الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش احتجاجات الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد

محمد بلمزيان

2019 / 3 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


لقد أصبح التعليم مقياسا لرقي الشعوب وتقدم المجتمعات، وعماد لنهضتها ورسم خريطة مستقبلها . فجودة التعليم لا يمكن أن تتحقق بمعزل عن مخططات عقلانية يأخذ بعين الإعتبار مجموعة من الأجراءات التي يجب أن تستهدفها منظومة التتعليم، بدءا من المقررات الدراسية وطبيعة التكوين، باستحضار تحديات العصر الحالي، الذي يطرح إشكالات حقيقية على مستوى ربط قطاع التعليم بالشغل، وطبيعة المؤهلات التي تفرضها أسواق الشغل المتاحة خاصة في البلدان التي تعرف نقصا حادا في هذا القطاع الحيوي في البلدان التي تغيب فيها الحكامة في تدبير القطاعات الحيوية الموجهة أساسا لعامة الشعب، وأن الإختلالات التي تعرفها العملية التعليمية تنعكس سلبا على مدار سنوات طويلة على مستقبل أجيال كثيرة، وهذا ما يحصل للأسف ببلادنا، فمنذ ما يفوق 30 عاما، ما زال قطاع التعليم تحت وطأة نفس التخبط وغياب التصور لإخراج القطاع من دوامة الضياع والعشوائية، فقبل ثلاثة عقود بالكمال والتمام كان جيلنا يحتج ويدق ناقوس الخطر لما كان يخطط خلف الستار من برامج فاشلة، أسفرت عن طرد المئات إن لم نقل الآلاف من المتعلمين وحرمانهم من التعليم تحت تسميات نظام الأكاديميات الذي شرع العمل به خلال ثمانينات القرن الماضي، وضاعت حقوق أجيال بكاملها من حقها المقدس في التعليم، بفعل العقلية المتشنجة بمدبري هذا القطاع ، وبفعل حضور التصورات القاصرة وإسقاطها بالقوة على الأجيال، وغياب الرؤية المتبصرة والإستشرافية للحاجيات التي يفرضها الزمن المغربي، وقياس مدى قابليتها للنجاح والترقي بالمنظومة التعليمية الى الأمام، والقطع مع التجارب الإستنساخية والتي يتم تجريبها على أجيال ، دون استخلاص دروس الفشل التي برهنت عليه في الواقع الحي .
الواقع الحالي للمدرسة المغربية، أصبح لا يبشر بالخير بكل المقاييس، فمن خلال رصد الأوضاع العامة بالبلاد، أضحت الإحتجاجات العنوان الأبرز ليوميات هذا القطاع، واصبحت تسميات الضحايا لهذه السياسة المفلسة، متعددة ومتكتلة في إطارات تنسيقية مختلفة، ولعل آخرها التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، والتي تنضوي تحتها شريحة كبيرة من المدرسين متنشرة عبر ربوع الوطن، بدءا من فوج 2016 و 2017 و 2018 و 2019، والذي تفوق مجموعها 50 ألف أستاذة وأستاذ،وأغلبهم في سن متقدم، كانت جل الأبواب مغلقة في وجوههم منذ سنوات طويلة، قد تصل لدى البعض الى ما يفوق عن العقدين من الزمن بكثير عن تاريخ حصولهم على شواهدهم الجامعية، وقد وجدت في المباريات التي فتحت في وجوههم بقطاع التعليم فرصة للحصول على الشغل، بعد سنوات من الإنتظار القاسي في زمن مغربي لا يرحم، لكن الجهات الوصية التجأت الى انتهاج أسلوب العقدة كطريقة لا تخلو من حيلة لمحاولة التخلص من هذه الشريحة وقت ما شاءت، مع وضع شروط مجحفة في حق هذه الفئة، وإخضاعها لنوع من الإبتزاز والمضايقة في مزاولة العمل ، مستغلين الحاجة الملحة للعمل، بالرغم من قطاع التعليم بالمغرب قد شهد خصاصا كبيرا في الأطر التعليمية بسب المغادرة الطوعية ، وكان هذه الخطة كجواب عملي على سد هذا الفراغ ومحاولة التخفيف من الإكتظاظ داخل الحجرات، وهو ما تحقق هذا الهدف الى حد كبير، لكن يبدو أن السحر قد انقلب على الساحر كما يقال، فقد تصدت جموع الأساتذة لهذه الشروط التمييزية مع باقي الأطر التعليمية، ورفضت توقيع عقود ملحقة، مع مطالبتها بالإدماج في الوظيفة العمومية إسوة بباقي الموظفين بالقطاع،خاصة وأن هذه الفئة قد برهنت عن كفاءة واستعداد للتضحية من أجل التربية والتعليم، وأن أغلبهم منتشرون في مناطق قروية بعيدة، ويكابدون متاعب كثيرة ، نتيجة بعد المسافات ووعورة التضاريس وغياب وسائل النقل ورداءة الطرقات، علاوة على انعدام التجهيزات الدراسية والسكن الوظيفي، والمخاطر الأمنية التي تتعرض لها الأسرة التعليمية في البوادي المغربية.
فمن خلال هذه الأصوات التي تصدح ليل نهار، من خلال إعلانها لبرنامج نضالي على مدار الأسبوع الحالي، عبر تنظيم وقفات اجتجاجية أمام مقرات الأكاديمية الجهوية، واعتصامات ليلية، والإستجابية الكبيرة للهيئة التنسيقية لهذه الشريحة ، تبين بما لا يدع مجالا للشك بأن الأساتذة الذين فرض عليهم التقاعد، عازمون على المضي بعيدا بملفهم المطلبي، الى غاية تحقيق مطلبهم الأساسي وهو الإدماج والإستغناء عن وثيقة الملحق التي تلوح بها الأكاديميات، وهو ما يستوجب الإصغاء الى هذه الأصوات المحتجة، ودراسة ملفها قبل فوات الأوان، ذلك أن اعتماد رؤية استباقية لحل المشاكل يشكل انتصارا على التحديات المتزايدة التي يعيشها قطاع التعليم، والتي أصبحت متوارثة منذ زمن بعيد، وأصبحت اليوم تتراكم دون أن تجد حلولا واقعية لإخراج منظومة التربية والتعليم من أزمته الحالية، وهذا المدخل لا يمكن أن يتحقق إلا بالإصغاء الجيد لمطالب الأسرة التعليمية والإهتمام بوضعها المادي والنفسي كشرط أولي لتنهض هذه الأخيرة بمهمتها على أحسن وجه في التربية والتكوين لأجيال الغد، بعيدا عن المقاربة الأمنية التي تخلف ضحايا وأعطاب جسدية ونفسية في جسم هذه الأسرة، والتي لن تكون حلا في مقاربة واقعية وحكيمة لجوهر المشكلة المطروحة .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف