الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع ميشال سير

الحسن علاج

2019 / 3 / 8
مقابلات و حوارات


حوار مع ميشال سير
أجرى الحوار : سيفن أورتوليه
ترجمة : الحسن علاج
بحار ، ابن لبحري ل[ نهر الغارون] ، لم يتوقف ميشال سير Michel Serres) ( عن مد الجسور بين ميادين المعرفة التي كانت تبدو عصية على العبور . رجل الالتحامات نصير لفلسفة " مائعة " ، يبحر تحت سماء المعرفة المرصعة بالنجوم ، راسيا في الوقت الراهن ، على ضفاف النصوص المقدسة . لقاء حول مستقبل كوكب الأرض ، الطارئ وملح الحياة مع رجل حوار ، روحاني بكل ما في الكلمة من معنى .
هل أنتم متفائلون ؟
ميشال سير : لطالما قيل أنني كنت متفائلا أبديا ، بيد أنني لم يسبق لي أن قلت أن العالم كان جيدا ، ولا فيما سيصبح عليه ؛ لقد قلت أنه أفضل في الحاضر من الأمس . مع اعتبار الفارق ، فإن حفدتي يتمتعون بحياة أكثر رخاء من والديَّ .
لكن ثقتهم في المستقبل أقل قيمة ؟
ميشال سير : اوه ! الثقة في المستقبل ، إن ذلك نسبي ... فبالنسبة لوالديَّ اللذين عرفا حربين عالميتين ، فإنها [الثقة] لم تكن مضمونة ... بالنسبة لي ، ثمة ميدان أشعر بخصوصه بتشاؤم كبير جدا : مع البعض أطلب النجدة ، نجدة كوكبنا ، نجدة الأنهار الملوثة ، المجلدات glaces) ( التي تنصهر ومحيطات مغطاة بلدائننا . لكن من ينتبه إلينا ؟ نحن لسنا متعددين بما فيه الكفاية لتصديق ذلك . إن غالبية الناس ، الأقوياء على رأس القائمة ، يفضلون إغلاق العيون . من بعدنا الطوفان ، إجمالا ! إن الترسيمة مفجعة لكنها كلاسيكية : كما أننا نعرف أننا سوف نموت في يوم من الأيام ، لكن دون تصديق ذلك تماما ، وبالمثل نحن نعرف أن الإنسانية برمتها تسير في اتجاه سيئ ، ثم إننا نرفض تصديق ذلك !
بماذا تنصجون الأجيال القادمة ؟
ميشال سير : لن أنصحهم بشيء لأن الشبان والشابات ، الذين يكبرون حاليا ، يدركون جيدا مني الكارثة القادمة ! وبفضلهم سوف ينتقل خلاص العالم ، إذا كان ثمة خلاص . وفيما يخص ما سيفضي إليه مستقبلهم ، لن أجعل من نفسي أضحوكة لوصفه : يمكن أن يُقال عن علماء المستقبل ما قاله كاتون Caton) ( عن العرافين 1 بروما : لا يستطيعون النظر إلى بعضهم البعض دون أن يضحكوا ! إنني لا أسعى إلى صناعة تكهنات أبدا .
ومع ذلك فقد أكدتم على أن المستقبل قاتم ...
ميشال سير : ليس ذلك تنبؤا ، إنه حقيقة . بطبيعة الحال يعتبر المستقبل قاتما . لكن كل شيء غير مقدر ، إذن فلا يوجد شيء حتمي .
هذا يعني أن لا وجود لحتمية مطلقة ؟ أن الصدفة موجودة ، إجمالا ؟
ميشال سير : الشيء المعروف منذ الداروينيين الجدد بوجود مؤثرين في تاريخ الحياة وهما : الانتقال ، الذي يعتبر قابلا للمقارنة مع خطإ نقل علمي وراثي ، والانتخاب الطبيعي مع استبعاد الأكثر ضعفا ـ بعبارة أخرى : " الصدفة والضرورة " ، من أجل استعادة عنوان عمل صديقي مونود Monod) ( . على أنه فيما يتعلق بتعارضكم بين الحتمية واللاحتمية ، فأنا قلما أميل إلى هذا المنطق الثنائي الذي يبدو لي ناجما عن الانتقال البشري الذي ، عبر البيولوجيا والثقافة ، مركز اليدين والأفعال .
المركزة الحركيةlatéralisation) ( ؟
ميشال سير : المعروف أن الأجنة التي تمتص خصوصا إبهامها من الأيمن في الرحم ، تصبح يمينية والعكس بالعكس . ثمة مركزة حركية ، ذات أصل وراثي ، تعتبر أساسية في تكوين لا تماثلات الدماغ ، على سبيل المثال مع نصف كرة الدماغ اليسرى ، التي تتخصص في معالجة الأصوات . لقد تدخلت هذه المركزة الحركية ، بدون شك منذ ما قبل التاريخ ، لما قام الإنسان باستعمال مختلف لليد اليسرى واليد اليمنى . ضمن استراتيجيته في التكيف مع البيئة ، لقد كان عبورا ضروريا يمكن اعتباره خاصا بالإنسان ، بما أنه يبدو مرتبطا بأصل اللغة المنطوقة . على أن النقطة المهمة ـ أستعير هذه الفكرة من عالم اللغة العظيم أندريه مارتنيه André Martinet) ( ـ هو أن هذه المركزة الحركية تتضمن تفرعا ثنائيا ، ثنائية بين الجسد والعقل ، بين الإيمان والكفر ، بين الذات والموضوع ؛ باختصار ، أن تقسيم الجسد إلى يسار ويمين يدعم لغة تشتغل على التعارضات . غير أن الأزمنة تغيرت : انظروا إلى الحاسوب ، تنقرون على لوحة المفاتيح باليدين معا ، كما هو الحال على البيانو ؛ انظروا إلى شبكاتنا التي ترسم رسوما بيانية غير مستقطبة : نخرج من الثنائية ، ثم إن هذا الخروج يترافق بشكل جديد من أشكال الفكر . وهذا هو مبعث انشغالي الثابت مرافقة تلك الحركة مع ممارسة تركيبات ، التحامات ... بين تنافرات مختلفة ، بمعنى بين كيانات كانت تبدو مستعصية على التبسيط . كل عملي يتحدث عن ذلك . هرمس ، الملائكة والجسور يهيئون تواصلات بين العلوم الحقة والاجتماعية ، بين الصلب واللين ؛ إنها ترسم ممرا للشمال ـ غرب أو تعمل على انبثاق الخنثى ، الأجساد ممتزجة ، [كتاب] الثلث المتعلم ، [كتاب] العقد الطبيعي ، وتفرعات عشرة ... لا شك في ذلك : إننا نقوم في الوقت الراهن ، بما يخالف المركزة الحركية . فهذا ما يجعلني أفضل المنطق الموجه على الثنائية . لاحظوا كم هو غني جدا : ينبغي وضعه في قالب بسيط تماما لإدراك أن وجودنا متضمن في هذا المربع :



ما يمكن أن يكون




ما لا يمكن أن يكون




قد لا يكون



ما لا يمكن أن يكون

إن ما يمكن أن يكون ، هو الممكن ؛ ما لا يمكن أن يكون ، هو المستحيل ؛ ما لا يمكن أن يكون ، هو الضروري ؛ وما يمكن ألا يحدث ، هو الأكثر أهمية ؛ إنه المحتمل ، الصدفة .
هل يمكن للصدفة أن تقودكم إلى موضع آخر ؟
ميشال سير : نعم ، بطبيعة الحال ، كان يمكنني أن أصبح مقاولا ، منتدبا حتى ـ فقد اقترح علي ذلك ـ أو ضابط بحرية ، ومع ذلك : لقد تحولت نحو الفلسفة . إنه الاحتمال . إنه ملح الحياة !
هل يمكن الانتقال من ملح الحياة ، إلى معنى للحياة بحسب ميشال سير ؟
ميشال سير : فلنقل أني أتمنى ألا أفارق الحياة دون إنجاز كتاب حول الدين ، بمعنى حول مجال يمنح معنى للحياة ، وهو ما لم يقم به لا العلم ولا السياسة ، أو القليل جدا . ما المانع من إنهاء عملي بالدين باعتباره رابطة كونية لعملي ؟ حينما أكون وحيدا في بيتي وأقول في نفسي أنني سأموت ، يبدو لي سؤال معنى الحياة بشكل طبيعي بالحقيقة الدينية ـ إذن وبالرغم من ذلك ، ففي تصوري ، بالمسيحية . من بين الديانات التوحيدية الكبرى الثلاث ، هي [المسيحية] التي تبدو لي الأكثر قربا من ديانة في حالة نقية ، بما أن اليهودية هي سلسلة نسب بقدر ما هي ديانة وأن الإسلام ديانة سياسية وشرعية إلى حد كبير .
ديانة في حالة نقية ؟
ميشال سير : نعم ، أعني ديانة تخلت عن خصائصها الخارجية ، ديانة أقل سياسية وقانونية . علاوة على ذلك أعتقد أنه حتى ولو أن المسيحية ، وبشكل خاص مذهب الكاثوليك ، تبدوان متقدمتين في هذا الاتجاه ، لابد لهما من المواجهة بين العلم والإيمان ، الذي سمح بتهذيب قضايا خاطئة حول خلق الكون والإنسان ، باختصار : الإقلاع عن الفكرة الأكثر إغراقا في الأفلاطونية لفكرة وحيدة ، شمس تنير العالم خارج الكهف ، لصالح شيء أشبه بليلة مرصعة بالنجوم الذي يعتبر في نظري النموذج الدقيق للمعرفة ، لأن الحقيقة لا تبهر ثم إن ثمة عدد لا يحصى قطع صغيرة للحقيقة تتلألأ لمن يرغب في رؤيتها .
تتحدثون عن الدين ، دون الحديث عن الإله أبدا . ماذا تعني هذه العبارة بالنسبة إليكم ؟
ميشال سير : يعتبر الإله جوهرا وربما هو شخص ، لا يجد المرء ما يقوله عنه ، لا إن كان موجودا ولا إن كان غير موجود . علاوة على ذلك ، إن اللاهوت الوحيد المثير للاهتمام هو اللاهوت الرافض apophatique) ([تعني عبارة apophasis) ( الإغريقية : " رفض " ] ، بمعنى : من يقول بلا وجود الإله .
إذن ، لنستعمل مفهوم الإلهي ، أو تفضلون مفهوم التعالي ؟
ميشال سير : لما يكون الفلاسفة هم أيضا علماء رياضيات ، فهم يعرفون جيدا أن الموضوعات الرياضية توجد كما هي ثم أن ثمة حقيقة : للأفكار : إن مجموع زوايا مثلث لا يساوي شيئا آخر ، ما عدا مجموع زاويتين قائمتين ، 180 درجة ! ثم يجيب ليبنتز بشيء آخر على لوك Locke) ( ، الذي قال له أن كل شيء هو إحساسات : مارسوا الرياضيات ، وسوف تلاحظون أن لا وجود إلا للإحساسات ... ثم إن عالما آخر حيث يمكن اللجوء إلى التجربة الدقيقة يوضح ذلك . وهو السبب الذي يجعلني أفكر أنه حينما تكلم دولوز عن " مسطح المحايثة " بهدف رفض فكرة التعالي ، أنه لم يدرك أن عبارة مسطح تفترض فضاء تسبح فيه ! بالرغم من ذلك ، فإني أفضل عبارة إلهي على عبارة التعالي لأنها صفة ثم إني أختار الصفة ، أكثر مرونة ، بدلا من الجوهر الذي يفضي إلى تناقضات . ففي الجوهر [Dieu] ، يقوم المفهوم بمحاصرة الأمثلة ، يمكن تحديده ، إذاً فهو يمتلك تناه وتخوم ، إنه صلب ! على خلاف ذلك فإن صفة يكون مائعا ، مثل فلسفي : adjacere) ( تعني " وضع جانبا " . أين هو الإله ؟ بجانب ...لأن الإله يتمتع بكلية الحضور في كل مكان ، إنه ينفلت دائما من الحضور والبرهان .
هل تؤمنون بالإله ؟
ميشال سير : لا أدري هل أومن بالإله ، إنه سؤال لا جواب له ، على أني أعرف أن الإلهي divin) ( هو هناك ، أمامي ؛ إنه ليس سؤال إيمان بل سؤال بداهة ! يعتبر الإلهي كلمة جيدة للغاية لأنه يوجد في كل مكان لمن يرغب في تأمله ، في فجر ، قصيدة ، امرأة جميلة ، عمل جيد ...
... حياة جميلة ؟
ميشال سير : بالتأكيد ، لكن ماذا تعني حياة جميلة ؟ حسب أي معيار من المعايير ؟ انظروا إلى المسيح : لو تم وضع الثقة في فكرة النجاح الاجتماعي ، لتعلق الأمر بمثال الفاشل ، متسكعا في الجليل مع متسكعين آخرين ، متشرد منتهيا في صليب بين لصين ! في الصميم ، إن ما دفعتني إليه تجربتي في التعليم ، كأستاذ للفلسفة وكرجل بكل بساطة ، هو الإيمان ، وأن كل واحد منا هو حامل لنواة نوعية ، لمكان حيث يبرع فيه . هل ينبغي مرة أخرى إخراجه من غطائه . للأسف فقد تم دفن 99 % من الأشخاص دون أن يتمكنوا من اكتشاف هذه النواة . من المهم أن تصدر عن ذلك الاكتشاف ، في تصوري ، حياة أكثر امتلاء ، وفي آخر المطاف ، حياة ناجحة .
ـــ
مصدر النص : مجلة فلسفة الفرنسية Philosophie) ( عدد ممتاز ، رقم 39








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. زراعة الحبوب القديمة للتكيف مع الجفاف والتغير المناخي


.. احتجاجات متزايدة مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية




.. المسافرون يتنقسون الصعداء.. عدول المراقبين الجويين في فرنسا


.. اجتياح رفح يقترب.. والعمليات العسكرية تعود إلى شمالي قطاع غز




.. الأردن يتعهد بالتصدي لأي محاولات تسعى إلى النيل من أمنه واست