتلة(199). تستطيع مجموعات صغيرة من المستوطنين التصرف في تحد لسلطة الحكومة مع قدر كبير من الإفلات من العقاب. على الرغم من وجود العديد من الأمثلة ، فقد أخذت عينات من حالات الخليل وإيلون موريه في حقبة (حزب) العمل (1967-1977) ، وانتشار البؤر الاستيطانية غير القانونية في الفترة التي أعقبت اتفاقيات أوسلو (1993-2000). هذه الحالات مهمة لأن الخليل وإيلون موريه ينطويان على اشتباكات كبيرة بين الحكومة والمستوطنين ، في حين أن التحول إلى البؤر الاستيطانية غير القانونية هو تغيير كبير في التكتيكات.
على الرغم من أن مستوطنة غوش عتصيون (تأسست في أيلول -سبتمبر ر 1967) سبقت الاستيطان في الخليل ، فإن الخليل تقدم المثال الرئيسي الأول للاستيطان المفروض على الحكومة. تسمى الخليل مدينة إبراهيم ، وتحتوي على قبر الآباء البطاركة إبراهيم وإسحق ويعقوب (201). و هي أيضا المدينة التي كان يحكمها الملك داود قبل أن يستولي على القدس (202) .
بالإضافة إلى ذلك، كانت مدينة الخليل، مع غوش عتصيون والمدينة القديمة في القدس، من أماكن الاستيطان الكبيرة لليهود قبل العام 1948 (203). ونظرا لأن الخليل هي مدينة إبراهيم، لذلك تعتبر أيضًا مكانًا مهمًا للمسلمين وتعرف قبور الآباء البطاركة يعرف ايضا باسم المسجد الإبراهيمي. لهذه الأسباب رأى موشيه ليفنغر الحاخام غير المعروف و تلميذ زفي كوك أنه من الضروري وجود مستوطنة يهودية في الخليل (204)..قام ليفنغر ببعض المحاولات للحصول على إذن من الحكومة، لكن الحكومة المنقسمة لم تتمكن من اتخاذ قرار بشأن الخليل (205) . وفي نيسان -أبريل من العام 1968 ، قاد ليفنغر غير الصبور مجموعة صغيرة للانتقال بشكل غير قانوني إلى فندق في الخليل للاحتفال بأسبوع عيد الفصح(206). وربما حصلت مجموعته على إذن من الجيش للبقاء لليلة واحدة ، ولكن ليفنغر جلب معه سلعه و أدواته المنزلية بما يحي أنه لم يكن ينوي (207). ليس هذ ا فحسب، فقد كانت هذه الجماعة مثيرة للجدل و دائمة الصخب و الصراخ أثناء إقامتهم إقامتهم. وطلب ليفنغر "المساعدة" الأمنية من الجيش ، وتم تزويده بالأسلحة بالإضافة إلى حراس الشرطة (208). كما قامت المجموعة بزيارات وقحة إلى الحرم الإبراهيمي ومكتب رئيس البلدية الفلسطيني. كان قائد الجيش المحلي مترددًا في إبعاد هؤلاء اليهود من الخليل خلال أسبوع الفصح، وانتظر بعد ذلك قرارًا من الحكومة. لكن الحكومة، كما ذكر سابقا، كانت منقسمة حيال الأمر, و قام ألون بزيارة المستوطنة لإظهار الدعم لهم, ثم تبعه بيغن وآخرون. وكان معظم المسؤولين الآخرين ، بمن فيهم رئيس الوزراء إشكول، ضد السماح لجماعة ليفنغر بالبقاء فلم تكن مستوطنة الخليل مقررة بعد لكن الاساليب التي اتبعها ليفنغر هي التي تسببت في معظم الاعتراضات. إن السماح لمجموعة دينية صغيرة بإملاء سياسة الاستيطان وفي النهاية مصير الأراضي المحتلة كان أمرًا شائنًا لاشك . أشار إشكول إلى أن هذا من شأنه إضعاف السلطة العسكرية وسلطة الدولة في الأراضي المحتلة ، وربما يؤدي إلى تصعيد الخلاف (209). يصف إيان لوستيك رد فعل الحكومة المفزع بهذه الطريقة، "بسبب من انقسامها الداخلي و اعتمادها على أصوات الحزب القومي الديني... تراجعت الحكومة العمالية عن حظرها الأصلي ضد الاستيطان المدني في المنطقة (210). في السنة ونصف السنة التالية ، تصارعت الحكومة مع نفسها حول كيفية إزالة الحاخام ليفنغر العنيد من الخليل. نتج عن الحل الوسط المفروض على الحكومة إنشاء مستوطنة كريات أربع ، وهي واحدة من أكبر المستوطنات حتى تاريخه (211). وقد وضع هذا الحدث صدعًا كبيرًا في قدرة الحكومة على السيطرة على المستوطنين الدينيين (212).
و لكن أكثر الصدامات الدراماتيكية شهرة بين المستوطنين الدينيين والدولة كانت في الجهود التي بذلتها جماعة إيلون موريه لإنشاء مستوطنة في منطقة نابلس, وسوف يتعاون أعضاء الجماعة فيما بينهم لتأسيس حركة غوش إيمونيم في العام 1974. وفي حزيران-يونيو من ذلك العام ، بدأت هذه المجموعة من المستوطنين المتدينين، الذين تعبوا من انتظار موافقة الحكومة، ببناء مستوطنة أطلقوا عليها اسم إيلون موريه في قاعدة عسكرية للجيش تقع في قرية حوارة قرب نابلس, قبل أن يقوم الجيش الإسرائيلي بإزالة المجموعة، و ظهر في الموقع عدد من الشخصيات البارزة بما في ذلك أرئيل شارون والحاخام تسفي كوك ، لإثبات دعمهم للجهود التي قاموا بها (214). وبعد شهر واحد ، قامت المجموعة نفسها (التي باتت تسمى مجموعة إيلون موريه على اسم المستوطنة التي حاولوا إنشائها) , إقامة مستوطنتهم أو فرض امتياز من الحكومة في محطة قطار سبسطية. في هذه المحاولة الثانية، تم دعمهم من قبل شخصيات معروفة مثل حنان بورات وموشيه ليفنغر، وزار الموقع مناحيم بيغن وأربعة عشر عضواً آخر في الكنيست (215). ومع ذلك، قام الجيش بإزالة المجموعة مرة أخرى. كانت هاتين المحاولتين الأوليتين من طبيعة مدنية للغاية ، حيث كان كل جانب يتعاطف مع الآخر(216).
على الرغم من أن هذه المحاولات الرامية إلى الاستقرار في منطقة محظورة كانت غير قانونية ، فقد تم الدفاع عن المستوطنين ووصفهم بأنهم وطنيين من قبل المتعاطفين معهم من أعلى مستويات الحكومة (217) . وقد بذلت جماعة إيلون موريه خمس محاولات أخرى على الأقل للاستقرار في منطقة نابلس. نتج عن كل محاولة ازدياد العداء بين المستوطنين والحكومة ، وكان الجيش عالقا في وسطهما (218). وصل العداء إلى الذروة في كانون أول -ديسمبر 1975 في سبسطية حيث استخدم المستوطنون تكتيكًا مختلفًا هذه المرة ، واختاروا محاولة الاستيطان مع أسبوع احتفالات الحانوكا وقاموا بمظاهرات كبيرة, ولتجنب مواجهة سيئة وإتاحة الوقت لإيجاد حل، سمحت الحكومة للمجموعة بالبقاء خلال العطلة وحظيت بتغطية إعلامية يومية وحضر فعاليات العيد حاخامات معروفين وكتاب أغاني وشعراء، وما بين ثلاثة وأربعة آلاف شخص (219) . وبحلول نهاية الأسبوع ، قررت الحكومة إزالة المستوطنين والمتظاهرين، ولكن مساومة من تحت الطاولة أجبرت إدارة رابين الغاضبة على تأسيس مستوطنة قرب معسكر قدوم (220).
ويصف غيرشوم غورنبرغ حصة الحكومة في سباق الاستيطان هذا كحل وسط مباشر لدفاعها الإقليمي ودبلوماسيتها (221) . كما يصف إيهود سبرينزاك، في كتابه ( إخوة ضد إخوة)، هذا الصدام بمصطلحات أكثر عدائية ، قائلا إن سبسطية كانت "تنازل يقر به الجميع على أنه هزيمة نكراء للحكومة " (222). وسوف يتصاعد هذا الصراع مع مرور السنين. يتذكر رابين هذه الهزيمة ,وكانت أوسلو كانت على الأقل جزءاً من الانتقام (223) . هذه التفاعلات المشحونة بين رابين والمستوطنين ستؤدي في نهاية المطاف إلى اغتيال رابين على يد متطرف ديني (224) وهو ما يشير إلى أن التصدع في قدرة الحكومة على تقييد الاستيطان ذي الدوافع الدينية أصبح شرخا كاملا .
ومثال ثالث على تأثير المستوطنين المتدينين على سياسة الاستيطان الحكومية هو النمو السريع للبؤر الاستيطانية غير القانونية في أعقاب اتفاقات أوسلو . و تختلف الظروف المحيطة بهذه البؤر الاستيطانية غير القانونية بشكل كبير عن المثالين السابقين. وكما نوقش سابقا ، حوّل الحاخام تسفي كوك الصهيونية الدينية إلى حركة تتمحور حول الوصايا الإلهية[المتسفاه]، أي الأمر التوراتي لامتلاك واستيطان أرض إسرائيل. لقد استكشفنا المنطق الذي يجب أن تحل فيه هذه الأوامر محل الأوامر الأخرى لأن جميع الأوامر الأخرى تعتمد (في عقل الصهاينة المتدينين) على قانون التوراة الذي ينبغي تطبيقه على كامل أرض إسرائيل، أو كما يذكره شعار غوش إيمونيم "أرض إسرائيل لشعب إسرائيل وفقا لتوراة إسرائيل (226)" كانت الخطوة التالية في تطور هذه الفكرة هي تبرير الأعمال غير الأخلاقية من أجل ضمان الاستحواذ على الأرض والنشاط الاستيطاني. كما كان يبشر زيفي كوك وتلاميذه بأن الرب لن يسمح بحدوث انتكاسات كتلك التي حصلت في إخلاء مستوطنة ياميت في نيسان-أبريل 1982 (227).
أصبح الصهاينة المتدينون أكثر تطرفًا في أفعالهم ومعتقداتهم نتيجة لسلسلة من الهزائم المتصورة ، وتوقيع اتفاقات كامب ديفيد في عام 1978 ، وحكم إيلون موريه لعام 1979 ، و إخلاء ياميت عام 1982. كان الحركة اليهودية السرية المثال الأول لهذا التطرف ، لكنه وصل إلى ذروته في مجزرة غولدشتاين واغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين(228) .
دخل قادة الطائفة الصهيونية الدينية "صمتًا لاهوتياً" عندما أدركوا إلى أين تقودهم أيديولوجيتهم ،وباتوا عاجزين عن التوفيق بين هذه الأفعال والتوراة التي يدعون أنهم يناصرونها ، (229). لقد أصبحت هذه الحركة الدينية مفلسة أخلاقيا, وغير قادرة على تحرير نفسها من تجربة عقدين من الصراع المرير , ولم يتبق لها سوى المستوطنين المتدينين .و برغم حظر المستوطنات المنصوص عليه في اتفاقات أوسلو ، أو بسببها ، بدأ المستوطنون عملية تضاعف ، مما أدى إلى النمو السريع للبؤر غير القانونية (230). و برغم أن معظم الخطاب اللاهوتي المتعلق بالاستيطان تم إسكاته ، إلا أن الغالبية العظمى من المستوطنين أنفسهم ما زالوا مدفوعين بدوافع أيديولوجية دينية وقومية(231) . اكتشفت تاليا ساسون، في تحقيقاتها الأولية عن البؤر الإسرائيلية غير القانونية ، أن النشاط الاستيطاني استمر دون هوادة منذ أوسلو. مع اختلاف رئيسي واحد. تم إبعاد المسؤولين في المناصب العليا الحكومية ممن يعدون مكلفين بحماية القانون - في هذه الحالة الحظر على المستوطنات - من دائرة النفوذ عن قصد لكن دون حذر يذكر . على الرغم من أن القانون كان يتطلب أعلى مستويات من سيطرة الحكومة على عملية الاستيطان، فقد كان في الواقع مدعومًا بشكل حصري في المستوى الثاني، المستوى التنفيذي، كما تسميها ساسون(232) . وهذا ما جعل البؤر الاستيطانية غير قانونية[لكنها موجودة بالفعل] (233) . وتوضح ساسون أن هذه البؤر الاستيطانية بدأ بها المستوطنون عبر مجموعة متنوعة من الطرق (طلب المرافق التعليمية ، والمزارع ، أو حتى الهوائيات) ، ولكن سرعان ما دعمتها المستويات الأدنى من الحكومة دون أن تصبح المستويات الأعلى متورطة على الإطلاق(234). و يعزو أزولاي و عوفر في كتابهما (شرط الدولة الواحدة) بدء هذه البؤر الاستيطانية إلى المستوطنين (235).في حين يجادل غادي تاوب بأن السبب يعود لقيادة الصهاينة المتدينين للمشروع الاستيطاني ويعزو ذلك الفضل إلى موشيه فيغلين وهو صهيوني ديني ,وإلى مجموع المستوطنين مع المستوطنات النائية التي تلقى تشجعا والطرق الالتفافية لليهود فقط (236). و يزعم تاوب أن هدف هؤلاء المستوطنين هو منع تقسيم الضفة عن طريق إقامة اليهود في كل المنطقة وعزل المجتمعات الفلسطينية عبر الطرق المحظورة (237)
باختصار ، تظهر المستوطنات في الخليل وقدوم كيف أن المستوطنين أنفسهم تصرفوا دون موافقة مسبقة من الحكومة. كانت الحكومة منقسمة حول ما إذا كانت ستبني مستوطنات , وإن كان الجواب نعم , فأين، حيث عارض بعض أعضاء الحكومة بإصرار إما أساليب المستوطنين أو المواقع التي اختاروها. استخدم المستوطنون تمايزهم الديني، وحافزهم لإطاعة الأمر الإلهي" المتسفاه"، في محاولة لاكتساب معنويات عالية. ونتيجة لإجراءات المستوطنين في هذين الموقعين ، ثبت أنه من الأسهل على الحكومة إعطاء إذن للمستوطنين بعد وقوع الحدث بدلاً من إجبارهم على الإجلاء. جادل نفيه غوردون في كتابه " احتلال إسرائيل" أنه لو شاءت الحكومة الاعتراض فعلاً ، لكانت قد أوقفت إنشاء هذه المستوطنات وغيرها (238).و يستنتج أن المستوطنين كانوا يتصرفون بموافقة الحكومة ويخدمون أهدافها من خلال هذه المواجهات ، وأن "كل معسكر [الحكومة والمستوطنين] ، (و لكل منهما لهم أسبابه الخاصة )، أن يظهر تدخله على أنه مواجهة بين قوى تحمل وجهات نظر متناقضة تماما" (239). أتفق مع غوردون على أن الحكومة الإسرائيلية ، إن لم تكن مقيدة بعوامل أخرى ، كان أكثر من قادرة على التغلب على التحديات التي تفرضها هذه المحاولات الاستيطانية. ولكن ثمة، قيود أخرى على الحكومة نوقشت سابقا. كان حزب العمل يدير حكومة ائتلافية تزداد هشاشة مع مرور الوقت .
كان هناك تعارض بين المسؤولين والمواطنين في البلاد حول ما الذي ينبغي القيام به لاستعادة وطنهم القديم. كانت الحكومة تحت أنظار المجتمع الدولي ، ولم يكن السلام مع الجيران العرب ومع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة مؤكدًا أبدًا. و في ضوء هذه العوامل، كانت هناك حجة أخرى معقولة مفادها أن المستوطنين في الخليل وقدوم كانوا قادرين على استغلال قيود الحكومة وإجبارها على تقديم تنازلات لم تكن ترغب في القيام بها. فقد الصهاينة المتديّنين بعد اتفاقات أوسلو موقعهم الأخلاقي بسبب مجزرة غولدشتين واغتيال رابين. تراجعوا عن الشيء الوحيد الذي بقي لهم ، خلق الحقائق على الأرض على الرغم من حظر [الاستيطان حسب اتفاقات ]أوسلو. وعلى الرغم من أن المستويات الأدنى من الحكومة قد تعاونت بالتأكيد ودعمت المستوطنين ، فإن انتشار البؤر الاستيطانية غير القانونية في أوائل التسعينيات حتى العام 2005 يمكن أن يُعزى إلى تواجد مجتمع صهيوني ديني يستجيب لتحدي ضخم يهدد مبادئهم وشرعيتهم.
ب. الأحزاب السياسية والوزارات: التأثير من الداخل.
المثال الثاني على قدرة الصهيونية الدينية في التأثير على سياسة الاستيطان الإسرائيلية هو وجود الأحزاب السياسية التي تم تأسيسها بقصد التعبير عن الحفاظ على السيطرة على الأراضي المحتلة وتشجيع الاستيطان هناك, و يعد الحزب القومي الديني أفضل مثال على ذلك ، لكنه ليس الوحيد. تأسس الحزب القومي الديني في العام 1956 ، من اندماج عدة أحزاب يعود تأسيس بعضها إلى العام 1902(240).. وما زال الحزب الديني القومي موجودًا حتى يومنا هذا ضمن ائتلاف البيت اليهودي، الذي انضم إليه في عام 2008 (241), ومنذ الكنيست الثالثة (242) حتى التاسعة( التي انتهت في عام 1981 ) كان الحزب القومي الديني يعد الحزب السياسي الرئيسي في المجتمع الصهيوني الديني، والذي يمتلك ما بين 8% إلى 10% من مقاعد الكنيست، وبالتالي كان يمتلك من القوة ما يكفي لكي يحظى بمكانة خاصة من قبل أحزاب الائتلاف الأكبر الأخرى (243).
شهد العام 1981 انقساما في المجتمع السياسي الصهيوني الديني نشأ عنه عدة أحزاب، لم يكن أيا منها قادر على التمثيل الكامل كما كان عليه حال الحزب القومي الديني سابقا (244). أما اليوم و باعتباره جزء من البيت اليهودي، يحظى الحزب بـ 11 مقعدًا وهو خامس أكبر حزب في إسرائيل(245) .
مكونات الحزب القومي الديني هم من اليهود الأرثوذكس الذين يتقبلون الكثير من الحداثة ، ومع ذلك لا يمكن إنكار جذورهم الدينية. و يفسر كل من كوهين و سوسر موقف الحزب المؤيد للاستيطان على أنه مبني على الضرورات التوراتية التي تحظر التخلي عن الأرض أو عرقلة الاستيطان. لقد كان للحزب القومي فرصة في بعض الأحيان لقيادة الكيان الحكومي في سبيل تعزيز الاحتفاظ بالأراضي المحتلة واستيطانها و قد استخدم الحزب الدين بشكل ثابت لدعم موقفه العدواني , خلافا لبعض الذين يؤمنون بالأسباب الأمنية للمشروع الاستيطاني. وبعبارة أخرى ، فإن موقف الحزب الصلب من الاستيطان يقوم على عنصر الدين أكثر من عنصري القومية أو الأمن, و بالإضافة إلى ذلك ، غالبًا ما كان يشغل زعماء الحزب مناصب وزارية تساهم في تقدم الاستيطان , مثل وزارات النقل والإعمار والإسكان والبنية التحتية الوطنية والشؤون الدينية والتعليم والثقافة والرعاية الاجتماعية والداخلية (247) التي استطاع الحزب من خلالها تعزيز ودعم النشاط الاستيطاني عبر أنشطة العمل والإسكان والمدارس الطرق ،و غير ذلك الكثير. على الرغم من أن هذا قد يؤمن موافقة الحكومة على المشروع الاستيطاني، إلا أن الحال ليس هكذا دائمًا, فلدى إسرائيل تاريخ طويل وموثق جيداً لوزراء يعملون خارج نطاق صلاحياتهم الرسمية ، سواء لصالح الأحزاب أو المصالح الشخصية أو مصالح معارفهم, ولذلك كان هؤلاء يميلون لاتخاذ القرارات بأنفسهم بدلاً من السماح للحكومة الجماعية بتبني قرارات استيطانية هامة وفقاً للوائح التنظيمية (248), وهو ما أكدته تاليا ساسون في تحقيقاتها في العام 2005 حول مواقع البؤر الاستيطانية الإسرائيلية غير القانونية. (249). وفي الواقع شغل الحزب القومي الديني مواقع وزارات الإسكان والتعمير، و الرفاه والخدمات الاجتماعية خلال أبحاث ساسون (250).و تقول ساسون أن مكتب وزير الإسكان و التعمير قاوم عملها و تحريها عن البؤر الاستيطانية غير الشرعية و قام بتزوير المعلومات التي قدمها لها (251).
ولكن, هل تتحمل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن الأعمال التي ترتكب خارج نطاق البروتوكول؟ إذا كان السؤال يتوقف على هذه النقطة , فالإجابة هي نعم و لا بآن معا ,و يفسر أزولاي و عوفر الأمر بأنه يمكن للحكومة أن تنكر مسؤوليتها عن هذه البؤر إذا ما اكتفت بوصفها بأنها غير قانونية (252) , من ناحية أخرى يقول غادي تاوب إن [رئيس الوزراء] شارون حاول التقليل من وقع الدلالة السلبية لتعريف هذه البؤر الاستيطانية غير المصرح ببنائها بطريقة أخرى من خلال تسميتها بالبؤر غير القانونية(253) , غير أنه لا يمكن للحكومة أن تنكر أن المستوطنات تتلقى الدعم الحكومي بما في ذلك حماية الجيش(254) , فإذا كان على الحكومة تحمل المسؤولية النهائية، فإن المسؤولية المباشرة تقع على عاتق الوزارات التي تقدم الدعم غير المصرح به ، وبعض هذه الوزارات يشغلها أعضاء من الحزب القومي الديني الداعي لتكثيف الممارسات الاستيطانية.
ثمة العديد من الأحزاب السياسية في إسرائيل إلى جانب الحزب القومي الديني , وهذه الأحزاب تروج لأطياف متنوعة من الصهيونية الدينية, ولعل أشهرها حركتي "هتحيا" و "كاخ" .
تأسست حركة ها تحييا في العام 1979 على يد[صهاينة] قوميين علمانيين و دينيين من الذين رفضوا اتفاق مناحيم بيغن في كامب ديفيد الذي ينص على التخلي عن سيناء من أجل السلام مع مصر. وعلى الرغم من أن الحركة لم تكن حزباً دينياً بحتاً ، إلا أنها لاقت دعما من الحاخام تسفي كوك، وكان من بين أعضائها زعماء دينيين معروفين بتوجهاتهم الدينية مثل بورات ، كاتسوفر ، و ليفنغر (255).
و قد ساهمت الصهيونية الدينية الأكثر تطرفا في تشكيل هتحيا بسبب من عدم رضا الأولى عن موقف الحزب القومي الديني الذي أبدى موافقته على اتفاقية كامب ديفيد, كانت الصهيونية الدينية بدعمها لحركة هتحيا تهدف إلى عرقلة الانسحاب من سيناء من خلال الفوز بمقاعد الكنيست في انتخابات العام 1981, التي ضمنت فيها حركة هتحيا ثلاث مقاعد فقط ,غير أن هذا العدد القليل من المقاعد لم يمنعها من تنظيم مقاومة فعلية مادية ضد الانسحاب من سيناء في العام 1982 , كما نجحت في الضغط على الحكومة لضم القدس الشرقية وزيادة مساكن المستوطنات في الضفة الغربية, واعتمدت هتحيا الترويج لسياسة طرد الفلسطينيين من الأراضي المحتلة (256), ليس هذا فحسب , بل قامت بما هو أكثر تطرفا من خلال التهديد بحرب أهلية فيما لو تخلت الحكومة عن أراض في غزة أو الضفة الغربية, وبحلول العام 1992 غادرت هتحيا الائتلاف الحاكم - الذي أدى لانهيار الحكومة - بسبب خطط رئيس الوزراء شامير فيما يتعلق بالسيطرة على الأراضي المحتلة ، لكن هذه الخطوة أثبتت أنها مدمرة للذات, إذ لم تتمكن هتحيا من استعادة قوتها (257). وفي المقابل , تمثل حركة كاخ المثال الأكثر تطرفا ضمن الأحزاب الصهيونية الدينية, وتأست الحركة سنة 1971 على يد الحاخام مئير كهانا، و تضمن برنامج حركة كاخ -من بين أمور عدة أخرى- الطرد القسري للسكان الفلسطينيين من الأراضي المحتلة (258) , بيد أن هذا لم يمنع زعيم الحركة كاهانا من القول أن حركته لم تقم على مبادئ التحيز ضد الفلسطينيين ( يدعوهم العرب) ؛بل كان يرى أنه من الواجب احترامهم، لكن ليس لهم مكان في إسرائيل الكبرى(259). وبالتالي كانت كاخ حركة مؤيدة بقوة للمشروع الاستيطاني، وبسبب من توجهاتها العنصرية منعت الحركة من خوض الانتخابات في العام 1985 (260), ومن ثم تم إعلان حركة كاخ أنها لا تتمتع بأي صفة قانونية في إسرائيل إثر مجزرة الحرم الإبراهيمي التي وقعت سنة 1994 (261),و في السنة التالية، اغتيل رئيس الوزراء اسحق رابين على يد متطرف ديني آخر يمكن القول أنه قام بعمله متأثرا بأفكار كاهانا (262). ونتيجة لذلك، ألحق كاهانا وحركته ضرراً لا يمكن إصلاحه في المجتمع الصهيوني الديني وجهودهم الاستيطانية, وتعد هذه الأحداث بمثابة الاسباب التي دعت حركة الاستيطان إلى الانتقال لاستخدام تكتيك إنشاء البؤر الاستيطانية غير القانونية(263). وعلى النقيض من ذلك، لم تتحقق بالكامل بنود اتفاقات أوسلو التي بدأها رابين ، والتي كانت ستعرض أحلام إسرائيل الكبرى الموحدة للخطر(264).
هناك ,ثمة, العديد من الأمثلة الأخرى عن الأحزاب السياسية التي تأسست على مبادئ الصهيونية الدينية مثل موراشا [التقاليد أو التراث], موليديت, تكوما, الوحدة الوطنية, ومؤخرا آحي و أرض إسرائيل لنا (265). و يشير تواجد الصهيونية الدينية في أعلى مستويات الحكومة - الكنيست والوزارات - إلى قدرتها على التأثير في السياسات المتعلقة بالاحتفاظ بالأراضي المحتلة واستيطانها. قد لا يبدو هذا التأثير في هذا المستوى قويا في البداية. وكما نوقش في الفصل السابق ، فإن حكومة إسرائيلية تمتاز بالتردد و المساومة يجعل من تأثير أي حزب ضئيلا ويحد من التطلعات السياسية.
ج. غوش إيمونيم : تجسير الهوة
لا تكتمل مناقشة تأثير الصهيونية الدينية دون التعريج على حركة غوش إيمونيم, تم الحديث في فقرات سابقة بأن قيام مستوطنات في الخليل وقدوم بخلاف التوجه العلني لحكومة توصف بأنها مترددة يظهر مدى تأثير الصهيونية الدينية عند المستويات الدنيا ,كما تم الحديث أيضا بأن الأحزاب السياسية التي تأسست على قاعدة الصهيونية الدينية قد أثرت في الحكومة عند المستويات العليا, وحركة غوش إيمونيم هي الجسر بين هذين النقيضين، من خلال تقديمها للدعم الهائل للمشروع الاستيطاني على المستويين الحكومي والمحلي.
تأسست غوش إيمونيم في العام 1974 لتصحيح ما يعد تصورا لفشل حكومة حزب العمل في فرض سيطرتها الكاملة على الأراضي المحتلة(266). وقد ترك الانتصار المذهل في حرب حزيران الإسرائيليين مقتنعين بفضائل حكومتهم. ولكن بحلول العام 1973، لم تفعل الحكومة سوى القليل لتثبيت سيطرة إسرائيل على الأراضي التي استحوذت عليها إسرائيل في حربها الأخيرة (267). و كان الصهاينة المتدينون (الذين كانوا في حالة من النشوة المسيانية بعد العام 1967 ) أكثر من عانوا من هذا , وألحقت حرب يوم الغفران (1973) الضرر بسمعة الحكومة الفاضلة و زاد الطين بللا المحادثات حول تسويق مقولة الأرض مقابل السلام ، وفشل الحزب القومي الديني في اتخاذ موقف هام بشأن الاحتفاظ بشبه جزيرة سيناء. ونتيجة لذلك ، تشكلت حركة غوش إيمونيم من الصهاينة المتدينين الذين شعروا بأن على إسرائيل الحفاظ بكل الأراضي المحتلة , وقامت إيديولوجية الحركة على تعاليم الحاخام تسفي كوك، الذي يرى بأن الرب أعاد الأرض الموعودة إلى إسرائيل. وزعم أنه لا يجوز -وفقا للتوراة- التخلي عن أي جزء من الأرض التي أعادها الرب إلى إسرائيل في حرب حزيران.
و يصف كوهين و سوسر حركة غوش إيمونيم بأنها سيدة المشروع الاستيطاني بلا منازع باعتبارها حركة صهيونية دينية (269). بينما يقول رافيتسكي أن أفكار الصهيونية الدينية كما تبناها تسفي كوك ترجمت مباشرة إلى مبادئ وأفعال غوش إيمونيم.(270), بما في ذلك ملكية الوطن القديم الذي وهبه الرب لإسرائيل، وأولوية حروب الرب[متسفاه](271) , و بالتالي تحول الاستيطان من وجهة نظر غوش إيمونيم إلى خلاص و تفويض توراتي، فبعد الانتصارات الإسرائيلية الحاسمة في عامي 1948 و 1967، لم يعد الفلسطينيون في الأراضي المحتلة ينتمون لهذه الأرض، وبالتالي هم ليسوا أمة وليس لهم حقوق سياسية(272) . و بسبب إحجام الحكومة الإسرائيلية عن التصرف وفقا لهذا التفويض التوراتي للاحتفاظ بالأراضي واستيطانها، بدأت غوش إيمونيم بنشر تعاليمها التي ظهرت كنوع من صراع بين الصهيونية والحكومة، فالتفويض التوراتي ينبغي له أن يستمر, و لا يجوز لأي حكومة يهودية أن تلغي شرعيته (273) .و من أجل التأكيد على صلاحية هذه المقولة استرشدت الحركة بقول الحاخام أبراهام كوك "هناك أوقات يجب فيها تجاوز قوانين التوراة." (274) , الذي تبناه-آنذاك- لتبرير التعاون مع الصهيونية السياسية, في حين تعيد غوش إيمونيم استخدامه الآن لتبرير معارضة الحكومة التي خلقتها الصهيونية, وكان الهدف الأساسي لغوش إيمونيم بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة سواء بموافقة أم بدون موافقة الحكومة (275) . وعلى الرغم من تغاضيها في بعض الأحيان عن أنشطة الاستيطان غير القانونية، لم تكن الأعمال العنيفة للحركة مقصودة أبدا(276). ومع ذلك، فإن شعورهم بحقهم في التواجد في المناطق المكتظة بالسكان مثل الخليل أدى بالحركة إلى الدخول في صراع مع الفلسطينيين، مما دفعهم -أي عناصر غوش إيمونيم-للأخذ على عاتقهم المواجهة منفردين ،و الانسياق نحو العنف(277).
ارتبطت غوش إيمونيم، لفترة قصيرة ، بالحزب القومي الديني . وسرعان ما تمكن كليهما من إسقاط التي فرضها الكنيست على الاستيطان بغية تحقيق أعلى معدلات تعزيز المشروع الاستيطاني ، ولو بشكل غير قانوني إذا لزم الأمر. ردمت غوش إيمونيم الفجوة بين الحكومة والمستوطنين ، وقدمت الدعم على الأرض، وضغطت على أعلى المستويات كما وظفت مجموعة متنوعة من التكتيكات التي شملت الأنشطة القانونية وغير القانونية. و قدمت الحركة احتجاجاتها روتينية كلما كانت تشعر بوجود انتهاكات حكومية للحق اليهودي التوراتي في الأراضي المحتلة.
سيطرت غوش إيمونيم على الفضاء السياسي الإسرائيلي خارج أطر الكنيست لما يقرب من عقدين من الزمن، ودعت إلى قيام مظاهرات عدة يقدر عدد المشاركين فيها بأكثر من عشرة آلاف شخص (278) . أما فيما يتعلق بفرض المستوطنات على الحكومة، كان لدى الحركة استراتيجية متطورة تبدأ في بناء مستوطنة كبيرة مخادعة دون موافقة الحكومة ومن ثم تفاوض الحكومة على الموافقة على وجود أقل أو مؤقت ، ثم ينمو هذا التواجد القليل أو المؤقت إلى مستوطنة ثابتة (279)
كان الحاخام موشيه ليفنغر ، الذي أسس مستوطنة الخليل عام 1968 ، القائد العملياتي و الزعيم التنفيذي للحركة منذ البداية ، ومن ثم أصبح الزعيم الرمزي لها بعد وفاة الحاخام تسفي كوك (280). و يثني روبرت فريدمان (المسؤول في حركة الاستيطان و مؤلف كتاب "المتحمسون لصهيون") على ليفنغر باعتباره من أكبر دعاة مبادرة الاستيطان الصهيوني الديني، وقد أشارت له إحدى استطلاعات الراي بأنه الرجل الأكثر تأثيراً في إسرائيل في ثمانينيات القرن الماضي (281). ورغم كل هذه الإشادة يوصف ليفنغر عادة بأنه شخص عدائي و يشار إليه في أحيان كثيرة بصفته "فاشي ديني" (282) . و برغم تأثيره الواضح , فلاشك أنه ساهم أيضا في زيادة منسوب العنف الجزئي .
خلقت اتفاقية كامب ديفيد أزمة داخل الحركة وأدت , بصورة مباشرة, إلى تكوين ما يعرف باسم الحركة السرية اليهودية (283) التي سرعان ما تم الكشف عن ارتباطها بحركة غوش إيمونيم عند كشفها في العام 1984 ؛ حيث تبين أن خلاياها السرية مكونة من أقلية صغيرة من أعضاء غوش إيمونيم الذين تبنوا العنف المتطرف, ويجادل سبرينزاك بأن التيار السائد في غوش إيمونيم أظهر انحرافًا نحو العنف (284) . وقد يُقال إن الحركة السرية اليهودية كانت حركة منفصلة، لكن معظم الباحثين لا يؤيدون مثل هذا الرأي، حتى أن البعض منهم أطلق على هذه المجموعة اسم حركة غوش إيمونيم السرية (285). وعلى أي حال , كانت الحركة السرية اليهودية مسؤولة عن عدة هجمات استهدف بعضها خمسة رؤساء بلديات عرب في العام 1980 وكذلك الهجوم على الكلية الإسلامية في الخليل في العام 1983، فضلاً عن مخططات قصف قبة الصخرة وخمس حافلات ركاب عربية(286), شكل اكتشاف أمر الحركة السرية اليهودية أزمة رئيسية ثانية لغوش إيمونيم ، بيد أنها لم تعبر عن أسفها حيال الأمر (287)
عانت غوش إيمونيم من ضربة ثالثة لسمعتها مع صعود حركة كاخ ، التي انعكست أفعالها العنيفة وأفكارها المتطرفة بصورة سيئة على النشاط الصهيوني الديني وعلى المشاريع الاستيطانية. وعلى الرغم من أن حزب كاخ تمتع بشعبية كافية سمحت لزعيمه مئير كهانا في الدخول إلى الكنيست في العام 1984، إلا أنه منع من الترشح في الكنيست التالي (1988 ) بسبب تصريحاته العنصرية والمعادية للديمقراطية، وبعد ذلك بسنوات قليلة(1994) أعلن عن عدم شرعية حركة كاخ 1994(288). وقد انعكست هذه الصورة السلبية عن كاخ إلى حد ما على غوش إيمونيم وعلى الصهيونية الدينية برمتها ,وبلغ التصعيد في العنف والخطاب المتطرف ذروته في مجزرة الحرم الإبراهيمي واغتيال رابين.
ومن الملفت للنظر أن يتعامل الصهاينة المتدينون مع هذه الأحداث بصمت ،الأمر الذي تبعه "صمت لاهوتي" على حد قول رافيتسكي (289) .
يرى سبرينزاك أن حركة غوش إيمونيم بلغت ذروة قوتها في أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي حيث كانت "الأكثر تأثيراً على الصعيد الاجتماعي ًفي البلاد فضلا عن تأثيرها غير المسبوق على سياسات الحكومة والخطاب العام." (290) . وعملت غوش إيمونيم-كما تمت الإشارة إلى ذلك- كمجموعة ضغط وكذلك كحركة اجتماعية، استطاعت تنسيق أنواع مختلفة من الاحتجاجات والمظاهرات, و وفقاً للبيانات التي قدمتها حركة السلام الآن في إسرائيل، فمن أصل 110 مستعمرات مرخّصة أُنشئت بين 1974 و 1992 (فترة ازدهار حركة غوش إيمونيم) ، ثمة 45 مستوطنة تعود لمستوطنين متدينين ، و 10 أخرى تعد مستوطنات مختلطة من الناحية الإيديولوجية (291). قد لا تكون هذه المستوطنات نتيجة جهود غوش إيمونيم المباشرة ، ولكن كان على الجميع طلب مساعدتها غير المباشرة لجهودها و تأثيرها المعروفين, ومثال على ذلك سلسلة الأحداث المذكورة في بداية هذه الدراسة عن سبسطية و التي كانت من نتائج جهود مجموعة إيلون موريه، وهي فصيل داخل غوش إيمونيم, و سابقة سبسطية هذه تكررت بشكل كبير من قبل غوش إيمونيم في العديد من المستوطنات الأخرى (292) .
دعمت غوش إيمونيم الصهيونية الدينية في كلا المستويين ( الأدنى و الأعلى) لتعزيز عملية الاستيطان باعتبار أن الحركة كانت تمثل جسرا يربط بين الوزارات والأحزاب على أعلى المستويات الحكومية و صولا إل المستويات الأدنى المتمثل في عمل المستوطنين على الأرض .
في كل من هذه المجالات ، أشارت الأدلة إلى أن للصهيونية الدينية تأثيرا جزئيا لا يقاوم على سياسات وعمليات إسرائيل الاستيطانية ، كما هو واضح هذا التأثير في اتفاقيتي كامب ديفيد وأوسلو والانسحابات من سيناء وغزة. لقد أبدت الحكومة ، عندما كانت غير مقيدة وتمتلك دوافعها الخاصة ، استعدادها للتصرف بما يتعارض مع المجتمع الصهيوني الديني. من ناحية أخرى ، أظهرت الطائفة الصهيونية الدينية قدرة ملحوظة على توفير الحوافز واستغلال القيود, بحيث أصبح المستوطنين الدينيين خبراء في التلاعب بالسلطات، أو الانحناء أو خرق القواعد ، واستخدام مجموعة متنوعة من التكتيكات لتحقيق أهدافهم ، مما يزيد من تأثير حركتهم القليلة العدد (293).
...................
ملاحظات :
مقتطفات من النص الأصلي المقدم كرسالة ماجستير في الدراسات الأمنية ( قسم الشرق الأوسط و جنوب شرق آسيا و جنوب الصحراء الأفريقية ) بعنوان RELIGIOUS ZIONISM AND ISRAELI SETTLEMENT POLICY و التي قدمت في المدرسة العليا للبحرية NAVAL POSTGRADUATE SCHOOL كاليفورنيا-لولايات المتحدة الأمريكية
تاريخ النشر: 2014
المؤلف: James E. Low
المترجم: محمود الصباغ
الهوامش
(MIDDLE EAST, SOUTHEAST ASIA, SUB-SAHARAN AFRICA)

1. Gadi Taub, The Settlers and the Struggle over the Meaning of Zionism (New Haven: Yale University Press, 2010), 39, 43–44.
2. Robert L. Friedman, Zealots for Zion: Inside Israel’s West Bank Settlement Movement (New Brunswick: Rutgers University Press, 1992), xxx.
3. Maxime Rodinson, Israel and the Arabs (New York: Penguin Books, 1982), 13.
4. Friedman, Zealots, xxviii.
5. Arthur Hertzberg, The Zionist Idea: A Historical Analysis and Reader (Philadelphia: The Jewish Publication Society, 1997), 202.
6. Friedman, Zealots, 4.
7. Taub, The Settlers, 1–3.
8. Friedman, Zealots, 3, 12, 48.
9. Friedman, Zealots, xxxiv.
10. Charles S. Liebman and Eliezer Don-Yehiya, Religion and Politics in Israel, (Bloomington: Indiana University Press, 1984), 15–24.
11. Friedman, Zealots, 4, 12.
12. Gershon Shafir and Yoav Peled, Being Israeli: The Dynamics of Multiple Citizenship (Cambridge University Press, 2002), title page.
13. Friedman, Zealots, xxv.
14. Friedman, Zealots, xxxvi.
15. Gen. 27:29 (New Living Translation).
16. Mat. 26:24 (New Living Translation).
17. 2 Sam. 5:7 (New Living Translation).
18. Ps. 147:12 (New Living Translation).
19. Nicholas De Lange, An Introduction to Judaism (Cambridge University Press, 2000), 30.
20. Hertzberg, Zionist Idea, 64.
21. Aviezer Ravitzky, Messianism, Zionism, and Jewish Religious Radicalism (University of Chicago Press, 1993), 10.
22. Taub, The Settlers, 23.
23. Ibid.
24. Friedman, Zealots, xxviii.
25. Ravitzky, Messianism, 42.
26. Ibid., 11.
27. Ibid., 10–11.
28. Ibid., 11.
29. Ibid., 15.
30. Ibid., 11–12.
31. Ravitzky, Messianism, 30.
32. Asher Cohen and Bernard Susser, Israel and the Politics of Jewish Identity: The Secular-Religious Impasse (Baltimore: John Hopkins University Press, 2000), 4.
33. Ravitzky, Messianism, 86 and Ian S. Lustick, For the Land and the Lord: Jewish Fundamentalism in Israel (New York: Council on Foreign Relations Press, 1988), 29.
34. Ravitzky, Messianism, 87.
35. Ibid., 104, 112.
36. Ibid., 112. Brackets inserted by author for clarification.
37. Prov. 21:1 (New King James Version) the concept of God -dir-ecting the actions of those who do not believe´-or-follow Him is common in -script-ure, including: Prov. 16:9 Ex. 9:12 and Isa. 41:2 (according to most biblical scholars, Isaiah 41:2 refers to Cyrus of Persia).
38. Ravitzky, Messianism, 114, 102.
39. Ibid., 113.
40. Rabbi Abraham Kook, quoted in Ravitzky, Messianism, 105.
41. Ravitzky, Messianism, 136.
42. Taub, The Settlers, 45.
43. Num. 33:53 (New Living Translation).44. Taub, The Settlers, 74.
45. Ravitzky, Messianism, 115.
46. Ibid., 139.
47. Ibid., 131.
48. Lustick, For the Land, 5.
49. Gershom Gorenberg, The Accidental Empire: Israel and the Birth of the Settlements, 1967–1977 (New York: Times Books, 2006), 86.
50. Ibid., 49.
51. “Convention (IV) relative to the Protection of Civilian Persons in Time of War,” Geneva, August 12, 1949, http://www.icrc.org/ihl.nsf
/385ec082b509e76c41256739003e636d/6756482d86146898c125641e004aa3c5.
52. Gorenberg, Accidental Empire, 127.
53. Gorenberg, Accidental Empire, 118.
54. Ibid., 182–83.
55. Ibid., 75.
56. Ibid., 110, 113, 125.
57. Ibid., 46.
58. Ibid., 45.
59. Gorenberg, Accidental Empire, 63.
60. Ibid., 58.
61. Ibid., 59.
62. Ibid., 63.
63. Ibid., 52–53.
64. Ibid., 69.
65. Ibid., 102.
66. Gorenberg, Accidental Empire, 113–14.
67. Ibid., 70.
68. Ibid., 97–98.
69. Ibid., 122.
70. Ibid., 97.
71. Ibid., 110.
72. Ibid., 167.73. Gorenberg, Accidental Empire, 40.
74. Ibid.
75. Ibid., 49.
76. Ibid., 75.
77. Ibid., 167.
78. “The Allon Plan,” Jewish Virtual Library, accessed May 16, 2014,http://www.jewishvirtuallibrary.org/jsource/History/allonplan.html.
79. Gorenberg, Accidental Empire, 81.
80. Ibid., 80–81, 152.
81. Ibid., 51.
82. Ibid., 124, 179.
83. Gorenberg, Accidental Empire, 50.
84. Ibid., 82.
85. Ibid.
86. Shaul Arieli, “The five fists-Dayan plan - the mountain ridge plan, 1968,” ShaulArieli.com,accessed May 16, 2014,
http://www.shaularieli.com/image/users/77951/ftp/my_files/maps_in_english/Policy%20Programs/Map_13
-The-five-fists--Dayan-plan---the-mountain-ridge-plan_-1968.gif?id=10168453.
87. Gorenberg, Accidental Empire, 172–73.
88. Ibid., 172.
89. Ibid., 51, 82.
90. Ibid., 175.
91. Gorenberg, Accidental Empire, 98.
92. Ibid., 182.
93. Gorenberg, Accidental Empire, 178.
94. Ibid., 186.
95. Ibid., 190, 205, 212–14.
96. Ibid., 230, 244.
97. Ibid., 195.
98. Ibid., 191.
99. Gorenberg, Accidental Empire, 264, 268.
100. Ibid., 271.
101. Ibid., 274, 283.
102. Ibid., 318.
103. Ibid., 311.
104. Ibid., 346.
105. Ibid., 289, 298.
106. Ibid., 291, 308.
107. Ibid., 314, 317, 326.
108. Gorenberg, Accidental Empire, 294, 340.
109. Ibid., 355.
110. Ibid., 356.
111. Ibid., 347.
112. Taub, The Settlers, 61.
113. Lustick, For the Land, 40.
114. Ibid.
115. Ibid.
116. Taub, The Settlers, 65.
117. Taub, The Settlers, 67.
118. Ibid., 66.
119.Ariella Azoulay and Adi Ophir, The One-State Condition: Occupation and Democracy in Israel/Palestine (Stanford University Press, 2013), 61.
120. Benny Morris, Righteous Victims: A History of the Zionist-Arab Conflict, 1881–2001 (New York: Vintage Books, 2001), 487.
121. Guy Ben-Porat, Yagil Levy, Sholmo Mizrahi, Arye Naor, and Erez Tzfadia, Israel Since 1980 (Cambridge University Press, 2008), 50.
122. “Menachem Begin,” Israel Ministry of Foreign Affairs, March 18, 2014,
http://www.mfa.gov.il/mfa/aboutisrael/state/pages/menachem%20begin.aspx Ben-Porat, Levy, Mizrahi, Naor, and Tzfadia, Israel Since 1980, 76.
123. Ben-Porat, Levy, Mizrahi, Naor, and Tzfadia, Israel Since 1980, 76.
124. “Yitzhak Shamir,” Israel Ministry of Foreign Affair, accessed March 17, 2014,
http://www.mfa.gov.il/mfa/aboutisrael/state/pages/yitzhak%20shamir.aspx.
125. Joel Brinkley, “Yitzhak Shamir, Former Israeli Prime Minister, Dies at 96,” New York Times, June 30, 2012, http://www.nytimes.com/2012/07/01/world/middleeast/yitzhak-shamir-former-primeminister-
of-israel-dies-at-96.html?pagewanted=all&_r=0 and Azriel Bermant, “The legacy of Yitzhak Shamir,” The Telegraph, July 3, 2012, http://www.telegraph.co.uk/comment/9373386/The-legacy-of-Yitzhak-Shamir.html.
126. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 64.
127. Ibid.
128. Ben-Porat, Levy, Mizrahi, Naor, and Tzfadia, Israel Since 1980, 76.
129. Ben-Porat, Levy, Mizrahi, Naor, and Tzfadia, Israel Since 1980, 96 Lustick, For the Land, 124.
130. Lustick, For the Land, 161.
131. Ibid., 124.
132. “Biography of Yitzhak Shamir,” Zionism and Israel – Biographies, accessed March 18, 2014,
http://www.zionism-israel.com/bio/Itzhak_Shamir_biography.htm.
133. Gorenberg, Accidental Empire, 150.
134. Ibid., 369.
135. William L. Cleveland and Martin Bunton, “Israeli-Palestinian Relations After the Oslo Accords,” In The Contemporary Middle East: A Westview Reader, ed. Karl Yambert (Philadelphia: Westview Press, 2010), 89.
136. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 81.
137. Morris, Righteous Victims, 567.
138. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 81.
139. Ibid.
140. Ben-Porat, Levy, Mizrahi, Naor, and Tzfadia, Israel Since 1980, 66.
141. Neve Gordon, Israel’s Occupation (Berkley, CA: University of California Press, 2008), 168 Morris, Righteous Victims, 567.
142. Morris, Righteous Victims, 566.
143. “Biography of Yitzhak Shamir”
144. Gorenberg, Accidental Empire, 369.
145. Lustick, For the Land, 161.
146. Gordon, Israel’s Occupation, 156.
147. Taub, The Settlers, 88.
148. Joshua Mitnick, “Obama demands that Israel stop settlements. How feasible is that?” The Christian Science Monitor, May 21, 2009, accessed March 12, 2014,http://www.csmonitor.com/World/Middle-East/2009/0521/p06s01-wome.html.
159. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 164 Morris, Righteous Victims, 260.
160. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 96.
161. Morris, Righteous Victims, 636.
162. Ibid.
163. Robert O. Freedman, “Israel and the Arabs, and Beyond,” In The Contemporary Middle East: A Westview Reader, ed. Karl Yambert (Philadelphia: Westview Press, 2010), 73.
164. Cleveland and Bunton, “Israeli-Palestinian Relations,” 96–97.
165. Morris, Righteous Victims, 648.
166. Gorenberg, Accidental Empire, 371.
167. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 88.
168. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 88.
169. Morris, Righteous Victims, 650.
170. Ibid., 652.
171. Dan Ephron, “Israeli Defense Minister Barak Quits Politics,” The Daily Beast, November 26, 2012, accessed March 19, 2014, http://www.thedailybeast.com/articles/2012/11/26/israeli-defenseminister-barak-quits-politics.html.
172. Morris, Righteous Victims, 653.
173. Morris, Righteous Victims, 659 Gordon, Israel’s Occupation, 197.
174. Morris, Righteous Victims, 654.
175. Gorenberg, Accidental Empire, 372.
176. Morris, Righteous Victims, 659.
177. Ibid., 660–673.
178. “Israeli-Palestinian settlements deadlock: Echo of Sharon’s policies?” RT.com, January 11, 2014, accessed March 15, 2014, http://rt.com/news/israel-settlements-ariel-sharon-466/.
179. Gorenberg, Accidental Empire, 373.
180. Joyce Dalsheim, Unsettling Gaza: Secular Liberalism, Radical Religion, and the Israeli Settlement Project, (Oxford University Press, 2011), 8.
181. Mitnick, “Obama demands.”
182. Taub, The Settlers, 123.
183. Gorenberg, Accidental Empire, 374.
184. Taub, The Settlers, 123.
185. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 88.
186. Gorenberg, Accidental Empire, 374.
187. Taub, The Settlers, 10.
188. “Israel’s Plan,” Australians For Palestine, 2008, accessed May 16, 2014,http://www.australiansforpalestine.net/solutions/israels-plan.
189. Ben-Porat, Levy, Mizrahi, Naor, and Tzfadia, Israel Since 1980, 88–89.
190. Angela Godfrey-Goldstein, “Ehud Olmert’s “Convergence Plan.”“ The Electronic Intifada, May 29, 2006, accessed March 13, 2014, http://electronicintifada.net/content/ehud-olmerts-convergenceplan/5986.
191. “Ehud Olmert,” Jewish Virtual Library, accessed March 12, 2014, https://www.jewishvirtuallibrary.org/jsource/biography/olmert.html 192. Godfrey-Goldstein, “Olmert’s Convergence Plan.”
193. Phoebe Greenwood, “Ehud Olmert convicted in corruption case,” The Guardian, July 10, 2012,
http://www.theguardian.com/world/2012/jul/10/ehud-olmert-guilty-corruption.
194. “Israeli settler population surges under Netanyahu.” Fox News. July 09, 2012, accessed March 12,
2014, http://www.foxnews.com/world/2012/07/09/israeli-settler-population-surges-under-netanyahu/.
195. “Israeli settler population.”
196. “Israeli settler population.”
197. “United Nations Resolution 67/19,” General Assembly of the United Nations: 67th Session, accessed March 12, 2014,
http://www.un.org/en/ga/search/view_doc.asp?symbol=A/67/PV.44.
198. Herb Keinon, “Netanyahu: Gov’t okayed E1 planning, not building,” The Jerusalem Post, December 2, 2012, accessed March 18, 2014, http://www.jpost.com/Diplomacy-and-Politics/Netanyahu- Govt-okayed-E1-planning-not-building.
199. Ehud Sprinzak, The Ascendance of Israel’s Radical Right (Oxford University Press, 1991), 150.
200. “Facts on the Ground: The APN Map Project, Americans for Peace Now,” 2011,http://archive.peacenow.org/map.php.
201. Gorenberg, Accidental Empire, 80.
202. Ibid., 151.
203. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 50.
204. Gorenberg, Accidental Empire, 138.
205. Ibid., 139.
206. Lustick, For the Land, 42.
207. Gorenberg, Accidental Empire, 143.
208. Ibid., 145.
209. Gorenberg, Accidental Empire, 158.
210. Lustick, For the Land, 42.
211. Ibid., 43.
212. Gorenberg, Accidental Empire, 145–50.
213. Facts on the Ground, http://archive.peacenow.org/map.php.
214. Gorenberg, Accidental Empire, 281.
215. Gorenberg, Accidental Empire, 293.
216. Ibid., 294.
217. Ibid., 294.
218. Ibid., 309–10.
219. Ibid., 329.
220. Gorenberg, Accidental Empire, 331, 339. Camp Kaddum would later become the Kdumim settlement (Taub, The Settlers), 60.
221. Gorenberg, Accidental Empire, 308.
222. Ehud Sprinzak, Brother Against Brother: Violence and Extremism in Israeli Politics from Altalena to the Rabin Assassination (New York: The Free Press, 1999), 252.
223. Sprinzak, Brother, 252.
224. Ibid., 253.
225. Facts on the Ground, http://archive.peacenow.org/map.php.
226. Lustick, For the Land, 8.
227. Taub, The Settlers, 85.
228. Ibid., 97.
229. Aviezer Ravitzky quoted in Taub, The Settlers, 100.
230. Taub, The Settlers, 110.
231. Sason, “Summary,” n.p.
http://www.mfa.gov.il/mfa/aboutisrael/state/law/pages/summary%20of%20opinion%20concerning%20una
uthorized%20outposts%20-%20talya%20sason%20adv.aspx.
232. Sason, “Summary,” n.p.
http://www.mfa.gov.il/mfa/aboutisrael/state/law/pages/summary%20of%20opinion%20concerning%20una
uthorized%20outposts%20-%20talya%20sason%20adv.aspx.
233. These outposts are illegal when compared to the previous settlements, which were approved according to Israeli law. All settlements, however, are illegal according to the Fourth Geneva Convention. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 92.
234. Sason, “Summary,” n.p.
http://www.mfa.gov.il/mfa/aboutisrael/state/law/pages/summary%20of%20opinion%20concerning%20una
uthorized%20outposts%20-%20talya%20sason%20adv.aspx.
235. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 91.
236. Taub, The Settlers, 111.
237. Ibid., 111.
238. Gordon, Israel’s Occupation, 124.
239. Ibid.
240. Liebman and Don-Yehiya, Religion and Politics, 57.
241. Israel Political Parties: the Jewish Home, Jewish Virtual Library, accessed June 14, 2014,
https://www.jewishvirtuallibrary.org/jsource/Politics/JewishHome.html.
242. Third Knesset, Knesset.gov.il,
https://www.knesset.gov.il/review/ReviewPage2.aspx?kns=3&lng=3. The merger forming the NRP happened a year after the elections.
243. Cohen and Susser, Israel and the Politics, 48.
244. Ibid., 49.
245. The Jewish Home, https://www.jewishvirtuallibrary.org/jsource/Politics/JewishHome.html.
246. Cohen and Susser, Israel and the Politics, 58 Ben-Porat, Levy, Mizrahi, Naor, and Tzfadia,Israel Since 1980, 34.
247. National Religious Party, Jewish Virtual Library, accessed June 14, 2014,
http://www.jewishvirtuallibrary.org/jsource/judaica/ejud_0002_0015_0_14603.html.
248. Gorenberg, Accidental Empire, 150.
249. Sason, “Summary,” n.p.
http://www.mfa.gov.il/mfa/aboutisrael/state/law/pages/summary%20of%20opinion%20concerning%20una
uthorized%20outposts%20-%20talya%20sason%20adv.aspx.
250. Sixteenth Knesset: Government 30, Governments of Israel, accessed June 14, 2014,
http://www.knesset.gov.il/govt/eng/GovtByNumber_eng.asp?govt=30.
251. Sason, “Summary,” n.p.
http://www.mfa.gov.il/mfa/aboutisrael/state/law/pages/summary%20of%20opinion%20concerning%20una
uthorized%20outposts%20-%20talya%20sason%20adv.aspx
252. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 92.
253. Taub, The Settlers, 203n1.
254. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 92.
255. Charles S. Liebman, ed., Religious and Secular: Conflict and Accomodation Between Jews in Israel (Jerusalem: Keter Publishing House, 1990), 134.
256. Israel Political Parties: Tehiya, Jewish Virtual Library, accessed June 14, 2014, https://www.jewishvirtuallibrary.org/jsource/Politics/Tehiya.html.
257. Friedman, Zealots, 140–41.
258. Mark Juergensmeyer, Terror in the Mind of God: The Global Rise of Religious Violence (Berkley,CA: University of California Press, 2001), 58.
259. Juergensmeyer, Terror, 56.
260. Israel Political Parties: Kach, Jewish Virtual Library, accessed June 14, 2014,https://www.jewishvirtuallibrary.org/jsource/Politics/kach.html.
261. Ibid.
262. Juergensmeyer, Terror, 54.
263. Taub, The Settlers, 110.
264. Ibid., 88.
265. Liebman, Religious and Secular, 148.
266. Sprinzak, Brother, 147.
267. Ibid., 149.
268. Gideon Shimoni, The Zionist Ideology (Hanover: Brandeis University Press, 1997), 151.
269. Cohen and Susser, Israel and the Politics, 57.
270. Ravitzky, Messianism, 80.
271. Shimoni, Zionist Ideology, 343 Taub, The Settlers, 45.
272. Sprinzak, Brother, 154.
273. Ibid., 155.
274. Abraham Kook quoted in Ravitzky, Messianism, 105.
275. Ben-Porat, Levy, Mizrahi, Naor, and Tzfadia, Israel Since 1980, 153.
276. Sprinzak, Brother, 146.
277. Ibid., 170.
278. Ibid., 177.
279. Sprinzak, Brother, 149–51.
280. Ibid., 150.
281. Friedman, Zealots, 3–4.
282. Ibid., 4.
283. Sprinzak, Brother, 156.
284. Ibid., 146, 179.
285. Lustick, For the Land, 69.
286. Sprinzak, Brother, 146
287. Sprinzak, Brother, 171.
288. Ibid., 207, 215, 245.
289. Taub, Settlers, 100.
290. Sprinzak, Brother, 174.
291. Settlements and Outposts, Peace Now, accessed June 14, 2014,
http://peacenow.org.il/eng/content/settlements-and-outposts. Spreadsheet appears under the link “DOWNLOAD Settlements and Outposts Numbers and Data.”
292. Sprinzak, Brother, 150.
293. Azoulay and Ophir, One-State Condition, 49.

LIST OF REFERENCES
“The Allon Plan.” Jewish Virtual Library. Accessed May 16, 2014.
http://www.jewishvirtuallibrary.org/jsource/History/allonplan.html.
Arieli, Shaul. “The five fists-Dayan plan - the mountain ridge plan, 1968.” ShaulArieli.com. Accessed May 16, 2014.
http://www.shaularieli.com/image/users/77951/ftp/my_files/maps_in_english/Policy%20Programs/Map_13-The-five-fists--Dayan-plan---the-mountain-ridge-plan_-1968.gif?id=10168453.
Azoulay, Ariella, and Adi Ophir. The One-State Condition: Occupation and Democracy in Israel/Palestine. Stanford University Press, 2013.
Ben-Porat, Guy, Yagil Levy, Sholmo Mizrahi, Arye Naor, and Erez Tzfadia. Israel Since 1980. Cambridge University Press, 2008.
Bermant, Azriel. “The Legacy of Yitzhak Shamir.” The Telegraph. July 3, 2012.
http://www.telegraph.co.uk/comment/9373386/The-legacy-of-Yitzhak-Shamir.html.
“Biography of Yitzhak Shamir.” Zionism and Israel - Biographies. Accessed March 18, 2014.
http://www.zionism-israel.com/bio/Itzhak_Shamir_biography.htm.
Brinkley, Joel. “Yitzhak Shamir, Former Israeli Prime Minister, Dies at 96.” New York Times. June 30, 2012.
http://www.nytimes.com/2012/07/01/world/middleeast/yitzhak-shamir-formerprime-minister-of-israel-dies-at-96.html?pagewanted=all&_r=0.
Butler, Judith. Parting Ways: Jewishness and the Critique of Zionism. New York: Columbia University Press, 2012.
Cleveland, William L, and Martin Bunton. “Israeli-Palestinian Relations After the Oslo Accords.” In The Contemporary Middle East: A Westview Reader, edited by Karl Yambert, 87–103. Philidelphia: Westview Press, 2010.
Cohen, Asher, and Bernard Susser. Israel and the Politics of Jewish Identity: The Secular-Religious Impasse. Baltimore: Johns Hopkins University Press, 2000.
Cohn-Sherbok, Dan, and Dawoud El-Alami. The Palestine-Israeli Conflict: A Beginner’s Guide. Oxford: Oneworld Publications, 2003.
“Convention (IV) relative to the Protection of Civilian Persons in Time of War.” Geneva.August 12, 1949.
http://www.icrc.org/ihl.nsf/385ec082b509e76c41256739003e636d/6756482d86146898c125641e004aa3c5.
Cross, Remy, and David A. Snow. “Radicalism within the Context of Social Movements:Processes and Types.” Journal of Strategic Security 4, no. 4 (2011): 115–30.
Dalsheim, Joyce. Unsettling Gaza: Secular Liberalism, Radical Religion, and the Israeli Settlement Project. Oxford University Press, 2011.
De Lange, Nicholas. An Introduction to Judaism. Cambridge University Press, 2000. “Ehud Olmert.” Jewish Virtual Library. Accessed March 12, 2014.
https://www.jewishvirtuallibrary.org/jsource/biography/olmert.html.
Ephron, Dan. “Israeli Defense Minister Barak Quits Politics.” The Daily Beast.November 26, 2012.
http://www.thedailybeast.com/articles/2012/11/26/israelidefense-minister-barak-quits-politics.html.
“Facts on the Ground: The APN Map Project. Americans for Peace Now.” 2011,http://archive.peacenow.org/map.php
Freedman, Robert O. “Israel and the Arabs, and Beyond.” In The Contemporary Middle East: A Westview Reader, edited by Karl Yambert, 67–74. Philidelphia: Westview Press, 2010.
Friedman, Robert I. Zealots for Zion: Inside Israel’s West Bank Settlement Movement. New Brunswick, New Jersey: Rutgers University Press, 1992.
Godfrey-Goldstein, Angela. “Ehud Olmert’s “convergence plan.”“ The Electronic
Intifada. May 29, 2006. http://electronicintifada.net/content/ehud-olmertsconvergence-plan/5986.
Gordon, Neve. Israel’s Occupation. Berkley, CA: University of California Press, 2008.
Gorenberg, Gershom. The Accidental Empire: Israel and the Birth of the Settlements, 1967–1977. New York: Times Books, 2006.
Greenwood, Phoebe. “Ehud Olmert convicted in corruption case.” The Guardian. July 10, 2012. http://www.theguardian.com/world/2012/jul/10/ehud-olmert-guiltycorruption.
Hertzberg, Arthur. The Zionist Idea: A Historical Analysis and Reader. Washington, D.C.: Jewish Publication Society, 1997.
“Israeli settler population surges under Netanyahu.” Fox News. July 09, 2012.
http://www.foxnews.com/world/2012/07/09/israeli-settler-population-surgesunder-netanyahu/.
“Israeli-Palestinian settlements deadlock: Echo of Sharon’s policies?” RT.com. January 11, 2014. http://rt.com/news/israel-settlements-ariel-sharon-466/.
“Israel’s Plan.” Australians For Palestine, 2008. Accessed May 16, 2014.
http://www.australiansforpalestine.net/solutions/israels-plan.
Jamal, Amal. The Palestinian National Movement: Politicts of Contention, 1967–2005.Bloomingtion: Indiana University Press, 2005.
Juergensmeyer, Mark. Terror in the Mind of God: The Global Rise of Religious Violence.Berkley, CA: University of California Press, 2001.
Keinon, Herb. “Netanyahu: Gov’t okayed E1 planning, not building.” The Jerusalem Post. December 2, 2012. http://www.jpost.com/Diplomacy-and-Politics/Netanyahu-Govt-okayed-E1-planning-not-building.
Laqueur, Walter. A History of Zionism: From the French Revolution to the Establishment of the State of Israel. New York: Schocken Books, 2003.
Lesch, Ann M, and Ian S Lustick,. Exile and Return: Predicaments of Palistinians and Jews. Philadelphia: University of Pennsylvannia Press, 2005.
Liebman, Charles S, ed. Religious and Secular: Conflict and Accomodation Between Jews in Israel. Avi Chai, 1990.
Liebman, Charles S, and Eliezer Don-Yehiya. Religion and Politics in Israel.Bloomington: Indiana University Press, 1984.
Lustick, Ian S. For the Land and the Lord: Jewish Fundamentalism in Israel. New York:Counsil on Foreign Relations, 1988.
“Menachem Begin.” Israel Ministry of Foreign Affairs. March 18, 2014.
http://www.mfa.gov.il/mfa/aboutisrael/state/pages/menachem%20begin.aspx.
Mitnick, Joshua. “Obama demands that Israel stop settlements. How feasible is that?”The Christian Science Monitor. May 21, 2009.
http://www.csmonitor.com/World/Middle-East/2009/0521/p06s01-wome.html.
Morris, Benny. Righteous Victims: A History of the Zionist-Arab Conflict, 1881–2001. New York: Vintage Books, 2001.
Peretz, Don. The West Bank: History, Politics, Society, and Economy. Boulder: Westview Press, 1986.
Ravitzky, Aviezer. Messianism, Zionism, and Jewish Religious Radicalism. University of Chicago Press, 1993.
Robinson, Glenn E. “The Palestinians.” In The Contempory Middle East: A Westview Reader, edited by Karl Yambert, 55–66. Philidelphia: Westview Press, 2010.
Rodinson, Maxime. Israel and the Arabs. New York: Penquin Books, 1982.
Said, Edward W. The Question of Palestine. New York: Vintage Books, 1992.
Sason, Talya. “Summary of the Opinion Concerning Unauthorized Outposts.” Israel Ministry of Foreign Affairs. March 10, 2005.
http://www.mfa.gov.il/mfa/aboutisrael/state/law/pages/summary%20of%20opinio
n%20concerning%20unauthorized%20outposts%20-%20talya%20sason%20adv.aspx.
Shafir, Gershon, and Yoav Peled. Being Israeli: The Dynamics of Multiple Citizenship.Cambridge University Press, 2002.
Shimoni, Gideon. The Zionist Ideology. Hanover: Brandeis University Press, 1997.
Shindler, Colin. A History of Modern Israel. Cambridge University Press, 2013.
———. The Triumph of Military Zionism: Nationalism and the Origins of the Israeli Right. London: I.B.Tauris, 2006.
Sicherman, Harvey. Palestinian Autonomy, Self-Government, and Peace. Boulder: Westview Press, 1993.
Sicker, Martin. Between Hachemites and Zionists: The Struggle for Palestine, 1908–1988. New York: Holmes & Meier, 1989.
Sprinzak, Ehud. The Ascendance of Israel’s Radical Right. Oxford University Press, 1991.
———. Brother Against Brother: Violence and Extremism in Israeli Politics from Altalena to the Rabin Assassination. New York: The Free Press, 1999.
Taub, Gadi. The Settlers and the Struggle over the Meaning of Zionism. New Haven: Yale University Press, 2010.
“United Nations Resolution 67/19.” General Assembly of the United Nations: 67th Session. Accessed March 12, 2014.
http://www.un.org/en/ga/search/view_doc.asp?symbol=A/67/PV.44.
“Yitzhak Shamir.” Israel Ministry of Foreign Affairs. Accessed March 17, 2014.
http://www.mfa.gov.il/mfa/aboutisrael/state/pages/yitzhak%20shamir.aspx.
INITIAL DISTRIBUTION LIST
1. Defense Technical Information Center Ft. Belvoir, Virginia
2. Dudley Knox Library Naval Postgraduate School Monterey, California
tionalism and the Origins of the Israeli Right. London: I.B.Tauris, 2006.
Sicherman, Harvey. Palestinian Autonomy, Self-Government, and Peace. Boulder: Westview Press, 1993.
Sicker, Martin. Between Hachemites and Zionists: The Struggle for Palestine, 1908–1988. New York: Holmes & Meier, 1989.
Sprinzak, Ehud. The Ascendance of Israel’s Radical Right. Oxford University Press, 1991.
———. Brother Against Brother: Violence and Extremism in Israeli Politics from Altalena to the Rabin Assassination. New York: The Free Press, 1999.
Taub, Gadi. The Settlers and the Struggle over the Meaning of Zionism. New Haven: Yale University Press, 2010.
“United Nations Resolution 67/19.” General Assembly of the United Nations: 67th Session. Accessed March 12, 2014.
http://www.un.org/en/ga/search/view_doc.asp?symbol=A/67/PV.44.
“Yitzhak Shamir.” Israel Ministry of Foreign Affairs. Accessed March 17, 2014.
http://www.mfa.gov.il/mfa/aboutisrael/state/pages/yitzhak%20shamir.aspx.
INITIAL DISTRIBUTION LIST
1. Defense Technical Information Center Ft. Belvoir, Virginia
2. Dudley Knox Library Naval Postgraduate School Monterey, California








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي