الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- قشة التبتل عند ناصية العبث - من فعلُ الكتابة، يلازمه وعيه الأنطولوجي حد تخوم اللغة . . الحلقة الثالثة من حوارنا مع الأديب جواد غلوم في -بؤرة ضوء-

فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)

2019 / 3 / 7
مقابلات و حوارات


" قشة التبتل عند ناصية العبث " من فعلُ الكتابة، يلازمه وعيه الأنطولوجي حد تخوم اللغة . . الحلقة الثالثة من حوارنا مع الأديب جواد غلوم في "بؤرة ضوء"

"‏الحياة عبثية ، إنها لا تبالي بما تحمله وتنجزه ، فهي مستمرة بدون شك ، يوجد طريقان للتعايش مع هذا العبث: إمّا أن تصبح عبثياً ، غير مهتم لأي شيء كان أو سيكون ، أو أن تصبح شخص عاديّا تعِيسًا يتبخّر في الهواء مثل دخان سيجارة" . - ألبير كامو

3.من رواد مسرح العبث في العالم الغربي هم صاموئيل بيكيت، يوجين يونسكو، جان جينيه، ألبير كامو، آرثر أداموف، هارولد بينتر وآخرون .
ومن العالم العربي : صلاح عبد الصبور واللبناني جورج شحاته
- لماذا برأيك ظهور مسرح العبث في العالم الغربي قبل ظهوره عربيًا؟
- هل توعز ذلك إلى الفردية رغم تحضرهم المادي وعولمتهم وثرائهم التقني؟
- أم هو الهرب من حبكة النصوص ومن ثلاثية أرسطو" العقد والزمان والمكان" لسهولة كتابة نصوصه؟
- أم بسبب فوضى وأثقال الحياة ليكون قشة التبتل في الهرب ؟
- هل ستخلو بتمردك يومًا ما وتسبر أغوار العبث كتابةً؟

جواد غلوم :
قبل أن أجيب على سؤالك دعيني آخذ مثالا على مسرح العبث واللامعقول والذي يعرفه الجميع تقريبا وهي مسرحية / في انتظار غودو .
في العام / 1947 كتب صاموئيل بيكيت مسرحيته الشهيرة هذه وطبقت شهرتها الآفاق ومازالت تمثّل الى وقتنا الحاضر، هذه المسرحية تدور حول شخصيات منعزلة ومنبوذة ومهمشة منسية في قيعان مجتمع فردي وقاسٍ غير رحيم برعيته ، مجتمع سلمَ من الحرب موتا لكنه عاش موت الحياة نفسها لكنه بقي انقاضا بشرية متهالكة .
هذه الشخوص معدمة كحالنا العراقيّ في هذا الزمن الوغد تنتظر منقذا وهميا لكنه ترسخ في قلوبهم كائنا واقعيا لابدّ ان يأتي يوما ما . وبعد فصلين من الحوارات الغائرة في النفس، المتطلعة الى شيء قد يكون وهما لنا لكنه يرسخ في الاعماق حاضرا بلا حاضر ومقبلا بلا مستقبل والتي يخالطها اللغو والثرثرة والترقّب لكن غودو لايأتي سواء تلبّس شخصية المسيح المنتظر او عندنا حينما نترقب مهديا يجيء او لايجيء، يدنو منا حين تتفاقم الاهوال ويغيب عندما يخفّ ثقل المأساة وهكذا يبقى الانسان يتأرجح بين الامل واليأس ويمسك الخرافة والوهم بكلتا يديه وكأنه موقن ان الحلّ آتٍ من معجزة ولا شيء غير المعجزة بلسما شافيا وعقارا مطبّبا طالما ان القلب قد بلغ الحناجر ويكاد يثب الى الارض قهرا وضيما، هنا يتعطّل العقل تماما ويفقد اتزانه وسطوته وقد يقترب من ساحل الجنون وربما يغور في عمق بحرهِ لو كانت الحالات غريبة الاطوار مما تحتمل من طبائع السلوك المذهل غير المألوف والشاذ .
هذه حادثة واقعية من غير عالم اللامعقول جرت للكاتب بيكيت نفسه وأوشك من شدة ذهوله ان يقع في حال مهلك لا منقذ ويتخيل عقابا صارما وهو الموت يأتي اليه على حين غرة وكأنه أيقن صحة ما يكتبه من متخيل :
يوم سافر من لندن متّجها الى باريس فهذه الحكاية ليست تجريدية أو عبثية مثلما يضجّ بها ادب كاتبنا البارع كما يخيّل اليكم لما اعتدنا من هذا الكاتب الايرلندي الساحر المشوّق الذي جعلنا نغمض اعيننا ترقبا لما قد يحصل ويسدل علينا ظلاما كي لانرى شيئا حتى لو قمنا بفتح انظارنا ودعوني اسردها عليكم تماما كما حصلت واقعيا دون رتوش او اضافات:
منذ ان استرخى صموئيل بيكيت على مقعد الطائرة في مطار " هيثرو " بصحبة اثنين من رفاقه وتفاجأ بالكابتن المسمّى " غودو " قائد الطائرة التي ستتجه به الى باريس وهو يمسك بالمايكرفون مناديا بابتسامة مصطنعة اعتاد عليها يوميا امام جموع المسافرين:
" مرحبا بكم اعزائي ضيوف هذه الرحلة ، انا الكابتن غودو أحييكم على متن الطائرة (....) في الرحلة (.....) القاصدة باريس متمنيا لكم سفرة سعيدة موفقة عبر بحر المانش الخلاّب، الرجاء شدّوا الاحزمة جيدا وامتنعوا عن التدخين، في الاعالي بعد قليل قد تشعرون بوجود مطبّات هوائية أرجو الاّ تثير فيكم بعض القلق، معذرة ايها الاصدقاء المسافرون، رحلة مصونة وعودة ميمونة .
اية صاعقة احدثها هذا الكابتن الحقيقيّ المسمّى غودو الذي ظهر على حين غرّة من عالم تجريدي صنعه بيكيت ولم يدرِ انه سيمثل امام كاتب ابتكر "في انتظار غودو" والأغرب المخيف حقا ان اسمه يتطابق تماما مع هذا الذي يأتي ولايأتي، وها هو العمّ النحيف هزيل البنية بيكيت هلع خوفا وهو موقن بان موته آتٍ حتما حالما يطير في الجوّ وهاهو التجريد سيكون امامه تجسيدا والعبث يحيا ويكون موتا شاخصا امامنا والوهم سيتحول الى واقع والخرافة الى حقيقة وحالة الامل ستغدو يأسا لامحالة فإذا كان بيكيت نفسه قد خامره الرعب لحظة ما وهو يصغي الى الكابتن غودو فكيف بنا ونحن نصدم بآلاف الغرائب اللامعقولة العبثية ونراها امامنا متجسدة وليست اشباحا متخيلة ، انه التجريد حينما يتحول الى تجسيد والمتخيل يكون امامك مرآى واقعا ومتصورا تكاد تلمسه حواسك والتشكيك يصار الى يقين .
حقا ان بيكيت في هذا الموقف الحياتي توجس خيفة وأذعن لمتخيلاته وغرائبيته باعتبارها ملموسة متحسسة وذات مرأى ظاهر للعيان .
في مسرحية " نهاية اللعبة " لبيكيت ايضا يروي لنا كيف مات " نيل " في حاوية النفايات مثلما يُرمى جسدٌ لإنسان مغدور عندنا في امكنة القمامة ، هذه المسرحية تحكي عن الموت العائم بين ظهرانينا بعدة ألسنة وتتبين ملامحه في عدة وجوه وهذا ما جرى لنا في العراق يوم اشتداد العنف الطائفي في العراق بعد الاحتلال حيث الجثث التي اغتيلت مكانها حاويات النفايات .
اما عن ظهور حالة العبث في اوربا فكان بسبب انتشار المدرسة الوجودية وشيوعها بعد حالة اليأس التي شاعت بعد الحرب العالمية الثانية فقد كانت في اول نطفتها عند كيركجود ثم اوسعها سارتر في كتابه الوجود والعدم وما كتبه من مسرحيات مثل الذباب وغيرها وكذا عندما تزعم البير كامو لواء النهلستية وكتاباته ورواياته المتعددة الغريب والطاعون وغيرها .
ولا ننسى حالة الاغتراب والنكوص التي صدمت الانسان وقتذاك بسبب افاعيل الراسمالية التي اخذت تنحو منحى كولونياليا ومارست القسوة في ظهور الطبقات المتورمة ماليا والى جانبها خسوفات الفقر والتمايز الطبقي وهذه الحالة التي أدت الى شيوع الديستوبيا وتحطيم احلام الانسان ومناه في تحقيق عالم يقترب من العدل .
وهذه هي الاسباب الحقيقية التي ادت الى صعود اللامعقول والعبث والغرائبية في اوروبا ثم انجرفت هذه السيول الادبية ووصلت بلادنا وتبنّتها الانتلجنسيا العربية بعد صدمة ويأس مرير ونكوص واضح من ملامسة حتى أذيال المدنية والتحضّر والرقي في تحقيق حالة المواطنة والسواسية والحرية التي غادرتنا من جراء افاعيل العسكريتاريا وعنت الدكتاتورية والالتفات الى الوضع الكالح لا الصالح من اجل خلق انسان مطيع وذليل ومرتهن وقنوع بسوءات الحاكم المتسلط حيث تحولت الاوطان الى سجون كبيرة ووصلت الاحوال البذيئة الى الركون في بيوت حيطانها لها آذان تتلصص علينا واصدقاء مخبرون ينقلون ما نتفوه ونكتب لتصل الى مناضد المحققين في تقارير تذهب تباعا الى دوائر الامن والمخابرات بحجة المحافظة على استتباب الامن ورعاية الامن القومي والوطني حيث شاعت اكثر بعد نكسة حزيران وظهور الدكتاتوريات العربية بكل عيوبها السلطوية وسطوتها لتخلق ادبا متمردا غرائبيا عندنا وقد لمست هذا فيما كتب القاص عبد الستار ناصر في العراق يوم ظهور حالة ابو طبر في العراق وتبعه القاص موسى كريدي في قصصه القصيرة المذهلة ومنها المجموعة القصصية المدهشة حقا / غرف نصف مضاءة ومحمد خلف في مجموعته القصصية / نزهة في شوارع مهجورة ثم بول شاؤول في لبنان ومساهماته في ترجمة الكتابات النهلستية وكتابات صاموئيل بيكيت والكاتب سعد الله ونوس ومحمد الماغوط من سوريا وصلاح عبد الصبور في مصر .
فيما يتعلق بما اكتب احاول ان ابتعد عن التجريد وأنشد التجسيد الواقعي ولا أدنو من اللامعقول مع اني أتوق لمثل هذه النصوص الغرائبية
وقبل أمَدٍ ليس ببعيد جاءتني فورة قراءة ورغبة جامحة وهممت بجمع ما احوز في رفوف مكتبتي ما ترجمه الاديب اللبناني بول شاؤول لقراءتها بإمعان ولممت ما في مكتبتي من ترجماته فأعدت قراءة مسرحية / نهاية اللعبة ومسرحية / فصلٌ بلا كلمات اضافة الى عينة ما كتب / في انتظار غودو وشيء من مسرحيات وقصص البوهيمي جان جينيه الذي لا أعدّه ضمن مدرسة اللامعقول بقدر ميله الى النهلستية .
حاولت ان استلهم من هذه التيارات الادبية ولكني لا أذعن ولا أقلّد وتلك سجيتي في الكتابة .

انتظرونا عند " ثقافة المقاومة " من فعلُ الكتابة، يلازمه وعيه الأنطولوجي حد تخوم اللغة . . الحلقة الرابعة من حوارنا مع الأديب جواد غلوم في "بؤرة ضوء"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقطاب طلابي في الجامعات الأمريكية بين مؤيد لغزة ومناهض لمع


.. العملية البرية الإسرائيلية في رفح قد تستغرق 6 أسابيع ومسؤولو




.. حزب الله اللبناني استهداف مبنى يتواجد فيه جنود إسرائيليون في


.. مجلس الجامعة العربية يبحث الانتهاكات الإسرائيلية في غزة والض




.. أوكرانيا.. انفراجة في الدعم الغربي | #الظهيرة